التحايل والمحاورة والإستغماية في
بناء دور العبادة للأقباط
بقلم
صبرى
فوزى جوهرة
جاء شهر يونيو
وشارف على الانتهاء ولم يتحرك مجلس الشعب المصري قيد أنملة تجاه
مناقشة مشروع القانون الموحد لبناء دور العبادة المقدم من السيد
المستشار محمد الجويلي رئيس لجنة
الاقتراحات والشكاوي بالمجلس الموقر .
وكان
المشروع قد أحيل إلي لجنة الشئون الدينية ولست أدري ما هي "لازمة"
أو وظيفة لجنة للشئون الدينية في مجلس تشريعي لدولة علمانية ؟ فهل
هي لتشريع الدين أو هي المنفذ الذي يستخدمه دعاة الدين لاختراق
كافة مجالات الحياة في مصر . المهم ،
ده هم تاني
لا داعي للخوض فيه الآن . فالواقع المرير أن كل شيء في مصر
هذه الأيام التعيسة قد ألصق بالدين
بطريقة أو أخرى . وطبعاً المقصود هو الدين الواحد الوحيد المقبول
عند الله وهو دين الإسلام الحنيف .
ومن ناحية أخرى يعلم
الجميع أن أسهل وأقدم الطرق لدفن مشروع هو إحالته إلي "لجنة" تركنه
على أحد الرفوف العالية فيتراكم عليه التراب ويعفو عليه الزمن
ويلحق به النسيان ثم الموت
المؤكد .
وهذا هو ما حدث
تماماً لمشروع قانون آخر – ربما كان توأماً للمشروع الحالي – كان
قد أعده المستشار المرحوم جمال العطيفي
في عام 1972 لمواجهة نفس المشكلة وحلها.
جاءت الضغوط
الخارجية على القيادة المصرية لإصلاح أحوال البلاد وخاصة في أمور
الحرية الفردية والديمقراطية وحقوق الإنسان ، فلم تستطع السلطة
الرفض فادعت أنها التقطت الإشارة وبدأت تستجيب للخواجات
الكفره وتشرع وتغير في أمور طال عليها
الأمد ولكنها في ذات الوقت اعتادت على أساليب التزويغ والمداهنة
في الأمور الجادة التي قد تؤثر فعلاً على مجرى الأمور في البلاد
إلي الأفضل وكان مشروع القانون الموحد هذا ضمن المجموعة التي لا
يراد الوصول بها إلي نهاية لسبب في
نفس يعقوب فأحيل المشروع إلي "اللجنة" حتى يموت جوعاً أو بالسكتة
حسب ما ربنا يفرجها .
وفي سبيل قتل
المشروع الهدام أوعزت السلطات للسيدة فريدة عبد الرحمن وكيلة وزارة
الإسكان والمرافق بأن تصرح أن وزارة سيادتها توافق على إقرار
القانون الموحد ولغاية كده كويس ولكن
الفرحة لم تتم كالعادة . فقد صرحت سيادتها أيضاً أنه إذا كان أمر
هذا القانون ملحاً فيمكن إقراره مع وضع اشتراطات القصد منها
بالطبع إعاقة بناء الكنائس دون المساجد بشكل أو بأخر حتى لا
يبرطع الأقباط ويطلعوا غلهم في بناء
كنائس كثيرة تؤذي شعور أخواننا المتطرفين من الجانب الآخر .
وتبين أن عقدة المشكلة هي في ارتفاع مآذن المساجد ومنارات الكنائس
، فمن المعروف أنه لا يسمح لمنارة كنيسة أن تعلوا أكثر من
مأذنة جامع ملاصق لها .
