حَوْلَ لَائِحَةِ عَمَلِ مَجْلِسِ الكَنِيسَةِ
بقلم : القمص أثناسيوس چورچ.
في بداية حبرية قداسة البابا تاوضروس الثاني؛ تتدارس الآن اللجان التحضيرية؛ من أجل إصدار لائحة عمل مجلس كل كنيسة، فعمل هذه المجالس عمل كنسي أصيل؛ يعكس الاحتياجات والاهتمامات الرعوية المستقبلية لكل كنيسة... ومع التغيرات والتشعب وعلامات الأزمنة وكثرة التحولات والتحديات؛ اتسعت دائرة عمل مجلس الكنيسة؛ وصار من الحتمي فيه اعتبارات التخصص وتنوع المواهب والطاقات؛ ليشمل كوادر مميزة قادرة على التعامل مع الواقع الجديد وآلياته. على قاعدة أن عضوية هذه المجالس لا تضم إلا : الخدام بكل معنى الخدمة والأراخنة الأتقياء المحبين والغيورين على مجد الله (مدعوين قديسين){ ١كو ٢:١}؛ يتسمون بالحكمة لا بالدهاء؛ وبالفطنة لا بالتحايل؛ وبروح الكنيسة الأصيلة. فالمفترض في خدام هذه المجالس أن يحملوا سمات الرب يسوع؛ رأس ورئيس هذه المؤسسة، فيكونوا من المشهود بتقواهم وخدمتهم وخبرتهم العملية في الحياة.
واختيار أعضاء لخدمة مجلس كنيسة؛ هو أيقونة وصورة تعكس حال كل كنيسة محلية؛ في تنوع المواهب والوظائف - (أنكم لستم ناقصين في موهبة ما) – التي تحقق وتؤسس وحدانية الكنيسة في تنوعها، لتتكامل في الفكر والرأي.. لكن التكامل لا يعني التطابق؛ إذ بالمحبة نخدم بعضنا بعضًا؛ ونتفاهم لنتقارب بعضنا مع البعض. أما الخصومات فهي ثمرة الانشقاق والصراع وحسد التحزب (إذا كنتم تنهشون وتأكلون بعضكم بعضًا؛ فانظروا لئلا تفنوا) {غلا ١٥:٥}..
وتوظف كنيستنا كل عضو في شعب الله؛ ليأخذ دوره الوظيفي والحركي داخل الجسد الإلهي الواحد. لذلك مجلس الكنيسة ليس مجرد هيئة تشريفية أو ديكورية؛ لكنه خدمة تكوينية؛ بدون وجودها تختل المعادلات، ولا يمكن أن تعمل الإدارة الكنسية بفاعلية وتقدمية؛ من دون وجود مجلس كنسي له دوره وصلاحياته ومسئولياته. بدون هلامية أو نزع للصلاحيات؛ أي بلا حجب ولا حَجر ولا استئثار، لأن القصد هو تحقيق ثمرة العمل الكنسي الجماعي لا الانفرادي الدكتاتوري.
من أجل هذا لا يمكن أن يتشكل مجلس كنسي من دون توافر الإرادة في أصل وجوده وعمله؛ ومن دون الاختيار الدقيق واستمزاج الرأي بفطنة في اختيار عناصر خادمة منسجمة مع الهدف كفريق عمل، لا بحسب ولاءات شخوصه.. إذ أن تجديد الدماء يجعل الخدمة ناهضة متطورة ومثمرة؛ بعيدة عن التقوقع والركود والتبعية.. فليس عندنا نظام الولاية حتى الممات؛ لأننا نضع مواهبنا ووقتنا وكل ما لنا لخدمة البيت وصاحبه، وكلنا عائلة مع القديسين ورعية أهل بيت الله، من غير إقصاء أو استبعاد أو تشبث، فمن يريد أن يكون أولاً؛ فليكن خادمًا للكل، وما أجمل من يرى نفسه خادمًا لله وحده؛ ولا مجد له في هذا العالم.
أما الذين هم ليسوا ضمن مجالس الكنائس؛ فهذا ليس معناه أنهم ليسوا أعضاء عاملة حية وفاعلة، فلا أحد يمنع كل من يعمل في الكرم؛ لأن انتماءه للكرّام أشرف وأكبر من انتمائه لأي مجلس... وهناك فرق بين (عضو عامل) و (عامل عضو)!!! جميعنا جسد واحد؛ لكن ليس لجميع الأعضاء نفس العمل الواحد، نعمل معًا بإجتهاد من غير تكاسل؛ لأنه ملعون من يعمل عمل الله بيد مرتخية.
ولعل أفضل ما يجعل المجلس فاعلاً؛ هو اختيار أعضائه وفهمهم لطبيعة دورهم الخدمي؛ في ضوء المعنى اللاهوتي للكنيسة (الإكليسيولوجي)، وكيف أن خدمة سفينة النجاة هي خدمة اتضاع وسخاء وسرور؛ وادّين بعضنا بعضًا بالمحبة؛ مقدمين بعضنا بعضًا في الكرامة؛ ليس كمجالس الأمم؛ ولا كأولئك الذين شاركوا في صنع الفُلك ولم يدخلوه؛ فلم يحظوا بالنجاة.. وبدون نعمة الله وعمله لا تنفع كل الجهود العاملة شيئًا، مهما اجتهدنا ونشطنا؛ لأن نعمة الله هي التي تعمل فينا لكي نريد ونعمل من أجل المسرة... إذ ان البيت لو لم يبنِه الرب صاحبه؛ فباطلاً نعمل؛ وباطلاً نتعب؛ إذا اعتمدنا على فكرنا وبرنا الذاتي.
ووضوح مفهوم الخدمة وعملها (أين ومتى وماذا ولماذا وكيف) وتحديد الأدوار؛ يؤدي إلى تقدير الأمور حسنًا؛ وفي حينها الحسن؛ ويوفر مناخ من الهارموني؛ فكما أن لكل مؤسسة أهدافها؛ فللكنيسة كمؤسسة إلهية أولوية خلاص النفوس وتهيئة استعداد الشعب بالتقديس لله؛ وكل ما يحقق هذه الأهداف مرحليًا على المدى الطويل أو القصير هو المسار المرغوب.. من دون انقسام؛ لأن الانقسام يسيء إلى جسد المسيح؛ وكأنه انقسم.. لذلك لا يفتخر الجبار بجبروته؛ ولا الغني بغناه؛ بل افتخارنا جميعًا واحد؛ لأن لنا ذات البركات بلا تمييز بسبب كرامة أو سلطة أو غنىً؛ وإلهنا الصانع العجائب هو الساهر على كرمه؛ وهو دائمًا معلنًا في عمله.
إن عمل مجلس الكنيسة عمل له احترام ووقار خاص؛ يختص ببيت الآب الذي جعل بيته بيت صلاة لا تجارة؛ لذلك لا بد أن تضبطه وتحكمه الآداب والأخلاق المسيحية في الحوار والنقاش والاختلاف؛ للوصول لأفضل الأفكار العملية؛ من أجل نهضة الكنيسة ومجدها، بعيدًا عن الدس والوقيعة والشللية والمادية والدمدمة ومظهريات العالم؛ لأن مؤسسة المسيح يحكمها المسيح ويضبط إيقاعها ويحفظ مسارها بالمحبة؛ التي هي عصب كل خدمة؛ والتي تجعل الإقناع والتريث والاستقامة من ثوابت العمل؛ فيكون بلياقة وترتيب؛ من أجل بنيان جسد الكنيسة وتكميل احتياجات القديسين.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :