فتش
عن القاعدة
بقلم عبدالكريم
نبيل سليمان
ما يحدث في العالم هذه
الأيام من هجمات وتفجيرات انتحارية لا يمكن
بحال من الأحوال
تجاهله والصمت إزائه ، فالعمليات الإجرامية التي أرتكبها رعاع
القاعدة تستهدف
أساسا القضاء على السلم والأمن الدوليين وتحويل العالم إلى ساحة
واسعة للصراع
تسفك فيها دماء الأبرياء ارضاءاً لشهوات أمراء الانتقام من
الإسلاميين
المتطرفين الذين
عبر - بوقاحة - عن شهواتهم الدموية تلك أحد كبار قادة الإرهاب
الإسلامي في عصر
مضى من الزمان مخاطبا أحد قادة جيوش الرومان في موقعة اليرموك
:- "
إنه لم يخرجنا من ديارنا ما ذكرت ، غير أنا قوم
نشرب الدماء ،
وأنه بلغنا أن لأدم أطيب من دم الروم فجئنا لذالك
" !! .
فما حدث بالأمس
القريب في مدينة
شرم الشيخ وخليج نعمة من تفجيرات إرهابية وترويع للآمنين واستهداف
للمناطق السياحية
التي تعد العصب الرئيسي للاقتصاد المصري المتداعي ، وما احدث في
أكتوبر الماضي من
تفجيرات في منتجع طابا السياحي المصري ، وما حدث منذ أيام قليلة في
العاصمة
البريطانية ، وما تعيشه العراق بصورة يومية من عمليات ذبح وقتل
وتفجير ،
وما حدث منذ
أربعة أعوام من هجمات على الولايات المتحدة ؛ استهدف كل هذا أمن
المواطنين
الأبرياء العزل الذين لا حول لهم ولا قوة تجاه ما حدث ولا ذنب
اقترفوه
لينالوا جزاؤه
هذا العقاب الجماعي البربري الهمجي اللا إنساني الذي لا يعبر إلا
عن
خسة وحقارة وقسوة
تلك الذئاب البشرية المتمترسة خلف عباءات الإسلام الفضفاضة ،
والتي تظن أن
أعمالها القذرة تلك سوف تساعدها على توحيد العالم وحكمه بالحديد
والنار والشريعة
الهمجية البربرية التي يستندون إليها لتبرير أفعالهم الوحشية والتي
لا تجد لها سندا
من العقل ولا مبررا من المنطق ولا وازعا من الأخلاق
.
إن الهجوم
الوحشي الذي
تعرضت له مدينة شرم الشيخ - التي كانت آمنة - لهو أكبر دليل على
هذه
القسوة والوحشية
والدم البارد الذي يتمتع به هؤلاء الهمج الرعاع الذين يتمنون من
أعماقهم أن ترتد
البشرية القهقرى أربعة عشر قرنا من الزمان لتعيش في العصور
الإسلامية
الهمجية المظلمة وتتحول الدنيا على أياديهم القذرة النجسة إلى غابة
يسيطر
فيها الأقوياء
ويخضع فيها الضعفاء وتصبح القوة العضلية هي المرجع الذي يحتكم إليه
في الخلافات التي
تنشب بين الناس بدلا من العقل الذي يفترض أن يكون هو المرجع
الأساسي للفكر
الإنساني الراقي المستنير
.
إن كل مصيبة
وكارثة إرهابية تحدث في
أي بقعة من بقاع
العالم نجد القاعدة على الفور تقف ورائها في تحد صريح لكافة القيم
والمعايير
الإنسانية ، فما يحدث يوميا بالعراق من جرائم بشعة كعمليات الإعدام
التي
تنفذ بحق الرهائن
الذين كان آخرهم الدكتور إيهاب الشريف رئيس البعثة الدبلوماسية
المصرية في بغداد
، وما حدث منذ أيام قلائل في لندن ، كل هذا يدل على الوجه العفن
الذي يبديه لنا
أقطاب هذا التنظيم الإرهابي الذي نجح - مع الأسف الشديد - في
التغلغل بين
الشعوب العربية والإسلامية ، بل وبين الجاليات المسلمة في العالم
الغربي ، وجعل كل
واحد منا ينظر بعين الريبة والحذر إلى كل من يتعامل معه خشية أن
يكون عميلا مجندا
لهذا التنظيم الإجرامي
.
إنني لن أمل
التأكيد على أن العالم قد
بات ينقسم إلى
معسكرين اثنين لا ثالث لهما ، فعلى كل منا أن يحدد موقفه : - هل
يقف
في خندق الإرهاب
أم في معسكر السلام ؟؟ ، ليس هناك مجال للحياد والمواقف السلبية ،
فما يحدث الآن لا
يمكن الصمت حياله لأن الصمت لا يعنى سوى موافقة ضمنية على هذه
الأعمال البربرية
الهمجية ، فعلى كل منا أن يحدد مع من يقف ، ليعرف كل طرف حجمه
وقوته ومدى قدرته
على دحر الطرف الآخر ، فالصراع الآن ليس صراعا من اجل كسب الوقت
وإنما هو صراع من
أجل البقاء ، من أجل أن نكون أو لا نكون ، من أجل أن نختار ما يمكن
أن نكون عليه غدا
: هل سنكون آدميين حقيقيين أم سنتحول إلى مصاصي دماء لا رحمة في
قلوبهم ؟؟ ، لا
توجد خيارات أخرى ، فالوضع الآن متأزم ولا يسمح بالمماطلة أو تضييع
الوقت لأن كل
الأوراق أضحت مكشوفة ، والكل يعلم جيدا مفردات الصراع والمبادئ
التي
يحتكم إليها كل
طرف من الأطراف ولم تعد تفاصيل اللعبة خافية على أحد
.
