أيها القبط
سيكون رد فعل مبارك لتأييدكم له
تعزيزاً
ومصداقاً للحكمة القائلة
"وإن أنت أكرمت
الكريم ملكته . وأن أنت
أكرمت مبارك تمردا"
"وأتق
شر من أحسنت إليه"
ومبارك سيكمل ويزيد
في اضطهاد الأقباط ليثبت للسعودية
أنه وهابي أكثر منهم
. يعني تمر فيه اللي قبضه منهم
بقلم الدكتور صبري فوزي جوهره
سيتوقف اتجاه المرحلة السياسية القادمة من تاريخ مصر - بعد
انتهاء تجربة الانتخابات الرئاسية – إلي أبعد الحدود على سلوك
ونوايا وقدرة حسني مبارك وما سيفعله بالبلاد
. فلا أعتقد أن جزءاً من البرنامج الذي أعلنه يدعو إلي
تغيير الدستور الحالي الفاسد والذي يجمع كل السلطات في يد رئيس
الدولة . لذلك سيظل رئيس الدولة مصدر
السلطات ومنفذ القوانين وقاضي القضاة
وحتى مدير شركة أبو رجيلة للنقل
العام (فاكرينها؟) . سيكون هذا هو الحال ربما لمدة ست سنوات
قادمة .
فإذا كانت الحكاية كده ، وكان التطلع
في مرآه الماضي يعكس صورة لما عسى أن يجلبه المستقبل ، فبصراحة
أنا لست من المتفائلين .
ولنتحدث عن مشكلة الأقباط كمثل لما يمكن أن يحدث خلال السنوات
القادمة . لم يكن حسني مبارك من
المهتمين بالأقباط ورفع الظلم والعدوان عنهم
. بل كان بلا مبالغة العامل الأساسي والقوي في إيقاع هذه
الإساءات عليهم والتأكد والإمعان في الإصرار على أن تستمر هذه
الاهانات خلال سنوات حكمه الميمون .
كل ما سبق ما هو سوى تحصيل حاصل يعرفه كل من يتابع أحوال أقباط
مصر حتى عن بعد . إنما ما أردت أن
أشارك القارئ به هو تجربة شخصية لي مع نظام حسني مبارك
ورجاله .
بدأت القصة بأحداث الكشح الثانية التي وقعت في آخر أيام
عام 1999 وأول أيام عام 2000 . تسربت تفاصيل هذه المذبحة
لأقباط المهجر برغم التعتيم التام الذي فرضته حكومة مصر ووسائل
إعلامها الفاسدة. قامت ثائرة الأقباط في المهجر ومنهم أقباط
الولايات المتحدة ، وأستمر هذا الغضب الشديد لعدة أشهر جاء
خلالها موعد زيارة مبارك السنوية للعاصمة الأمريكية في ربيع كل
عام . تلك الزيارة التي يجئ فيها رئيس مصر ليتوسل الإبقاء على
المعونة الاقتصادية ويهنكر له
شوية هنكره
يرجع يتعايق
بيها على الغلابة في مصر . جاء موعد
زيارة مبارك لواشنطن وقد جلس في البيت الأبيض رئيس جديد
هو جورج بوش الابن . وكان من غير المستحب أو المقبول أن يقابل
الرئيس المصري مظاهرات الاحتجاج على فشل حكومته في حماية أقباط
مصر وتواطئها بالمشاركة في الاعتداء عليهم . وكانت هناك في
الذاكرة ما حدث لسلفه أنور السادات في أحدي زياراته لواشنطن بعد
شن أحدي "الغزوات" إياها ضد الأقباط وكيف استقبله أقباط المهجر
بمظاهرات الاحتجاج التي أحرجته حرجاً شديداً .
لم يشأ حسني مبارك المعروف بشدة الحرص وحساب العواقب أن يسبب له
أقباط الولايات المتحدة مثل الإحراج الذي لاقاه
السادات فأمر رجال مخابراته "بعمل اللازم" . وكان العبد
لله يعمل في مدينة نيويورك في ذلك الحين وعلى اتصال بالعاملين في
قنصلية مصر هناك ابتداء من القنصل العام ، وكانت سيدة في ذلك
الوقت ، إلي باقي العاملين . فلما وقعت أحداث الكشح أعربت
للمسئولين في القنصلية عن غضب الأقباط الشديد لما حدث لذويهم
في مصر . وفجأة ظهر في الأفق أحد رجال المخابرات المصرية
الملحقين بالقنصلية وكان يطلق عليه صفة "المستشار" . كانت فترة
خدمته في نيويورك قد انتهت وكان على وشك الانتقال إلي لندن للعمل
مع البعثة الدبلوماسية المصرية هناك .
