صلاح الدين محسن


25 سبتمبر 2005

صفحة كُتاب الأقباط متحدون

info@copts-united.com

لماذا لا يفرجوا عن " عبود الزمر"

وصفحة من مذكراتي في السجن السياسي

بقلم : صلاح الدين محسن

 

نشرت الصحف مؤخرا ما أعلنته السلطات المصرية عن رفضها الافراج عن عبود الزمر ، أحد سجناء الجماعات الاسلامية ، وواحد من أبرز   المشتركين في اغتيال الرئيس الراحل السادات ، رغم قضائه لفترة السجن المقررة عليه  نظرا لخطورته علي الأمن ..   علي حد قول لسلطات المصرية .... وكان الزمر ، قد حاول ترشيح نفسه من داخل السجن ضمن المرشحين لانتخابات رئاسة الجمهورية منافسة للرئيس مبارك  .

ولعل كثير من الناس قد سألوا بينهم وبين أنفسهم سؤالا أهم من السؤال عن كيفية رفض الافراج عن مسجون قضي العقوبة التي قررها عليه القضاء وهي ربع قرن  سجن ..؟

ففي تقديرنا أن السؤال الأهم هو : كيف يبقي مسجون ربع قرن كامل من الزمان داخل السجن ، وتبقي خطورته قائمة كما هي ؟ !   ، أوليس السجن كما يقولون : اصلاح وتقويم ..؟  اذن لماذا لم تصلح السلطات المصرية " عبود الزمر"

طيلة تلك المدة ..؟!!

وهل هذا دليل علي فشل تلك السلطات في آداء واجبها نحو السجناء واعتراف صريح بذاك الفشل ؟..

وتري : من المسئول عن فشل اصلاح وتقويم " عبود الزمر " واقناعه بالعدول عن فكر العنف والارهاب ؟..

لعل هذه الصفحة من " مذكراتي في السجن السياسي " ، التي لم أنشرها بعد ، وهي عن مدة السنوات الثلاث التي سجنت فيها من     : عام2000 حتي 2003      في قضية رأي وفكر عن أحد كتبي  -  صدر في أول عام 2000 -.. :    

 

".....  قضيت في الحبس الانفرادي  سبعة شهور ممنوعا من التحدث الي أحد من السجناء الآخرين وهم ممنوعون من الاقتراب مني ..أو الحديث الي ولا حتي من خلف نافذة العنبر أو نافذة الزنزانة  -  حوالي 15  سم × 15 سم - ..  

بعد ذلك أخرجوني من الحبس الانفرادي وفتحوا لي مثل باقي السجناء طوال اليوم حيث يمارسون الألعاب الرياضية لمن يرغب أو الذهاب الي المكتبة للقراءة أو الاستعارة أو المسامرة مع بعضهم البعض .. ولكنهم حظروا عليهم الدخول معي في مناقشات في الدين بزعم قدرتي علي اختراق عقولهم وتحويل قناعاتهم من ناحية الدين  (!!) ..

ولكن بالتدريج وبدافع الفضول الطبيعي لدي الانسان  بدأوا في التعرف علي واحدا  تلو الآخر..

وعرفت بعد فترة ليست بالكبيرة أن العنبر الذي أسكنوني به  - الجماعي هذا -  في غرفة منفردة في بداية الأمر ولعدة شهور أخري .. كل نزلائه من الجماعات الاسلامية ، وكانوا قد فوجئوا في الصباح عندما فتحوا لهم ولي باب الزنازين بأن شخصا جديدا يتجول في طرقة العنبر الطويلة ، نظروا في وجهه – وهم الاسلاميون المحبوسون في قضايا عنف  وارهاب ، أو معتقلون لشروعهم في ذلك , فاذا به  المتهم بازدراء الدين الاسلامي الذي رأووه وقرأوا عنه بالصحف التي يسمح لها بالدخول للسجن وكانوا يرونه في النهار أحيانا كلما اقتاده السجانون الي خارج السجن لحضور جلسات التحقيق والمحاكمة بالنيابة والمحكمة ، وعند العودة منها ..، وكل منهم يحلم بأن يسبق الآخرين بالتقرب الي الله    باراقة دمه .. حسب مفهومهم للتقرب الي الله.. - بسفك الدماء - !!..

