الأقباط متحدون | الثقافة العربية بين الطاولة والشطرنج !
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ١٦:٢٨ | الأحد ٣٠ ديسمبر ٢٠١٢ | ٢١ كيهك ١٧٢٩ ش | العدد ٢٩٩٠ السنة الثامنة
الأرشيف
شريط الأخبار

الثقافة العربية بين الطاولة والشطرنج !

الأحد ٣٠ ديسمبر ٢٠١٢ - ٣٩: ٠٤ م +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

 بقلم : محمود عزت 

 دبلوماسى مصرى 

يعكس شغف الإنسان بمعرفة الغيب ومحاولاته الدوؤبة متابعة كل ما يحقق له هذا الهدف ، رغبته كشف ما يخفيه المستقبل من أمور حياته ومن ثم يتسنى له – كما يتصور – الاستعداد لمفاجآت قد تحدث له ، وتجنب الوقوع فيما لا يحب ، والاستزادة – إن أمكن – مما يسره ، وهو أمر طبيعى وإنسانى ، إلا إذا تجاوز حدود المعقول ..!
 
       فإذا كانت متابعة الغيب تستهدف إسعاد الإنسان لنفسه بالتفاؤل ورفع معنوياته بشكل عفوى بسيط ، كان ذلك شيئا طيبا ، إما إذا كان يجرى بصورة متعمدة متعمقة ، فهو أمر يدعو للقلق ينبغى علاجه ، حتى إننا نرى البعض يسعى لكشف طالعه لدى الدجالين وقارئى الفنجان ، ومفسرى الأحلام ، وضاربى الودع ، وهو ما تكون له عواقب سلبية على هؤلاء البعض ، فيصبحون لعبة فى أيدى المشعوذين والمتاجرين بالأوهام !
وقد يعجب المرء ، وتأخذه الدهشة ، عندما يعلم أن هناك من الساسة فى دول العالم المتقدم ، والذين يحوزون احتراما وتقديرا كبيرين ، يتبعون هذا النحو الغيبى فى حياتهم !
 
فلقد عرف عن جورج بوش الابن ولعه بالخزعبلات ، والذى بلغ به مبلغا خطيرا حينما أدعى أنه مكلف من الرب برسالة  لنشر السلام فى العالم ! وهو نفس الشخص الذى نشرت إدارته الحروب الضروس والنزاعات والصراعات الطاحنه فى بقاع كثيرة من العالم ، أفغانستان والباكستان والعراق ولبنان وفى عدد من الدول الافريقية فى ظل ما روجته هذه الإدارة من مفهوم " الفوضى الخلاقة " ! 
 
 وهناك أيضا الرئيس الفرنسى الإشتراكى الأسبق فرانسوا ميتران ، الذى نقلت عنه أوساط الإليزية – مقر الحكم – أنه كان يستقبل صباح كل يوم عرافة تدعى مدام ســــولىَ ( الشمس ) ليستشيرها فيما ينوى اتخاذه من قرارات مصيرية ومهمة تتعلق بالسياسة الفرنسية داخلية وخارجية ، ومن أخطرها مشاركة القوات الفرنسية مع قوات التحالف التى شكلتها الولايات المتحدة لتحرير الكويت ابان الغزو العراقى عام 1991!
  وقد حزا حزوه خلفه اليمينى جاك شيراك ..
 
( 2 )
 
ولكن أيدفعنا ما عرفناه عن بوش وميتران وشيراك نحن شعوب العالم العربى الغارقة حتى آذنها فى التخلف العلمى ، فضلا عما نعانيه من فقر وجهل ومرض ، ولا نضيف الفساد الإدارى – فالعالم المتقدم والناس سواء فى هذا الداء !- أقول أيدفعنا هذا أن نلهث ورائهم فى إتباع طريق الغيبيات والذين ما اتبعوها إلا كرد فعل لحياتهم المملوءة بالعلم وتطبيقاته التكنولوجية ؟!
بالطبع ستكون الإجابة بلا ! 
 
فلا يصح أن ندع العلم – لغة العصر وثقافته – ونحن فى أمس الحاجة إليه ، لتطوير حياتنا وتنمية بلادنا اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وتنشئة شبابنا على التفكير المنطقى السليم ، ونربيهم على أن لأى شيء سببا موضوعيا ، وهو فى ذاته نتيجة موضوعية لشيء آخر سابق عليه ، وان المادة لا تغنى ولا تخلق من عدم ، وأن لكل فعل رد فعل مساو له فى القوة ومضاد له فى الاتجاه ، وأن الجسم يظل على حاله ساكنا أو متحركا حتى تتدخل قوة خارجية فتغير من حاله أو مساره . 
 
 فعلينا أن نتشبث بأهداب العلم وأساليبه ، ونسعى جاهدين ومجتهدين من خلاله إلى الترقى فى حياتنا الخاصة والعامة وتنمية شعوبنا ليس فحسب بالبنية التحتية من إقامة المدارس والمستشفيات والمصانع ، وبناء الطرق والكبارى والأنفاق ، وتوفير وسائل الاتصالات والمواصلات ، بل أيضا بدعم وتعزيز البنية الفوقية من قيم روحية ومبادئ أخلاقية رفيعة ، والتمسك بالتقاليد والعادات الأصيلة التى  تناسب العصر ، والعمل على الارتقاء بالحس والذوق العام ، والاهتمام بالفنون والآداب التى تزكى المشاعر النبيلة وتهذب النفس وتنقيها من المشاعر السلبية وتربية حاسة التذوق لكل ألوان الفنون ، والإحساس بالآخر والتعاون معه ، والتأقلم مع ثقافة الاختلاف الذى لا يفسد للود قضية ، ونـبذ استخدام العنف فى علاقتنا الخاصة ..
 ولقد هالنى ما لاحظته من تخصيص جرائدنا ومجلاتنا السيارة من مساحات واسعة للباب الثابت "حظك اليوم " 0
 وبصورة مكثفة وبارزة ، فغالبا ما يختار مكان مميز لهذا الباب يغرى القراء بالإطلاع عليه لمعرفة طالعهم المزعوم ! 
 
