هناك خلطاً كبيراً بين الحرية الدينية ، وبين التلاعب بالدين.
من : صموئيل بولس عبد المسيح المملكة الهولندية ، نشر بتاريخ 13 –
12 – 2004 ،تعليقاً على مقال
(الهاربة من الزوج والكنيسة
)
للكاتب السعودي الكبير الأستاذ عبد الرحمن الراشد (مدير محطة
"العربية" الفضائية ) ورئيس تحرير الشرق الأوسط سابقاً ، والمنشور
بتاريخ 13 – 12 – 04
يقول الكاتب :
( قصة زوجة القس التي اختفت في مصر، وقيل إنها على علاقة مع مسلم،
وكانت تنوي اعتناق دينه والزواج منه، تبدو مثل أخبار الصحف
الصفراء، أو أكاذيب الانترنت الشائعة. القصة ثبت أنها صحيحة،
وأحدثت جدلا لا يقل أهمية عن معركة الفلوجة.
ولا أدري لماذا غضب الأقباط من السيدة التي تريد أن تصبح مسلمة، إن
كانت تريد ذلك).
وتعليقي على الكاتب كالتالي :
هناك خلطاً كبيراً بين الحرية الدينية ، وبين التلاعب بالدين.
والإسلام ينص صراحة على أهمية أن يكون الراغبون في اعتناقه ،
متحررون تماماً من أي ضغوط، أو رغبات في تحقيق مآرب أخرى . وهناك
قاعدة فقهية تقول : من هاجر، فهجرته لمن هاجر إليه.
وهجرة هذه السيدة الهاربة من الزوج والكنيسة، يحوطها ضباب كثيف لا
تخطئه العين، وكانت صحيفة الشرق أول صحيفة عربية تتولى شرح هذه
القضية بمصداقية أشادت بها الكنيسة. فالقضية تبدوا واضحة بحسب
المعلومات المتوافرة حالياً :
زوجة مسيحية تريد الحصول على الطلاق من زوجها المريض والمبتور
الساق ، لتتمكن من الزواج بآخر كان يهاتفها بعد منتصف الليل، لا
ليحدثها عن الإسلام، بل ليبث لها أشواقه العاطفية.
واستمعت ابنتها لبعض هذه المهاتفات. وكان الحل المتاح أمامها هو
إسلامها لتحصل على حكم سريع بالطلاق، بعيداً عن تعقيدات المحاكم
الحكومية، ومراجعات المجلس الإكليريكي" أي الجهة الكنسية المختصة "
..
فهي إذن قضية زوجية عاطفية ليست لها أدنى صلة بحريتها في اعتناق
دين آخر.
كما إنها لم تتبع الإجراءات القانونية المعمول بها في مصر لتنظم
هذه المسألة، وترجع إلى القانون العثماني ،وهي التقدم بطلب إشها ر
إسلام لمدير الأمن، لعمل تحريات تؤكد عدم وجود أي ضغوط تمارس عليها
لحملها على تغير دينها، وعدم وجود تلاعباً بالدين ...(البند الأخير
غير مطبق، وهذا سبب البلاء ) ..
ثم يحول طلبها للشؤون الدينية بمديرية الأمن، لتقوم الأخيرة بإرسال
إخطار رسمي الى الكنيسة تطالبها فيه بإرسال مندوبا دينياً من طرفها
ليقوم بتقديم الإرشاد الديني للطالبة، والتأكد من عدم وجود أي شبهة
اختطاف أو إكراه. وله الحق في مقابلتين على مدى 15 يوم، فإن أصرت
الطالبة على موقفها، يحول طلبها لمكتب توثيق الأحوال الشخصية
(الشهر العقاري)، ويحرر لها إشهاد إشهار إسلام رسمي، وتوقع
بإلتزامها باستكمال الإجراءات، وهي استبدال الاسم والدين في
مستندات تحقيق الشخصية، ثم يتم اخطار النيابة الكلية لعقد جلسة
يصدر عنها قرار باثبات التغيير في دفتر المواليد، وفي السجلات
المدنية.. وهذا كله لم يحدث مع هذه السيدة الهاربة !!! بل الذي حدث
هو إنها تغيبت عن منزلها لمدة 17يوماً يقال إنها قضت بعضهم مع
صديقها المسلم ( وهذا مخالفاً للشريعة الإسلامية السمحاء والعادلة
والتي تمنع ارتباط امراة متزوجة برجل آخر قبل حدوث الطلاق، وانقضاء
فترة العدة ، وإلا عدت زانية لجمعها بين رجلين في وقت واحد).وهروب
السيدة بهذه الطريقة اعطى انطباعاً للعامة بإنها مختطفة، وهذا
الانطباع مبني على سوابق حدثت من قبل، ومسجلة في دوائر الأمن وفي
سجلات الكنيسة، فسرت الشائعات، وتلقفها الجهلاء، والخبثاء، فتفجر
الوضع، وحدث ما حدث.
