يعتقد
الكثيرون أن استمرار الرئيس حسني مبارك في الحكم لمدة ست سنوات
أخري هو أفضل الشرين إذا أخذنا في
الاعتبار أن الشر الآخر هو استبداله بأحد
العناصر الإسلامية . ولاشك أن هذا التقدير صحيح إلي حد
بعيد خاصة إذا أتخذ الرئيس موقفاً إيجابياً من الإصلاح السياسي
الحقيقي والفعال وأن كان ذلك تحت ضغوط داخلية وخارجية .
إلا أن هناك أمور خطيرة أخرى يجب أن تؤخذ في الاعتبار تمثل في
احتمالات الصراع بين مختلف فئات المنتفعين بالحكم
الحالي . ومن الأرجح أن تفادي مثل
هذه الصراعات لن يكون بالأمر الهين وربما كان مستحيلاً
تحت الظروف التي تعيشها مصر الآن .
ولكن لعل الترقب والتوقع يخففان حدة وقع هذه الصراعات على
المصريين كشعب وكأفراد .
والشعور السائد الآن هو أن الوضع السياسي في مصر لن يبقى على ما
هو عليه بغض النظر عن استمرار حسني مبارك في الحكم أو
استبعاده . فمحاولات الرئيس المتكررة
لإرضاء مختلف الفئات (فجأة) بإجراءات وقرارات وتصريحات منهمرة
ولم نكن نعلم أين كانت مختبئة خلال السنوات العجاف الماضية ، هذه
التحركات التكتيكية من قبل الرئيس تعكس مدى قلقه الشخصي على
مصيره واحتمالات بقاءه في منصبه .
ولا شك أيضاً أن هذا الشعور بالقلق قد امتد إلي المقربين إليه
والمنتفعين ببقائه في الحكم ومنهم من يحمي النظام ويسعى لتركيز
أركانه كقوات الأمن المركزي وحثالات
الصحافة والإذاعة المسموعة والمرئية وغيرها طبعاً إلي جانب
المهلبين والنتاشين .
فلكل نظام استبدادي حاشية ومريدين ومتطفلين يستمدون بقاءهم من
بناء النظام ويرتبط مصيرهم بــمـصيره .
تنفذ هذه الحاشية الفاسدة إرادة الحاكم المطلقة طالما ظل يعكس
صورة القوة والسيطرة عليها وطبعاً على الشعب
الغلبان !
ولكن سرعان ما تنقلب الأمور ويصبح الحاكم رهينة ضعيفة في أيديهم
حالما بدت عليه أعراض الوهن وفقدان السيطرة
التامة .
ولعلنا الآن نشهد هذه المرحلة التي تنذر بتحكم الحاشية في الرئيس
أو على الأقل نحن في مرحلة جس النبض حيث يسبر المتحفزون
حثيات سلطة الرئيس وقدرته على فرض
إرادته على الجميع كما كان الحال سابقاً .
وهناك علامات تشير إلي هذا التحول فلا يعقل أن حسني مبارك وهو
الرجل المعروف بشدة الحيطة والحذر أن يكون راضياً عن التجاوزات
الخطيرة التي بدت من زبانية النظام عندما انتهكوا أعراض النساء
المتظاهرات في يوم الأربعاء الأسود .
ثم يجئ اعتذار المتحدث الرسمي باسم الرئاسة مثيراً للضحك والبكاء
في أنً واحد عندما صرح بأن "تفتيش"
النساء محدوداً وأن الإعلام قد بالغ في تقريره ! حسني مبارك يعلم
تماماً أن مثل هذه الأحداث تضعف من موقفه داخل مصر وخارجها ولا
استبعد أن تكون هذه الأعمال قد ارتكبت عمداً لزعزعة موقفه أكثر
وأكثر . لذلك القول بأن عملية جس النبض من جانب زبانية النظام ضد
الرئيس قد تكون قد بدأت فعلاً .
ثم تأتي المرحلة التالية وهي مكمن الخطر عندما يبدأ الصراع بين
هؤلاء الزبانية ويبدءون في السيطرة الفعلية الواضحة على
البلاد . وكلنا يقدر مدى الأضرار
التي ستلحق بمصر من جراء نشوب هذه الصراعات بين جماعات المنتفعين
المختلفة خاصة وأنها قائمة بين حثالات
لا ضمير لها ولا وازع من الأخلاق وأنها تعمل وهي علم تام بأنها
تخوض معركة حياة أو موت .
حوار آخر خطير هو ما قد يحدث لو بقى حسني مبارك على كرسي الحكم
لمدة ستة أعوام أخرى . فقد قارب
الرجل على الثمانين من عمره ولا شك أن ملكاته وقدراته وقواه قد
قلت وضعفت ووهنت وبالتالي مدى فعاليته وقدرته على السيطرة على
مقادير البلاد كما هو متوقع من كل من يعتلي كرسي الرئاسة في مصر
، فماذا يكون الحال يا ترى بعد ست سنوات أخرى ؟ من ذا الذي سيشغل
هذا الفراغ سوى الجيش ؟ وهل يعنى هذا قيام مجموعة أخرى من الضباط
يسمون أنفسهم أحراراً (والمعنى هنا أنهم أحرار يعملوا في البلد
زي ما هم
عايزين واللي مش عاجبه ...)
فنعود مرة أخرى لحكم أنصاف المتعلمين من العسكر ونعود إلي المربع
الأول كما يقولون بالإنجليزية وتتضاعف المحن والكوارث التي
عانينا منها طوال أكثر من نصف قرن .
ثم ماذا عساه أن يحدث للشرق الأوسط
وقد فقدت مصر الاستقرار والتقدم والحرية ؟
لقد ضحكوا على عقولنا طوال النصف قرن الماضي وقالوا لنا أن لا
بأس من فقدان "بعض الحرية" في سبيل استقرار أحوال
البلاد . وها نحن الآن بعد مضي
ثلاثة وخمسون عاماً من الرزح
تحت نير الاستبداد باسم الاستقرار وقد فقدنا الحرية والاستقرار
والتقدم . أما الشرف فلا تتحدث عنه ، فقد فقدناه منذ زمن بعيد
جداً عندما قبلنا هذا الهراء وأسلمنا مقاديرنا ومستقبل بلادنا
لجماعة من أنصاف الجهلة لا هم لها سوى الجلوس على كراسي الحكم .
صبرى
فوزي جوهره
أستاذ جراحة الصدر المساعد
كلية الطب جامعة أوهايو الطبية بتوليدو