دموع التماسيح
لحقت مجلة صباح الخير مجموعة مهاجمي الأقباط
والكنيسة القبطية التي بدأتها الصحافة المصرية – خاصة الصفراء منها
– وكانت الحملة قد بدأت واشتدت أخيراً بعد حادث وفاء قسطنطين ، تلك
المرأة البائسة التي كادت بقصر نظرها أن تشعل ناراً يصعب إطفائها .
طالعتنا المجلة المذكورة بمقال رصين تحت عنوان "الأقباط
بين السلبية وحساسيات الخصوصية" لكاتبة تدعى كريمة كمال لم
استطع أن أتبين تاريخ معرفتها بمشاكل الأقباط الحقيقية . وصلني
مقال السيدة كريمة عبر البريد الالكتروني دون أن يحدد لي الراسل
(سامحه الله) رقم العدد أو تـاريـخ صـدوره ، لذلك اعتذر عن عدم
ذكرهما فيما كتبت هنا ولكن من المعتقد أن المقال قد نشر حديثاً .
فبعد مقدمة قصيرة نسبياً ، دخلت السيدة كريمة "في
المليان" متهمة الأقباط بالجبن لأنهم لا يجرؤن على عصيان الكنيسة
في أمور كثيرة وقد اختارت مدام كريمة موضوع الطلاق في الأسرة
القبطية كمثال ، وأكدت أن الكنيسة القبطية تمارس سلطاتها الروحية
بطغيان شديد ورجعية وتعسف زائد بحقوق الأقباط ، خاصة النساء منهم .
عابت السيدة الفاضلة على الأقباط أنهم لا يشاكون غيرهم (ولعلها
تقصد الأستاذ مصطفي بكري وأمثاله أو الشيخ القرضاوى وبطانته)
شكواهم من تجبر الكنيسة وطغيانها وكيف أنهم يجب عليهم أن "يفضفضوا"
لكل من هب ودب بما يجيش في صدورهم نحو كنيستهم الرجعية الظالمة
محطمة حقوق الإنسان! وكما قلت اختارت مدام كريمة موضوع الطلاق خاصة
للبكاء على حرية نساء القبط المسلوبة .
ذكرت الكاتبة الفاضلة أنه بالرغم من وضع قضايا الطلاق
للأقباط في يد محاكم مدنيه بعد أن كانت في أيدي المجلس الملي
القبطي ، إلا أن هذا الأجراء لم يحرر الأقباط تماماً من غائلة
الكنيسة . فعند محاولة المطلق أو المطلقة من القبط الزواج في
الكنيسة القبطية مرة ثانية فهم يقابلون بالرفض . وبالطبع لم تذكر
أو ربما لأنها لا تعلم . أن في الامكان للذين يواجهون هذه
"الصعوبة" البقاء على مسيحيتهم والزواج في كنيسة أخرى غير
الأرثوذكسية أو حتى التخلي عن المسيحية بكاملها واعتناق الإسلام
مما يسهل لهم الزواج والطلاق كما يعلم الجميع .
لم تفطن السيدة الكاتبة إلي أن عدم لجوء المطلقين
الأقباط إلي هاتين الوسيلتين أنما يرجع لتمسكهم بكنيستهم وكأنهم
يقولون نار الكنيسة القبطية ولا جنة الآخرين !
وبالطبع افترضت الكاتبة الحفيصة حلاً مناسباً لتعدي
الكنيسة القبطية على حقوق بناتها خاصة في الطلاق بلا حدود . وكان
هذا الاقتراح معبراً عما تقصده مدام كريمة فعلاً وهو تطبيق القانون
المصري (الشريعة الإسلامية) على الأحوال الشخصية لجميع المصريين
ومنهم الأقباط . لم تدافع المدام عن مساواة الأقباط للمسلمين في شئ
سوى الطلاق على الطريقة الإسلامية طبعاً . مرة واحدة بقى الأقباط
مصريين ! ولا يخفى لأحد أن الغرض الواضح هو إبعاد الأقباط عن
كنيستهم وإعدادهم لقبول الشريعة الإسلامية في كل مجالات حياتهم
رسمياً بعد أن أصبح ذلك يحدث فعلياً في هذه الأيام الغبراء وليس
الدفاع عن حقوق الأقباط المهضومة .
السيدة كريمة تريد تحرير المرأة القبطية من كنيستها
واستعادة حريتها كاملة كما هو الحال مع المراة المصرية المسلمة .
