الحزب الوطني القبطي....بين الحقيقة والخيال
د.عاذر
يوسف
في أمسية صيف جميل وفي حديث مع صديقي الصحفي السويسري
عاشق مصر كما أسميه لأنه قد زار مصر عدة مرات وله إطلاع واسع
ومعلومات وفيرة عن الحضارة المصرية وتاريخ مصر علي مختلف العصور
مما قد لا يتوفر في الكثير من المصريين, سألني صدقي هذا: احب أن
أعرف رأيك ووجهة نظرك في موضوع القضية القبطية في مصر, أنه فشئ
محير فلقد قابلت وتحدثت مع كثير من الأقباط ووجدتهم يشتكون ويتهمون
الحكومة بالعنصرية والإرهاب الديني وكذلك تحدثت في عدة مناسبات مع
كثيرين من المفكرين والمثقفين المسلمين وكذلك مع أشخاص ذو مراكز في
الحكومة المصرية وكان رأيهم أن المسألة القبطية ليست إلا وهم وخيال
من اختراع الأقباط, وأن مسئولية تواجد المشكلة يقع أولا وأخيراً
على عاتق الأقباط وقياداتهم لسلبيتهم الشديدة في المطالبة بحقوقهم
وامتناعهم عن المشاركة في الحياة العامة لسنين كثيرة مما أدي إلى
فرض الأمر الواقع. فأين هي الحقيقة في كل هذا؟
أثارني هذا السؤال لأنه مس جرح يدمي في فؤاد كل مصري
قبطي, فقلت له بحماس شديد: أولا أحب أن أوضح لك أن الأقباط هم كما
تعرف مواطنون من الدرجة الأولى وأن مصر هي وطنهم الذي يعيشون فيه
ليس كعالة في ظل تسامح الآخرين. أنهم شركاء في هذه الأرض ولهم ما
للشركاء من حقوق وواجبات ومكانة. وأي شخص يقول أو يعتقد أن الأقباط
مواطنون من الدرجة الثانية يجب تطبيق الجزية عليهم وأن الإسلام ذو
قلب كبير لأنه يتسامح بوجودهم في مصر لهو إنسان جاهل متطرف لا يصح
الحديث أو المناقشة معه لأنه ينتمي لهذا التيار المتأسلم المهيمن
علي الحياة في مصر الآن. كذلك عندما تصرح أي جهة رسمية أو غير
رسمية أنه ليست للأقباط في مصر مشاكل وأن كل ما يقوله الأقباط ما
هو أل مزاعم مبالغ فيها, وأن الأقباط ما هم آلا متمردين علي النعمة
المعطاة لهم, فأنني أقول لكل هؤلاء هذا كذب وافتراء واضح علي
الحقيقة. ولكي أفند أكاذيبهم دعني يا صديقي أعرض لك الموضوع
ببساطة:
هناك إجماع ليس فقط بين أواسط المجتمع القبطي ولكن
بين الكثيرين من المثقفين والمفكرين والمتابعين لوضع الأقباط في
مصر أن المشكلة لا تنحصر فقط في القوانين والإجراءات الخاصة بإنشاء
كنائس جديدة أو ترميم و إصلاح الكنائس القديمة تلك القوانين التي
تفوق كل تصور وتخرج عن نطاق العقل, ولكن لب المشكلة هي الإجراءات
والسياسة التي أدت إلى شعور الأقباط بوجود تعصب ديني واضح أدي ألي
حرمانهم من صميم حقوقهم الإنسانية مما خلق حالة ومشكلة متأزمة صعبة
الحل. أن في مصر الآن مناخ عام تشع فيه روح التعصب التي يستشعرها
كل الأقباط بحساسية عالية, وما يؤكد ما أقول ذلك هناك الواقع
السائد الذي أدي ألي انخفاض تمثيل الأقباط في الحياة العامة
والمناصب الكبرى خلال السنوات الخمسين الأخيرة منذ بداية ثورة
العسكر أو ما يطلق عليها ثورة يوليو حتى بلغ حد عدم انتخاب قبطي
واحد في مجلس الشعب سنة 1995 كأن الأقباط ليس من نسيج هذا الوطن,
هذا بالإضافة للأحداث الدامية المخيفة التي أصبحت تقع بصورة منتظمة
شبه يومية والتي يتم فيها قتل الأقباط وخطف الفتيات القاصرات
ومحاولة أسلمتهم بالقوة وكذلك الاعتداءات المتكررة علي الكنائس
والممتلكات الخاصة بالأقباط. ناهيك عن المناخ العام الذي يوجد
تقريباً في كل موقع ويبث روح التعصب البغيض, هذا المناخ الذي تولد
من ذلك التيار المتأسلم المتطرف الممول بواسطة عدة دول إسلامية
والذي تركت له الساحة ليصول ويجول فيها بمباركة وسماح الحكومة
والنظام السياسي المصري في محاولة ليس فقط لمحو الكيان والحضارة
والثقافة القبطية بل أمتد إلى محاولة محو الوجود القبطي علي
الطلاق.
