د. يوسف عاذر


  29 أغسطس 2004

صفحة كُتاب الأقباط متحدون

info@copts-united.com

فرح العمدة والانتخابات في مصر

د.عاذر يوسف

 

كنت أشاهد أحد الأفلام السينمائية المصرية القديمة وفى أحد المشاهد التي تصور زواج عمدة القرية في الفيلم وجدت نفسي أضحك على ما أرى أمامي ولكن للأسف كنت أضحك بمرارة لأن مشاهد فرح العمدة عكست لي صورة مصر الآن في غمار ما يسمى بانتخابات الرئاسة.

فأحزاب المعارضة الرئيسية في مصر (الوفد، والتجمع، والناصري) وهى قلب المعارضة في مصر تمثل المدعوون في فرح العمدة. فبالرغم من أنهم قلب المعارضة في مصر إلا أنهم يشاركون في فرح الانتخابات ليس من أجل الإصلاح وتغيير الأوضاع إلى الأحسن في مصر بل للفوز بمقاعد السلطة وتبوء المناصب القيادية التي تتيح لهم الفوز بالغنائم واستغلال النفوذ من أجل المصلحة الشخصية وتصفية الحسابات، تماماً مثل هؤلاء المدعوون إلي فرح العمدة فبالرغم من معارضتهم الشديدة لسياسة العمدة وأسرته إلا أنهم يشاركون في الفرح من أجل الحصول على مكاسب شخصية لهم.

أن تلك المقارنة بين هذا الفيلم السينمائي والانتخابات المصرية عكس مخاوفي مما يحدث في مصر وتشاؤمي علي مستقبل الإصلاح السياسي في هذا البلد. أن المعارضة تعتبر جزء أساسي من نظام الحكم في إي دولة متحضرة، لا يستقيم بدونها الحكم. ولا توجد ديمقراطية بدون معارضة وكلما قويت المعارضة في إحدى الدول وأشتد عودها وزادت جماههيريتها وحصلت على نسبة أكبر من مقاعد البرلمان كلما أصبح النظام السياسي متعافيا ومنتعشاً ومستوعبا لكل ألوان الطيف السياسي وهذا ينعكس أولا على الحزب الحاكم فيكون له دافعاً للتطوير والتحديث واتخاذ الخطوات التي تدفع بالدولة لاحتلال وضع أفضل على الساحة السياسية والاقتصادية الدولية، مما ينعكس بالتالي على من يعيش علي أرض هذا الوطن من مكاسب اجتماعية واقتصادية تؤدى إلى رفع مستوى معيشة المواطنين وتحلق بهم إلى أجواء من الرفاهية والتقدم.

أن ما يحدث في مصر ويسمي بخطوة الانتخابات لهو مهزلة بكل المقاييس. فالحزب الوطني الحاكم يتصرف بطريقة مسرحية هزيلة فيتأخر في تقديم أسم مرشحه للرئاسة ليعطي الإحساس بأن هناك عدة أشخاص أكفاء للترشيح وأن الحزب يحاول اختيار الأفضل وهو الشيء المسرحي لأن الكل يعلم أن الحزب ليس أكثر من مجموعة من المصفقين لرئيس الحزب ولسياسته الحكيمة! وهكذا وفي النهاية يعلن الحزب اسم مرشحهم علي طريقة يوسف وهبي المسرحية وهو الرئيس مبارك. أنني هنا لا أهاجم الرئيس مبارك ولا حزبه العامر ولكن أفكر بصوت مسموع لفائدة مصر التي هي الهدف الرئيسي لكل مواطن مصري مخلص.

وإذا نظرنا من جهة أخري إلى أحزاب المعارضة نجد ما يطلق عليه تعبير (سمك، لبن، تمر هندي) أنهم ممثلين في مسرحية ينفرد فيها بدور البطولة شخص واحد والكل بجانبه كومبارس يتقاتلون من أجل الظهور وأخذ دور أكبر من الأخريين في ظل هذا البطل الأوحد المنفرد وبالطبع قتالهم ليس لمصلحة المسرحية في شئ فهذا غير مهم فالأهم بالنسبة لهم الظهور على المسرح. أن أحزاب المعارضة المصرية تهلل وتتطاحن وتشكك وتثير تابعيها لخلق حالة من عدم الثقة والاستقرار ولكن للأسف ليس لصالح مصر ولكن من أجل المطامع الشخصية والاستفادة المتوقعة، تماماً مثل حيوان الضبع الذي يتحرك في مجموعات بالقرب من الأسد المفترس لعل وعسي تتاح لهم الفرصة لسرقة الضحية منه والاستيلاء عليها لأنفسهم.

وإذا كنت تخالفني الرأي فقل لي بالله عليك: هل قام إي حزب سياسي في مصر بإجراء دراسة علمية حقيقية لاهتمامات الرأي العام المصري ومشاغله وهمومه ومتاعبه وعما إذا كان المواطنين والشارع المصري مهتم بهموم السياسة ومشغول بها أم أن لهم اهتمامات ومشاغل أخري؟ هل حاول أحد من الأحزاب في مصر أن يعرف ماذا يريد المصريين وماذا يشغل تفكيرهم، أم أنهم جميعاً بما فيهم الحزب الحاكم يزعمون أنهم يتحدثون بلسان الجماهير وأنهم أكثر تعرفاً علي مشاكل الوطن وهو ما يمثل واقع شكلياً فقط؟ هل قام أحد من الأحزاب بمحاولة تحليل نتائج انتخابات عام 2000 ومعرفة لماذا فقدت الأحزاب شعبيتها بما في ذلك الحزب الوطني الحاكم؟ ففي تلك الانتخابات لم يحصل الحزب الوطني سوى علي 38% من مقاعد البرلمان في المرحلة الأولى وهي النتائج الحقيقية الأمينة والتي تم تداركها بعد ذلك بالأسلوب المعروف لترتفع النسبة بعد ذلك في المرحلة الثانية بقدرة قادر، وفي الوقت نفسه لم تحصل المعارضة عل أي نسبة في المرحلة الأولي مما أستعدى إضافة شئ لخزي العين في المرحلة الثانية. وللأسف بدلاً من تحليل النتائج راحت أحزاب المعارضة تعلق فشلها في رقبة الحزب الوطني وتلاعبه بالانتخابات في الوقت الذي راح فيه الحزب الوطني يتهم المعارضة بعدم الجدية ومحاولة خلق جو من عدم الاستقرار في الوطن ...... وهكذا نري الكل في حرب من أجل المصالح الشخصية ولا يوجد أحدا يلتفت إلى الشعب واحتياجاته وهمومه.

