صلاح الدين محسن


  1 أغسطس 2005

صفحة كُتاب الأقباط متحدون

salah.mohssein@videotron.ca

إصلاح الحكام ، أم المثقفين العرب؟ (4)
بقلم صلاح الدين محسن

 في المقالات الثلاث السابقة ومن خلال آراء عدد من المفكرين والكتاب العرب والمصريين، وقراء أيضا، بان لنا كيف أن الاصلاح يعوز الحكام والمثقفين العرب علي حد سواء، وكيف كتب أحد الكتاب والصحفيين المعروفين ينقد المثقفين، ويناشدهم اصلاح أنفسهم، كي تنهض الأمة ....، وفي المقال الثالث نشرنا كلمات كتبناها من ربع قرن – في نفس الشأن – وما كنا نظنها ستبقي صالحة حتي الآن لكون الدنيا كلها تتقدم وتتطور نحو الأفضل.. كل ما سبق كان اجماليات، واليوم نقدم تفاصيل ( عامة ..).

-  الديموقراطية بين الحكام والمثقفين :

     يتعامل الحكام العرب – كما نعرف -  مع الديموقراطية بمفهوم خاص ( ملاكي..) ، حسبما يتيح لهم فرصة البقاء في الحكم مدي الحياة!!، ومن طرائف هؤلاء الحكام حول الديموقراطية، أن معاوية الجديد – حافظ الأسد – قال " الديموقراطية الغربية لا تصلح مع مجتمعنا العربي.. " !! ( يمكن اكمال علامات التعجب حتي نهاية الصفحة ..) وكأن الديموقراطية هي : طبخة .. أكلة قد تناسب ذوقا ولا تناسب آخر !! وبعدما رحل كانت اللعبة مرسومة مع العصابة (الشلة .. ككل شلة لدي كل حاكم عربي ) وتم تنفيذ خطة توريث السلطة .. ، وكذلك يجري العمل بتلك الخطة بأكثر من بلد عربي ..ديموقراطية توريث ملكي جمهوري (ديموقراطية عربية!). في مصر، تطالب أحزاب المعارضة كلها النظام بالديموقراطية و تداول السلطة وعدم بقاء الحاكم جالسا علي الكرسي مدي الحياة. وفي نفس الوقت نري أن جميع أحزاب المعارضة، التي ينضم اليها المثقفون – أغلب أعضاء حزب التجمع، مثقفون، ان لم يكونوا جميعهم  - يفعل رؤساء تلك الأحزاب المعارضة مثلما يفعل الحاكم، لا يتركون كرسي الزعامة الا بالموت ..! كفؤاد سراج الدين، الذي ظل رئيسا لحزب الوفد الجديد حتي مات، وكذلك رئيس حزب الأحرار – الضابط السابق - ، وواضح أن الأمر سوف يكون كذلك بالنسبة لخالد محيي الدين .. ، وجميع المثقفين بحزبه يطالبون الحاكم بالديموقراطية وتداول السلطة (الحاكم فقط..)! وقد قرأت مقالا منذ أيام يتكلم عن زعيم حزب سوري معارض – راحل – هو " خالد بكداش" ، وعرفت انه مكث علي كرس رئاسة حزبه" الحزب الشيوعي السوري " مدي الحياة، أكثر مما مكث حافظ الأسد في السلطة – الأسد حكم 30 عاما - !!! والغريب هو أن خالد محيي الدين – الضابط السابق – سبق أن نفاه زملاؤه ضباط 52 لمطالبته بالديموقراطية .. كم سنة مرت علي انشاء أحزاب التجمع ، والوفد ؟   30 سنة . كم عدد رؤساء أمريكا وفرنسا وألمانيا ورؤساء وزراء بريطانيا الملكية النظام الذين تداولوا السلطة بتلك المدة ؟ الجواب : كثيرون .. كم عدد رؤساء أكبر حزبين بمصر في تلك المدة؟  الجواب واحد فقط ، فلولا الموت وحده لكان فؤاد سراج الدين باقيا للآن ! ويبدو أن رئيس الحزب الناصري " ضياء الدين داود " لن يخرج عن تلك القاعدة .. ، فأين مثقفو تلك الأحزاب؟!! وكما أن الحكام العرب يكرهون تعددا حقيقا، كذلك المثقفون  .. ، فبمجرد أن قام كاتب واحد بزيارة اسرائيل (علي سالم) قامت قيامة الكتاب عليه ونبذوه وطردوه شر طرده كما البعير الأجرب ..، وكان باستطاعة الكتاب أن يتركوه، ليدللوا – ولو بالكذب – علي أنهم ديموقراطيون، ومؤمنون بالتعدد وحرية الرأي، وأنهم يحتملون التنوع – كشيء طبيعي - ،  ولو من باب الحفاظ علي هامش ديموقراطي ثقافي كذاك الهامش الديموقراطي الذي يتركه الحكام الديكتاريون ذرا للرماد في العيون .. ولكن المثقفين أبوا! في حين أن الحاكم الديكتاتور - مبارك –  ترك سعد الدين وهبة، رئيس اتحاد الكتاب وقت طرد " علي سالم" تركه مبارك يكتب ولسنوات، معارضا الصلح والتطبيع مع اسرائيل – مخالفا بذلك السياسة الرسمية للحكومة، وفي أكبر جرائد الحكومة(!)