وكان من الطبيعي أن
لا يتعجل مجلس الشعب الموقر الأمور إزاء هذه المشكلة
العويصة . فلا داعي للتسرع للتصديق
لهذه المسألة مادام الهمايوني والعزبي
حاطين قيودهم
وكلبشاتهم على بناء كنائس
الأقباط حتى يقرر المجلس عدد السنتيمترات الواجب توافرها في مقدار
علو المآذن على المنارات وبذلك تستقيم الأمور وتستعيد مصر العزيزة
أيام مجدها الخوالي . وفي أثناء ذلك لا بأس من
مرمطة الأقباط وإذلالهم ومنع حقوقهم
الأساسية في العبادة فهم متعودين على كده وخصوصاً بعد ربع قرن من
الغزو الوهابي لمصر . ومن الجهل المطبق الذي عليه متاريس وأقفال
والاعتقاد بسلامتهم أن ارتفاع المآذن عن المنارات يحدد أي الأديان
أفضل وفات ذكائهم المحدود أن أعلاء شأن أي دين يكون بالمبادئ
والأخلاق وليس بإعلاء الطوب والطين والمآذن ، هذا بالإضافة أنه حتى
لو ارتفعت المآذن لعنان السماء فأن القتل والإرهاب والتفجيرات
وتهديد العالم أجمع يبطل مفعول هذه المآذن العالية ويجعلها غير ذات
موضوع .
يبدو أن ارتفاع
المآذن إذن هو السبب في تعطل مشروع القانون الموحد لبناء دور
العبادة . وهذا الأمر يذكرني بما كان أطفال الحواري يفعلون عندما
كانوا يقفون في خط مستقيم ويشرع كل منهم في التسابق مع الآخرين بأن
يتبول والشاطر طبعاً اللي يقذف بمحتويات المثانة البولية إلي أبعد
مسافة من الآخرين . هذا هو ما يحدث
الآن في مصر يا سادة يا كرام من الذي سيقذف بقاذوراته إلي مسافة
أبعد في وجه الأقباط الغلابة الصابرين .
أنها فضيحة
بجلاجل بكل المقاييس عندما
تكش الحكومة أمام الضغوط الأجنبية
فتتصنع العمل على إيجاد حلول ثم تتغافل
وتستعبط حالما أدار الخواجات وجوههم إلي جهة أخرى .
أما السبب الحقيقي
وراء هذا الجبن الشديد من جانب مجلس الشعب (مجلس الهاتفين
والأراجوزات
وحرامية الحصانة) فهو انتظار المجلس للضوء الأخضر الصادر من
سيادة الفرعون رئيس الجمهورية الطي لا يتم أي شيء في مصر دون رضا
فخامته وموافقته . ورئاسة الجمهورية طبعاً تحاول
الزفلطة من إصدار مثل هذا القانون
لأنه ربما يقلل من الذل والهوان الواجب إيقاعهما على الأقباط
الكفره إذا ما تبجحوا وأرادوا بناء
كنائس تستوعب أعدادهم المتزايـدة . وهو حد قال لهم
يزيدوا ؟ دي
الدولة عايزة
تأسلمهم كلهم . يقوموا هما يخلفوا
وعايزين يبنوا كنائس كمان ؟ مش كفاية أن الحكومة
سايباهم يخلفوا ؟ أي أن رئيس
الجمهورية لم يكن صادقاً عندما قال في حديثه التليفزيوني مع الصحفي
عماد أديب "أنا قلت لهم يروحوا يبنوا كنائس
زي ما هم عاوزين" فكان الواجب
على رئيس الجمهورية أن كلامه ينفذ فعلاً ويخطر مجلس الشعب بذلك حتى
لا يفقد مصداقيته في هذا الوقت الحرج .
يا مجلس الشعب
(المدعو بالمجلس الموقر) أفهم :
الموضوع ليس موضوع صبيه يتسابقون في قذف البول إلي أبعد مسافة
ممكنة . أنه أكثر خطورة من هذا إلي حد ما . أنه
يتعلق بحقوق أهل مصر من الأقباط . وقد أصبح
استعباطكم لا ينجلي على أحد . فلا تستخفوا بعقولنا وتطلعوا
بحجج هايفة لعدم قيامكم بمسئوليتكم
أمام الشعب والعالم . فإذا استهانت عليكم عقولكم فلا
تستهينوا بعقول الناس في الداخل
والخارج .
أن التاريخ يعدوا
بسرعات كبيرة وسيدهم كل من أعترض طريقه . أرحموا أنفسكم حتى لا
تفرقكم عجلته على حسب تعبير الرئيس المؤمن محمد
انور السادات الذي كان له الفضل
الأكبر في إحلال المصائب التي أغرقت وأذلت الأقباط إلي اليوم ونال
جزاءه من أولاده الأخوان .
دكتور
صبري فوزي جوهره
أستاذ جراحة الصدر
المساعد
كلية الطب – جامعة
أوهايو الطبية - توليدو
|