دخول العرب مصر.. غزو أم فتح؟!
بقلم
:
صلاح الدين محسن
ندوة
،
وتعليق :
علها
المرة الأولي التي يدور فيها نقاش علني في
التليفزيون المصري أمام عامة المشاهدين ، طرح قضية من ذاك النوع
،
وكان بقناة التنوير ، بحلقة من برنامج "
للود قضية " أذيعت منذ أيام ، ورأينا أنها جديرة بالتعليق عليها
وان كانت نفس القضية قد طرحت مرات بالصحف والمجلات الثقافية بصفة
خاصة بمصر ، الا أن الأمر بالطبع يختلف..
كان
ضيوف البرنامج المتحاورون هم :
دكتور اسحاق عبيد أستاذ الحضارة والتاريخ بكلية الآداب – جامعة عين
شمس -
دكتور عبد المقصود باشا أستاذ التاريخ الاسلامي بجامعة الأزهر
دكتور كمال فريد أستاذ اللغة القبطية بمعهد الدراسات
القبطية
الأستاذ محمد البدري الناشط والكاتب الليبرالي المصري - كما
أفضل أن أقدمه - أو : كما قدمه البرنامج : " مهندس ، وحاصل علي
دبلوم في الأنثروبولوجي " .. لا بأس..
مقدم
البرنامج : الأستاذ أحمد عبد الظاهر ..
سوف
نقدم انطباعاتنا وملاحاظاتنا حول ما دار بين المتحاورين بتلك القضية
التاريخية البالغة الأهمية لما تثيره من حساسيات وطنية وعقائدية ،
وطرح مثل تلك القضية بقناة تليفزيون مصرية هو في حد ذاته شيء مبشر
ويدعو للتفاؤل ، ومؤشر انفتاح ثقافي هام ، وضروري حتي وان جاء من باب
" بيدي لا بيد عمرو " .. حيث أن القنوات الفضائية غير المصرية تقدم
وسوف تقدم الكثير ، من النور والتنوير بكل أنواعه ، من أي مصدر – أيا
كانت أهداف ذلك - ، - وحتي وان كان عدد مشاهدي قناة التنوير بمصر
ليسوا كمشاهدي باقي القنوات ، بل أقل في تقديرنا ، ولكنه خير - ..
فان جاء التنوير من مصباحنا فمرحبا ، ويا
حبذات .. وليست حبذا واحدة .. :
نبدأ
بالمذيع – مقدم البرنامج - :
كان
محايدا جدا وقدم للندوة تقديما جيدا ، ولم يحاول الزج بأحد
المتحاورين الي حظيرة قناعاته الشخصية ، أو دفعه دفعا أو نخسه نحو
ذلك كما يفعل بعض مقدمي البرامج
التليفزيون المصري ، وأتذكر منهم المذيع" جمال الشاعر"
-
علي سبيل المثال ، وانما قدم المتحاورين ووزع الأدوار بينهم وضبط
مجري النقاش ، وكانت مداخلاته محسوبة ومهذبة ولم تتعد علي حقوق ضيوفه
المتحاورين – كما يحدث كثيرا من مذيعين آخرين يتكلمون أكثر مما يتكلم
ضيف البرنامج مما يدعو لدهشه المشاهد وتساؤله عن سبب احضار الضيف من
الأصل ؟!!
يمكن
تقسيم المتحاورين الي قسمين : القسم الأول .. اثنان يعملان بالتعليم
الحكومي – أساتذة جامعات حكومية وهما : الدكتور اسحاق عبيد ،
والدكتور عبد المقصود باشا .. – سبق تقديمهما - ... ومن المعروف أن
التعليم في مصر لا يقدم تاريخ مصر – الحقبة العربية الاسلامية -
بشكل يتسم بالأمانة العلمية ، وانما بالانحياز التام للعروبة
والاسلام ، انحيازا يصل الي حد المغالطة ، ولا نغالي ان قلنا : بل
والتآمر أيضا .. ، ولاعتبارات عدة منها : الارث التاريخي الاضطراري ،
ومن ضمن هذا الارث مجاملة الحكام ، والعاطفة الدينية المشبوبة التي
يمكن أن تجيز عدم الأمانة العلمية التأريخية ، وتجيز غير ذلك أيضا..!