إن زمن
التهاون مع
الإرهاب قد ولى إلى غير رجعة وما حدث بالأمس أثبت أن الحرب على
الإرهاب
قد أضحت حربا
دولية ، فالقاعدة قد نجحت في جذب جميع دول العالم إلى حلبة الصراع
ولا
يمكن لدولة ما أن
تدعى أنها تقف على الحياد أو أن موقفها من الأحداث لا يتعدى كونه
كموقف المتفرج
على مباراة لكرة القدم ، فالمصائب والكوارث الإرهابية المتلاحقة
سوف
تطول الجميع بلا
استثناء إذا لم يتحرك العالم المتحضر ويتصدى بقوة وحسم لهذه
العصابات
الإجرامية الهمجية
.
إننا يجب أن
نعترف أن الحرب على الإرهاب ليست
معركة يسيرة لأن
العدو هنا ليس عدوا تقليديا يمكن القضاء عليه بسهولة وإنما هو عدو
غير عادى يستخدم
أساليب غير تقليدية ليحقق من خلالها مكاسب معنوية ، وبالطبع فإنه
لا يمكن أن يواجه
بذات الأساليب الهمجية التي يواجهنا بها وإنما الحل يكمن في أن
نحاول إدراك
أبعاد المشكلة جيدا ونحاول منع انتشار المد الإرهابي بالحجر على
هذه
الأفكار الرجعية
ومنعها من التغلغل إلى عقول الشباب وإعطاء الفرصة للكتاب والمفكرين
المتنورين لكي
يستعيدوا دورهم البناء الذي افتقدوه منذ أن غزت الأفكار الإرهابية
المصحوبة بعوائد
النفط عقول شبابنا وحولتهم إلى قنابل موقوتة تنتظر ضغطة زر لكي
تنفجر وتدمر كل
مكاسب الحضارة الإنسانية الحديثة
.
لقد آن الأوان
لنا لكي نعرف
عدونا الحقيقي ،
العدو الذي يتربص بنا الدوائر ويحيك لنا المؤامرات ويدبر لنا
المكائد ، ويتصيد
الفرص للانقضاض علينا والنيل منا وتدميرنا فكريا وماديا
.
إن
القاعدة ليست
مجرد تنظيم إرهابي أنشأه المنشق السعودي أسامة بن لادن قبل عدة
سنوات
، وإنما هي أفكار
مطروحة منذ ما يناهز أربعة عشر قرنا من الزمان ، فالقاعدة ليست
وليدة اليوم ،
وإنما يرجع وجودها إلى اللحظة التي عبر فيها خالد بن الوليد عن
رغبته
الفاضحة في
الارتواء بدماء الروم
.
إن القاعدة ليست
وليدة اليوم ، وإنما تعود
جذورها إلى
اللحظة التي جمع فيها خالد بن الوليد رجالا من بني سليم في حظائر
ثم
أحرقهم داخلها
.
إن القاعدة ليست
وليدة اليوم ، وإنما تعود أفكارها إلى يوم
العيد الذي ذبح
فيه والى الكوفة خالد بن عبد الله القسرى الجعد بن درهم أسفل منبر
خطبة العيد
كأضحية يتقرب بدمها إلى الله
!! .
إن القاعدة ليست
وليدة اليوم ،
وإنما تعود
أفكارها إلي اللحظة التي قتل فيها أسلم بن أحوز الجهم بن صفوان
.
إن
القاعدة ليست
وليدة اليوم ، وإنما تنتمي إلي اللحظة التي أعدم فيها الحسين بن
منصور
الحلاج بعد أن
صلب و ضرب ألف سوط وقطعت يداه ورجلاه
.
إن القاعدة ليست
وليدة
اليوم ، وإنما
تعود أفكارها إلى اليوم الذي نفى فيه الخليفة عثمان بن عفان أبى ذر
الغفارى إلى
الربذة .
إن القاعدة ليست
وليدة اليوم، وإنما تعود أفكارها إلي
الزمن الذي سبيت
فيه نساء فارس والروم وتم تداولهن للمتعة الجنسية في أسواق الرقيق
الإسلامية
.
إن القاعدة ليست
وليدة اليوم ، وإنما ترجع أفكارها إلى اللحظة التي
حكم فيها سعد بن
معاذ على يهود بني قريظة بقتل رجالهم وسبى نسائهم وذراريهم في
تأكيد صريح لمبدأ
سيادة الأقوياء
.
فالقاعدة ليست
مجرد تنظيم نشأ على يد أحد
المتطرفين في
العصر الحاضر وإنما هي مجموعة أفكار إجرامية متطرفة أخذت في التطور
والتجدد حتى
تشكلت بهذا المظهر القبيح الذي بدت به في أيامنا تلك على أبشع صورة
وأقذر هيئة
عرفتها البشرية
.
علينا أن نفتش
جيدا عن القاعدة وسوف نجدها وراء كل
المصائب والجرائم
التي ارتكبت بحق الإنسانية في دولة الخلافة الإسلامية البائدة ،
والتي يريد
أنصارها الآن إعادتها إلى الحياة مرة أخرى بهذه الأفكار العفنة
المبادئ
الخربة التي
تترجم على أرض الواقع إلى قنابل بشرية وعمليات إجرامية
.
عبدالكريم
نبيل سليمان
24 / 7 / 2005
الإسكندرية / مصر
|