د. يوسف عاذر


  12 اكتوبر  2004

صفحة كُتاب الأقباط متحدون

info@copts-united.com

الرؤيا المسيحية لظاهرة العنف

  د.عاذر يوسف 

في البداية يجب أن نعرف أن العنف ظاهرة قديمة قدم البشرية ذاتها وهي تجدد ذاتها نفسها من آن لآخر. والكتاب المقدس يذكر أن أول لحظة أستخدم فيها الإنسان العنف تزامنت مع الرغبة في تحييد طرف لطرف آخر من أجل السيطرة والبقاء وهو ما حدث في قصة قايين وهابيل, فلقد أعتقد إن بقاءه يستلزم اختفاء أخيه هابيل فقتله ليسيطر على الأرض منفرداً.

والعلاقة بين الإنسان وأخيه الإنسان عامة تأخذ أشكالا عديدة, فأما أن تكون علاقة تسودها روح التعاون والود والانسجام والعيش المشترك أو تكون علاقة فاترة يغلب عليها النفور والتباعد والكراهية المتبادلة أو تكون علاقة صراعية يستخدم فيها إي من الطرفين أو كلاهما العنف بهدف إنهاء حق الآخر في الوجود.

والمسيحية أتت برسالة حب وسلام لا تكتب بالحروف والكلمات بل بالأفعال والمعاملات. ولقد أحدثت المسيحية تحولا جذريا في النظر إلى ظاهرة العنف ووضعت أسساً جديدة للتعامل معها, حيث أنها لم ترفض فقط كافة صور العنف بل أكدت في الوقت نفسه علي أهمية السعي لخلاص الذين يلجأان إلى العنف بتقديم كل محبة ورعاية لهم, كما يقول بولس الرسول في رسالته إلى رومية "لا يغلبنك الشر بل أغلب الشر بالخير" (رو21:12). فالعنف في حد ذاته ليس سبباً لكنه نتيجة لعوامل كثيرة مثل الحسد والكراهية والعوز الاقتصادي والظلم وعدم فهم الاختلاف بين الناس سواء في اللغة أو الدين أو العرق. كل هذه الأسباب وغيرها قد تدفع الإنسان للوقوع في براثن العنف الذي لا يمكن القضاء علية إلا بمعالجة الأسباب ذاتها. وانطلاقا من ذلك تسعي المسيحية إلى تحرير أبناءها من الخطيئة التي تأسر نفوسهم وتدفعهم إلى العنف. فزكا العشار وهو رجل ظالم لغيره بحكم عمله عندما التقي يوماً بالسيد المسيح تحول من ظلم الآخرين إلى الحب الكامل. رحلة تحول تمت دون عنف بل بتلامس الحب الذي أذاب جليد الكراهية من حول قلبه.

وأيضاً ترفض المسيحية مبادلة العنف بعنف مضاد لأن ذلك لن يؤدي إلا إلى تخليد العنف. فإذا لجأ الإنسان إلى العنف ليرد علي عنف الأخر تجاهه فإنه بذلك يفعل نفس الشيء الذي يبغضه ويرفضه في الآخر, إي أن العنف في هذه الحالة هزم الخير وجعل الإنسان أسيراً له, والكتاب المقدس هنا يقول "كل الذين يأخذون بالسيف فبالسيف يهلكون" (مت 26:52).

وينادي البعض إلى ضرورة اللجوء إلى العنف لتغيير أوضاع خاطئة في المجتمع ويعتبر العنف في هذه الحالة من وجهة نظرهم مقبولاً مبرراً لأنه يهدف إلى غاية نبيلة وهي صلاح المجتمع ولكن المسيحية لا تقر هذا المنطق لعدة أسباب:

أولا: أن أزاله أوضاع غير مرغوب فيها باستخدام العنف من قبل جماعة معينة قد يؤدي إلى قيام جماعات أخري باستخدام العنف أيضا لتغيير ما يرونه غير ملائم لهم في المجتمع، وبذلك يصبح اللجوء إلى العنف مبدأ يحتذي، ويقع المجتمع كله في دوامة العنف.

ثانيا: أن كثيراً من الأحداث التي شهدت اللجوء إلى العنف لتغيير أوضاع سائدة في المجتمع ترتب عليها حدوث مظالم كثيرة.

ثالثا: أن النضال الذي يفيد المجتمع يجب أن يكون سلميا تراكمياً يحافظ علي استقرار المجتمع وثباته.

ومن جهة أخري قد يعتبر البعض عدم رد العنف بمثله لونا من الضعف والاستكانة والسلبية وينادون أن الإيجابية تقتضي أن يقتص الفرد بيديه. وهذا الرأي مرفوضا تماماً من جهة التعاليم المسيحية لان مبادلة الشر بشر مماثل يعني اعتبار العنف سلوكا اجتماعيا مقبولا وهو ما يعني أن أولاد الله يلجئون إلى نفس الأساليب التي يرفضونها في الأشرار وهو ما يتناقض تماما مع تعاليم السيد المسيح الذي قال "وأما أنا فأقول لكم لا تقاوموا الشر, بل من لطمك علي خدك الأيمن فحول له الآخر أيضا ومن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فأترك له الرداء أيضا" (مت 40:38). وفي الوقت نفسه ترفض المسيحية السلبية وتعتبرها إحدى الخطايا التي لا يجب أن يقع المسيحي في براثنها, لان السلبية تقاعس قصدي عن العمل الإيجابي وهذا ما يؤكده الكتاب المقدس فيقول "فمن يعرف أن يعمل حسناً ولا يعمل فذلك خطية له" (يع 4:17) ولهذا تدعو المسيحية أبنائها للمشاركة الإيجابية في شئون المجتمع دون تقوقع أو انعزال.

وعليه فعلينا أيها الأقباط أن نشارك في كل الجهود التي تبذل من اجل إصلاح حال وطننا مصر الذي يئن تحت وطأة الظلم والاستبداد والفوضى المدنية والطائفية التي خلقتها ثورة يوليو العسكرية والنظام الحاكم الذي تولد منها.

 

E-Mail: info@copts-united.com

Copts United

لأقباط متحدون