كان تعداد هؤلاء يتردد بين المائة والمائة والخمسين .. حسب الوارد والمنصرف من حين لآخر .. وهم ينتمون لجماعات اسلامية مختلفة ومنهم معتقلون لخطورتهم علي الأمن ، بدون صدور أحكام قضائية ضدهم .. بموجب قانون الطواريء .. ومنهم من ارتكب أعمالا ارهابية مختلفة ..

لم يكن   "  عبود الزمر  "   من ضمن هؤلاء ، وانما كان نزيلا بسجن آخر مجاور للسجن الذي كنا ننزل به ، وكان معنا آخرون في مثل خطورته ، أحدهم  شارك أيضا في عملية اغتيال السادات ،  وقتلة آخرون منهم أحد الذين حاولوا قتل الأديب الكبير نجيب محفوظ  ،   ومن قتلوا الطفلة شيماء أثناء محاولتهم قتل الدكتور عاطف عبيد رئيس وزراء مصر الأسبق ، فنزلت القنبلة علي مدرسة فقتلت الطفلة المسكينة ..

أكثر الكتب انتشارا هنا في أيادي النزلاء والتي تسمح ادارة السجن بدخولها للجماعات الاسلامية  هي : أولا .. الكتاب

الذي يصف اليهود والنصاري بالقردة والخنازير ، ويتهمهم بتحريف كتبهم .(!)..... ، ويحرم عليهم تولي المناصب - أي لا يكونوا أولياء علي المسلمين -...، أما باقي خلق الله من غير النصاري واليهود فهم كفار يوجب ذاك الكتاب محاربتهم .. أي باختصار أن ذاك الكتاب يزرع العداوة  والبغضاء تجاه جميع خلق الله من غير المسلمين .. هوأكثر الكتب انتشارا وأول ما يسمح لهم بادخاله من الكتب ... ويليه في ذلك كتب سيد قطب ، وابن تيميه ،، ومن هم علي خطهما ..

ولو أنني رأيت تلك الكتب في أيادي هؤلاء فقط ، لقلت أنهم هربوها ،  كما تهرب ممنوعات أخري كثيرة تبدأ بالأكواب الزجاجية والسكاكين ، المنوع دخولها  ، وبعض صحف المعارضة وحتي أجهزة الموبايل و المخدرات ..

ولكنني صعقت ولم أصدق عيني  ، عندما وجدت نفس تلك الكتب في مكتبة السجن نفسها والتي كنت أتردد عليها كثيرا .. وتلك الكتب هي ذاتها التي زرعت بداخل هؤلاء الكراهية والعنف والارهاب ..وجاءت بهم الي السجن ..

مسجد وخطيب السجن :

 

يوجد بالسجن مسجد لأداء الصلاة ضمن خدمات أخري كمستشفي - بسيط ومتواضع -  وملاعب للكرة بأنواعها ..الخ

لنتكلم الآن عن المسجد وخطيبه فنقول : ذاك الخطيب ترسله مصلحة السجون أو تنتدبه بمعني أصح من وزارة الأوقاف ، وليس واحدا من السجناء .. وهو يحضر كل يوم جمعه ليخطب خطبة الجمعة ويعظ اناسا نسبة كبيرة منهم كانوا  خطباء ووعاظ خارج السجن ، ونسبة منهم معتقلون بسبب خطبهم خارج السجن .. أكيد  دعوا في خطبهم لفكر متشدد يحث علي العنف والارهاب ضد المجتمع ،أو ضد الحاكم في الغالب ..

