بلاش تمييس يا سيادة الرئيس

بدأ الرئيس حسني مبارك حملته الانتخابية على الطريقة الأمريكية بالاشتراك في مقابلات تليفزيونية تشرح وتسهب في سرد إنجازات سيادته وفضائله الشخصية . هذا بالرغم من تأكيد سيادته أنه لم يقرر بعد ترشيح نفسه لفترة رئاسية خامسة . ولكن ليس هذا هو ما أريد أن أتطرق إليه بالحديث . لذلك ، ولأننا أقل كرماً من الخواجه بيجو الذي فوت الكثير جداً لصديقه الحميم ابو لمعه ، دعنا نفوت لسيادته دي ونناقش أمراً آخر هام هو ما جاء في حديث سيادته عن موقفه من كنائس الأقباط .

تناول الرئيس أحداثاً جساماً في حديثه المسهب : الخيبه ثقيلة الوزن عام 1967 والتي لم تصب مصر في تاريخها الطويل خيبه مثلها ، ثم حرب 1973 ودوره الذي لا ينكر والذي يسجله له التاريخ في إزالة بعض آثار الهزيمة العسكرية المنكرة  التي أهانت مصر كما لم يحدث لها من قبل واقصد بذلك نكسة 1967 . وقد تفضل سيادته فتحدث بصراحة تامة عن كل مراحل هذه المأساة .

وجاء الحديث عن كنائس الأقباط – بناء الجديد منها وإصلاح ما عفي عليه الزمن من الكنائس القائمة فعــلاً . وهنا لجأ الرئيس إلي أسلوب أقل صراحة وأكثر دهاء . وهو المعروف عنه الدهاء السياسي والحرص الشديد .

سئل سيادة الرئيس عن قراره بالتصريح ببناء الكنائس الذي أصدره عام 2003 وكان هذا السؤال أصلاً غير دقيق – فإلي الآن لم يصدر من سيادته تصريحاً ببناء كنائس إنما قرار 2003 كان يتعلق بترميم الكنائس القائمة . أحال فيه الرئيس مسئولية إصدار التصريحات بأجراء الترميمات والإصلاحات غلي السلطات المحلية بعد أن كانت متمركزة بين يدي سيادته . ولا شك أن هذه الحركة كانت حركة "تميس" جداً حيث أنجزت الآتي :

1.     ظهر السيد الرئيس بمظهر القائد المعتدل الذي يتسامح مع خلق الله الأقباط من مواطنيه .

2.     وفر الرئيس على نفسه بعض من "الزنقه" التي كانت تلاحقه عند زيارته للبلاد الخارجية ، خاصة الولايات المتحدة ، عندما كان يتندر الأمريكان الخبثاء بالقول أن على الأقباط الحصول على أذن من الرئاسة ليستطيعوا قضاء نداء الطبيعة وهم في كنائسهم .

3.     وفر الرئيس على نفسه جزء من وجع الدماغ وأحاله "للسلطات المحلية" .

4.     لم يغير هذا القرار شيئاً في الأمر الواقع – "فالسلطات المحلية" مازالت متعنته رافضه وليس هناك سبيل محدد لتحدي هذا التعنت بل أن الدولة وأمنها تقف دائماً في صف المتعنتين وضد مطالب الأقباط . وكان هذا القرار  أذن "حركة تميس" أظهرت للعالم الرئيس في صورة أفضل دون المساس بواقع الأمر أو ربما جعلته أكثر سوءاً .

إلا أن أخطر ما جاء في هذا الشأن هو تأكيد الرئيس بأن إجراء مثل هذه الترميمات والإصلاحات في الكنائس المتهدمة "لا ينبغي أن يحدث عنه استفزاز المشاعر الدينية" . وهذه هي المرة الأولى التي يصرح فيها الرئيس بمثل هذه العبارة . وبما أننا جميعاً نعلم أن كلمة سيادة الرئيس هي القانون في مصر منذ قنن سيادته بهذه العبارة الممارسات العدوانية والسلبية والمحبطة التي تمارس في مصر عند طلب التصريح "من السلطات المحلية" بإصلاح الكنائس .

وبما أن وجود كنيسة في قرية يعتليه الصليب أو رنين الأجراس يوم الأحد لدعوة الأقباط إلي الصلاة ومثل هذه الأحداث تشكل استفزازاً للمشاعر الدينية لبعض الغلاة من متعصبي الإسلام . فقد سهل لهم السيد الرئيس مأموريتهم في التعدي على كل من يريد ترميم أو إصلاح أي كنيسة . فمشاعر المتعصبين من المسلمين مرهفه جداً لا يطيقون سماع أجراس الكنائس ربما لأنها تتداخل مع أعمالهم وهم يقومون بذبح الأقباط "على الطريقة الشرعية" . فكيف للأجراس أن تقرع وهم يصيحون بأعلى أصواتهم بأن "الله اكبر" حتى تتم شرعية الذبح .

