تمثيلية المهزلة المحكمة لانتخابات
الرئاسة في مصر
بقلم الدكتور
صبري فوزي جوهره
لا حديث للمصريين في هذه لأيام سوى
انتخابات الرئاسة وما يسمى بالإصلاح ويقترن الأمران عادة
وخاصة في هذه المرحلة حيث أن رئيس الدولة في مصر كان منذ
بداية تاريخها الطويل وإلي الآن هو المحرك الأوحد لأي نشاط
سياسي أو عسكري أو اقتصادي أو أمني وينظر المصريين إليه
دائماً ليوفر لهم الكساء والخبز .
ومن ناحية أخرى ،
ليس هناك من شك في أن الرئيس حسني مبارك هو الذي سيفوز في
انتخابات سبتمبر القادمة ليبقى على كرسي الرئاسة لمدة ستة
أعوام مقبلة . وهذا أمر غريب إلي حد ما حيث أن المنطق لا
يؤيد اختيار الرئيس مبارك لرئاسة مصر لفترة خامسة إذا كان
الهدف الأول خلال السنوات القادمة هو إجراء إصلاحات شاملة
تنتقل بمصر من كبوتها إلي مصاف الدول الناجحة . فهل يصلح
الرئيس حسني مبارك لأن يتولى هذه المهمة
الخطيرة ، مهمة مرحلة الانتقال
التي لابد وأن تمر بها البلاد؟
يتطلب إنجاز الإصلاح أولاً الاعتراف
بأننا في حاجة إليه . والحق
يقال أن الرئيس أن الرئيس مبارك قد لمح بين الحين والآخر
بضرورة التغيير أخيراً . ولكن
ذلك لم يحدث إلا بعد أن استشعر بحسه السياسي أن بقاء الحال
على ما هو عليه لا يمكن أن يستمر طويلاً ، خاصة وقد
استيقظت شعوب الأرض مطالبة بالمزيد من الحرية كما حدث في
أوكرانيا وكذلك في لبنان ، وبعد أن توجه العراقيون إلي
صناديق الانتخاب برغم تهديد الإرهابيين . فحديث الرئيس عن
التغيير لم ينبع من رؤيته الشخصية ،
إنما نتج عما رآه من حوله من أحداث جسام .
فأين كانت هذه الرؤيا من قبل
وقد مضى حوالي ربع قرن جلس فيها الرئيس على قمة السلطة
المفردة في البلاد؟ هناك دليل آخر على عدم اقتناع الرئيس
بضرورة الإصلاح . فقد صرح بوق دعايته الشهير – السيد صفوت
الشريف – منذ شهور بأن لا مجال لتغيير
الدستور . ولم يمضي على هذا التصريح سوى أيام حتى
فاجئنا الرئيس نفسه بطلب التعديل الجزئي للدستور بأكثر من
مرشح على كرسي الرئاسة في فبراير من هذا العام .
يبدو أذن أن محاولة الرئيس لتعديل
الدستور جاءت على نحو عشوائي وليس بناء على دراسة
وإصرار . تعديل بدون سبق إصرار
وأن جاء ضعيفاً مبتسراً .
فإذا كان هذا هو موقف السيد الرئيس من
تعديل الدستور ، ويعلم الله كم من تعديل يلزم لهذا الدستور
البائس الذي ثبت أركان حكم الفرد والطغيان وترعرعت في
ظلاله آفات الإرهاب والتخلف ، فليس من المحتمل أن يستمر
الرئيس في إنجاز أية إصلاحات بعد أن يستقر به المقام على
كرسي الحكم لمدة ست سنوات أخري .
وهناك أمر آخر لابد من توافره لتحقيق
الإصلاح وهو تشخيص أسباب الأزمة الراهنة التي
استوجبته . فإلي الآن لم يذكر
لنا الرئيس قصوره لأسباب الانهيار الذي تعاني منه الدولة
سوى الحديث عن الزيادة المطردة في تعداد السكان وابتلاعها
لكل طاقات التنمية والتقدم .
