التهميش الواضح والقبيح للأقباط في ترشيحات
الحزب الوطني للانتخابات النيابية القادمة
بقلم الدكتور صبري فوزي جوهره
خرج علينا حزب حسني مبارك وزبانيته بقائمة مرشحيه للانتخابات
النيابية القادمة ، ولم يجئ ضمن الأسماء سوى قبطيين أو بالأصح
قبطي وربع . حيث أنه ليس من العدل اعتبار السيد الدكتور يوسف
يوسف بطرس غالي قبطياً لأن وجوده في
مجلس الشعب ضرورة للبقاء في المنصب الوزاري
، الذي يقال أنه نتيجة لإصرار الولايات المتحدة ، كما
أنه من ضروريات الإيهام بأن للأقباط تمثيل وزاري .
جاءت هذه القائمة بهذا الشكل القبيح والمتوقع من نظام سياسي فاسد
راكد ، عنيد ، لا يريد ولا يعنى
الإصلاح الذي أعيانا السماع به . وكانت القائمة رد قاطع ومؤلم
على ادعاءات السفهاء بأن تحديد نسبة مئوية مناسبة لتعداد الأقباط
في المجالس النيابية والتشريعية ووظائف الدولة العليا إنما تكريس
لما أسموه "بالطائفية" . فهم يعترفون بوجود خلل واضح في هذه
المساحة ولكنهم يطالبون الأقباط بالدخول إلي هذه المعارك كأفراد
وليس ضمن حسابات "التمثيل النسبي" .
وينتمي إلي هذه الجماعة المرائية التعبانة
بعض المسلمين المتعصبين الذين يريدون بقاء الحال على ما هو عليه
، وكذلك كام قبطي – أو محسوبين على
الأقباط أمثال "المفكر" جمال أسعد وغيره من "نصارى الحكومة" .
فهم يعترفون بوجود الاستبعاد والتفرقة ضد الأقباط ولكنهم يصرون
على عدم إتباع أسلوب التمثيل النسبي لهم في المجالس والوظائف
العليا للدولة مدعين ، كما سبق وذكرت ، أن في هذا الأسلوب تفعيل
"للطائفية" .
دعنا ننظر إلي الأمر بشيء من الموضوعية المبنية على حقائق ثابتة
، مبتدئين بتعداد الأقباط في مصر ، وهو على ما يبدو سر عسكري
وأمني خطير تحافظ عليه حكومتنا الرشيدة زي
حبة عينها وأكثر من حرصها على إخفاء مكان المطار السري إياه على
طريق مصر – الفيوم ، والذي سميت محطة الأتوبيس باسمه – إمعاناً
في الحفاظ على سلامة الوطن وأمنه .
ويقال أن حكومتنا المثالية قد تنازلت أخيراً وقبلت على مضض أن
الأقباط يمثلون حوالي 7 % من سكان المحروسة – بالرغم من أن
الإحصائيات الأخرى تشير إلي ضعف هذا العدد – نهايته ، خلينا في
ال 7 % . فإذا كانت هذه هي نسبة
الأقباط ، فكان من المفروض ومن المتوقع أن يقدم لنا حزب مبارك
قائمة مرشحيه لانتخابات مجلس الشعب وقد احتوت على ما يقرب من 30
مرشحاً (7% من 444 ) وليس قبطي وربع .
لم يصبح أمام الأقباط إذن سوى أمرين :
أولهما الاعتماد على احتواءهم ضمن قوائم أحزاب المعارضة ، وقد
حدث ذلك فعلاً حيث تقدمت هذه القوائم بأسماء حوالي 12 قبطي من
مجموع 222 .
