من
روائع قصص انتصارات الكنيسة القبطية في مجال مكافحة الأسلمة :
المقال
الثاني من سلسلة مقالات ( الأقباط وانتصارات القيامة):
قصة
إعادة أسرة بأكملها بعد مضي 30 سنة علىأسلمتها !!!
1 –
الظاهر جلجثة لكن الباطن قيامة!!!
فلندع
مشايخ الأزهر ، والإخوان ، والجماعات ، يتحدثون مع السعوديون كما
يحلو لهم ، عن فتوحاتهم المبينة وانتصاراتهم الميمونة وغزواتهم
الناجعة ، وانجازاتهم المذهلة في أسلمة الأقباط ، ولندعهم يهنأون
بالعطايا الجزيلة والتقديرات الجليلة التي يحصلون عليها من رابطة
العالم الإسلامي ، ومن أثرياء الخليج .
ولندع
الحكومة المصرية تنام قريرة العين من الثناء الذي تحصل عليه من
ولي عهد خادم الحرمين الشريفين ، ولِما لا وهي تقدم تقريرها
السنوي مشفوع بقوائم الذين نجحت في أسلمتهم ، دون الإشارة إلى
الأعداد الكبيرة من الذين ارتدوا منهم عن الإسلام ، ورجعوا
ثانياً إلى المسيحية ، ودون الإشارة أيضاً إلى أعداد المسلمين
الذين اهتدوا إلى المسيحية، سواء الذين القى القبض عليهم
ويعذبون داخل المعتقلات السرية ، أو سواء الذين عجزت الحكومة عن
الوصول إليهم ، فعاشوا داخل مصر يكرزون ويشهدون ، أو سواء الذين
تمكنوا من الهرب إلى الخارج ..
ومن
يقرأ التقارير الحكومية الخاصة بالأسلمة يظن إن الأقباط يعيشون
الدهر كله في مرارة ( الجلجثة ) التي لا تعقبها حلاوة ( القيامة
) بأمجادها وانتصاراتها ، وهذا غير صحيح وإليكم الأدلة .
2 –
السيف في مواجهة الصليب
أقول
للأقباط ، لا تصدقوا هذه الدعايات الحكومية المضللة التي تهدف
الى تكدير صفوكم وتشكيكم في قوة كنيستكم القبطية الباسلة والتي
تستمد قوتها من مؤسسها ، ربنا يسوع المسيح ، الذي صٌلب نهاراً
وقام فجراً ، والذي يفضل العمل بهدوء وصمت بعيداً عن بهرجة
الإعلام ، ومديح الناس ، واستعراض القوة.
وأؤكد
لكم- بصفتي كنت محسوباً على الحكومة والهيئات الإسلامية في مجال
أسلمة الاقباط - إن الكنيسة القبطية حقتت (بمعونة الرب )
انتصارات نوعية رائعة في مجالات مكافحة الأسلمة ، وإنها انتصرت
في الكثير من المباريات على أبطال وعمالقة الأسلمة ، هي متسلحة
بصليبها ودموعها وعرقها وجهادها ، وهم متسلحون بالسيف والسلطان
والريال والدينار .
والسعودية تفهم ذلك يقيناً ، وتنظر للكنيسة القبطية باحترام ،
لأن تقارير مخابراتها أكدت إنها كنيسة وطنية مستقلة تستمد قوتها
من ذاتها وليس من دعم دولي خارجي ، وإن حيويتها وشبابها مرتبطان
ارتباطاً وثيقاً بإيمانها وروحانيتها، وكل منشأتها الدينية سواء
داخل مصر ، أو حول العالم ، إنما شيدت بسواعد أبناؤها القبط
المخلصين .
