-
(( .. قالوا : تمهل ، حتي تنضج ثمرة الحزن..
-
قل : " 18 ، 19 " - يناير 1977 -
ثمرة حزن وكآبة نضجت وأينعت حتي قطرت عسلا ..
-
فلما ضاقت ذرعا من قصر أيادي القاطفين ، سقطت في الطين* ..
..))!!*
-
في خطاب لأحد المعارضين السياسيين للرئيس السادات ، في مؤتمر
عقد خارج مصر عقب زيارة السادات لاسرائيل ، قال المعارض
-
- كنت أحد حضور ذاك المؤتمر – " .. ان السلطة في مصر كانت ملقاة
علي قارعة الطريق ، ولم تجد من يلتقطها !!"
وهذا
صحيح ، فقد كانت مصر من أقصاها لأقصاها تغلي بالغضب ، والسادات كان مذعورا في أقصي
الجنوب باستراحته بأسوان _ وليس شرم الشيخ - .. بالقرب من صديقه " جعفر النميري "
الذي كان يحكم السودان في ذلك الوقت حتي اذا ما استحكمت حلقة الغضب يكون قادرا علي
الهرب الي السودان ، حيث مسقط رأس والدته ، واللجؤ لدي صديقه النميري ..
ولا أدري
كيف أن أحزاب ا لمعارضة لم تتقدم متحالفة – أو حتي حزبا واحدا منفردا – لالتقاط
السلطة التي كانت ملقاة علي قارعة الطريق
-
..!!
ولقد
صدقت كلمة ذاك الرجل الذي لا أتذكر بالضبط من هو ..
ربما كان " الغزالي حرب " علي الأرجح ..
فكل شيء
في مصر كان متوقفا تماما في هذين اليومين ، طوفان من البشر في القاهرة ، كما لو كان
الشعب بأكمله قد خرج الي الشوارع
التي
توقفت فيها حركة السيارات والمواصلات العامة بشكل شبه كامل ..، وكذلك كان الحال
بباقي مدن ومحافظات الدولة .. كانت انتفاضة ربما لم يسبق لها مثيل في هولها
وغضبها وما تم خلالها من تدمير وخلافه .. ربما لم
يحدث مثلها في تاريخ مصر سوي في عصر فرعون مصر " بيبي الثاني " ، وهو حاكم
يتشابه عصره تماما في السؤ مع عصر الرئيس المؤمن ..
المهم
أنه في يومي 18،19 يناير 1977 اختفت ا لسلطات تماما من الشارع ، لا وجود لأحد لا
شرطة ولا حكومة ، ولشدة كراهية الشعب للشرطة ، لذا فقد كان رجالها ولاسيما الضبا ط
يتوارون بعيدا حتي لا تفتك بهم الجماهير ..
وفي
تصوري أنه لو أن أحد زعماء المعارضة ولو حتي أقلهم شأنا قد دخل مبني الاذاعة
والتليفزيون ( كل شيء كان ممكنا في هذين اليومين ) وصعد وأصدر بيانا باستلامه
السلطة وأذاع عدة مبايعات ولو غير صحيحة ، لأسرعت كل أسلحة الجيش والسلطة وكل
الوزارات والهيئات لمبايعته ، اذ كان أي بديل أمام الشعب هو أفضل بالتأكيد ..
نعم لقد
كانت السلطة فعلا ملقاة علي قارعة الطريق ..
ولكن للأسف كانت أيادي القاطفين أقصر من رقابهم ومن
عزائمهم أيضا..
ولا أدري لو أن المعارضة
وقتها تحالفت وقامت بواجبها وأمسكت بالسلطة ، ماذا كان سوف يحدث ؟
-
أعتقد في
أن حال مصر مهما كان لا يمكن أن يبلغ لمثل ذاك السؤ الذي وصل اليه الحال أبدا ..
-
فمن
ذا الذي ضيع علي مصر وشعبها تلك الفرصة ؟
-
بالطبع هم هؤلاء الذين كانوا يشغلون
الساحة السياسية كمعارضة شغلا عقيما ومعوقا .. لا يعملون ولا
يتركوا الساحة لكي
-
يتقدم غيرهم للعمل..
-
يبدو أن هؤلاء لا يزالون حتي الآن لا يعرفون سوي القيام بدور
الكمبارس السياسي – بلغة السينما - ، أو دور السنيد لا دور
-
البطل في الفيلم ..
-
ان الرموز
السياسية المعارضة كلها كانت أضأل من أ يخرج منها الفارس الخيال
الذي يقود فرس ثورة الشعب ..، وان كانت هناك كوادر هي التي أشعلت
الثورة ، ، أو مدت اشتعالها حتي شمل الدولة كلها .. فلأي هدف كان
ذلك ؟!
-
ان الضربة التي لاتقتل تقوي ..
-
وبالفعل ..
بعد أن هدأت غضبة الشعب الفقير الجائع الذي لايقدر علي استمرار
وقف حاله لأكثر من يومين.. ألجم فيهما كل سلطة للنظام
-
الذي اختبأ مذعورا تاركا سلطته علي الرصيف.... عاد السادات
ملتقطا أنفاسه وأنزل الدبابات والمدرعات للشارع ، والتقط هو
سلطته من
-
علي الرصيف (!!) ، ووصف الانتفاضة الشعبية بأنها كانت مجرد
انتفاضة للحرامية .. وازداد طغيانة ودكتاتورية ، حتي كانت نهايته
بلدغة
-
من ثعبان من الثعابين التي أذن لها بمبارحة جحورها ..!