إما الحل الآخر فهو أن يخوض بعض الأقباط معركة انتخابية يعلمون
جيداً ومسبقاً بأنها خاسرة ، باذلين
الجهد والوقت والمال لمجرد "إثبات وجودهم" على أرض بلادهم تحت
الظروف البشعة التي تعيشها البلاد . فليس من المحتمل أن يختار
الناخب المسلم مرشحاً قبطياً في هذه الأيام العجاف التي أصبح
فيها الانتماء الديني وليست الكفاءة أو المقدرة أو الأمانة هو
المعيار الذي يحدد أو يستبعد موضع كل شخص في
مصر . ويعود هذا الاختلال المزري في سلوك الناخب المسلم
إلي أسباب عديدة ومعروفة للجميع وأن لم يتحدث عنها
أحد . فاستمرار الشحن الذهني الديني
غير المنقطع بتشجيع من الدولة خلال وسائل التعليم والإعلام
والإنفاق والتوظيف وغيرها ، بالإضافة إلي الوجود المبالغ فيه
للجماعات الداعية إلي اسلمة السياسة
والحكم وانتشارها بشكل وبائي مفزع في كافة تفرعات العمل السياسي
في البلاد .
هذا العزل التلقائي للمرشح المسيحي في قوائم الانتخابات والوظائف
العليا ليس إلا العنصرية بأوضح معانيها . والأسلوب السائد الآن
في مصر هو "الأسلوب العنصري" .
الأمور إذن لا تنبئ بأي تحسن في مجال تمثيل الأقباط في المجالس
النيابية أو الوظائف العليا في الدولة ، بل ستستمر الأوضاع على
ما كانت عليه منذ انفلات (لا مؤاخذة) انقلاب العسكر . وسيكون
هناك عضو وربع أقباط بالإضافة إلي من يتكرم سيدنا
الرئيس ، عليه السلام ، لهم بتعيينهم
إلي جانب النساء طبعاً وكأن الأقباط "ولايا" في بلادهم . وليس
هنا المجال سوى لإيماءة سريعة بأن الأقباط المعينون في مجلس
الشعب لن يمثلوا المصريين أقباطاً كانوا أم مسلمين ، بل يمثلون
رب النعمة الذي زرعهم ورزعهم في
كراسي المجلس المحقر .
فهل يرضى السيد "المفكر" جمال اسعد هذا الوضع الذي دعي إليه
برفضه للتمثيل النسبي "الطائفي" .
بقي أي أحسن يا فيلسوفنا الكبير "الطائفي"
أم "العنصري" ؟ وبالمناسبة ، هل عند
سيادتك تسمية أخرى غير "عنصري" ؟ أبقي والنبي تفوتها علينا
علشان نتنور .
ولكني أتدارك الأمر هنا وأقول أن حتى التمثيل النسبي "الطائفي"
ليس بالأسلوب الأمثل وإنما هو حل مؤقت يجيب العليق للحمار قبل أن
يموت حتى يصح الحمار ويقدر يبرطع
ويحصل على عليقه بمجهوده .
فتعدى عدد الأقباط في المجالس النيابية لنسبتهم السكانية أيام ما
قبل العسكر والحرامية يثبت لنا أن
حتى نظام التمثيل النسبي قد تكون مجحفة للأقباط . فهم بأمانتهم
وحبهم للوطن وعملهم الدائب جديرون بثقة أخوتهم المسلمين كممثلين
نيابيين ومسئولين حكوميين . وتاريخ
مصر الحديث خير مؤيد لهذا القول .
خلاصة القول أن انتخابات هذا العام 2005 راحت على
الأقباط . ونرجو أن تتطور الأمور
وتتحسن لتصبح الانتخابات التالية أكثر تمثيلاً
للأقباط . ونرجو أنه حتى تأتي هذه
اللحظة يكون المهرجين والفلاسفة قد اختفوا من بلادنا أو على
الأقل تناقصت أعدادهم إلي ما يوازي فقر أفكارهم وانعدام
ضمائرهم .
ولنا في انفلونزا الطيور الآسيوية
كبير الأمل في الإسهام في حل مشكلة وجودهم . أنه لسميع مجيب .
دكتور صبري فوزي جوهره
أستاذ جراحة الصدر المساعد
كلية الطب – جامعة أوهايو الطبية