الأقباط متحدون | عيد الجيزة القومي‏..‏ بأي حال جئت ياعيد‏!‏
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ١٩:١٥ | الاربعاء ٩ سبتمبر ٢٠٠٩ | ٤ نسيء ١٧٢٥ ش | العدد ١٧٧٨ السنة الخامسة
الأرشيف
شريط الأخبار

عيد الجيزة القومي‏..‏ بأي حال جئت ياعيد‏!‏

بقلم‏:‏ د‏.‏ حسن السعدي | الاربعاء ٩ سبتمبر ٢٠٠٩ - ٤٤: ٠٩ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

تعلمنا منذ نعومة أظفارنا الفكرية أن مثل الباحث عن الحقيقة المطلقة كمثل الأعمي الذي يبحث في حجرة مظلمة عن قطة سوداء ليس لها وجود‏,‏ ولقد ألحت علي هذه المقولة وأنا أتابع ذلك التصريح الذي أعلنته محافظة الجيزة باعتبار‏23‏ أغسطس عيدا قوميا للمحافظة لارتباطه بتاريخ بناء الهرم الأكبر‏,‏ بعدما تنازلت طواعية لمحافظة‏6‏ أكتوبر عن عيدها القديم‏,‏ ونظرا لما اعتري الأمر برمته من أخذ ورد فقد رأيت أن أدلي بدلوي في القضية انطلاقا من الإهتمام بالشأن العام أولا وبحكم التخصص ثانيا‏,‏ وذلك علي النحو التالي‏:‏
أولا‏:‏ لابد أن نثمن موقف محافظ الجيزة‏,‏ فهو عندما شرع في المسألة لجأ لأهل الإختصاص‏,‏ ثم عندما وجد نوعا من رد الفعل المعارض علق الأمر‏,‏ معلنا استعداده أن يتجاوز الأمر برمته احتراما لرأي العلم‏.‏

ثانيا‏:‏ إن الزج بالقضايا العلمية الخلافية علي مستوي العموم من الأمور وخيمة العواقب لاسيما إذا تعدي مستوي الحوار الطرح العلمي الي التراشق اللفظي أو التمسك برأي دون آخر‏,‏ وليست الفتاوي الدينية الفضائية عنا ببعيد‏,‏ إذ إن هذه المواجهات تجعل قضايا الاختصاص علي المشاع في ضوء تجنب الحكمة المنهجية بأن العالم يرجح ومادونه يؤكد‏,‏ وفي هذا الصدد فإن ماجاء بخصوص التاريخ المقترح قد يكون صحيحا ولكنه ليس هو الصواب الوحيد‏,‏ فالدارس للتاريخ القديم يعلم مدي مايعانيه الباحثون في تحديد التواريخ نظرا لأن الأقدمين لم يحسبوا زمنهم بمئوية أو ألفية بل أحصوه عددا بسنوات حكم أو حدث جلل إشارة ليوم بعينه في شهر من الفصول الثلاثة الرئيسية عندهم والتي كانت عدة شهورها اثنا عشر شهرا قمريا‏,‏ تساوي‏360‏ يوما بالاضافة الي الأيام الخمسة الفارقة بين التقويمين الشمسي والقمري فضلا عن الزيادة التي تحسب بربع يوم لكل دورة أرضية كاملة ليكتمل عقد السنة الكبيسة بعد سنوات أربع لتصبح‏366‏ يوما‏.‏

ثالثا‏:‏ تأسيسا علي ماسبق وتحديدا فيما يتعلق بالملك خوفو فإننا نجد أنفسنا في حيرة من الأمر‏,‏ فإن عدم الاتفاق علي عام بعينه كمنطلق لحساب بداية التاريخ المصري القديم فضلا عن تباين الآراء حيال المدد الفعلية لحكم عدد من الملوك وبدايات عهودهم ومن بينهم خوفو ذاته‏(‏ من ذلك أعوام‏2470‏ أو‏2551‏ أو‏2609,‏ ومدة الحكم تمتد لاثنين وعشرين أو زد عليها أعواما ثلاثة؟؟‏!!).‏ الي جانب ان المعنيين بالحسابات الفلكية يشيرون الي ان الربع يوم المشار اليه سلفا ليس يعني ست ساعات بالتمام والكمال بل يضاف الي الربع يوم لتكتمل الدورة كسرا مقداره‏636,‏ وهذا الكسر بمفرده كي نعلم مدي خطورة تجاهله يكون ـ حسب رأي المختصين ـ وعلي مدار‏3200‏ سنة ما يساوي عشرين يوما كاملة‏,‏ فضلا عن ذلك فإن الاحتجاج برصد نجم الشعري اليمانية في الفترة مناط الخلاف ينفيه شبه اجماع من الباحثين في هذا المجال علي ان المصري القديم بتمكنه من أدوات علم الفلك كانت لديه في أحايين كثيرة حساباته الفلكية التي لم تخضع للرؤية الراصدة‏,‏ تماما مثلما يحدث الآن في الحديث عن مطالع الشهور القمرية فلكيا أو بالرؤية‏.‏
رابعا‏:‏ إن التاريخ المتاح من عهد خوفو في مخربشات الهرم الداخلية لا يشفي الغليل بذكره العام السادس عشر‏,‏ الشهر الأول من فصل الفيضان‏,‏ إذ ليس محددا المقصود بذلك‏,‏ فلو المقصود نهاية العمل يصبح الأمر أكثر تعقيدا لأن العمل ينتهي كلية بعد الدفن حيث وضع الكتل الحجرية في الممرات واستكمال الكسوة الخارجية للتعمية علي المدخل الرئيسي‏,‏ فإذا كان ذلك كذلك فعجب قولهم عند الحديث تأكيدا عن تاريخ محدد بعينه لبناء الهرم‏.‏

خامسا‏:‏ بعيدا عن الجدل الحسابي والتباين في الرأي العلمي الذي يماثل البحث عن تلك الهرة السوداء‏..!!‏ ألم يكن من الأجدي بدلا من الزج بتراثنا الأثري في خضم الجدل العلمي ان تبحث محافظة الجيزة عن حدث متميز عبر تاريخها الطويل تتخذه عيدا لأولهم وآخرهم‏,‏ أو تستبقي عيدها‏,‏ ولتبحث المحافظة الوليدة عن عيد لها كيوم قرار إنشائها حتي لو شاركتها فيه محافظة حلوان‏,‏ إن لم يكفها فخرا ارتباط اسمها بتاريخ سيظل محفورا في وجداننا جميعا وسيضمن لها دوما احتفال الأمة كلها به ومعها في آن واحد‏.‏
وأخيرا فإن أهم ايجابيات هذه القضية انها إذا كانت قد حركت بعض المياه الراكدة في المساجلات العلمية ومايكتنفها أحيانا من خلط بين العام والخاص أو بالأحري شخصنة المسألة لحاجات في نفس يعقوب‏!!,‏ فإنها أيضا قد جعلتنا نعيد النظر في جدوي الأعياد القومية للمحافظات ومدي ما يعكسه أسلوب تناولها من فكر الإدارة الاقليمية في بر المحروسة‏.‏

أستاذ الحضارة المصرية القديمة
كلية الآداب ـ جامعة الإسكندرية
نقلا عن الاهرام




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :