شبكة
الإنترنت.... وتحطيم الأبواب المغلقة للمجتمع الذكورى العربى
عبد الكريم نبيل سليمان
نجحت وسائل التواصل البشرى الحديثة بما فيها
الفضائيات والإنترنت فى إزالة كثير من الحدود التى كانت تفصل بين
التجمعات البشرية المختلفة، وتمكنت - إلى حد كبير - من تحويل
العالم إلى كتلة بشرية واحدة بعد قرون طويلة من التشرذم والتشتت
والتنافر. ولقد كان لهذه الوسائل فضل كبير فى تحطيم الأبواب
المغلقة وفضح الأسرار التى كان المجتمع الذكورى العربى يخفيها
ورائه ويعدها من حرمات البيوت التى يجب أن لا تكشف على أحد... لأن
" البيوت أسرار " !!! . ففى مرحلة ما قبل ظهور الوسائل الحديثة
للاتصالات، كانت الصورة التى يحاول المجتمع الذكورى أن يبرز فيها
نفسه هى صورة المجتمع الفاضل، الخالى من الرذائل !!! ، والذى يلتزم
نساؤه - قلبا وقالبا - بالعادات والتقاليد الذكورية بما تحمله من
إرث دينى كبير يحظر عليهن ضمن ما يحظر الاختلاط بالرجال خشية أن
يؤدى هذا الاختلاط إلى ممارستهن للجنس معهن خارج نطاق الزواج مما
يهدد المجتمع الذكورى ويدق أول مسمار فى نعشه ويقوض استقراره
القائم على تعدد زواج الذكر وتوحد زواج الأنثى والتزامها بممارسة
الجنس مع شخص واحد فقط وهو المبدأ الأساسي الذى على أساسه قام
المجتمع الذكورى والذى بمقتضاه يسلب المرأة حريتها التى إن تنازل
وأعطاها إياها فإنما يتنازل عن وجوده ويقدم - طواعية - على
الانتحار. كان المجتمع الذكورى يحاول إقناع (الآخر) بأن الفضيلة
مترسخة بين أفراده عن قناعة تامة، وأن أفراده يبتعدون - طوعا - عن
ما يسميه الرذيلة - ويعنى بها ممارسة الجنس خارج الإطار المشروع
مجتمعيا - وأنهم مقتنعون بأهمية البعد عن مثل هذه الأشياء تحقيقا
للفضيلة و (الملائكية). وكان لهذه الصورة التى رسمها المجتمع
الذكورى لنفسه والتى لم يتسنى للمتلقى - فى هذا الوقت - تأكيدها من
مصادر محايدة وقع كبير فى النفوس: - " إنه مجتمع يعج بالفضائل !!!،
يعيش أفراده كما الملائكة!!!، لا يفكرون فى شهواتهم الحسية...
اللهم إلا لزيادة النسل وتعمير الأرض والحرص على عدم انقراض الجنس
الآدمى الأسمى !!!، إنه حقا مجتمع فاضل!!، ذالك المجتمع الخالى من
الشهوات!!!، الذى يعيش فيه أفراده ويخضعون لقوانينه دون رقابة أو
وصاية من أحد !!! ". كانت هذه هى الصورة الملائكية التى تكونت فى
الوعى الجمعى للمتلقين الذين يعيشون بعيدا عن مثل هذا المجتمع
الذكورى القح، أو الذين يعيشون داخله دون أن يكون لهم ارتباط يسمح
لهم بمعرفة أدق أسراره وخباياه. كانت هذه هى الصورة التى حاول
المجتمع الذكورى فى مرحلة ما قبل الإنترنت ( وأشباهه ) إبراز نفسه
فى إطارها، ونجح نوعا ما فى إقناع الناس بها. ثم جاءت مرحلة أخرى
كانت كفيلة بصبغ كل هذه الصور الوردية التى حاول المجتمع إبراز
نفسه فيها بالسواد ألا وهى مرحلة ظهور الإنترنت الذى أصبح متواجدا
- تقريبا - فى كل بيت عربى. فعندما ظهر الإنترنت على الساحة، حاول
المجتمع منعه من الانتشار ومحاربته بشتى الطرق ومختلف السبل حتى لا
يفتضح أمره وتظهر حقيقته التى اجتهد كثيرا فى إخفائها واستبدالها
بصورة أخرى لا تمت للواقع بصلة. وكان السبب وراء هذا المنع هو
الخوف من تمرد أفراد هذا المجتمع عندما تُتاح لهم فرصة التواصل مع
الآخر والانفتاح على ثقافته المختلفة جذريا عن ثقافتهم الذكورية
المحضة، وخوفا من مقارنتهم للحرية المتاحة للآخر بالكبت والقمع
والذل الذى يعانونه فى ظل قوانين ذكورية طبقية ظالمة، وخجلا من
انكشاف الأسرار التى بذل الكثير فى سبيل إخفائها عن العيون خلف
الأبواب الموصدة، والتى تخالف بالطبع ما يعلنه عن نفسه من ملائكية
محضة ونقاء خالص. ولكن، ونظرا لأن العالم اليوم لم يعد كل جزء منه
منغلق على نفسه كما كان من قبل، فلم يستطع المجتمع الصمود طويلا
وانهارت مقاومته أمام الإرادة الفولاذية لأفراده وسمح فى النهاية
بانتشار الإنترنت مع التحفظ الشديد - من جانبه - على استخدامه
وتشديد الرقابة عليه. ومن هنا بدأت مرحلة جديدة ظهرت فيها حقيقة
هذا المجتمع التى اختفت عن العيان لفترة طويلة من الزمن، وظهر
للجميع أن هذا المجتمع يتعامل مع الدنيا بوجوه عدة، فلم يعد أحد -
تقريبا - محروم من الإنترنت، ولذالك فإن كل شىء حاول المجتمع
الذكورى إخفاؤه خلف الأبواب الموصدة وتزويق صورته وإظهار ملائكية
أفراده سرعان ما انكشفت بفضل هذه الوسائل التواصلية الحديثة.
فالانترنت أصبح يكشف كل الخبايا والأسرار التى كثيرا ما حاول
المجتمع الذكورى إخفاؤها عن العيون حتى لا يفتضح أمره وتظهر
إذدواجيته فى التعامل مع الحياة. ففى السنوات الخمس الماضية، ومع
الانتشار الشديد للإنترنت وظهور المجتمعات الإلكترونية التى لا
تعرف حدودا أو حكومات أو أنظمة أو قوانين، أظهرت هذه التجمعات التى
يصعب مراقبتها من قبل المجتمع الذكورى الجانب البشرى الإنسانى
الغرائزى لأفراد هذا المجتمع الذى كان يحاول إبراز صورتهم
الملائكية المزيفة ليغطى بها على حقيقتهم البشرية الخالصة. فعندما
تتجول فى غرف الدردشة العربية ستجد الآلاف المؤلفة من هذه الغرف
مخصصة لموضوع واحد فقط ألا وهو (الجنس)، وعندما تتابع أحد الحوارات
الدائرة فى إحداها ستجد أغلب المتحدثين ينتمون الى بلدان عربية
وإسلامية تخضع للقيم الطبقية الأبوية الذكورية، وستجد أن أعداد
الإناث من المترددات على هذه الغرف يفوق كثيرا أعداد الذكور وجلهن
يعرضن مفاتن أجسادهن أمام كاميرا الواب بعد تجردهن من كل ملابسهن
ليصبحن عرايا تماما إلا من قطعة قماش سوداء يغطين بها وجوههن حتى
لايتعرف عليهن أحد من ذويهن. أما بالنسبة للمنتديات الحوارية فحدث
ولا حرج، فالتجارب الشخصية فى المجال الجنسى التى ينشرها بعض
الشباب والفتيات تكشف بوضوح قبح الصورة التى حاول المجتمع الذكورى
تجميلها، ولن أتحدث كثيرا فى هذا الأمر وسأترك للقارىء فى نهاية
مقالى بعض الروابط التى تحتوى على مثل هذه القصص والتجارب الجنسية
لكى يحكم بنفسه على هذا المجتمع المذدوج أخلاقيا، مع التنبيه على
اننى غير مسؤل عن محتويات هذه الروابط التى قد تتضمن بعض العبارات
التى قد يعتبرها البعض خارجة عن الزوق العام - كما يحلو للبعض أن
يتشدق - ولكنها فى الواقع تعبر عن الشعور الحقيقى لكاتبى هذه القصص
بأسلوبهم الخاص وبلغتهم الخاصة فى الوصف والسرد لهذه الأحداث
والتجارب الشخصية . أما أكثر ما إستطاع الإنترنت كشفه للعيان فهو
أبشع جريمة كانت تتم فى الخفاء بحق أجيال الغد وهى جريمة التحرش
الجنسى بالأطفال المنتشرة على نطاق واسع فى الكثير من البيوت
العربية ويسدل عليها المجتمع ستارا من السرية والكتمان حتى لايفتضح
أمره ويظهر قبح سريرته. ففى إستطلاع للرأى اجرته إدارة موقع القسم
العربى بهيئة الإذاعة البريطانية BBC وأتاحت - من خلاله الفرصة
للمتصفحين العرب فى المشاركة بذكر ما إن كانوا قد تعرضوا لتحرش
جنسى فى فترة الطفولة ، كانت المشاركات بالآلاف وإضطرت إدارة
الموقع تحت ضغط من كثرة المشاركات الى نشرها فى عدة أجزاء حتى
تتمكن من نشر اكبر قدر منها، وكلها تجارب مؤلمة تعبر عن مدى قسوة
ووحشية وحيوانية هذا المجتمع الذى كبت غرائز أفراده ومنعهم من
ممارسة الجنس بصورة طبيعية فبحثوا عن ما هو متاح، وكان الأطفال فى
النهاية هم الضحايا الذين تحول معظمهم إلى مثليين جنسيا يرغبون فى
ممارسة الجنس مع أمثالهم. أما عن النساء فحدث ولا حرج، فعندما منع
المجتمع الذكورى المرأة من إشباع حاجتها الجنسية الطبيعية لم تجد
إلا الشذوذ الجنسى طريقا آمنا لإشباع رغبتها المتأججة. فانتشر
الشذوذ الجنسى بأمراضه وعاهاته النفسية المزمنة بين أفراد هذا
المجتمع الذى كان يحاول فى وقت مضى مواراة عيوبه تلك خلف ستار من
الملائكية الكاذبة والطهارة الزائفة.
عبد الكريم نبيل سليمان
|