ولاشك أن في هذا التفسير بعض الصحة ،
ولكن نظرة إلي بلاد أخرى مثل الصين أو الهند تجعل هذا
التفسير ضعيفاً .... جداً . وكان أجدر
بالرئيس ، مثله في ذلك مثل أي
مرشح يطمع في الفوز في الانتخابات أن يعدد أسباب الفشل
والتراجع الذي أجمع الشعب بأسره على وجوده .
ولما كانت أسباب الأزمة غير معروفة أو
غير معلنة ، فليس من المستغرب
أن لا يكون للسيد الرئيس برنامجاً محددا يسعى إلي تحقيقه
خلال السنوات الست القادمة ، اللهم إلا إذا كان له برنامج
"سري" خائف مرشح آخر يخطفه منه ويجري !
فإذا توافرت كل هذه الشروط السابقة
فعلينا أن ننظر إلي حجم العملية
الإصلاحية . فمن المعروف أن الأطباء يزيلون الأنسجة
الميتة من جسم المريض حتى يتسنى له إعادة البناء "على
نظيف" والتماثل للشفاء . وعند
تطبيق هذا المبدأ الأساسي على حالة البلاد لوجدنا أن إزالة
العفن والتقيح من الدولة لن يبقى فيها شيء حيث ينتج عن هذا
الفعل ما يسميه الفرنجة بالتفريغ (gutting
) . وكيف
سيستطيع الرئيس وقد شارف على أبواب العقد التاسع من عمره
أن يتحمل مثل هذا العمل الذي سيترتب عليه إعادة بناء
الدولة من جديد ؟ وبمن سيستعين على تحقيق برنامجه؟ الشلة
إياها أم طاقم جديد بأكمله؟ لم
يذكر لنا السيد أي شيء عن هذا الأمر .
وإذا افترض أن للسيد الرئيس قوة هرقل
وأنه سيستطيع بدء برنامج الإصلاح المتطلع
إليه ، فماذا سيفعل بهذا الجيش
من المستفيدين والمرتزقة ولاعقي الأحذية الذين يحيطون به
من كل جانب ؟ وهو سيقلبون
عليه ظهر المحن أم أنهم سيدفعونه في محور آخر ؟
شباكاً أعدوها لأنفسهم تفادياً
لمثل هذه الظروف وحساباً للمستقبل ؟
يبدو لي ، من خلال كل ما سبق أن السيد
الرئيس لم تكن لديه النية أصلاً في إحداث أي تغيير حتى
فاجئنا برغبته في تعديل الدستور في فبراير الماضي . ولم
يكن ذلك بناء على اقتناع من داخله بل امتثالاً لضغوط
داخلية وخارجية أصبح في تقديره أنه لن يستطيع تحملها
طويلاً . كذلك لم يحدد الرئيس
لناخبيه رؤيته لأسباب الانهيار ولم يقدم لهم برنامجاً
محدداً لتخطي الصعاب القائمة وإزالتها
. فإذا أضفت إلي ذلك تقدم سن الرئيس واعتماده الكلي
في الحكم على عصابات المنتفعين
والمراءين لتوقعنا إلا يصبح في استطاعته القيام
بأعباء إزالة الرطش وإعادة
بناء دولة حديثة من الصفر .
ولا استطيع سوى أن أقول أنني غير مقتنع
بنية الرئيس أو بقدرته على انجاز الإصلاحات اللازمة لإحداث
تغيير إيجابي في حياة المصريين .
وهنا تأتي إلي ذاكرتي عبارة تنسب إلي
الملكة فيكتوريا حذرت فيها رجال دولتها ألا يبنوا
إمبراطوريتها على أعمدة ملوثة .
الله يرحمك يا حاجة فيكتوريا
ويبشبش طوب قلعة
وندسور تحت رأسك .
دكتور
صبري فوزي جوهره
أستاذ جراحة
الصدر المساعد
كلية الطب –
جامعة أوهايو الطبية
|