تمييسه أخرى تفضل السيد الرئيس بطرحها وهي سلوك سيادته حيال بناء الكنائس الجديدة . فبالرغم من إصرار الدولة أن عدد الأقباط في مصر لا يتزايد بشكل أو بآخر (ما زلنا 2.5 مليون منذ عام 1952 ) إلا أن الحقيقة هي عكس ذلك . فالأقباط يتزايدون عدداً مثلهم في ذلك مثل مواطنيهم من المسلمين وأن كان معدل تكاثرهم أقل من المسلمين ويرجع ذلك إلي عوامل عديدة بعضها ثابت في الأسر القبطية وبعضها يرجع إلي عوامل تدخل الدولة غير المباشر بتطفيش الأقباط إلي المهاجر وشن حرب استنزاف ضد من يبقى منهم في مصر بين الاسلمة الاختيارية والجبرية إلي آخر هذا الحديث .

الحقيقة أذن هي أن الأقباط يتكاثرون في مصر وبالتالي تتزايد احتياجاتهم للكنائس التي ترعاهم روحياً واجتماعياً ومادياً خاصة إزاء ظروف القهر والاضطهاد التي يتعرضون لها خارج الكنيسة . أصبحت الكنائس هي الملاذ الوحيد الذي يلجأ إليه الأقباط وذلك لانعدام فئات مسيحية غير كنسية تستطيع الدفاع بشجاعة وأمانة عن حقوق أقباط مصر . لذلك أزداد الاحتياج إلي المزيد من الكنائس وليس في الأمر أي نية للأقباط في أن يستفزوا المشاعر الدينية للمسلمين . وأنا أكاد أقسم بالله عز وجل أن هذا هو صلب الموضوع وليس التفاخر ببناء اصرحة دينية فخمة ضخمة جديدة في كل ركن من أركان شوارع المحروسة .

وفي صدد بناء الكنائس الجديدة جاء الحديث التليفزيوني مبهم ولا أريد أن أقول أن ذلك كان عن عمد .

فالسائل يسأل عن قرار 2003 "لبناء الكنائس" في حين أن هذا القرار لم يختص ببناء الكنائس بل بإصلاحها . ولكن ما علينا ... تفضل الرئيس وأستغل هذه اللخبطة وقال أن الأقباط أحرار وأن كان قد لمح بأن هذه الحرية تعنى حرية ترميم القائم وليس بناء الجديد من الكنائس . فإلي الآن وعلى قدر علم الجميع – مازال الخط العثماني الهمايوني الذي "ينظم بناء الكنائس" منذ منتصف القرن التاسع عشر ، والشروط الاعجازية المستحيلة التي أضافها العزبي باشا وزير داخلية مصر عام 1933 مازالت قائمة وتحتم استيفاء الأقباط لشروط مستحيلة عشرة ثم تقديم الشروط المستوفاة إلي رئيس الجمهورية للموافقة عليها وإصدار قرار جمهوري بالتصريح ببناء كنيسة في نجع أو قرية ! وكلنا نعلم أيضاً أن بناء المساجد لا يتطلب مثل هذه التعقيدات المستحيلة والمحبطة .

الخط الهمايوني يا سيادة الرئيس مازال قائماً – مزقه يا سيادة الرئيس فلا يمزق الهمايوني سوى همايوني – أبقاك الله همايونياً على مصر وتوابعها . مزقه يا سيادة الرئيس الله يكرمك ويطول في سنين حكمك وعمرك .

أما آخر أحاديث التمييس هو ما قاله السيد الرئيس عن صداقته وتعايشه مع الأقباط عندما كان صغيراً وكيف أنه كان يسكن في منزل يملكه أقباط .

ولكن يبدو أن الأمور قد تغيرت عندما كبر الطفل حسني مبارك وأصبح زعيماً عظيماً ملء العيون والنفوس . ومع أنه مازال يساكن الأقباط في وطن واحد إلا أنه يبدو وقد تخلى عن صداقته لهم فقد أصبح لا يستمع إلي شكواهم ولا يستجيب لأنينهم .

وهنا نسأل سيادة الرئيس أن يعود إلي أيام زمان الجميلة ويعاود صداقته للأقباط ، فهم مواطنون صالحون يعملون بكد وإخلاص لتحسين أحوالهم وأحوال مصر . فليس للأقباط وطن آخر غير مصر ينتمون إليه لذلك كان ولاءهم الطبيعي لبلادهم وحبهم لها .

أخيراً أؤكد للجميع وأطمئنهم أن رئيس مصر المنتخب سيكون هو الرئيس حسني مبارك . نرجو له كل عمر طويل ونرجو له كذلك أن يضع بصمته على الإصلاح السياسي الحقيقي في فترة رئاسته القادمة كما وضعها على حرب 1973 . وبذلك سيدخل التاريخ ليس كقائد عسكري فقط بل كرجل دولة عظيم انتشل وطنه من الوحل ودفعه المعالي .

صبري فوزي جوهره

أستاذ جراحة الصدر المساعد

كلية طب ولاية أوهايو – بتوليدو

الولايات المتحدة الأمريكية