سقوط
الأراجوز بهلوان ولاعق أحذية السلطة
بعد سحب
يفطه من شوارع القاهرة (لأنه جرس نفسه
وجرسهم)
بقلم:
صبرى
فوزى جوهرة
لم
أكن أبداً من المعجبين بالبطل المغوار بلبل لوقا
بباوي (والمسمى بنصراني السلطة عند
أسياده) منذ بزغ كالبدر في سماء السياسة المصرية والدولية كمان
خلال السنوات الماضية التي تمثل أدنى ما وصلت إليه أحوال الوطن منذ
عصر المماليك .
لم
أكن قد رأيت صورة بلبل الكريم أو استمعت إلى شجي صوته ، ولم تتاح
لي فرصة متابعة أسلوبه في النقاش والتعبير عن آراءه إياها سوى من
خلال ما ينشر على صفحات الجرائد .
وكنت أتخيل هذا الجنرال صاحب الأثنين
دكتوراه كفارس أنيق رشيق ساحر الأسلوب ، قوي الحجة
متألق وملتزم بمقاييس المنطق وأسلوب
العلماء والمثقفين المتسم بالهدوء والاتزان والثقة وقوة الحجة
وقبول وجهات النظر المغايرة عند ثبات صحتها . هذا طبعاً بالإضافة
إلي الشجاعة الأدبية التي تسمح لصاحبها بالاعتراف بالخطأ عند
الوقوع فيه .
كنت أتخيل بلبلنا الطروب متحلياً بكل هذه الصفات أو على الأقل
ببعضها بالرغم من أنني أقف على النقيض
تماماً من موقفه من حيث المبادئ ومع علمي الأكيد بأنه لا يكتب ما
يكتب ولا يقول ما يقول عن اقتناع بل على سبيل الارتزاق وبيع النفس
والضمير في سبيل المكاسب المالية والسياسية في هذا العصر التعيس
الذي يسهل فيه على أي آفاق يجيد أللعاق أن يصعد إلي أعلى الآفاق .
إلى أن جاء هذا اليوم المشهود الحاسم الذي رأيت فيه بطلنا بلحمه
وكثير شحمه وهو يجادل السيدة نوال على المعتدي عليها من
بلطجية حزبه غير الوطني الديكتاتوري
على شاشة التلفاز كما قدمته قناة "دريم".
عندئذ انقشعت الغمامة من على عيني وتحطمت الصورة المثالية للفارس
المغوار والعالم العلامة . فإذا
بي أمام "وابور
زلط" شكلاً وموضوعاً ، ليس فيه من الرشاقة أو الأناقة أثر ولا من
الكياسة واللباقة والسلوك المتميز الرفيع أو المنطق السليم مثقال
ذره . هذا بالإضافة إلي صوت جهوري مزعج منفعل بلا مبرر ، ومحاولات
يائسة بائسة لاستعمال قوة المنطق بالصياح
الحياني والتخلي عن أولى قواعد النقاش والجدل المتمدين بعدم
مقاطعة الطرف الآخر وإعطاءه الفرصة لإبداء الرأي المغاير والحوار
والمجادلة بصوت رصين خفيض وسلوك راق متزن وليس
بالزعيق
والهيجان (وكان تصرفه مصداقاً للقول وكل إناء بالذي فيه
ينضحُ) .
ظهر لنا ولي بلبل على حقيقته "كوابور
زلط" أو كما يقول سادتنا الأمريكان كالثور الهائج في دكان بيع
أطباق صيني ! نعم ، بدا لنا بلبل وكأنه وابور
زلط حجماً وكيفاً يسعى لفرض آراءه السقيمة وحججه البلهاء
بالزعيق وليس بقوة المنطق ، ويحاول أن
"يغلوش" على الطرف الآخر بالصوت
الحياني وبالاستمرار في الكلام بينما
يحاول الخصم الرد على سخافاته . يطلع زي
العيار الفلتان محاولاً أن يسكت
معارضيه بسلوك "شلق"
وكوابور زلط منطلق في منحدر بلا سائق
(والشيء من معدنه لا يستغرب) وكانت هذه هي نهاية الضابط الوسيم في
مخيلتي (وليس لي أن أضيف إلا قولي "إذا لم تستحي فأصنع ما شئت") .
إما الجانب الآخر ، وهو جانب الإنسان المثقف
بتاع الأثنين دكتوراه واحدة في
كسر القانون الدولي والثانية في لعق الأحذية الوهابية . فقد سبب لي
الحسرة أيضاً . فلم يظهر صاحب الدكتوراتين
أي تمرس بالأسلوب العلمي المنطقي في هيجانه
– زعيق في زعيق
واللي صوته أعلي هو اللي يكسب وشيل يا
جدع – هل هذا ما آلت إليه أحوال أصحاب الدكتوراه ؟ ولكن دكتوراه
ليه وبتاع أيه؟ ما راحت على
الدكتوراهات من زمان ، من أيام حصول
الدكتورة جيهان السادات على بتاعتها
من منازلهم .
حدث ذلك في تلك الحقبة المجيدة من تاريخنا اللي يصبح
الصاغ مشير في لحظة والجاهل وزير
والحرامي مدير بنك ... الخ ليس لنا
بعد ذلك أن نتسائل ماذا حدث للعلم
والتعليم والأخلاق في بلادنا ؟ فأين هذا النتاج الأغبر من نتاج
أيام الزمن الجميل كما يقولون أمثال مجدي يعقوب وأحمد
زويل ؟
هل
نستطيع أن نضع بلبل أفندي بدكتوراته
الأثنين جنباً إلي جنب مع مجدي يعقوب
أو أحمد زويل وكل واحد فيهم ما
عندوش إلا دكتوراه واحدة
غلبانة توحد ربها ؟ - طبعاً الناس
معادن وأخلاق وتربية سلامته يوضح ويعلن أصله وفصله الديني الدرامي
– الفرق عظيم ومؤسف وشاسع ، أنه الفرق
ما بين الثري والثريا . إذا عقلنا هذا
وضحت لنا أسباب انحدارنا إلي أسفل السافلين .
كلمة أخيرة عن سبب هذا السلوك البشع الذي أبداه جنرالنا المغوار
أثناء هذا الحوار المشار إليه سابقاً وهو أنه قابض الثمن ويلزم
عليه أن يرضي أسياده بأي شكل كان حتى ولو ظهر للجميع في صورة
البهلوان القمئ ممتهناً متردياً ولكنه
لسه له العين أن يرجع للأسياد قائلاً : أنا عملت اللي علي والباقي
على الله – قبض يا جدع !
وكل سنة وأنتم طيبين .
دكتور
صبري فوزي جوهره
أستاذ جراحة الصدر
المساعد
كلية الطب – جامعة
أوهايو الطبية - توليدو
|