لدرجة
جعلت مقر رئاسة رابطة العالم الإسلامي بمكة ، يهتم بدراسة ما
أصبح يطلق عليه الآن بالأسرار الثلاثة :
1 - (
سر قوة الكنيسة النصرانية القبطية )
2( سر
متانة البنية التحتية للكنيسة القبطية )
3 -(
سر تماسك القيادة الكنسية القبطية )
والدليل على ذلك هو محاولات الشيوخ اليائسة شن حرب نفسية ضد
الأقباط من خلال دعاياتها المغرضة حول نجاحهم في مجالات أسلمة
الشعب القبطي ، لأنهم لو كانوا بالفعل منتصرين ما كانوا بحاجة
لكل هذه البرامج والندوات والمؤلفات والخطب ، وتعمد الحكومة
التضييق على الأقباط بمثل هذا الشكل المقزز القمىء .
فظاهر
الأمر الذي نراه ونسمع عنه هو جلجثة ( أسلمة ) لكن باطنه هو
قيامة ( عودة ) و( انضمام )
وكما
قلت في مقال السابق إن سر قوة الأقباط المستمد من كنيستهم، يكمن
في عدم ميلهم لاستعراض القوة كما تفعل الحكومة والإخوان
والجماعات ، بل يفضلون الاقتداء بسيدهم ، أي الصلب نهاراً
والقيامة فجراً !!!
وإليكم نموذج واحد من مئات النماذج ، يؤكد لكم سر قوة كنيستكم :
قصة إعادة أسرة بأكملها بعد مضي 30 سنة علىأسلمتها !!!
3- الجذور
رغم إن صاحب قصتنا قد تم أسلمته هو
وزوجته سنة 1960 ، وتمكنت الكنيسة من إرجاعه هو وزوجته ومعهما
أولادهما وبناتهما وحفيدتهما في سنة 1991، بعدما أصبح " شيخ
طريقة" في إحدى الطرق الصوفية الإسلامية ، إلا إن جذور قصته
العجيبة ترجع إلى قرون طويلة مضت ،وبالتحديد إلى مملكة النوبة
المسيحية التي أبادها العرب المسلمون !!!
4– العرب وإبادة الأجناس والشعوب
بعيداً عن ألاعيب "التقية "،
وخديعة أجهزة الإعلام العربية ، نقول إن العرب متهمون بجرائم ضد
الإنسانية منها جرائم إبادة العديد من الشعوب ، لا سيما الشعب
النوبي المسكين ، الذي لا يزال يتعرض للإبادة حتى اليوم وما
يحدث له في دار فور إلا مثال حي على ظلم وبطش هؤلاء الذين
يقولون عن أمتهم إنها خير أمة أخرجت للناس ، بينما واقع حال
أمتهم المتردي يكذبّهم ، فتاريخهم قتل وسلب ، ليس للمسيحيين فقط
، بل وحتى للمسلمين أنفسهم ، طالما ليسوا من العرق العربي ، كما
حدث للفرس والكرد والأمازيغ ، وكما يحدث الآن للشعب النوبي الطيب
، والذي هو شقيق الشعب القبطي ، وكان في الماضي من أشد مناصريه .
5– الشعب القبطي لا ينسى بطولة
الشعب النوبي
كان لشعب النوبة مملكة مسيحية
قوية ، تنتمي روحياً وعقائدياً للكنيسة القبطية الأرثوذكسية ،
لأنها الكنيسة التى حملت شعلة الكرازة المسيحية في مصر ، وأعالي
النيل ، والسودان ، والخمس مدن غربية باليبيا ، والحبشة ، وسائر
أفريقيا .
وقد حدث بعد الغزو العربي الإسلامي
لمصر ، أن قام الغزاة بإذلال بطاركة الكنيسة القبطية من خلال
اختطافهم واحتجازهم في السجون وتعذيبهم بوحشية شديدة أمام الشعب
القبطي الجريح ، ويقولون لهم :
لن نكف عن تعذيب بطريربركم ،ولن
نطلقه لكم ، إلا بعد تعطونا ثمناً له !!!
