صلاح الدين محسن


10 سبتمبر 2005

صفحة كُتاب الأقباط متحدون

info@copts-united.com

التكفير الثقافي، ومصحف أمل د نقل(!)

بقلم: صلاح الدين محسن

 

 عندما أحببت الشعر وأنا تلميذ صغير..  تصورت أن مثل ذاك الجميل الرائع الذي هو الشعر لايمكن إلا أن تحبه كل الكائنات الحية وغير الحية .. من الطير إلي الشجر إلي الحشرات والحيوانات وحتى الصخور بالإضافة إلي الإنسان بالطبع..

وعندما كبرت قليلا، اكتشفت وجود من لا يتذوقون الشعر.. 

وعندما كبرت أكثر اكتشفت أن هناك ليس وحسب من لا يتذوقون الشعر، وإنما من يمقتونه مقتا ويكرهونه كراهية لا تعادلها إلا كراهيتي التي لا حدود لها لمادة أو علم الجبر..، الذي يعجز عقلي تماما حتى الآن عن استيعاب حرف واحد منه، وأكرهه جدا لأنه طالما عري غبائي أما مدرسيه وأنا تلميذ وأمام زملائي التلاميذ أيضا..

واكتشفت كذلك وجود أناس إذا ذكرت أمامهم كلمة جبر.. فإنهم يشهقون، شوقا ولهفة وأشعر أن قلوبهم ترفرف بين صدورهم غبطة وسعادة،  أي نفس الحالة التي تتملكني إذا سمعت كلمة شعر، أو اسم شاعر أحبه أو قصيدة أحبها..

وعندما كبرت أكثر.. اكتشفت أن محبي الشعر يختلفون حول الشعراء، فكل شاعر له قراء يحبونه وآخرون يعرضون عنه وربما يكرهونه... ، بل كل شاعر له قصائد يحبها قراء، ويعرض عنها قراء آخرون، أو حتى يلعنونها..

ومع مرور الأيام والسنوات أتضح لي أن ما ينطبق علي الشعر وعلم الجبر، ينطبق أيضا علي السياسة والاقتصاد..  وكل شيء، فهناك أناس يتفهمون الاشتراكية العلمية (الماركسية) ويعتنقونها، وهناك من يفضل عليها الاشتراكية علي الطراز الأوربي، ومن لا يفضلون الاشتراكية العربية اشتراكية عبد الناصر، والبعث وصدام والأسد، بل والاشتراكية الخضراء لصاحبها و مصممها الأخ العقيد..

ووجدت أناسا يرون أن أصلح نظم الحكم هو الشريعة الإسلامية التي مضي علي تأسيسها ألف وأربعمائة عام، ويرون أنها لا تزال صالحة، وآخرون   يرون القوانين والشرائع المدنية الحديثة هي الأنسب والأدري بحاجيات وظروف إنسان العصر...

وكانت حصيلة كل ذلك هي أن أذواق وفهم وعقول الناس تختلف..  مع وجود كل تلك الاختلافات لا مفر أمام الإنسان سوي أن نقدر تلك الطبيعة فينا كبشر ونقبلها كما هي ونرحم بعضنا البعض، أو تتحول حياتنا في كل مكان ومجال إلي معارك تسفك فيها دماؤنا..!

وبعد طول عناء للبشرية بسبب تلك الاختلافات وما ينشأ عنها من خلافات ومشاحنات وبغضاء ومعارك.. توصل الإنسان إلي الحل وكان الحل والخلاص في: الديموقراطية، وحرية الرأي وحرية التعبير وحرية العقيدة...

وكلنا يزعم أنه مع الديموقراطية..  حتى من يكرهونها صراحة، يزعمون وقوفهم معها أكثر مما يجاهرون برفضهم وعدائهم لها.

وكلنا، لا أحد إلا وهو مع حرية الرأي والتعبير وحرية العقيدة.. – هكذا نقول - ولكن يبدو أن الكثيرين يقصدون حريتهم هم في ذلك، وحقهم هم.. لا حرية الآخرين وحق الآخرين أيضا...

فإذا نشر شاعر قصيدة عن النقاب.. انتفض حبالشة الأزهر، وأبلغوا النيابة وسلطات الأمن ضد الشاعر والمجلة التي نشرت له القصيدة.. -  الحبالشة، نسبة إلي حبلوش زعيم جماعة الأزهريين التي تصادر الكتب، وحصلت علي ما يسمي بحق الضبطية الجنائية لمصادرة الرأي الآخر المخالف لرأيهم كرجال دين ..  - !!

وفي مقابل الحبالشة الأزهريين، ظهر حبالشة السياسة والثقافة، يريدون أيضا مصادرة أي رأي يخالف رأيهم ويقفوا له بالمرصاد.. ولا ندري إن كانوا يسعون هم بدورهم للحصول علي حق الضبطية الجنائية..(!!!) ..

صدر فيلم للفنان عادل امام يقول فيه ما يقول فما هي المشكلة ؟!  له رأي للمؤلف رأي والمخرج أيضا وقالوا رأيهم.. ومن المؤكد أن رأيهم أو أي رأي في أية قضية سوف يكون له أناس يؤيدونه وآخرون يخالفونه ذاك أمر طبيعي جدا كما قلنا.. لا يستوجب أن تقوم عليه القيامة ( إلا عند الحبالشة بأنواعهم المختلفة.. ) الفيلم اسمه " السفارة في العمارة "

منذ سنوات بعيدة، وقتما كان الزعيم “ سعد زغلول " وزيرا للداخلية.. دخل عليه مدير الأمن طالبا   موافقة معالي الباشا علي مصادرة كتاب...

فسأله سعد باشا:  ولماذا تصادرونه ؟!

