الفتنة ليست
نائمة...
بقلم: عادل حزين
يقولون "دع الفتنة نائمة... لعن الله من
أيقظها" وهى مقولة أعرابية بجدارة, يلخصها المثل الشعبى المصرى "إكفى
على الخبر ماجور", أى بمعنى آخر تظاهر بالإستعباط وبأن كل شىء تمام
يافندم, حتى إذا ما انفجرت فى وجوهنا الفتنة فلم تبقى ولم تذر
تداركنا الأمر بمزيد من الإستعباط كأننا فوجئنا بما جرى. حدث ذلك
عندما كنا نظن أننا القوة الثالثة فى العالم حتى أصبحنا ذات يوم
على ما سمى تدليسا وقتها "نكسة". وحدث مرة أخرى عندما ظل
الإسلامويين يقتلون ويحرقون فى كنائس ومحال إخواننا فى الوطن
والحكومة المصرية آخر إستعباط حتى دفع رئيسها الثمن من دمه. ثم من
بعد ذلك لم تفق الحكومة المصرية إلا عندما طال القتل الشرعى بضعة
عشرات من السائحين مهددا الدخل القومى والشعب المصرى بالجوع
والإنفجار, وعندها فقط استفاقت الحكومة المصرية واعترفت أن الفتنة
لم تكن أبدا نائمة وإنما هى –الحكومة- التى كان كافية على الخبر
ماجور, وساعتها تحركت وقطعت دابر الجهاد والجماعة الإسلامية
والتكفير والهجرة والفرقة الناجية وكل من كان يمارس الإرهاب وقتها
ومعهم عدة آلاف من باب التأكد والضمان.
الداعى للتذكرة –التى قد تنفع المؤمنين- هو
ما ردده رئيس السودان عن استمرار العمل بالشريعة الإسلامية للقسم
الشمالى من السودان! السودان بالنسبة لمصر ليس كمثله بلد آخر, فهو
ممر نهر النيل شريان الحياة للمصريين, وقد استعبطت مصر بتجاهل ما
يجرى فى جنوبه سنوات طوال, وحتى الهدنة التى وقعت أخيرا لم يكن
لمصر فيها من جهد, فهل من بعد ذلك يحق للمصريين أن يعشموا خيرا من
أبناء الجنوب السودانى؟ وهل من يجرؤ على أن يلومهم إن أختاروا
الإنفصال من بعد مرور السنوات الست المنصوص عليها فى المعاهدة لكى
يبنوا هم أيضا سورا يحميهم من أمة الأعراب؟ وعلام تعول هبة النيل؟
هل تظن أن سنوات ست هم عمر مديد تكون الظروف تغيرت ويمكنها عندها
أن تشعلها نارا مرة أخرى؟ وماذا إن خاب ذلك الرجاء؟ ولماذا وهى
قادرة الآن لا تمارس اقصى طاقتها فى الضغط المعلن على السيد البشير
لكى يسعى لمراضاة من أعمل فيهم هو وأعرابه قتلا وسبيا وتهجيرا
سنوات طوال؟ هل لدى الحكومة المصرية ضمان من أمريكا مثلا بإبقاء
الحال على ما هو عليه؟ وهل يساوى ذلك الضمان المغامرة بمستقبل
الشعب المصرى وبشريان حياته؟
طبعا هناك مشكلة أن تعلن الحكومة السودانية
أن تطبيق الشريعة أضر بأكثر كثيرا مما أفاد, وتعمل على تعديل
الدستور السودانى لكى يجمع تحت مظلته كافة السودانيين. وهى مشكلة
كل من حاول استغلال الدين لاغراض سياسية, هى مشكلة حتى للعراقيين
الذين من بعد أن تخلصوا من صدام لم يستطيعوا محو كلمتين وضعهم
الجرذ على العلم العراقى لكى يتسول شرعية دينية. هى مشكلة أن
الحكومة المصرية لا تستطيع أن تعدل حرف فى الدستور بدون أن تبدأ
بإسقاط النص على أن الشريعة الإسلامية هى ال...مصدر الأساسى
للتشريع, وهو النص الذى أقحمه السادات ليمرر معه إمكانية التجديد
الغير متناه لرئاسته وليزايد على المتأسلمين وقتها. ولكن هل يفيد
الإستعباط الآن وإغماض العين وترك الأمور على حالها حتى نستفيق من
بعد ستة سنوات لا غير على تهديد –واقعى وحقيقى- لأمن مصر ومستقبل
شعبها؟
كيف نفسر عدم وجود محافظ أو رئيس جامعة أو
عميد كلية أو رئيس حى أو وزير لوزارة عليها القيمة من أهل مصر
الأقباط, الفتنة والمرض ليس فقط لدى أهل الحكم والرأى بل أنتشر فى
الجسم المصرى حتى أمرضه بمرض التمييز على أساس الدين وهو مرض يبدو
السرطان بجانبه كنزلة برد خفيف, ولذلك تى لا تجد لدى مرشح مسيحى
فرصة لإنتخابه إلا لو رشح نفسه على قوائم الجماعة المنحلة ويصير
كاليهوذات المصريين أو ما يطلق عليهم وبحق "اقباط الحكومة".
الفتنة ليست نائمة... ولعن الله من يتعامى
عنها.
عادل حزين
نيويورك
هذه المقالة نشرت فى إيلاف عدا الفقرة
الأخيرة منذ شهور وأقدمها للمهندس عدلى أبادير بمناسبة لقاؤه
الناجح على قناة دريم... وأدعوه للرد على كل من يتهمه بأن خطابه
يشجع الطاائفية ويوقظ الفتنة الى الصراخ فى وجهه بأن الفتنة متيقظة
وفاعلة ولعن الله من يتعامى عنها...
عادل حزين
نيويورك
|