العلاج ببول الإبل

بقلم: عصام نسيم

لقد وصلنا في المجتمعات العربية إلي درجة من الجهل ممكن أن تدرس في جامعات العالم المتحضر فقد تم لغي العقول لتفكر واستبدلنا التفكير والبحث العلمي بالتهبيل والبحث في أمور هي بعيدة كل البعد عن العلم لنخرج منها علم (جهل ) وكل سندها هو الدين فأي أمر متعلق بالدين أصبح صحيح دون تفكير أو بحث في صحته . فحديث منذ مئات السنين ممكن أن يلغي كثيرا من الانجازات العلمية . فالأصدق هو الحديث . وأصبحنا نري نتيجة لهذا النكوص الفكري العلاج بحبة البركة والتي تشفي من كل داء ، كذلك العلاج بعسل النحل والحجامة والعلاج بالقران وغيره من قائمة ما يعرف بالطب النبوي . وكان احدث نوع في العلاج من هذه القائمة الشهيرة هو العلاج ببول الإبل أي الجمال ويتم هذا العلاج بشرب بول الإبل مع اللبن أيضا (ياريت محدش يقرف ) فهذا الأمر ليس إشاعة مغرضة مني . فقد استضاف برنامج حديث المدينة في حلقته الأخيرة دكتورة بيطرية من مدينة مطروح تدعي أنها تشفى أمراض الكبد ومنها فيروس سي وذلك ببول الإبل ولبنه أيضا . وربما يكون لبن الإبل أمر ممكن أن يقبله العقل ولكن بوله إيه القرف ده . أنا لست طبيب ومعلومتي الطبية بسيطة جدا ولكن ما اعرفه هو أن البول عبارة عن سموم يتخلص منها الجسم عن طريق البول . فهل ممكن أن تكون هذه السموم مفيدة ؟ وأرجو لو كانت هذه المعلومة خاطئة يصححها لي متخصص في الطب لأنني لست متخصص ولا اعرف الكثير عنه .

نعود لموضوعنا،  لقد أدهشتني فعلا هذه الحلقة والتي كانت تروج لهذه الدكتورة من عم مفيد فوزي دون أن يعرف ، خاصة وقد جاء ببعض الحالات التي تدعي أنها تحسنت بهذا الدواء الجديد . المشكلة هنا ليست هل هذا البول ممكن أن يشفي أم لا ولكن المشكلة تثبت كم وصلنا ألي انحدار في مستوانا العلمي والتفكير والبحث العلمي السليم . فهذه الدكتورة البيطرية تشفي مرضاها بمعرفة وزارة الصحة دون أن تفعل أي شيء لها وكأن أرواح البشر لا تعني هذه الوزارة والمسئولين فيها بشيء . فالشعب المصري المسكين أصبح فئران تجارب لكل مهوس أو مدعي علم يأتي بفكرة مجنونة لينفذها فيه ، ولا تتحرك هذا الجهات إلا بعد حدوث كارثة لشخص ما نراها تبدأ بالتحقيق والبحث وما إلي ذلك .

أنا لا اعترض علي أن من الممكن أن يكون بول الجمال به مادة شافية ، يا ريت حتى لو كان الشفاء من عرق الجمال لا اعترض على ذلك . ولكن اعتراضي هو أن هذا الكلام الاهبل لا يؤيده أي إثبات علمي أو مؤيد علميا أو تمت أبحاث علمية في معامل معروفة تؤيد أو تنفي هذا الادعاء . فكل ما يؤيد هذه العلاج المقرف هو حديث نبوي ! شفتوا المصيبة فهذه الدكتورة تعالج مرضاها بالبول لأنه يوجد حديث يؤيد هذا رغم أن الحديث ذكر أمراض البطن وليس الكبد ولكن مش مهم فكله عند العرب صابون .

والمصيبة الكبرى أن يستضيف العم مفيد شيخ ليسأله عن رأيه في هذا الحديث بدلا من أن يذهب إلي جهة علمية محترمة أو يسال دكتور جامعي من المتخصصين في مجال الأدوية يسأل عم الشيخ عن صدق هذا الحديث أم لا ! ما هذا الأسلوب الخايب في تناول قضية مهمة مثل هذه ؟ لقد ذهب إلي مسئول وزارة الصحة وكان دفاعه أنها لم تقدم لنا ورقة لنبحث هذا الأمر ! يا سلام ! هل تنتظر وزارة الصحة حتى تأتي لهم هذه المكتشفة الفذة بإكتشافها لتثبت زيفه وجهلها . لماذا لا تقوم وزارة الصحة بالمبادرة والبحث في هذا الأمر وتثبت صحة أو كذب ما تدعي هذه الدكتورة البيطرية والتي تدعي أن احدي جامعات أمريكا طلبتها لتأتي وتقوم بعمل المزيد من البحوث علي هذا الاكتشاف وهي رفضت نظرا لحبها لوطنها وعدم رغبتها في تركه فعلا دون أن تخبرنا ما هي هذه الجامعة أو تظهر للمشاهدين هذه الرسالة لنعرف مضمونها الحقيقي ؟

في الحقيقة هذا الأمر في غاية الخطورة ويجب علي الجهات المتخصصة أن تقوم بالبحث وإجراء التجارب لتثبت سواء زيف أو صدق ما تدعيه هذه الدكتورة  خاصة وأنها دكتورة بيطرية وليست بشرية ووظيفتها علاج الحيوانات وليس البشر (ربما رأت انه أصبح لا فرق بينهما في المجتمعات العربية الآن لذلك بدأت في علاجهم معا) . أن الأمر فعلا خطير لأنه يخص أرواح بشر ولو حدث مثل هذا الأمر في أي بلد متحضر لقامت الدنيا ولم تقعد.  ولكن للأسف ولأننا في مصر ، فالأمر لا يعني أي احد من المسئولين ما دام لم يموت احد نتيجة لهذا العلاج البولي حتى الآن . فيجب أن تحدث مصيبة أو كارثة حتى يتحركوا .

أن ما يحدث من مثل هذه الأمور تظهر لنا إلي أي انحدار قد وصلنا إليه بسبب البركة التي نحيا بها كما تظهر أن أرواح البشر ليست لها قيمة في هذه البلد وأنا أتمني لو يقوم أي باحث متخصص حتى لو خارج مصر ويحلل هذا البول ويخبرنا ماذا سوف يجد ربما فعلا به دواء خفي لا نعرفه . أما سيجد كذب وزيف ما تدعيه هذه الدكتورة والتي ستكون في هذه اللحظة ضمن قائمة الدجالين والمشعوذين ومفتي الجهل الذين أصبحوا في كل مكان الآن فعلا أتمني ذلك وارجوا الرد من دكتور متخصص ويكون له كل الشكر .