6– الملك النوبي المسيحي الجسور
كرياكوس
تنامى الى مسامع الملك النوبي
الجسور كرياكوس ، أن الملك عبد الملك بن مروان ( 741م ) قد أمر
بسجن وتعذيب بطريرك الأقباط البابا خائيل ورفض اطلاقه قبل أن
يدفع له ( إتاوة) كبيرة جداً من المال ، فلما علم الملك كرياكوس
بأن بطريركه يهان ويعذب ، اشتاط غضباً ، وجمع جيشه الجبار ، وزحف
به إلى مصر لتحرير رئيس كنيسته ، مكتسحاً كل الحاميات العربية
الموجودة على حدود مملكته وطوال امتداد الوجه القبلي كله ، حتى
وصلت جيوشه الجرارة إلى مشارف العاصمة المصرية ، وكاد ان يتغيير
التاريخ لولا أن ارتعب الملك عبد الله ، فاسرع باطلاق البابا
القبطي ، وتوسل إليه بلجاجة أن يتوسط لدى ملك النوبة ليفك حصاره
على العاصمة ، ويرجع قافلاً الى بلاده !!!
فاستجاب رجل الله المسالم ( وليته
ما فعل) وهذا يدل على أنه كان بإمكان الأقباط - لولا أنهم
مسيحييون –
أن يدحروا الغزاة العرب المعتدين ،
بل وكان في إمكانهم أيضاً أن يذبحونهم عن بكره أبيهم ، لكنهم لم
يفعلوا لإيمانهم بالمسيح رب السلام
(
لمزيد من المعلومات حول هذه الواقعة التاريخية الهامة أنظر
الأنبا أيسذورس :الخريدة النفيسة في تاريخ الكنيسة ـ الجزء
الثاني صفحة
126
).
7– انتقام الذئب العربي
ثار الذئب العربي لكرامته ، فهي
المرة الأولى التي يجد نفسه فيها أمام شعب قوي يستطيع أن يقول لا
فطلب الوالي العربي امتدادات حربية من جيوش العرب في الشام ،
وشنوا هجوما واسع النطاق على مملكة النوبة ، فأبادوا
الكثير من رجالها ، وسبوا اعداد كبيرة جداًَ من نسائها وغلمانها
، وظلوا يناصبوها العداء حتى اضعفوها ، مما سهل سقوطها الكامل
على إثر تعرضهم لخيانة داخلية ، استغلها
الملك
الظاهر بيبرس،الذي
كان يتلذذ بذبحهم وشق أجسادهم من المنتصف ، ومن نجا منهم سيق
كعبيد ، فازدهرت تجارة الرقيق ، وصار أبناء الشعب النوبي المسيحي
عبيد وأرقاء عند العرب ، وقام سادتهم الجدد بأسلمتهم ، مع البقاء
على عبوديتهم ، ولمدة قصيرة مضت كان من المألوف أن تجد الخدم
والبوابين في مصر من النوبين ، وقد تمكن بعض النوبيين من النجاة
من عبودية العرب بعد فرارهم إلى
الأدغال السودانية في الجنوب ، وكان جل سكانها آنذاك من الوثنيين
المتوحشين ، الامر الذي ادى الى استشهاد الكثيرين من النوبيين
المسيحيين من أجل تمسكهم بدينهم ، واخذ الوثنيون أطفالهم كرقيق ،
وتم تنشئتهم على المفاهيم الوثنية، ومرت مئات السنين على هؤلاء
المستعبدين التعساء بعدما نسوا أصلهم المسيحي ، لكن المسيح لم
ينساهم .
8– الله لا ينسانا
إن نسيت الأم رضيعها ، فأنا لا
أنساكم . هكذا قال الله ( اش 49 ) : "
هل
تنسى المرأة رضيعها فلا ترحم ابن
بطنها؟
حتى
هؤلاء ينسين
،
ولكن
انا لا
انساك.
