القضية
القبطية وانتخابات الرئاسة في مصر
د.عاذر
يوسف
قادتني الصدفة إلى مقابلة البروفيسور مارك فالن خبير
القضايا السياسية الخاصة بشئون الأقليات بالأمم المتحدة وتطرق بنا
الحديث إلى وضع الأقباط في مصر وسألت البروفيسور فالن عن رأيه في
خطوة الانتخابات الرئاسية القادمة في مصر وأن كانت سوف تحدث أي
تغيير في الأوضاع المتردية للأقباط؟ فقال لي:أولا بالنسبة لوضع
الأقباط في مصر هل تتوقع أن تحل قضية الأقباط بانتخاب رئيس دولة
جديد بدلاً من حسنى مبارك! إذا كنت تأمل في هذا فأنت حالم وواهم.
أن انتخاب رئيس دولة جديد لن يحل مشاكل الأقباط بل قد يزيدها
تعقيداً في حالة وصول رئيس جديد يتبع الأخوان المسلمين ذوي النفوذ
الأقوي الآن على الساحة, وفي أحسن الظروف وفي حالة فوز أي مرشح آخر
فسوف يقوم الرئيس الجديد بتحسين الأوضاع قليلا ليكسب رضاء الدول
الأوروبية وأمريكا ولكنه لن يكون قادراً علي حل مشاكل الأقباط
لأنها مشاكل ذات جذور ثقافية واجتماعية وتعليمية وسياسية تعود إلى
عشرات السنين, تراكمت فيها المشاكل حتى أصبحت معقدة إلى درجة تحتاج
إلى عدة سنين لحلها ومبادرات جرئيه من الرئيس المنتخب لأنه سيصطدم
فيها مع التيار الإسلامي المسيطر علي الشرق الأوسط.
و علي العموم يجب أن تعلم جيداً إن كل التوقعات تشير
إلى انتخابات صورية هزيلة سوف تنتهي بفوز ساحق للحزب الحاكم برئاسة
الرئيس مبارك.
ووهنا سألت البروفيسور فالن عن رأيه عن الأوضاع علي
الساحة السياسية الآن في مصر والتوقعات بالنسبة للقضية القبطية في
حالة فوز الرئيس مبارك وعما إذا كان سيقوم بأي إصلاحات بعد فوزه في
الانتخابات القادمة؟ فقال:
إلا تري ما يحدث علي الساحة السياسية في مصر وكيف
يستغل جميع المرشحين للرئاسة مشاكل الأقباط لكسب مزيد من أصوات
الناخبين, لماذا أصبح الأقباط ومشاكلهم الشغل الشاغل لكل المرشحين؟
الكل يتحدث عن الأقباط وتغيير الدستور من أجل تحسين أوضاعهم.
لقاءات وأحاديث سواء للصحافة أو الإذاعة وحتى التليفزيون وكأن الكل
قد تذكر الآن أن هناك مواطنون في مصر يطلق عليهم أسم الأقباط! وعلى
رأس هؤلاء المرشحين الذين يتاجرون بقضية الأقباط الرئيس مبارك
نفسه. ففي آخر حديث له بعد حوادث الإرهاب الأخيرة قام الرئيس مبارك
بتجديد الدعوة لعقد مؤتمر دولي جديد لمكافحة الإرهاب والقضاء على
تيار العنف في منطقة الشرق الأوسط يعتمد علي قيام الدولة
الفلسطينية ودعم الحكومة العراقية لمواجهة العنف السائد هناك وهنا
ركز الرئيس مبارك علي إنهاء التمييز بين الديانات وفتح حوار مباشر
لوقف الاضطهاد المبني علي التعصب الديني.
أن هذا النهج الجديد الذي أتخذه الرئيس المصري والذي
يتحدث فيه ولا أقول يعترف فيه بوجود تمييز بين الديانات في الشرق
الأوسط يشجع الإرهاب ويحبط السلام في المنطقة قد يغر الكثيرين
فيعتقدون أن الرئيس مبارك يعني في أحاديثه هذه الأقباط في مصر.....