هذا يا صديقي اختصار شديد للقضية القبطية والوضع
الخاص بالأقباط الآن بكل أمانة وبحياد تام, فما تعليقك علي كل هذا؟
فقال لي: أن التعصب ضد الأقليات هو رد فعل طبيعي
ومعروف يحدث في دول كثيرة حول العالم وخاصة البلدان الفقيرة والتي
تعاني من مشكلات اقتصادية واجتماعية, وذلك نتيجة لفشل برامج
التنمية في تلك الدول والتي توعد الحكومات أنها ستكون حل لكل
مشكلات شعوبها, وما نتحدث عنه اليوم هو أوضح مثل علي ذلك, فمنذ
قيام ثورة يوليو 52 وبرامج التنمية المصرية تلاقي الفشل الواحدة
تلو الأخرى مما أدي تصاعد الفكر والثقافة الأصولية والتي قدمت
نفسها للمجتمع كبديل عن تلك المشروعات الفاشلة بتقديم حلول إسلامية
لمشكلات المجتمع مما أدي إلى تشبع المناخ بها مؤدياً إلى إفراز روح
من المحافظة والرجعية أدت إلى موقف متعصب متشدد تجاه الأقباط.
والمشكلة الأساسية أن الحكومات المصرية كانت ولا تزال تنكر وجود
مشكلة للأقباط للحفاظ على ماء الوجه بالرغم من أن بوسعها إن تفعل
الكثير للحد من هذا التيار المتعصب في المناخ الثقافي العام من
خلال التعامل الفعال والناجع مع هذا التيار المتأسلم بتفجير ثورة
إصلاح شاملة تكون فيها الحكومة المثل والقدوة لكل فئات الشعب من
خلال مراجعة برامج التعليم والأعلام والتي تعتبر المسئول الأول عن
ازدياد وانتشار هذا التيار. وبالطبع تلك الثورة يجب أن تمتد لتشمل
المؤسسات الدينية الإسلامية ومنابر المساجد والتي أصبحت كما قيل لي
الأساس لبث سموم هذا التيار السعودي المتطرف (الوهابي). أن المشكلة
بصورة عامة تتلخص في لجوء الحكومات المصرية المتوالية إلى نشر ما
يسمي بالثقافة الثيوقراطية والتي تبناها بالأخص الرئيس السادات
بتشجيعه للأصولية الإسلامية وفتح لها الباب علي مصراعيه للدخول إلى
المجتمع من أجل كبح جماح التيار الشيوعي والناصري وأزداد الموقف
سواء بتعامل الرئيس المصري الحالي معها بسلبية شديدة بسبب المصالح
الشخصية مما أدي للأسف إلى تفاقم الوضع ليكون مشكلة معقدة تؤثر علي
البنية الأساسية للمجتمع المصري وعلاقة أفراده بعضهم ببعض كما أثرت
علي علاقة مصر بالدول الديموقراطية التي تنادي بالحريات علي مستوي
العالم.
أن الوضع السائد الآن في انخفاض تمثيل الأقباط في
الحياة العامة والمناصب الكبرى وفقدهم لأقل حقوقهم الإنسانية هو
خطأ سياسي فادح للحكومات وقعت فيه لانتهاجها لأسلوب إنكار المشكلات
وإخفاء الحقائق والإصرار علي عدم الحديث عنها وهو ما يعكس ثقافة
عدم قبول النقد وعدم تأصيل القدرة علي ممارسة النقد الذاتي
والتركيز علي مقولة سلبية الأقباط وانصرافهم ألي الأنشطة المالية
والاقتصادية بدلاً من تحليل المشكلة بأسلوب علمي ووضع حلول جذرية
لها.
فعدت اسأل صديقي الذي أذهلني بتبحره في دراسة تاريخ
مصر بصفة عامة والحياة السياسية والمشكلة القبطية بصورة خاصة, وما
العمل الآن؟ ما هو الحل؟
فقال لي: الآن ومع وجود تمثيل لكل القوي السياسية في
مصر بعد أن سمحت الحكومة بتعدادية الأحزاب وبدلا من تلك الجهود
المتفرقة الغير منظمة التي يقوم بها سواء أفراد أو منظمات أو
مؤسسات قبطية منفردين لماذا لا يفرض الأقباط صوتهم ووجودهم علي
النظام السياسي بالتواجد علي مسرح الأحداث عن طريق تأسيس حزب وطني
قبطي يشارك فيه الكثير من المثقفين ورجال الاقتصاد والسياسة وحتى
رجال الدين الأقباط, ويكون هذا الحزب هو الصوت الحر المستقل الذي
يمثل الأقباط في مصر وشيئاً فشيئا وبالإدارة السليمة سيستطيع هذا
الحزب أن يفوز بمقاعد في البرلمان وبذلك يوضع أساس سليم وصلب
لتمثيل الأقباط بصورة واضحة في الحياة اليومية وبموافقة السلطات
السياسية وهو ما سينتج عنه تغير في المفهوم المتداول بين قيادات
الدولة في تناول ومعالجة مشكلة الأقباط الأمر الذي سيقود إلى
تغييرات كثيرة تعمل ليس فقط علي تهميش اوجه الشكوى والقصور التي
يعاني منها الأقباط بل ستؤدي إلى البدء في إجراءات مختلفة تعمل علي
الحد من نشاط وهيمنة التيار المتأسلم الأصولي في مصر بصورة عامة.
راقتني فكرة صديقي الخاصة بإنشاء حزب قبطي ولكنني عدت
اطرح عليه مخاوفي, فقلت له وهل تعتقد أن الحكومة المصرية سوف تسمح
بقيام حزب قبطي؟ وأذ وافقت الحكومة علي الفكرة فأنها سوف تتعرض
لضغوط شديدة من الدول العربية الإسلامية الممولة للاقتصاد المصري
والتي لها مصلحة في انتشار هذا التيار, مما سيؤدي في النهاية إلى
تراجع الحكومة عن موافقتها؟
فأبتسم صديقي وقال: أننا الآن في عصر الحريات
العالمية وإذا لم توافق الحكومة علي مشروع الحزب القبطي نتيجة
لضغوط الدول الإسلامية فأنها سوف تتعرض لضغوط أشد من جانب الدول
الأوروبية وأمريكا والتي تساهم بدور أكثر فاعلية في تمويل الأقتصاد
المصري, خاصة الآن مع هذا التيار العالمي المضاد للإسلام.
وباللأضافة إلى ذلك هناك حل قد يكون أكثر سهولة يوازي ويكمل الحل
الأول ويتفادى الاصطدام بصورة مباشرة مع التيارات والضغوط
الإسلامية وكذلك يعطي الفرصة للحكومة المصرية أن تحفظ ماء الوجه,
هذا الحل قد يتمثل في تقديم حزب جديد لا يحمل مباشرة أسم الأقباط,
يمكن مثلاً تسميته الحزب المصري الليبرالي أو أي شئ من هذا القبيل,
يتمثل فيه الأقباط بمختلف فئاتهم بالإضافة إلى العناصر المعتدلة من
المفكرين والمثقفين المسلمين ويكون قناة شرعية يستطيع من خلالها
الأقباط فرض الأمر الواقع ليس فقط علي الحكومة بل علي الحياة
العامة في مصر ككل.
إلي هنا أنتهي حديثي مع صديقي المثقف, وتبقي سؤال
أرجو أن أجد المساعدة في الإجابة عليه: هل الحزب القبطي فكرة قابلة
للتحقيق أم أنها خيال؟
في رأي الخاص أن الفكرة قابلة للتحقيق إذا ما تكاتفت
الجهود القبطية من أجل تحقيقها. المهم تواجد العناصر القبطية
الغيورة والنشطة والتي تستطيع أن تقود وتدير وتخطط من أجل تحقيق
هذا الحلم الذي قد يكون هو الحل لمشكلة الأقباط في مصر.
وعليه فأنني أطلق نداء إلى كل من له اهتمام بمشكلة
الأقباط سواء من رجال الاقتصاد أو السياسة والمفكرين والمثقفين وكل
القيادات القبطية سواء من العلمانيين أو القيادات الدينية ورجال
الدين بفتح حوار ديموقراطي من أجل مناقشة فاعلية تلك الفكرة ودراسة
إمكانية تحقيقها لعل وعسي تكون فكرة الحزب هي بداية الحل المفقود
لمشكلة الأقباط في مصر.
|