وكان رجلاً صغير الحجم ، حسن السلوك
ولطيف المعشر . كلف المستشار بالعمل
على امتصاص غضب أقباط شرق الولايات المتحدة حتى لا يتجمعون في
مظاهرات تحرج مبارك أمام مضيفه ،
الرئيس بوش . والحق يقال أن الرجل قد فعل أقصى ما في وسعه لتحقيق
هذا الهدف . فأجتمع مع من قبل لقاءه
من الأقباط على حدة ومجموعات صغيرة وفي اجتماعات ضمت أقباط
ومسلمي مدينة نيويورك . وكان لا يكل من
إعادة مردود واحد وهو أن الرئيس حسني مبارك يريد أن يحقق
للأقباط لهم مطالبهم وهو يعد بعمل أقصى ما يستطيع لتحقيقها . فقد
تعلم من نار الكشح . وأنقسم أقباط شرق أمريكا إلي فريقين : فريق
مخضرم يعلم تماماً أن هذا الكلام هجص
وفض مجالس وكان الزعيم المصري العظيم
المتنيح الدكتور شوقي كراس يتزعم هذا الفريق . وكانت هناك
المجموعة الأخرى من السذج الذين رأوا في هذا الحديث فاتحة علاقة
جديدة بين الأقباط والدولة وكان العبد لله من ضمن السذج ولا فخر
!
جاء حسني مبارك إلي واشنطن وقابله بعض الأقباط بمظاهرات سلمية لم
تتعدي فيها على شخصه ، وقابله البعض الآخر في جلسة خاصة لم تتاح
فيها الفرصة لمناقشة تفاصيل مطالب الأقباط كإسقاط الخط الهمايوني
والكف عن التهميش السياسي للأقباط . وكان هذا أول وعود المستشار
المكسورة . فلم أشعر بالتفاؤل بنتيجة المقابلة
وبدأ طريق الشفاء من السذاجة منذ تلك اللحظة .
وعاد حسني مبارك إلي مصر وحدث ما يلي بعد عودته
مباشرة :
1 . اغتيل مثلث الرحمات صاحب النيافة أنبا
مكاري أسقف جنوب سيناء في حادث سيارة مدبر من المخابرات
المصرية .
2 . أغلقت كنيسة في منطقة البساتين .
3 . استمر تهميش الأقباط والاعتداء النفسي
والجسدي عليهم وعلى ممتلكاتهم وخطف بناتهم إلي آخر هذه
المآسي .
خلاصة القول أن ريما ستعود لعادتها القديمة . ولن يحدث أي تغير
أو إصلاح لوضع الأقباط . بل أن ضرراً
خطيراً قد ألحق بهم من جراء هذه التمثيلية الانتخابية النص
كم . وهو إعلان الرئاسة والكنيسة
تأييدها لمبارك بالرغم من سجله الأسود نحو الأقباط
. وكاد ذلك أن يحدث انشقاقاً في الكنيسة لولا وعي الأقباط
ومحبتهم وثقتهم في رئاستهم .
وكذلك أجبرت الكنيسة المصرية على اتخاذ موقف سياسي وهي التي كانت
دائماً منزهة عن السياسة ومترفعة
عنها . ولعلها قد فعلت ذلك خوفاً من استيلاء أصحاب فكرة فرض
الجزية على الأقباط على السلطة . ويرجع السبب في تدخل الكنيسة في
هذا الأمر إلي أنه ليست هناك هيئة مدنية سياسية واحدة تمثل
الأقباط وتدافع عن حقوقهم . حتى مجلس
الشعب اللي زي قلته .
وقد نتج عن ذلك أن تطاول بعضهم – مثل الأستاذ هشام الناصر- وأكد
بأن "رأيه الصحيح" ومش ادعاء لا سمح الله ،
بأن الأقباط هم الذين فرضوا حسني مبارك على مصر بانتخابهم إياه
ككتلة موحدة ! يا مولانا من بقك لباب السما
. يا ريت نشوف اليوم الذي
يصبح فيه للأقباط التأثير السياسي المتناسب مع وجودهم وثقلهم
وكيانهم داخل بلادهم . أليس الأقباط مصريون يا مولانا . يبقي لهم
الحرية في انتخاب من يريدون – حتى ولو كان مش
عاجبك .
كلمة أخيرة أوجهها للسيد جمال مبارك الذي سيكون الحاكم الفعلي
لمصر خلال السنوات الستة القادمة على الأقل
. أقول للسيد جمال : تذكر ما قيل أن نبي الإسلام أوصى به
أتباعه من أنه أوصاهم خيراً بأقباط مصر وإذا كان الكلام
ده مش عاجبك
أو مش مصدقه ، فتذكر أن جدة سيادتك لوالدتك كانت نصرانية ، رحمها
الله ورحمنا جميعاً
دكتور
صبري فوزي جوهرة
أستاذ جراحة الصدر المساعد
كلية الطب – جامعة أوهايو الطبية - توليدو