-
القرداتى
-
-
من الناحية الرسمية
الدولية فلقد حسمت القضية الفلسطينية منذ صدور قرار
التقسيم عام 1947 الذى وافق على إنشاء دولة فلسطينية على
كامل أراضى الضفة الغربية وقطاع غزة وحيفا ويافا مع تدويل
القدس القديمة ومنذ ذلك التاريخ والى اليوم يعانى ويكابد
الشعب الفلسطينى بالداخل والخارج قسوة الظروف وشظف الحياة
وإنعدام أى أمل فى روية بصيص نور فى نهاية النفق المظلم
لتحقيق الحلم وتأسيس دولة فلسطين وغالب الظن أن الفلسطينين
سيظلون يعانون هكذا لقرن قادم من الزمان وفقا لأحسن
النقديرات تفائلا بعد تزعم الولايات المتحدة الأمريكية
السياسة الدولية ولأمد غير منظور واستمرار النظام العربى
فى التهرب من استحقاقات قضايا الأمة القومية .
-
-
فالنظام العربى
الحاكم وعدد لابأس به من القيادات الفلسطينية النافذة
الأموات منهم والأحياء ساهموا بقدر هائل بل كانوا حجر
الأساس ولايزالون فيما يتعرض له الفلسطينيون بدءا من رفض
قرار التقسيم ومرورا برفض مبادرة المجاهد الأعظم الحبيب
بورقيبة الرئيس التونسى فى أوائل الستينيات من القرن
المنصرم ومبادرة الرئيس محمد أنور السادات إبان زيارته
للقدس عام 1977 من ذات القرن ووصولا لمبادرة الرئيس
الأمريكى فى كامب ديفيد الثانية فى ظل ثقافة أعداد الجيوش
لحماية العروش والكروش وأصبح الإتجار بالقضية الفلسطينية
هدفا فى حد ذاته لتحقيق المنافع والمكاسب لكل هؤلاء ،
وبسياسة الأمر الواقع توسعت اسرائيل كما وكيفا على الأراضى
الفلسطينية عما كانت عليه عند صدور قرار التقسيم وصار من
المستحيل نظريا وعمليا العودة الى قرار التقسيم وأصبحت
القضية الفلسطينية تعرف اليوم فى المحافل الدولية بقضية
الفرص الضائعة وفى ظل هذا المناخ وعلى مدى أكثر من نصف
قرن من الزمان كان ولابد من القاء اللوم والتبعة على القوى
الإمبريالية والإستعمارية وبالطبع تأتى أمريكا واسرائيل
على رأس القائمة ولم يفكر مسؤل عربى واحد فى مجرد اعلان أن
التقصير والإهمال بل إرتكاب الجرائم فى حق الشعب العربى
الفلسطينى قد تأسست على أخطاء من تاجروا بهذا الشعب
إبتداءا .
-
-
عندما كان مصطفى
باشا النحاس زعيم حزب الوفد رئيسا لحكومة مصر إبان عهد
الملك فاروق الأول ملك مصر والسودان كنا صغارا وكنا نتسلى
كثيرا ونفرح عندما نشاهد القرداتى الذى كان يجوب مصر من
أولها لأخرها لجلب الأموال والإسترزاق وإمتاع النظار وكل
رأسماله القرد والدف والسلسلة وعدد من المساعدين فمن ناحية
كان يحكم الطوق على رقبة القرد بالسلسلة بكلتا يديه
القويتين ليمنعه من الهرب وللتحكم والسيطرة فالقرد يشكل
مصدر الرزق الوحيد بل مستقبل القرداتى إجمالا وسبب بقائه
على قيد الحياة بينما يمسك مساعديه بالدفوف التى يضربون
عليها بكل قوة محدثين جلبة وضوضاء وأصوات وأنغام تجذب
المتفرجون بينما يرقص القرد مذبوحا من الألم الذى يسببه
الطوق الحاكم على رقبته أثناء حركته على أنغام و ضربات
وإيقاع ضاربوا الدفوف ويتجمع المشاهدون ليستمتعوا بالعرض
وتبدأ الأموال فى التساقط فى حجر القرداتى الذى مالبث أن
ذاع صيته وتفاقمت شعبيته وتوسع وانتشر فى كافة أنحاء الوطن
العربى بل خارجه أيضا بحثا وراء المذيد من ألأموال
والمتفرجين وبعد ذلك اكتسبت القرود المكانة اللأئقة وصاروا
نجوما فى الفضاء الخارجى .
-
-
وبعد قيام ثورة
يوليو 1952 وانتشار المد الثورى التحررى الإشتراكى الوحدوى
فى المنطقة العربية والذى جاء على موعد مع القدر ليعلمنا
الكرامة والعزة وبعد أن تم القاء اللوم والتبعة على
الأنظمة الملكية الفاسدة الرجعية التى تسببت فى هزيمة 1948
و ضياع فلسطين والأتجار بالقضية ثم انضمام عديد من الدول
العربية الى نادى الأحرار الثوار الأشاوس حماة البوابة
الشرقية والغربية للأمة العربية بعد القضاء على العديد من
الملكيات البائدة فى مصر والعراق واليمن وليبيا وغيرهم كنا
قد كبرنا وبدئنا نفهم ونتعلم ونستوعب وتصورنا ان مهنة
القرداتى وضاربوا الدفوف قد انتهت مع العهدالبائد وأننا
كشعوب عربية سنشاهد ونرى عروضا أخرى أفضل تختلف شكلا
ومضمونا عما كنا ألفناه على الأقل فيما يتعلق بحقوق شعب
عربى شقيق مظلوم يدفع ثمن جريمة لم يقترفها ولكن بكل أسف
فإن الصورة لم تتغير على مدى نصف قرن بل إذدات ألما وبؤسا
وشقائا قادنا اليها الثوار الأحرار الإشتراكيون فى العالم
العربى وذلك مالم تفعله الملكيات الرجعية فالقرداتى لايزال
على قيد الحياة يمارس هوايته المفضلة فى اللعب بالقرد
ميمون والمتفرجون معا بوسائل حديثة ومبتكره لايزال الشعب
الفلسطينى يدفع على إيقاع ضربات دفوفها الثمن مضاعفا .
-
-
|
|
|
|