أي
يمكننا القول أن كلا من الدكتور اسحاق عبيد والدكتور عبد المقصود
باشا هما : موظفان حكوميان – بدرجة أساتذة جامعة - .
ودستور مصر الذي وضعته الحكومة ولا تريد حتي الآن تغييره ينص علي أن
مصر دولة عربية اسلامية .. فما الذي يمكن أن يقوله موظفو الحكومة –
حتي وان كانوا بدرجة أساتذة جامعة – في الغالب - ؟!!
أما
طرف الندوة الأخر : دكتور كمال فريد ، الأستاذ محمد البدري - سبق
نقديمهما - فهما عكس الموظفين الحكوميين .. كلاهما حر من سلطة
الوظيفة الحكومية .. تلك الحرية التي يمكن أن تعطي صاحبها بالاضافة
الي العقلية الحرة بطبيعتها ، القدرة علي البحث واعتناق الفكر الحر
.. أي أنهما مستقلان ..
وبذلك يمكن
القول أن الفريقين كانا أشبه ما يكونان ب : حكومة ، ومعارضة ....
خطأ
فادح
:
وقع
في ذلك الخطأ " الدكتور كمال فريد حيث لم يقدم المرجع الأصلي
والرئيسي الذي يدلل به علي أن دخول العرب لمصر كان غزوا – أي احتلال
ارتكب فيه العرب مثل كل ما ارتكبه أي احتلال من الجرائم
والفظائع .. بالرغم من أن المرجع الرئيسي
كان بين يديه ، وانما قدم مرجعا ثانويا – اذا اعتبر مرجع أصلا - فقد
أذهلني عندما ذكر اسم السيدة الراحلة سناء المصري ، كمرجع له (!!)
.. وهي مناضلة سياسية أحترمها ولكنها ليست مرجعا
.. فهي ليست
معروفة بالقدر الكافي حتي بين المثقفين .. وان ..
اعتبرناها مرجعا فهي مرجع اضافي .. لذا فقد استحق رد الدكتور عبيد
عليه بأن تلك الكتب " كتاب سناء المصري " هي كتب الرصيف .. !،
وأيده الدكتور عبد المقصود باشا ، في تعبير كتب الرصيف كوصف لكتاب
سناء المصري الذي قدمه دكتور كمال كمرجع له بينما اسم " بن عبد
الحكم " المرجع الرئيسي والذي رجعت اليه سناء نفسها ، بين يديه ..!
وزاد علي ذلك الدكتور عبد المقصود باشا بالقول " انه يشك في أن يكون
اسم " سناء المصري " اسما حقيقيا .. ووصل الأمر الي حد الهزل بقوله
" انه لا يعرف ان كان الاسم – سناء – لرجل أم لامرأة ، وأضاف أنه
يستشف من بين السطورأن الاسم هو لامرأة ، ساخرا من كون المرجع لامرأة
– أزهري ...- !! ، فاذا بالدكتور كمال فريد يضيف اسما آخر لسبدة
أخري ربما أقل شهرة من سناء المصري .. مما زاد من تهكم المتهكمين
واصرارهما علي أن مراجع الدكتور كمال فريد ما هي سوي كتب الرصيف ..!
وانقاذا للموقف ، قال الأستاذ محمد البدري ، أن السيدتين ( المصري ،
الكاشف ) كانتا أشجع من الكثيرين من الرجال في ذكر حقائق التاريخ
بأمانة ..