فأجاب مدير الأمن: أن عنوان الكتاب " لماذا أنا ملحد ؟ "

فرد عليه " سعد باشا زغلول “ – الأزهري التعليم -:  كلف 10 من علماء الأزهر يؤلفون عشرة كتب بعنوان " لماذا أنا مؤمن ؟”..

خلاص.. وانتهي الموضوع.. ديموقراطية حقيقية.. حرية عقيدة، حرية رأي، حرية تعبير.. الرأي والرأي الآخر..

حدث ذلك في العقود الأولي من القرن الماضي.. وقتها كانت الطائرة في مراحلها البدائية.. ولعل مصر لم تكن قد امتلكت طائرة واحدة بعد..

والآن نحن في القرن الواحد والعشرين، في عصر سفن الفضاء وتم غزو المريخ وتصويره بعد أن مضت أربعون سنة وأكثر علي غزو القمر.. فماذا يحدث الآن بمصر في مقابل ما حدث في بدايات القرن الماضي من “سعد زغلول " ؟.

علي احدي القنوات التليفزيونية شاهدت لقاء مع" يوسف معاطي " مؤلف قصة الفيلم، و الناقد السينمائي رفيق الصبان، وأحد الغاضبين  من الفيلم المحتجين عليه ،.. .. وفهمت أن بيانا قد صدر جمعت عليه توقيعات مثقفين تندد بالفيلم وتستنكر ما جاء به من تأييد للتطبيع.. بالإضافة إلي اتهام آخر هو السخرية من قصيدة للشاعر " أمل دنقل ". ووجدت " يوسف معاطي "  يجتهد لنفي التهمة عن نفسه ويشرح ويستفيض في الشرح ويؤكد أنه ضد التطبيع وليس معه، وهكذا الفيلم ..، وكذلك راح ينفي عن نفسه تهمة السخرية من قصيدة للشاعر أمل دنقل، ويؤكد علي حبه للشاعر وللقصيدة ويقدم الأدلة تلو البراهين..

ولا أدري ما الذي جعلني أتذكر عددا من المفكرين التنويريين الليبراليين الذين قالوا ما قالوه عن العقيدة ونقدوها وفندوها بالحجج والأدلة العلمية.. وعندما يرفع الحبالشة وأعوانهم فوق رؤوسهم سيوف التكفير.. فإنهم يؤكدون حبهم للعقيدة، واحترامهم للعقيدة واعتزازهم بالانتماء للعقيدة وافتخارهم بذاك الانتماء ! !  ، بينما الحقيقة أنهم قد جردوها من ملابسها وفضحوا سوءاتها وعددوها..!!

ورغم أنهم يدركون تماما، أن كل ادعاءاتهم بالإنكار لن تقبل، وأنهم قد وضعوا في قائمة التصفية وانتهي الأمر إلا أنهم يصرون علي زعمهم تمسكا بقشة قد تنجيهم فان لم تنجهم فقد يجدوا إذا ما قتلوا من يترحم عليهم ويلوم من قتلوهم بحكم أنهم كانوا يتمسكون بإيمانهم بالعقيدة ويتشبثون بذلك إلي آخر نفس..!

تذكرت والرجل ينفي عن نفسه تهمة أن يكون تطبيعيا - والعياذ بالله.. - أي من الموافقين علي التطبيع..

تذكرت من جرموا الشاعر الذي قال رأيا في النقاب وعدوه قد أنكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة.. وكذلك القول بتأييد التطبيع هو أيضا قد أصبح إنكارا لما هو معلوم من الثقافة بالضرورة..!!

وعقوبة إنكار المعلوم من الدين بالضرورة هو الاستتابة فان لم يتب، يقام عليه حد الردة الدينية..

ويبدو أن الأمر قد أضحي كذلك لدي حبالشة الثقافة أيضا.. مما جعل مؤلف قصة الفيلم ينفي تهمة تأييد التطبيع عن نفسه تماما، وكذلك ينفي عن نفسه تهمة السخرية من قصيدة " لا تصالح " للشاعر " أمل دنقل " لكونها: مصحف شعري – شريف - لا يجوز لأحد المساس به ولا إبداء رأيه فيه، لوجود إجماع علي أن تلك القصيدة هي: " درة “، بل أغلي الدرر في تاج الشعر العربي عليه الصلاة والسلام، وهناك إجماع علي رفض التطبيع..،  وتتكرر كلمة إجماع من الحبالشة الأزهريين والحبالشة الثقافيين أيضا (( في حين أن الديموقراطية التي يزعم الجميع التتيم بحبها والدعوة إليها ولها صبح مساء لا يوجد فيها البتة شيء اسمه إجماع...!!! اللهم إلا ديموقراطية حافظا الأسد وصدام وعبد الناصر والأخ العقيد..! )).. وسعي المؤلف لتأكيد العكس – أي رفضه للتطبيع، وحبه للقصيدة المصحفية الد نقلية الشريفة وشارك في ذلك الناقد رفيق الصبان، ولم يحاول أحد منهما أبدا القول بأنه حتى لو كان هذا رأيه، أو رأي آخرين غيره فلكل إنسان الحق في أن يكون له رأيه الخاص.. لم يجرؤ أحدهما علي مثل ذاك القول خشية أن يرفع عليهم سيف لتكفير الثقافي..(!)

  

فانظروا معنا موقف الزعيم " سعد زغلول “ - مذ كانت الطائرة لا تزال بدائية.. من موقف حباليش الدين وحباليش الثقافة معا بينما نحن في عصر سفن الفضاء والفامتو والكمبيوتر (!!)

 

 



E-Mail: info@copts-united.com

Copts United

لأقباط متحدون