أغلب الظن وبناءاً علي التحليل السياسي لتصريحات الرئيس المصري
المختلفة في الماضي وتصرفاته حيال الأقباط ومشاكلهم في أكثر من
موقف, فأنه في تصريحاته الجديدة كان يعني الإجراءات المشددة التي
تقوم بها الدول الأوروبية وأمريكا (المسيحية) ضد التيار الإرهابي
الإسلامي من أجل حماية دولهم ومواطنيهم, أن كل التحليلات تشير إلي
أنه كان يعني التمييز المسيحي ضد الإسلام وليس العكس وهو هنا لا
يعني من قريب أو بعيد ألقبط ومشاكلهم.
أن المتتبع لحديث الرئيس المصري الأخير ورأيه عندما
سئل عن وضع الأقباط ومشاكلهم يقودنا إلى استنتاج هام وهو أن الرئيس
المصري قد أصابته الدهشة مما يقال وكأنه قد أحيط علماً أخيراً فقط
بالمعاناة والتمييز الذي يلاقيه مواطنوه الأقباط تحت كنف حكومته
الرشيدة, وكأنه لم يكن قد أبلغ شيئاً من هذا القبيل من قبل. لذلك
جاءه الوحي القائل بأن التمييز بين الأديان يدعم الإرهاب المقيت,
ويهدد السلام داخل الوطن, فتصبح مصر غير قادرة علي القيام بدورها
في إحلال السلام في المنطقة, لان فاقد الشيء لا يعطيه.... وهو
الشيء الذي سيسبب خسارة مادية وسياسية كبيرة للرئيس المصري ومن
بعده مصر كدولة قيادية في المنطقة. لذلك جاء التصريح الجديد يبشر
العالم برفض الرئيس مبارك للتمييز بين الأديان, وربما استعداده
للاستماع إلى شكوى أتباع الديانة المسيحية في بلادة بعدم استمتاعهم
بالمساواة مع مسلمي مصر وتهميش وجودهم وأهدار حقوقهم الإنسانية قبل
حقوقهم الدينية والمدنية, وإبعادهم عن المشاركة في حكم بلادهم..
فهم يعاملون وكأنهم غرباء في مصر بلدهم.
ثم أضاف البروفيسور فالن أن كل السياسيين والمهتمين
بالدول الأوروبية ينظرون إلى تصريحات الرئيس الأخيرة بروح التفاؤل,
علي نحو أنها إشارة جديدة يرسلها لحكومته لتغيير سياستها نحو
الأقباط, وكأن الرئيس الذي أثقل كاهله السن وطول البقاء علي كرسي
الحكم هو الوحيد القادر علي ابتكار أفكار جديدة لحل مشكلات الأقباط
بمصر التي أصبحت مضرباً للأمثال في أزماتها وصعوبة حلها وكأن
حكومته الرشيدة غير ناضجة بالدرجة الكافية لأخذ زمام المبادرة لحل
المشكلة.
ثم أضاف أخيراً البروفيسور فالن أن علي الأقباط أن
يكفوا عن التفاؤل بعد سماع هذه التصريحات, لأنه لم يعرف في الماضي
إن هذه التعليمات و التوجيهات المسرحية للرئيس المصري كانت موضع
التنفيذ من قبل خاصة ما كان منها متعلق بتحسين أوضاع الأقباط في
مصر.
وبعد هذا التحليل القصير للبروفيسور, وجدت نفسي أقول عمار يا مصر
بحكامك وتوجيهاتهم الوهابية البترودولاريه وأجمل التهاني مقدماً
للرئيس البطل محمد حسني مبارك بفوزه بالانتخابات الرئاسية وعمر
مديد علي كرسي الحكم.
|