أما
ما كان جديرا بالقول وكنت أنتظره من كل من الدكتور فريد
والأستاذالبدري فهو تقديم المراجع الرئيسية – ولا بأس من ذكر
آخرين كاضافة ثانوية ، ان كانوا علي المستوي المرجعي .. –
والمرجعان الأساسيان والهامان في تلك القضيه هما:
يوحنا النقيوسي : وهو مؤرخ مصري ،( مصري... ) كان
قريبا من أحداث دخول العرب مصر
بن
عبد الحكم : وهو مؤرخ عربي ، ( عربي ..... ) " " "
" " " "
وكلاهما ذكر الفظائع والجرائم والبشائع التي ارتكبها العرب ضد
المصريين عند دخولهم مصر ، وهي أشياء يشيب الغراب من هولها ..
وقد
كان أول المتحدثين هو الدكتور اسحاق عبيد .. وبالرغم من أنه استاذ
للتاريخ ، والقضية المطروحة للمناقشية هي تاريخية في المقام الأول ،
وشديدة الحساسية بل والخطورة ، الا أنه بدأ كلامه بالشعر .. وبكلمات
من أغنية فيروز عن المسيح والسيدة العذراء ... وكذلك استدعي مقولة
كهنوتية للبابا شنودة تقول " مصر ليست وطنا نسكن فيه وانما هي وطن
يسكن فينا " .. وهي مقولة كما ترون ،
صلتها بالوطنية الرومانسية أكبر بكثير من صلتها بتاريخ مصر أو
جغرافيتها .. الا بالتأويل الذي يتسع لكل شيء .. أي أنهامقولة حب
رومانسي للوطن..
روح
الفريق المعد والمبرمج سلفا بين الدكتور اسحاق ، والدكتور عبدالمقصود
كانت واضحة .. كل منهما يؤكد ما يقوله الآخر أو يساعده فيه ، وكأنهما
يعزفان من نوتة واحدة ..
-
قال الدكتور عبد المقصود .. أن السيدة هاجر المصرية – زوجة النبي
ابراهيم ، لم تكن جارية ، وانما أميرة مصرية وقعت بالأسر ، وأهديت
له ( ملحوظة : وهكذا تكون الجارية .. وسواء كانت أميرة
من قبل أو كانت خفيرة) – كان الدكتور اسحاق عبيد ، يتكلم عن
ابن عبد الحكم كمؤرخ ، فان قيل عنه شيء يخالف قناعات الدكتور .. فانه
يثور ويرد غاضبا : أشك في ابن عبد الحكم ، كمؤرخ ..!!
-
-- قال الدكتور اسحاق عبيد " أنا قبطي مسيحي ، والله العظيم .. ان
العرب لم يفتحوا مصر عنوة .. " ، ثم كرر الدكتور الحلف قائلا " أقسم
لالله العظيم ...... " وبالنسبة لي
كانت تلك أول مرة أعرف فيها أن الحلف والقسم
من
ضمن وثاق الحوار عند أساتذة التاريخ ...
ولأن
المسيحية كديانة تحرم الحلف والقسم بتاتا
" لا تحلفوا البتة ... " لذا فقد أحسست بالشك في كل ما قالة الدكتور
اسحاق عبيد وخاصة قوله انه قبطي مسيحي ...
-
الدكتور عبد المقصود باشا - أستاذ التاريخ الاسلامي بالأزهر –
استشهد بأغنية للفنان محرم فؤاد للتدليل علي الوحدة الوطنية بين
المسلمين والمسيحيين ، وبعدها مباشرة أضاف : " اذا طرح موضوع للنقاش
فيجب طرحه من منهج أكاديمي وليس عاطفي ..
-
الضرب تحت الحزام ( الشنكلة والكعبلة ) :
أي
انسان يريد هزيمة من يحاوره بطريقة الخدع الحربية يمكنه أن يباغته
بسؤال عن اسم أو تاريخ من الممكن ألا يكون حاضرا علي الفور بالذاكرة
، وقد يهتز من يوجه اليه السؤال فيبدو مهزوما أمام المشاهدين ..