هوذا
على
كفي نقشتك".
وهكذا صدقت مقولته ، فالله لا
ينسانا حتى لو نسيناه ، لا ينسانا مهما طال زمن غربتنا وانفصالنا
عنه ، إذ لا شيء منسياً عنده ، حتى العصفور الصغير الذي ليس له
ثمن في عين البائع.
فالله يشتري ولا يبيع ، يشتري كل
شيء حتى الارقاء والعبيد ، يشتريهم ويحررهم ، فلا شيئاً منسياً
عنده ،
وهو قادرٌ على استرداد وديعته من
بين فكي الوحوش ، حتى لو انقضت مئات السنين ، فلقد حدث في أواخر
القرن ال 18 أن ظهر صبيٌ يافعٌ من نسل هؤلاء النوبيين ، شاء له
الرب أن يتحرر ليس من عبودية الناس فحسب ، بل ومن عبودية شيطان
نفسه ، ليس هذا فحسب ، بل ويعيده إلى أصله المسيحي ، ويتمجد معه
اكثر فيجعله كارزاً ومبشراً ليس وسط المسلمين السودانيين فقط ،
بل ووسط المسلمين المصريين أيضاً !!! والغريب في الأمر أنه أرسل
له من بريطانيا من يحرره من عبوديته !!!
9– الله يرسل لك عوناً حتى لو كنت
عبداً مقيداً بالسلاسل !!!
كان هناك زوجان بريطانيان قلبهما
عامراً بالمحبة والتقوى ، وقد الهب الرب قلبيهما بالغيرة على
خلاص نفوس الوثنيين ، فتوجها إلى جنوب السودان يبشران أهله
بالمسيحية ، وحدث أن أثناء تجوالهم في سوق المدينة أن شاهدا
الصبي النوبي وهو مكبل بالسلاسل الحديدية ومعروضاً للبيع في سوق
العبيد ، فرق قلبيهما له ، وتفاوضا مع مالكه على شرائه ، ولأنه
كان صبياً يافعاً وقوياً ، فلقد غالى مالكه في سعره ، رغم ذلك
قام الزوجان بدفع ثمنه كاملاً ، ثم أخذاه معهما إلى منزلهم
،وهناك قالا له :
خذ صك حريتك ، وانطلق إلى أي مكان
تريده ، فأنت حرٌ طليقٌ ، فنحن مسيحييون نقدر قيمة الإنسان ولا
نقتنيهم كعبيد .
فتعجب الصبي وقال لهم مبتهجاً :
فلماذا اشتريتموني إذن ؟
فقالا له : المسيح طلب منا فعل ذلك
.
فاجاب : من هو هذا السيد لأشكره ؟
فقالا له : أنه رب المجد ، محرر
العبيد ، ونصير المجروحين ، ومعين كل من ليس معين .
فبكى الصبي ، وقال لهم :
أريد أن أعرف الكثير عن هذا الرب ،
حتى أؤمن به وأصير من اتباعه ، وأريد أن أبقى معكم لكي تعلماني
طريقه .
قال هذا وأصر على عدم مفارقتها ،
فوافق الزوجان على بقائه معهما كأبن .