ومستوي ذاك الخطيب هو أقل من مستوي هؤلاء الذين يجيء لوعظهم ، سواء في فن الخطابة أو في التفقه ، لدرجة أن نسبة من المصلين كانوا يتعمدون عدم الدخول لصلاة الجمعة الا بعد أن يخلص ذاك الخطيب من خطبته الخائبة الضعيفة ..  ، وأغلب خطبه التي كنت أسمعها  ، في كل مرة أقطع بأنه عقب نزوله من علي المنبر سوف يأمر مسئول أمن الدولة بالسجن بالباسه زي المعتقلين وسيبقي عليه  معنا بالسجن   .. حيث كان يقول فكرا في التشدد والتزمت والارهاب لا يقل بأي حال عما قاله جميع المعتقلين الجالسين أمامه قبل حبسهم،  وسجنوا بسببه ... ، ولو أنهم جعلوا الخطيب واحدا من السجناء لربما خاف العقوبة التي توقع علي السجناء وتحفظ واحتشم كثيرا في خطبه عن ذاك الخطيب .. ومن أبسط ما كان يقوله من تشدد وتزمت : تحريم الغناء .. والقول بأن الغناء ينبت النفاق في القلب ...، بخلاف التخاريف والاستغفالات التي يعج بها التراث الاسلامي والعربي  ويرفضها العقل السليم الواعي .. كما كان يردد الآيات التي تحض علي العنف والارهاب مثل : قاتلوهم ، واقتلوهم ، وقطعوا أيديهم وأرجلهم من خلاف .. ولا تأخذكم فيهم رأفة أو شفقة .... وفريضة الجهاد..  أي محاربة أهل الأديان الأخري لاجبارهم علي دخول العقيدة ، أو دفع جزية ( اتاوة  )  ، أو قتالهم وقتلهم اذا رفضوا هذا وذاك ..و ..و .. الخ .

وفي كل مرة كان الرجل يقول خطبته ثم أجده قد عاد هو نفسه في الجمعة التالية ليقول خطبة أخري هي في الغالب من نفس العينة السابق الحديث عنها ..

ذاك هو خطيب المسجد الذي يحضرونه للارهابيين لكي يعظهم .... يثبت لهم علي نفس الفكر الذي قادهم الي السجن .. وأنا أعرف أنه ليس عبود الزمر وحده الذي يرفضون الافراج عنه لقضائه مدة لعقوبة التي حكم بها القضاء .. ، ونما هناك آخرون كثيرون والسبب عند المسئولين هو : انهم لا يزالوا خطرين علي الأمن – منهم من قضي عندهم بالسجن 25 سنة ، ومنهم من قضي عندهم معتقلا  أكثر من عشر سنوات ، ويرفضون الافراج عنه لنفس الحجة (!!)

ولو أن  المسئولين بالدولة ، قد حسنت نيتهم في اصلاح وتقويم  هؤلاء المساجين لما أحضروا لهم مثل ذاك الخطيب المضلل الضال لكي يعظهم بضلاله – ولا مثل تلك الكتب -..،  بل لأحضروا لهم واعظا من نوع آخر ينير عقولهم بفكر السلام والحب والديموقراطية  والقانون المدني الحديث المتحضر  الذي يجب أن يحتكم اليه الناس في عصرنا الحديث  لا قانون الكراهية وزرع الضغينة والعنف ، والوعاظ الذين يمكنهم أن يفعلوا ذلك ويصلحوا هؤلاء ويقومونهم، ليخرجوا الي المجتمع مواطنين أسوياء لا ارهابيين خطرين يخشي علي الأمن منهم ويبقي عليم خلف القضبان الي ما شاء الله..! الوعاظ المستنيرون القادرون علي ذلك كثيرون ، وكان يجب علي المسئولين أن ينتدبوهم   لتلك المهمة ،  و هم حقا  كثيرون ، وفي مقدمتهم :   سيادة المستشار  " محمد سعيد العشماوي  .. المفكر الكبير والعظيم ،  ورئيس محكمة أمن الدولة العليا الأسبق ..  ..

ولكن المسئولين لم يفعلوا .. وانما يصرحون لهم بادخال كتب الارهاب ، و  خطباء الارهاب ، وتكون النتيجة أن يثبت في عقول هؤلاء فكر الارهاب ، وينعكس ذلك بالطبع علي سلوكهم وحواراتهم بداخل السجن فيسجل عليهم  في التقارير ، أنهم لا يزالون خطرين علي الأمن ، ولا يجوز الافراج عنهم (!!!) .. فمن الذي يصنع ويثبت  الارهاب والارهابيين؟! 



E-Mail: info@copts-united.com

Copts United

لأقباط متحدون