وبذلك أثبت المثقفون أنهم أقل ديموقراطية من الحاكم الذي يطالبونه بها – الديكتاتور ..-  وبالطبع هم أقل ديموقراطية من مثقفي اسرائيل الذين لم يفعلوا بالكاتبة الاسرائيلية "يائيل ديان" مثلما فعل مثقفو مصر بالكاتب المصري "علي سالم"، بالرغم من أن فعلة "يائيل ديان" لاتقاس بها فعلة " علي سالم" الذي زار اسرائيل بعد أن زارها اثنان من رؤساء مصر وفي وقت وجود سفارة رسمية لها بمصر حصل منها علي تأشيرة، وبعد أن شبع رجال أعمال وعلماء بالمئات وربما بالآلاف من زيارات اسرائيل بالتبادل مع نظراء لهم، وبعد أن سافر 5 آلاف شاب مصري الي اسرائيل وتزوجوا يهوديات وخلفوا صبيان وبنات (!)، أما فعلة الكاتبة الاسرائيلية " يائيل " فقد كانت كبيرة، حيث زارت عرفات – قبل زيارة علي سالم -  عندما كان عرفات والمنظمة يقيمون في تونس، وفي وقت كان عرفات هو عدو اسرائيل الأول ومطلوب رأسه، حيا أو ميتا! .. .. حدثت ضجة، ولكنهم يفعلوا بها مثلما حدث ولا يزال مع " علي سالم "

الثوابت -  عند السلفيين و.. المثقفين ..!!-

عند الأصوليين، ثوابت .. هي ما يسمونه: "المعلوم من الدين بالضرورة .." والخروج عنها هو زندقة يقام عليها الحد ..

وكذلك عند المثقفين، توجد ثوابت يمكن تسميتها ب "الأصولية السياسية الثقافية" وأهم تلك الثوابت عند المثقفين تلك الثابتة التي رفعها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر: لا صلح مع اسرائيل، لا تفاوض مع اسرائيل، لا اعتراف باسرائيل.

وبعد موت عبد الناصر ، قام الرجل الذي انتقاه عبد الناصر واصطفاه ليورثه السلطة علي مصر – السادات –   وحذف كلمة لا فأصبحت ثابتة عبد الناصر علي يد صَفيِهِ هي: صلح مع اسرائيل، تفاوض مع اسرائيل، اعتراف باسرائيل(!!) وبدوره، أكد الرجل الذي اصطفاه السادات وانتقاه ليورثه السلطة علي مصر – توريث عسكري - علي الصلح مع اسرائيل، وقامت السفارات والقنصليات والمشاريع والزيجات ..الخ ..

ولكن المثقفين: أصلاء، أصوليون .. فرغم موت عبد الناصر، وموت لاءاته الثلاث، الا أنه لا يجرؤ مثقف علي الخروج علي ثوابت الثقافة والمثقفين، والا أقاموا عليه حد الردة الثقافية،  وفعلوا به ما فعلوه بعلي سالم  .. ولو أن أحزاب المعارضة المصرية الكبري، والتي تضم نسبة كبيرة من المثقفين، الذين يطالبون الحاكم بالديمقراطية، وتداول السلطة،  استطاع المثقفون  تحقيق الديموقراطية وتداول السلطة بداخل أحزابهم، فماذا كان يمكن أن يحدث ؟!! ربما حدث شيء ما لصالح التغيير والاصلاح السلمي، بعد أن يجد الحاكم مثالا وقدوة ونموذجاً حياً يقتدي به، ولأثبت المثقفون جدية ومصداقية تبعث علي الاطمئنان علي ما بعد الاصلاح السياسي .. فتري: اصلاح الحكام ، أم اصلاح المثقفين؟ أيهما أولا ، أم كلاهما معا؟ وماذا أعددنا لما بعد الاصلاح السياسي الذي نطالب به؟ أفلا يجب أن تعد له العدة من الآن ؟!

E-Mail: info@copts-united.com

Copts United

لأقباط متحدون