10– اعتناق المسيحية والانطلاق
للكرازة بالإنجيل
وظلا الزوجان يعلمانه أسس الإيمان
المسيحي ، وبدأ ينمو في الإيمان والروح، حتى صار كتلة نارية من
الغيرة على خلاص النفوس، وبدا يكرز بالإنجيل وسط القبائل الوثنية
، حتى حرك الرب قلبه للكرازة وسط المسلمين، فذهب إلى الشمال ،
ومكث هناك فترة من الزمن كارزاً وسط السودانيين المسلمين ، ثم
قاده الرب إلى بلده الاصلي النوبة ، ومنها انطلق إلى تخوم مصر ،
واستقر في إحدى مدن الصعيد وعرف بين الناس بكرازته المسيحية
الملتهبة ، وحدث أن تعارف على عائلة قبطية متدينة ، تعود جذورها
هي الأخرى إلى منطقة أعالي النيل ، وتشترك معه في البشرة السمراء
الجميلة ، وقامت هذه العائلة بتقديمه إلى الأب الكاهن القبطي ،
فأعجب به هو الآخر ، فأخذه وعلمه وسلمه صورة التعليم السليم الذي
هو الإيمان المسلّم للقديسين ، وقام بتعميده وفقاً للطقس القبطي
الأرثوذكسي الرسولي الأصيل ، وهكذا انضم إلى الكنيسة القبطية
الأرثوذكسية ، وصار من أحد أبنائِها البررة المخلصين ، وهكذا عاد
مرة أخرى إلى جذوره بعد مضي ثمانية قرون من التيه والعبودية .
11– العودة إلى الجذور
مهما هاجر العصفور فلابد أن يعود
إلى عشه ، ومهما ابتعد الفرع عن جذره فلابد من يوم يعود فيه إلى
أصله ، وهكذا عاد صاحبنا ، بل أستاذنا وحبيبنا الذي حمل اسم جميل
ومعزي مملوء بركة : ( بركات ) .
وطابت لبركات الحياة في صعيد مصر ،
بعدما رأى فيه جذوره ، حيث العادات والنقاليد نفسها ، وحيث
البشرة السمراء الجميلة ، وحيث نفس الحضارة ، ونفس الحرارة !
فقرر الاستقرار في الصعيد ، وظل
يتنقل بين مدنه ، وقراه ، ونجوعه ، مبشراً وكارزاً بالإنجيل ، ثم
تزوج من إحدى بنات العائلة القبطية ، وظل سنوات طويلة محروماً من
الإنجاب ، فصلى للرب بلجاجة ليعطيه نسلاً ، فأعطاه الرب ( صموئيل
) أبنه الوحيد ، فأهتم بتنشئته النشأة المسيحية السليمة ، ثم
تنيح بسلام في الرب بعد جهاد طويل من أجل الصليب ، فواصلت زوجته
اتمام الرسالة تجاه ابنهما ( صموئيل) حتى وفاتها .
وكبر صموئيل وسار على نهج والده ،
كارزاً ومبشراً ، وتزوج من قبطية من أقاصي الصعيد تعود جذورها
إلى النوبة ، وانجب منها أربعة أبناء ، ثم تنيح بسلام في الرب .
12– عدو الخير يلعب ببعض أحفاد
بركات
وكبر أحفاد بركات الأربعة ، ورغم
أنهم تسلموا من والدهم (صموئيل ) قصة كفاح وإيمان والده (بركات )
جدهم الكبير، إلا إن الشيطان كان
لهم بالمرصاد ، فأستغل الظروف الاجتماعية السيئة التي مروا بها
عقب وفاة والدهم في التلاعب بإيمان ثلاثة منهم ، أحدهم ترك
استقامة إيمان الكنيسة ، وانضم للحركة الخمسينية المشعوذة ، وصار
قسيساً مشهوراً عندهم ، وسكن في منطقة راقية ، وأعمى الجشع عينيه
عن رؤية احتياجات اشقائه الفقراء ، فأسلم اثنان منهما تحت تأثير
الحاجة ، بينما ظل الرابع محافظاً على وديعة الإيمان ، سائراً
على درب جده العظيم ( بركات ).
+ واختلفت قصة ملابسات الشقيقين
الذين تم أسلمتهم ، فالأول كان اسلامه فردياً وليس له أي تأثير
مدمر إذ أسلم من أجل الزواج بمطلقة مسلمة ، ولم ينجب منها أولاد
، ولم يجاهر بعدائه للمسيح ولا للكنيسة ، بل اختار أن يأسلم في
السر وبهدوء تام .