وللأمانة لم ترتكب مثل تلك اللعبة سوي مرة واحدة من أستاذ التاريخ
الاسلامي بالأزهر دكتور عبد المقصود باشا ، الذي فاجأ الأستاذ محمد
البدري بسؤاله عن تاريخ تولي أحمد بن طولون للحكم .. ولم تكن هنا
ضرورة لا للسؤال ولا حاجة للاجابة ! .. وألح الدكتور عبد المقصود في
طلب الاجابة كمحاولة ل ( كعبلة ) محمد البدري بلعبة صغيرة ..!
لاحراجه واظهاره بمظهر من الممكن أن يسقطه أمام العامة من المشاهدين
، ورد علي البدري قائلا : أنت أستاذ للتاريخ ..
قال
الأستاذ محمد البدري ، أن الانسان العربي غير منتج ، لأنه يحط في
مكان العشب ليجهز عليه ثم يتركه لينتقل لمكان آخر ، أي أنه ينتج
الجدب ...... ، وفي الحقيقة أن القول ليس شديد الدقة فقد يرد عليه
بالقول : بل العربي منتج فهو ينتج الصوف واللحوم والألبان
والجلود .. .
ولكنه لا يتساوي مع المزارع المستقر المنتج المبدع الذي يقيم عمرانا
وحضارة يطورها ويتطور معها ، بعكس الراعي البدوي الذي يعيش علي
الترحال فلا يقيم حضارة ولا يطور ولا يتطور ، بل يمكن أن يسطو علي
الحضارة والتطور والمتطورين وينقض عليها نهبا وسلبا ، وحرقا..! ..
مقاطعة المتحدث
:
لم
تشهد الندوة مقاطعات كثيرة من المتحدثين لبعضهم البعض ، سوي من
الأستاذ الأزهري دكتور عبد المقصود باشا الذي قاطع الأستاذ البدري
أكثر من مرة ، وتدخل مقدم البرنامج لأجل تحقيق الالتزام بآداب
الحوار العلمي ..
استطاع الدكتور عبد المقصود توجيه ضربة قاضيه الي الطرف الآخر
للحوار وهما دكتور فريد والأستاذ البدري – في نهاية البرنامج ،
عندما قرأ سطورا من الهزل جاءت بأهم مرجع لهما - ابن عبد الحكم -
.. وتلك ليست بالحجة الفاعلة عند المثقفين لأنهم يعرفون أن التراث
العربي عموما حافل بمثل تلك التخاريف ،
ويعرفون أن أي مرجع من الممكن أن يعتز به الدكتور عبد المقصود باشا ،
به عشرة أمثال الهزل الذي قرأه ليدحر غريميه في الحوار .. ولكن
عامة المشاهدين لا يعلمون ذلك ... لقد
كان الدكتور عبد المقصود أكثر حيطة وعمل بقول : الحرب خدعة ، وكلام
الدكتور عبد المقصود كان يحمل الكثير من الخدع القولية ، ولكنه بتلك
الخدعة الأخيرة التي ختم بها البرنامج والتي كان من الواضح أنه كان
يبيتها لمحاوريه وبحنكة شديدة، وفي ختام البرنامج .. ، حيث رفعت
الأقلام بعد قوله وطويت الصحف ..
نختم
قولنا عن الندوة بالقول : انها كانت رائعة بصرف النظر عن لصالح من
كانت الغلبة ولكفة من رجحت هل لكفة العروبة باعتبارها فتحا مبينا ؟!
أم عليها باعتبارها احتلال أجنبي كأي احتلال
واستعمار كأي استعمار ؟! لقد نجحت الندوة - في رأينا -
لكونها ألقت عدة أحجار في بحيرة يحرص كثيرون علي أن تظل ساكنة
تماما ، بل وآسنة ..(!!!).
|