انه
يقول، كيف يقول، لماذا يقول؟!
بقلم:
صلاح الدين محسن
خرجت من مسكني ذات يوم، فوجدت جارا لي يقف في الممر
الطويل المؤدي إلي باب المبني ومعه ابنته الصغيرة، ويبدو عليه الضيق
والغيظ، وعلاقة جوارنا تعود إلي بضع سنوات وأعرف أنه مهندس ومسلم
متدين وعلي قدر من التشدد، يلقي أحيانا بعض الخطب بالمسجد، ليس كخطيب
محترف.. سألته عما به فأجاب والدهشة تتملكه:
جارنا فلان ذاك المسيحي ألا تعرفه؟ قلت : بل أعرفه ،
فماذا به ؟
هنا راح يحرك يده في ضيق شديد، مما أوحي لي أن خلافا
قد نشب بينهما علي شيء من الضروريات و الخصوصيات، وكل منهما يري
أحقيته له.. وراح يحكي لي: “ يقووول ( هكذا راح يشدد علي كلمة يقول
بتأكيد عصبي علي وجوب توقفي طويلا وباهتمام إلي ما يقوله جارنا ولا
يعجب جاري هذا..) أن المسيح قد قتلوه وصلبوه ..
ثم احمر وجهه وبدا الغضب وقد ازداد في عينيه وواصل
كلامه “ أنا قلت له: وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم.. .. ، هو
يقول قتلوه وصلبوه... وأنا أقول له " وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه
لهم.. "
ومضي يكرر لي ذلك مرة أخري بغضب بينما إصبع يده ينطلق
لأعلي كما الصاروخ أرض جو، في حسم، ثم يعود ليصوبه نحو الأرض كما
صاروخ جو أرض، من شدة الإصرار والغيظ..:
الجار: .. هو يقول قتلوه وصلبوه.. وأنا أقول له " وما
قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم.."
ومن شدة ما لاحظته عليه من عصبية، وتعابير وجهه
ونزلات وطلعات إصبعه وحركة يده، تخيلت الموقف بينهما، فخيل إلي أنه
لو كان بيد كل منهما سكينا طويلا لغمده في صدر الآخر !!!
هدأت من روعه ثم قلت له: أريد أن أعرف ما هي المشكلة
التي بينكما بالضبط؟!
فتلفت حوله ثم انتزع نصف ضحكة وقال مكررا وكأنه يقول
لي ألا تدري هول ما قاله وفداحته ؟ : انه يقول انهم قتلوا المسيح
وصلبوه.. ! فكيف يقول ذلك ؟! ولماذا يقول ذلك؟!
فقلت: إن كانوا قتلوه وصلبوه.. فأين يوجد المسيح
الآن؟
-: فوق.. عند ربنا..
-: حسنا.. في مكان عند ربنا ؟
في أحسن منزلة في الجنة..
-: وان كانو لم يقتلوه ولم يصلبوه ولكن شبه لهم..
فأين هو الآن ؟
فغمغم قليلا ثم ابتسم وقال: أيضا فوق عند ربنا..
قلت: في أي مكانة ؟
-: في أعظم مكانة وفي أرفع منزلة..
-: حسنا.. أيرضيكما أن يكون المسيح موجودا بأعظم
مكانة وأرفع منزلة وأنتما هنا علي الأرض كل يريد قتل الآخر؟..!!
ابتسم ثم قال متمتما في حيرة: ولكن.. لماذا يقول
ذلك، و كيف يقول ذلك..؟ !
-: دعه يقول ما يشاء، ولك أن تقول ما تشاء، أتراه
محضر التحقيق في القضية مفتوحا الآن والحكم علي المتهم متوقف علي
قوله هو، ونجاته متوقفة علي قولك أنت ؟
هنا اتسعت ابتسامته..
وأضفت قائلا: يا جاري العزيز: إن تلك القضية مضي
عليها 2000 من السنين..ولن - ويجب ألا - يتم التحقيق فيها الآن ولا
يجوز ذلك... بعد مضي كل تلك المدة... فطرفا القضية الآن ليسا معنا
وإنما هما عند الله، ووقتما يفتح الله التحقيق والحساب عن تلك القضية
فسوف يتقدم الشهود ، وأنت وجارنا الآخر لستما من ضمن الشهود..
وهنا ضحك جاري المسلم المتشدد – قليلا - هذا، وتركته
يعيد تأمل قضيته، واستأذنت للانصراف إلي طريقي..
حدث ذاك الحوار مع جاري المسلم منذ 5 سنوات
ومنذ خمسة أيام، لمح جاري المسيحي المتشدد – قليلا-
عندي، كتابا، قرأ عنوانه بفضول، ثم ابتعد عنه وقال بهدؤ:
-: لا.. أنا لا أقرأ مثل تلك الكتب..
وعنوان الكتاب يوحي لمن يقرأه أنه قطعا كتاب لا يمكن
أن يقرأه سوي الشباب الصغير، من المراهقين والمراهقات..
إذ يقول العنوان “ يوميات امرأة لا مبالية " -
ديوان للشاعر نزار قباني -...
وتصادف أنني أجعل علامة علي صفحة معينة لتصل إليها
يدي بسرعة وقتما أحتاجها بلا بحث أو تقليب..لذا فقد قلت له علي
الفور:
ألا تسمح لي بأن أقرأ لك سطورا قليلة جدا من ذاك
الكتاب الذي لا تحب أن تقرأ مثله ؟!
فأجاب بتردد وبلا أمل في أن يستمع إلي كلام معقول من
كتاب يحمل عنوانا كهذا:
-: لا بأس...
-: فقرأت له تلك الكلمات التي قالتها المرأة
اللامبالية في يومياتها:
“ خرجت اليوم للشرفة
علي الشباك.. جارتنا المسيحية..
تحييني
فرحت لأن إنسانا يحييني
لأن يدا صباحية...
يدا كمياه تشرين..
تلوح لي..
تناديني..
أيا ربي !
متي نشفي هنا،
من عقدة الدين..
أليس الدين، كل الدين،
إنسانا يحييني؟
ويفتح لي ذراعيه..
ويحمل غصن زيتون... ؟! "
-----------
|