-
لا أدري ان كان مصير انتفاضة كفاية سوف يلحق بمصير انتفاضة
يناير 1977؟!
-
تلك اذن ستكون كارثة كبري ؟
-
اهدار غضبة شعبية كفيلة بتوليد طاقة يمكن أن تضيء المستقبل
وتبدد ظلام الحاضر الحالك السواد..
-
لماذا لاتضم الأحزاب الكبري جهودها لجهود كفاية وتتفق معها علي
صيغة عمل ؟!
-
أما زال كل حزب من أحزاب المعارضة متمسكا بأنانيته ويأبي أن تكون
السلطة الا له ؟!!
-
ألا تري أحزاب المعارضة بعد أن الخراب الذي لحق بمصر يكفي لألا
يتمسك كل منا بمصالحه الخاصة ومطامعه في الحكم ويبدي عليها
-
المصلحة العامة للوطن والشعب؟!!
-
ألا يكفي بعد ، في رأي أحزاب المعارضة – الكبري الثلاثة - ما
لحق بشعب مصر من الفقر والجوع وبشبابه من تشرد ..؟!
-
ألا يكفي
تلك
الأحزاب بعد ، ما لحق بمصر من ضياع لريادتها محليا ومكانتها
عالميا ، علي أيدي العصابة الحاكمة ؟!
-
أولم يكف أحزاب المعارضة بعد ، معاناة شعب مصر لأكثر من نصف قرن
من حكم تحالفي أخطبوطي ثلاثي – عسكري بوليس استخباراتي –
-
أهان شعب مصر وأذله وأجاعه؟ أهناك درك أسفل من ذلك تنتظر أحزاب
المعارضة الكبري حتي تتردي اليه مصر وشعبها؟!!
-
لماذا لم يدفع السيد خالد محيي الدين أحدا من كوادر حزب التجمع
الشابه مفسحا لهم الطريق للترشيح لانتخابات الرئاسة بدلا من
تقديم
-
نفسه هو .. ؟(!!!!) فعنده البدري فرغلي ، والحريري ، وهما وجهان
معروفان للشعب فطالما هزا البرلمان باستجواباتهما الجريئة .. ..
-
لماذا لم يتفق الناصري مع حركة كفاية
، علي صيغة سياسية لتوحيد الجهود ، خاصة وأن أحد كوادر الحزب
الناصري هو من قيادات كفاية؟!
-
لماذا لا تتفق الأحزاب الكبري الثلاثة – الوفد والتجمع والناصري
– مع حركة كفاية ، أنشط معارضة سياسية بالشارع المصري ، وأكثرها
-
كسبا لاستجابة الشعب ، علي عمل جبهة ووضع دستور وبرنامج علماني ،
لضمان تداول السلطة التي يجب ألا تقع بيد التيار الديني الاسلامي
-
، والا فلا ديموقراطية ولا تداول ..
-
لماذا لا يتخلي كل من أحزاب المعارضة عن أنانيته ، وعن مصالحه
الشخصية ممن يتردد وجود مصالح شخصية لهم مع الحزب الحاكم ..،
لأجل
-
الوطن ..
، ويتم عمل جبهة من الأحزاب الكبري
الثلاثة وحركة كفاية وحزب الغد ، وتشكيل حكومة ائتلاف من الآن ..
( مدنية خالصة .. لا عسكر
-
فيها ولا تيار ديني ..)..؟(!!).
-
ان مصر في حالة مخاض الآن ، وهي في
آخر ليل الظلام الديكتاتوري ، والتحول قادم لا محالة بحكم قانون
الطبيعة، بعد أن تراكمت جرائم النظام
-
، ولم يعد سوي أن تنهار علي رأسه .. وحينها سوف يحاسب الشعب من
يتخلف أو يتردد أو أو يتلكأ من أحزاب المعارضة عن القيام بواجبه
-
بشكل فعال بالتوحد لأجل ازاحة كابوس ذاك النظام ..
-
ان التحول والتغيير قادم لا محالة ، وسوف يحاكم الشعب من يتخلف
عن الاندماج للمواجهة الفعالة والحاسمة ضد النظام ، ومن يتواطأ
-
، أو يتمادي في تواطؤه مع النظام ضد مصالح الشعب والوطن ..
-
هل ستتسبب أحزاب المعارضة الكبري الثلاثة في سقوط انتفاضة "
كفاية" الشعبية مثلما تسببوا في سقوط انتفاضة الشعب في يناير
1977؟!
-
ان القيامة ( السياسية ) في مصر أوشكت أن تقوم ..
-
وسوف يكون الحساب عسيرا ..
-
سواء من الشعب .. أو من التاريخ ..
-
اللهم فاشهد ، قد بلغنا ....
-
---------------------
* من
كتاب: " دليل العشاق والمغرمين ، لجمع شمل بهية
وياسين "- شعر سياسي رمزي-
-
الصادر عام1982 لكاتب هذا المقال