-
عصا الملك
-
بقلم نبيل والي
إعلان
وزير الدفاع المصري مبايعة الجيش للرئيس مبارك يعد انتهاك واضح
وفاضح للدستور الكسيح الأعرج وتكريسا لمبدأ عسكرة الحكم التي
استمرت على مدى أكثر من خمسة عقود خلت..خاصة أنه لا يجوز
للمؤسسات السيادية التعبير عن أرائها السياسية لأن تدخلها
يعتبر تدخلا في إرادة الشعب... حتى وإن
أعتبر البعض ذلك تعبيرا رمزيا معنويا للرئيس مبارك كقائد أعلى
للمؤسسة العسكرية.
الدستور المصري لم يعطى حق التصويت للقوات المسلحة لأنها مؤسسة
سيادية مستقلة مثلها مثل القضاء والبوليس ويكفى أن الشعب يلبى
احتياجات الجيش.. وأن واجب المؤسسة العسكرية هو حماية الوطن من
الاعتداءات الخارجية وهذا الدور له أهميته بعيدا عن اللعبة
السياسية مثل باقي دول العالم المتحضر فالجيوش التي تسطو على
نظم الحكم الديمقراطية بالقوة كما حدث في الجمهوريات العربية
العسكرية المستبدة قد انتهى عصرها في ظل رياح التغيير التي هبت
على العالم أجمع وأصبح واجب الجيش في الداخل هو حماية الدستور
إضافة إلى تقديم العون والمساعدة في حالة الكوارث الطبيعية
الهائلة عند الضرورة القصوى.
الجيش المصري هو جيش مصر.. وليس جيش الرئيس
مبارك والنظام يلعب بالنار بإقحام
الجيش في السياسة ويدخله في لعبة المبايعات ! وماذا يحدث لو
اختارت القوات الجوية مرشحا والبرية مرشحا أخر والبحرية مرشحا
ثالثا ؟! وعندما يفشل النظام الحاكم في تحييد المؤسسة العسكرية
فهل سينجح في تحييد المؤسسات الأخرى السياسية والإعلامية
والبوليسية !
وبالتالي هل ستكون الانتخابات الرئاسية حرة ونزيهة يحظى
فيها كل المتنافسين بحظوظ متساوية أم أن العملية برمتها هي
استفتاء على شخص الرئيس مبارك في صورة انتخابات كديكور لزوم
الديمقراطية وأن كل المرشحين قد قبلوا مسبقا القيام بدور
المحلل لصالح الرئيس !
الدولة المصرية أخطأت خطأ فادحا وسقطت في المحظور وأقحمت الجيش
في السياسة صراحة وخرجت علينا المؤسسة العسكرية وأعلنت
مبايعتها لأحد المرشحين في الانتخابات الرئاسية وأقحمت جنود
وضباط الجيش في حملة الدعاية للرئيس بينما الجيش هو أهم وأخطر
مؤسسة في البلد يحظى باحترام وتوافق الجميع على ولاؤه للوطن
وليس لأي شخص ولا أحد يشك في ذلك... هذا هو جيش مصر.
لقد اعتادت الدولة المصرية على دفن المشاكل لا حلها بحجة
حساسيتها وهذا المنطق يشعل الفتنه ويفتح أبواب الجحيم وهو منطق
الإخفاء وقاعدة التعميم حتى لا نقترب من القضايا والمشاكل
والمناطق المحظورة والتي تكشف مصائب وعورات النظام وكوارث
الحكومة وتفضح عقلية المسئولين تحت مسمى القضية أمن قومي
لإرهابنا ومنعنا من مجرد التطرق إليها.فلا
الوقت والأوضاع السياسية والاقتصادية ولا أحوال المعيشة
الاجتماعية والنفسية أصبحت تسمح بتأجيل مناقشة أي قضية أو فتح
أي ملف في هذا الوطن.
إعلان وزير الدفاع المشار إليه
أعاد إلى الأذهان المشهد ذاته عندما قام الرئيس جمال عبد
الناصر بانقلاب العسكر فجر 23 يوليو 1952 كانت قولته المشهورة
أن الجيش هو عصا الملك ويجب انتزاعها من بين يديه... وقد كان
وخضعنا لحكم العسكر إلى اليوم
وأصبحنا أنموذجا في المنطقة العربية يحتذي به لتكريس الجيوش
لحماية العروش والكروش.. ولكن سيظل
السؤال الأهم والأخطر مطروحا على الساحة في ظل إقحام الجيوش في
اللعبة السياسية هل كان نزع عصا الملك أخر المطاف ؟
أم أن التاريخ سيعيد نفسه ومن
الممكن أن تتعرض مصر لانقلاب عسكري طالما قواعد اللعبة في
عسكرة المجتمع على حالها ولم يصبها الدور في التغير والإصلاح
وعدم إقحام الجيش في السياسة ؟
نقلاً عن إيلاف:
http://www.elaph.com/ElaphWeb/AsdaElaph/2005/8/84150.htm