الانتخابات المصرية بين المدنية والدينية
بقلم : عبد السيد مليك
قلتها مراراً وأعيدها تكراراً كم كنت أطمح أن تأتي الثورة بأول رئيس منتخب من قلب الاحداث من ميدان التحرير، وهذا رمز لتخليد الشهداء ونجاح الثورة بشكل قاطع، لكن خلو الثورة من المفكرين وعدم وجود أهداف واضحة جعلتها لقمة سائغة (طرية) لاجهاض الثورة وتفريغها من مضمونها على يد حفنة من أدوات النظام السابق، ونجد ذلك واضحاً بوضع قانون العزل السياسي الذي لم يشمل سوى السيد عمر سليمان الذي يمثل خطراً واضحاً على التيار الديني، وبالاخص الاخوان المسلمين. وبغض النظر أن التيار الديني استخدم منهج النظام السابق نفسه بعزمه وقتاله الواضح من أجل الاستحواذ على كل المناصب القيادية للبلاد، على الرغم من أن هذه التيارات تجيد العمل في الظلام، إلاّ أنها فشلت فشلاً ذريعاً في العمل في النور، وظهر ذلك خلال برلمان مجلس الشعب الذي يُعتبر الأضعف في تاريخ الحياة البرلمانية منذ تأسيس النظام البرلماني في مصر سنة 1869.
وبعد إنتهاء المرحلة الاولى للانتخابات التي وضعتنا أمام خيارين (الديني والمدني) من خلال المرشحين الذين دفعت بهم إرادة الشعب الى التنافس في المرحلة الثانية بقدر ما هو امتحان على فطنة 40 مليون صوت مصري. وكم كنت أعلق آمالاً أن تكون إرادة الشعب المصري على وعي، وتعلم أن خيار التيار الديني يقودنا الى مستنقع ذي حساسية خاصة للتصدي اليه، وفشل هذا النموذج في العديد من الدول التي طبقته هو البرهان الأجدر بعدم اقدام مصر على مثل هذه الخطوة.
ساهم مرشحو التيارين في وضع نتائج شبه مبدئية للمرحلة المقبلة، وبالرغم من أن أحمد شفيق ظهر في بعض الوقت فاقداً جزءاً من تركيزه، إلاّ أن مجمل مقابلاته الاعلامية بلورت فكره نحو مدنية الدولة وبناء مؤسسات دولة عصرية بعكس مرسي الذي اعتمد خطابه على الارتجال وافتقر الى الفكر السياسي، بل وفي بعض المرات جاء بعبارات خارج حدود اللياقة (ندوسهم بالاقدام) وهذا يجسد فكر ديكتاتوري وراء قناع. واستطاع أحمد شفيق اقتناص 6 ملايين صوت من أصوات الاقباط التي توزعت في المرحلة الاولى بين انصار التيار العلماني عندما قالها صريحة انه سيختار نائباً للرئيس من الاقباط، لكن مرسي فشل في إقناع الاقباط بها. الى جانب إنخفاض اسهم مرسي في الشارع، لأن خطابه إعتمد على اللامنطقية، ففي الوقت الذي يرسم بصورة زائفة المدنية يصف لنا كيفية تدخله السافر في القضاء، وهذا ينقض فكر الدولة المدنية الذي ينادي باستقلال القضاء.
ظهر التيار الديني بأقصى نتيجة يستطيع الوصول اليها من خلال استخدام نفوذه وبتأثير ضيق ذات اليد للطبقة الفقيرة في المرحلة الاولى، بينما شفيق وضعته الاقدار أمام الفرصة الذهبية، لأنه احتسب على التيار المدني، والذي اقتنصها بمهارة عالية من خلال خطابه السياسي المعتدل وبرنامجه في تطوير التعليم واعادة هيكلته وبناء دولة المؤسسات، فاستطاع أن يجمع في جعبته أصوات التيار الليبرالي التي تشتتت في المرحلة الاولى بين المرشحين الاحد عشر، وأهمهم حمدين صباحي، بينما اصوات المرحلة الاولى للتيار الديني لم تنقسم سوى بين محمد مرسي وأبو الفتوح. إما أن تأتي نتائج المرحلة الثانية بمرسي رئيساً لمصر فهو الخرق الخارج عن معظم التوقعات، وإن كنا نحن انصار التيار الليبرالي ومنهجنا الديموقراطية فعلينا فقط الالتزام بنتائج الصناديق سواء كان مرسي هو إرادة الغالبية أو حتى إن كان يمثل صورة لفشل الشعب في حماية إرادته من خلال هذه الانتخابات.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :