نبيل محمود والى


  18  مايو 2005

صفحة كُتاب الأقباط متحدون

walinabil@yahoo.com

مدينة الموتى وقبور الفوارق الطبقية

 

على الرغم من رهبة الموت استطاع المصريون أن يتآلفوامعه وأن يعقدوا معه صداقات فالموت فى  هذه المدينة التي تقع بالقرب من وسط    القاهرة بأسماء مختلفة مقابرالإمام ترب الغفير الشافعي البساتين لم   تعد مجرد مقابر لأن المصريين الأحياء قرروا ألا يتركوا موتاهم وأرغموا على  أن يسكنوا معهم حتى النهاية في مكان واحد بل في مقبرة واحدة.

 

عندما تطرق الباب لتدخل لا تتساءل من يسكن هنا ولا تتوقع أن يجيبك الموتىلأن هنا يسكن الأحياء أيضا - وفي أحد شوارع مقابر

البساتين والمقامة على هيئة مدينة سكنية كبيرة بيوتها من طابق واحد البيت به غرفتان تبدو الشوارع والبيوت كئيبة لكن هذا  ليلا فقط أما في النهار فتدب فيها الحياة ويخرج ساكنو مدينة   الموتى الى شوارعها وهم من الأحياء الذين   اختاروا السكنى في صحبة الموتى هربا من ازدحام القاهرةأو من جحيم الحياة إلى جنة صمت الموتى .

 

و في أطراف العاصمة هناك قطاع تقطنه الأغلبية العظمى يقطنه  الأموات أنها مدينة أو قل ضاحية إن شئت تمتد وتستدير مع مدينة  الأحياء ما بين شوارعها المزدحمة وتلال المقطم إذا وقفت عند مسجد الجيوشى فوق القلعة من أعلى الحصن الذي قذف منه نابليون بقنابله  العاصمة الساهره . هكذا يصف ديزموند ستيوارت مدينة الأموات كما يسميها قائلا إن   الذين ينكرون دوام الصلة بين أهل القاهرة من قبل أربعة آلاف سنة  فإن في مدينة الأموات ما يكفي للرد عليهم وكان الرومان يحرقون  موتاهم والإغريق يدفنونهم خارج المدن على قارعة الطريق و يبدو ان التقسيم الطبقي لا يسري فقط على الاحياء بل هو   يمتد أيضا الى عالم الموتى في مقابر القاهرة .

 

   فعلاقة المصريين بالموتى علاقة غريبة ففى الريف نجد الكثير من القرى  المصرية بحرى وقبلى عبارة عن بيوت تلتف حول المقابر  حيث تصبح المقابر هي مركز القرية وفي احيان كثيرة تصبح مكانا  للسهر أو اللعب أو اقامة الحفلات بين الشباب و هناك معايير تتحكم في سعر المدفن منها الموقع وهيطل على شارع رئيسي أم فرعي ومساحته والتشطيبات ونوع الزخارف التي تزينه   ومدى قربه من القاهرةفهناك مدافن مصر الجديدة والتي تعد مدافن  الصفوة وقد يزيد سعر المدفن الواحد فيها على سعر أي شقة في حي  راق حيث يبلغ في بعض الاحيان اكثر من 150 ألف جنيه  ويتحدد سعر المدفن بمساحته التي تبدأ من 20 مترا مربعا وتصل في   بعض الاحيان الى 200 متر مربع .

 

ثم تأتي تشطيبات المقبرة من الداخل   من حيث نوع الرخام الذي يغطي الارضية وحسب ما اذا كان مصريا أو   مستوردا حيث تزين المقابر غالبا بأجود أنواع الرخام من الألباستر  والبلترو أو السيراميك الفاخر اضافة الى الآيات القرآنية   المكتوبة على المقبرة بماء الذهب وتشييد هذه المدافن على هيئة   فيلا صغيرة يحيط بها سور كبير من الخارج مبني من الطوب الحراري وبوابة حديدية على المدخل المؤدي الى المقبرة الذي يصمم بدقة  وعناية وبشكل مختلف من مقبرة الى اخرى حيث يتم تزيينها في بعض   الاحيان بالاعمدة الرومانية أو بعض الزخارف الاسلامية .

 

 كما يتم زراعة المنطقة المحيطة بالمقبرة من الداخل بأندر أنواع نباتات الزينة والزهور اضافة الى تخصيص اماكن لجلوس الزوار مغطاة بمظلات   لحمايتهم من الشمس في الصيف والمطر في الشتاء وفي حالة اذا ما   كان صاحب المقبرة من الشخصيات العامة التي قد يتردد على زيارته   شخصيات كبيرة فانه يتم تخصيص دفتر يدون فيه الزائر كلمة للمتوفي  وتاريخ الزيارة ويتولى نظافة هذه المدافن من الداخل مجموعة من  العمال نظير مبالغ ماليه يتقاضونها من ملاك هذه المدافن الأحياء .

 

 بساطة ولعل الذي يزور منطقة البساتين (اسفل هضبة المقطم) سيكتشف  ان كل بيت (مقبرة) توضع عليه من الخارج لافتة رخامية مكتوب عليها  اسم الميت والذي غالبا ما يكون أحد أفراد الأسرة المالكة في   فترة ما قبل الثورة أو أحد الباشوات  أو الفنانين المرموقين أو الوزراء الراحلين أو من ألاثرياء الجدد من ورثة نظام 23 يوليو  1952 والاشتراكية والانفتاح وتتميز هذه المقابر بالرفاهية في حين تبدو المقابر الأخرى في   ترب الغفير مثلا متروكة في العراء نجد أن مقابر هؤلاء معتنى بها تماما فحتى فى الموت هناك الفوارق الطبقية  وسبحان من له الدوام !!!

 
 


E-Mail: info@copts-united.com

Copts United

لأقباط متحدون