ويبدو أن الكاتبة قد اتبعت الطريقة العلمية الصحيحة في إجراء
البحوث في هذا الشأن قبل أن تتحفنا بأفكارها التي تتراوح بين الجهل
والسذاجة وسوء النية نحو الأقباط وكنيستهم وقامت بدراسة مقارنة
أحوال نساء القبط ونساء المسلمين . مدام كريمة تريد للمرأة
القبطية أن تعامل كالمسلمة فيأتيها الطلاق بلفظ واحد من بعلها وإذا
تكرر ذلك "اليمين" ثلاث مرات كان على القبطية أن تجد لنفسها "محلل"
يذوق عسيلتها وتذوق عسيلته قبل أن تستطيع العودة إلي زوجها النادم
على تسرعه بالطلاق ! السيدة كريمة تريد للقبطية إلا تكون "وحدها في
البيت" فيدخل عليها "البيه" بأخرى وثالثة ورابعة "يونسوها" في
بيتها ! باختصار زواج وطلاق على طريقة الآكلات السريعة التي
ابتكرتها أمريكا الكافرة وجدت طريقها إلي بلادنا العريقة .
فبالطلاق السريع تحصل المرأة القبطية على كامل حريتها
وتحطم أغلال الكنيسة القبطية الطاغية ، وتعيش في سعادة وتبات ونبات
وتخلف صبيان وبنات مثلها في ذلك مثل المسلمة التي تستمتع بكامل
الحرية !
مدام كريمة نسيت أن الأسر المسلمة الكريمة المتجددة
تفخر بأن الزواج عندهم هو مثل "جواز النصارى" لا مجال فيه للعبث أو
الاستخفاف .
يا مدام كريمة ، اسمحي لي بأن أذكرك بأن الكنيسة
القبطية هي مفسره وحامية شريعة المسيح . وشريعة المسيح واضحة ،
صريحة ، نبيلة ، سامية لا مجال فيها للنسخ أو الترقيع أو المراجعة
أو الرجوع أو التفسيرات المتعارضة . شريعة المسيح لا تسمح بالطلاق
إلا لعلة الزنا وتحذر الرجل إذا "عينه زاغت" بأنه يرتكب خطيئة
الزنا عندما ينظر إلي إمرأة ليشتهيها لأنه يزني بها في قلبه .
أعتقد إذن يا مدام كريمة أن غرضك من هذا المقال
البليغ هو عدة أمور ليس بينها واحداً مما ادعيت . وها أنا أسرد لك
ما عساه أن يكون قد دار بخلدك عندما تفضلت بالدفاع عن حقوق المرأة
القبطية بصرف النظر أن المرأة القبطية لم تشكو لك أو لأمثالك .
أسبابك الحقيقية يا مدام هي :
1.
دق
الأسفين إياه بين الأقباط وكنيستهم وبذلك يضعف كلاهما ، ويصبحان
فريسة سهلة لقبول شريعة لا يعتقدون بها .
2.
التهجم -
ولو بطريقة غير مباشرة وتنقصها الشجاعة – على شريعة المسيح وإظهار
الشرائع الأخرى أفضل كثيراً من حقيقتها المعيبة .
3.
تحطيم
الأسرة القبطية وبالتالي المجتمع القبطي بنسف قلعته الحصينة وأعني
بها الأسرة القوية المتماسكة التي اتاحت للأقباط الحفاظ على وجودهم
بالرغم من شدة الضغوط وقسوة المعاملة التي استمرت أربعة عشر قرناً
. وبذلك ينفرط عقد المجتمع القبطي ويتشرد أفراده فيصبحون لقمة سهلة
سائغة للابتلاع .
مدام كريمة – اسمحي لي أن اقول أنه ليس فيما كتبت أي
شئ من الكرم أو الذكاء أو التعقل أو الأمانة . فأنت تريدين للأقباط
الطلاق على طريقة "الوجبات السريعة" ليس لإشباعهم بل لتسميمهم .
عودي إلي مكتبك وابذلي جهودك المحمودة في تحرير
المرأة المسلمة أولاً من الطلاق بالثلاثة لأتفه الأسباب وزواج
المحلل والمخلل والطرشي وكله عند العرب صابون . وكل سنة وسيادتك
طيبة .
دكتور صبري فوزي جوهره
أستاذ جراحة الصدر المساعد
كلية طب توليدو –
الولايات المتحدة
|