أن ما يحدث الآن علي ساحة السياسة المصرية شئ مخيف لأنه يفرش البساط تحت أقدام التيارات والأحزاب الخطيرة على الوطن بأكمله، انه يعطي الفرصة أكثر وأكثر لجماعة الأخوان المسلمين لترسيخ نفوذها وأقدامها في كل مصالح الدولة مما يساعد خططهم الرامية إلى السيطرة على مقاليد الحكم في مصر وثانياً يعطي الفرصة للجماعات الدينية المتطرفة الممولة بواسطة إحدى الدول العربية الحجازية لتركب أعلى موجات الانتهازية السياسية حتى تصل إلى الحكم فتقلب المائدة علي رأس الجميع وتحطم النظام الديمقراطي الواهي الموجود حاليا وتقود الوطن إلى طريق العودة إلى حكم القرون الوسطي والخلافة الإسلامية.

إذاً كنا نريد حقاً إصلاحات حقيقية في مصر فعلينا أن نغير المفاهيم القديمة البالية المبنية على المصالح ونستبدلها بالمفاهيم والقيم القائمة علي الفكر والبحث العلمي والتعاون بين أجهزة الدولة والشعب من أجل مصلحة الجميع. علينا أن نهتم بالتنشئة السياسية والثقافية للأجيال الجديدة والأطفال وذلك بالاهتمام بمناهج التعليم التي تخدم حب الانتماء للوطن والحرية والبعد عن التعصب والتطرف الوهابي والكراهية السائدة الآن والأهم أن تكون هذه المناهج تطبيقية وليست فقط شعارات. وليس من العيب في شئ الاستفادة من تجارب الدول الأخرى المتقدمة في الديموقراطية من أجل وضع خطة إصلاح حقيقية.

أنني كمواطن مصري أطالب الرئيس المنتخب القادم (حسني مبارك) بأن يبدأ من أول دقيقة بعد انتخابه بثورة تغيير شاملة من أجل مصلحة الوطن، وذلك بأن يبدأ بتغيير الوجوه المحيطة به ويتخلص من هؤلاء المصفقين المحيطين به وهؤلاء المستفيدين الموجودين في مناصب الدولة، عليه أن يستبدل كل هؤلاء بأشخاص أمناء تكون مهمتهم الأساسية تحسين الأوضاع بالدولة ويكونون مستوجبين للحساب والعقاب في حالة استغلالهم لمناصبهم، ولا ضرر هنا من أن نلجأ إلى الاستعانة بشخص قبطي إذا كان كفئ للقيام بمسؤوليات هذا المنصب، فالأقباط مواطنين مصريين توجد في وسطهم كفاءات مطلوبة لمصلحة الدولة.

أطالب الرئيس مبارك بأن يتبع خطوة الإصلاح هذه بخطوات تغيير أخري يكون هدفها عمل تعديلا كاملا للحكم والسياسة في مصر. وأول خطوة علي رأس هذه التغييرات أن يقف بصلابة أمام التيار الوهابي المسيطر على مقاليد الحكم والحياة اليومية في مصر، ذلك التيار الذي لن تجني مصر من وراءه إلا الخراب والدمار وعلي الأقل إذا لم تكن خائف على مصر يا سيادة الرئيس من هذا التيار البغيض فعليك أن تخاف علي أسرتك وأولادك الذين سيكونون الضحية الأولي في حالة وصول هذا التيار إلى مقعد الحكم.

وأخيراً وليس أخراً أطالب الرئيس بأن يبدأ من أول لحظة لفترة حكمه الجديد في أعداد من سيخلفه في الحكم سواء كان هذا الشخص ابنه فأنا لا اعتراض لي علي ذلك أو أي شخص آخر فالمهم أن يكون شخصاً كفء أمين أولا علي مصلحة الوطن قبل مصالحه الشخصية وتمتد أمانته إلى الاهتمام بمصالح المصريين جميعاً بغض النظر عن هويتهم وعقيدتهم فالكل مصريين تحت سقف واحد لهم الحق في الحياة بحرية وآمان تحت مظلة سيادة القانون علي أرض هذا الوطن.

فالعمر يا سيادة الرئيس لن يطول بك إلى الأبد، وأنت الآن كما يري الكثيرين أقدر شخص علي أحادث التغيير المطلوب أو علي الأقل وضع خطة متطورة والبدء فيها ويستكملها من يأتي بعدك علي طريق الإصلاح يكون هدفها الأول إعادة مصر إلى مكانها الذي تستحقه علي الساحة الدولية سواء من الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية.

الرب يعطيك يا مصر عمدة جديد يخاف علي مصالحك قبل مصالحه ويحميك من هؤلاء المنتفعين المشاركين في فرح العمدة 


E-Mail: info@copts-united.com

Copts United

لأقباط متحدون