( 3 )
 
 وهو نفس الحال فى وسائل إعلامنا المسموعة والمرئية ، حيث تحرص معظم محطات الراديو وقنوات التليفزيون على إيجاد فترات إعلامية مختارة بعناية فائقة لبرامج مكرسة للأبراج وصفات أصحابها وطالعهم – ويزيد الأمر سوء عندما نجد أن التليفزيون المصرى الرسمى الموجه من الدولة – يعد برامج من هذا النوع لمدد طويلة تصل أحيانا تسعون دقيقة – بناء على رغبة جماهير المشاهدين – مفتوحة للمشاركة من خلال الهاتف ، لتفسير الأحلام ، وكشف طالع الأبراج ، ويتم إعادة إذاعتها عدة مرات على مدار الأسبوع ، كما لو كان الأمر يتعلق بشيء ثمين يخشى عليه من النسيان ! 
      وموضع خطورة نشر هذه الخرافات ، أنها تتمكن من الإنسان وتتحكم فى سلوكه بوعى أو بدون وعى ، حتى إننا نرى بعض الناس لا يغادرون منازلهم قبل قراءة طالعهم فى الجريدة أو سماع برنامج مشابه فى الراديو أو مشاهدته بالتليفزيون !وتلعب هذه الخزعبلات دورا فائق الخطورة لدى تلقيها ، حيث تخترق عقل الإنسان ووجدانه وهو فى حالة استرخاء لا تسمح له بالنقد ولا  التمييز بين الغث والسمين ، لتتسرب إلى لا وعى الإنسان ، وبالتالى تصير جزء من قناعاته الذهنية وتخلق عقلية خاملة مؤمنة بالخرافات تبغض العلم وتعاديه باعتباره من عمل الشيطان ! 
 
وبينما تعتمد عقلية الإنسان الغربى عادة على قناعات موضوعية دقيقة ، ويوظفها فى ابسط نواحى حياته الشخصية ، ويرفض الخرافات والتواكل على الحظ ، فنجده يصنع لنفسه خطة محكمة إذا أقدم على رحلة مع أسرته يقوم بها خلال أجازته . بحيث يختار بدقة مكان وزمان قضائها ، وما قد تكلفه من نفقات من إعاشة ومواصلات وخلافة ثم يتحسب لوقوع آية منغصات قد تعكر صفو الإجازة ، والتى قد تحول دون تحقيق السعادة القصوى منها ، كأن يصاب أحد أفراد الأسرة بمرض مفاجئ أو يحدث مكروه لوسيلة انتقاله لمكان وقضاء الإجازة ، فيعد من الحلول والبدائل ما يتجاوز به تلك العقبات التى قد تواجهه وأسرته دون اضطراب قدر الإمكان ! 
      فالعقلية الغربية غالبا علمية تجريبية براجماتية تشبه إلى حد بعيد عقلية لاعب الشطرنج ، الذى يعتمد فى لعبه على الحذر والدقة وتوقع خطوات خصمه والتحسب لها ، واستغلال أخطاء 
 
( 4 )
 
الخصم لصالحه ليكون  بوسعه فى نهاية المباراة من محاصرة " الملك " وقتله ومن ثم الفوز وهزيمة الخصم ! 
 نجد فى المقابل أن العقلية العربية غالبا ما تنشر ألخرافه وتهوى الخزعبلات وتكره العلم وتطبيقاته التكنولوجية وتلعنها فى العلن وتستخدمها سرا دون خجل فهى من عمل الغـــرب ( الكافر ) هكذا يقولون ، فنحن نهاجم التكنولوجيا التى لا نصنعها بل نأخذها على الجاهز دون تعب أو كسوف من الغرب ، ويعتمد الإنسان العربى فى حياته الخاصة والعامة على ضربات الحظ والظروف المواتية ، فهو أشبه ما يكون بلاعب الطولة الذى يتحدى مصيره فى المباراة طبقا لما يقوله الظهر !
 
 لذا فان شيوع ثقافة الخرافة فى العالم العربى يستدعى  مواجهتها ومقاومتها بكل حزم وبدون استهانة بهذا الداء العضال ،  وليكن العلاج بنشر ثقافة الشطرنج ولعبه بين الأطفال والشباب لتعويدهم منذ نعومة أظافرهم على قيم إعمال الفكر والدقة والحظر ومواجهة المشكلات وليس الهروب منها بالتفكير الخرافى ،  وسير أغوار العلم وأساليبه من أجل اللحاق بركب التقدم والحضارة فى الغرب ،  وهو ذات الغرب الذى عاش خلال العصور الوسطى مابين القرن الخامس حتى القرن الخامس عشر – فى دياجير الظلام والجهل ثم ما لبث أن خرج منها إلى عصر النهضة بعد ما نقله من علوم العرب ونظرياته آن ذاك واستفاد منها ، والذى ظهر أول إرهاصاتها – أى النهضة – فى إيطاليا بعيد سقوط القسطنطينية عام 1453 م !




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
تقييم الموضوع :