أما الحرية الدينية، فهو حق مقدس يكفله الدين المسيحي لكل أتباعه،
لذلك فأكثر المرتدون في العالم هم من المسيحيون، وجل المسلمون في
المشرق، هم من المسيحيون الذين اعتنقوا الإسلام عبرالقرون.
ولا توجد لدينا أدنى مشكلة في قيام أي شخص مسيحي بالخروج عن
المسيحية، فهذا الأمر متعلق بحرية الضمير، والسيد المسيح احترم
حرية الضمير فلم يفرض تعاليمه على أحد بل عرضها فمن شاء قبلها ومن
شاء رفضها، وكل إنسان مسؤول عن اختياراته، وهذه سُنة الله في خلقه،
وإلا ما كان هناك يوماً للحساب.
ويوجد لدينا مسلمون كثيرون خرجوا عن دينهم ودخلوا في المسيحية بمحض
إراداتهم، وبعضهم شخصيات كبيرة.
وتطالبهم الكنيسة بعدم إثارة البلبلة واحترام مشاعر المسلمين وعدم
التسبب في استفزازهم حتى لا تصير فتنة داخل الوطن فيطمع فينا
الغريب لأن الدين لله والوطن للجميع.
لكن المشكلة إن هناك بعض الناس ، من المسلمون والمسيحيون يتخذون
الدين كوسيلة لتحقيق أهدافهم الشخصية، وصحيفة الشرق الأوسط سبق لها
وتناولت ملف آلاف المسلمين في فنلندا الذين يترددون على الكنائس
طمعاً في الحصول على حق اللجوء، وما يحدث في فنلندا يحدث مثله في
ألمانيا وهولندا والسويد.
وهذا لا يمكن وصفه بحرية دينية، ومن يرحب بهؤلاء في المسيحية
نعتبره جاهلاً ومسيئاً للدين المسيحي، وكنا ننتظر في المقابل أن
يقوم المسلمون برفض أي مسيحي يعتنق الإسلام من أجل الزواج، وليس من
أجل الدين الإسلامي. ونحن في الكنيسة نعاني الأمرين من المسيحيين
الذين يسلمون، ثم يرجعون إلينا معربون عن ندمهم ويطلبون منا
مساعدتهم، فنقوم بمساعدتهم دينياً ثم نمنحهم شهادة (عودة) للمسيحية
طبقاً للقانون العثماني القديم، لكن تبقى مشكلتهم القانونية
الحساسة في بقاء البيانات الرسمية التي اكتسبوها بإسلامهم، ويستحيل
تغييرها، فضلاً على المشاكل القانونية المترتبة على ردتهم عن
الإسلام. لذلك تصر الكنيسة على أهمية أن يكون الراغب في اعتناق
الإسلام مقتنعاً دينياً بهذا الأمر، ويتفق معنا عقلاء المسلمون في
ذلك. ومعدل الذين يعتنقون الاسلام في مصر حوالي عشر حالات يومياً
على مستوى المحافظات، يتراجع منهم حوالي 30 % أثناء سير الإجراءات
وهو ما يسمى رسمياً ' بالعدول عن الرغبة في اعتناق الإسلام' ويحفظ
طلبه إدارياً.
ثم يعود منهم حوالي 65% بعد انتهاء الإجراءات بفترات متباينة، وهو
ما يسمى بحالات العودة، وهذه الشريحة تحمل شهادة عودة للمسيحية
صادرة من الكنيسة (كإثبات حالة دينية)، لكن ليس لها أي فاعلية
قانونية، فالدولة لا تعترف بالبيانات الرسمية المسجلة لديها، وهي
إن كان حنا دخل في الاسلام وتسمى باسم مصطفى ، فيظل مسلماً باسم
مصطفى حتى لو صار قسيسا !!! لذلك يظل العائدون للمسيحية حاملين
أسماءهم الإسلامية التي حصلوا عليها بعد إسلامهم . ونرى هؤلاء
يصرخون ويحتجون قائلون :أين هي الحرية الدينية !؟ ولا بديل لعلاج
هذه المشكلة، إلا بالعودة لتنفيذ القانون الداعي الى عدم الخلط ما
بين الحرية الدينية ، وما بين وبين التلاعب بالدين.
خادم مكرس صموئيل بولس عبد المسيح
مختص سابق (88 - 1993 ) في الكنيسة القبطية لرعاية حالات الخارجين
عن المسيحية، والعائدين إليها، والمنضوين إليها من غير المسيحيين
|