13– لكل متأسلم ثمن
بعكس الثاني ، والذي أحدث إسلامه
دوياً عظيماً ، لأنه لم يأسلم وحده بل وأسلمت معه زوجته
المسيحية ، ونظراً لأن لكل متأسلم ثمن يدفعه له أرباب عفاريت
الأسلمة ، فكان ثمن الزوجين منزل متواضع جداً في إحدى المناطق
الخطرة بجنوب القاهرة ، ثم عاد الزوج وتزوج من امرأة مسلمة ،
وانجب منها ولد رباه تربية إسلامية متطرفة ، وهو نفسه صار ( شيخ
طريقة ) من الطرق الصوفية ، ثم عاد وانجب من زوجته الأولى (
المسيحية المتأسلمة) اربعة من الابناء : ولدين ، وبنتين .
وكان أبنه الكبير لم يزل طفلاً
صغيراً ، حينما تدخل عمه ( الباقي على مسيحيته) فقام باخذه من
أخيه لينقذ الولد من التأسلم ، ثم قام بضمه إلى أولاده ، قبل أن
يقوم والده باستخراج شهادة قيد ميلاد له بها ديانته الإسلامية .
لكن الولد عاد الى ابيه المسلم بعدما بلغ العاشرة من عمره ، وكان
في البداية مشتتاً بين الديانتين ، حتى استطاع والده أن يميل
قلبه للإسلام ، فصار مسلماً ، مثل أبيه وأمه وبقية أشقائه
وشيقيقاته، ولكن كان عليه أن يقوم بإجراء روتيني لإثبات إسلامه
قانونياً ، وذلك عن طريق التقدم بطلب إشهار إسلام إلى مديرية
الأمن ( كتحصيل حاصل) ليسلم شهادة ميلاده وبطاقته الشخصية المدون
فيهما الديانة مسيحي، ليستلم بدلاً منهما باسمه وديانته
الإسلاميين ، ثم يتقدم بطلب اشهار اسلام رسمي كإجراء روتيني ،
لأنه كان مسلماً بالفعل .
14 - موت وحياة
والعجيب في الأمر إنه في الوقت
الذي ذهب فيه هذا الرجل ومعه زوجته ليشهرا إسلامهما في عام 1960
سمح الرب بولادة طفل قبطي اطلق عليه أبواه اسم ( ناصر) وكان أسم
على مسمى ، لأن الرب قد سُر بحسب غنى أحكامه أن ينهزم ناصر في
طفولته ، ثم ينتصر في رجولته ، ويصير الخادم المكرس الذي تكلفه
الكنيسة بإرجاع هذا الرجل إلى المسيح ، ومعه زوجته ، وأولاده
وبناته وحفيدته ، في واحدة من أجمل وأروع انتصارات الكنيسة في
مجال مكافحة أصعب حالات الأسلمة والتي مضى عليها واحد وثلاثون
سنة ، نعم واحد وثلاثون سنة بالتمام والكمال !!!
فظاهر الامر كان كله جلجثة ، لكن
باطنه كان كله قيامة وانتصار .
فهذا الرجل قد مات هو وأسرته من 31
سنة ، ولم يموتوا فقط ، بل وشبعوا موتاً ، أي انتنوا ، وصاروا
عظاماً ، ثم تحللت هذه العظام إلى تراب .. بل و( ناصر ) الذي
استخدمه الرب في إرجاعهم ، كان هو نفسه ميتاً مثلهم !
فالظاهر جلجثة موت ، وكل هؤلاء
دونت أسماؤهم في قوائم الأموات ، لكن الباطن كان حياة وقيامة
وانتصار ، فرب القيامة والحياة الذي وقف على باب مقبرة اليعازر (
بعدما انتن ) ثم قال له بلهجة الأمر لعازر هلم خارجاًُ ، فقام
الميت ، ورآه الناس ومجدوا الله ، هو نفسه الذي وقف على قبور
هؤلاء وقال لهم هلموا خارجاً ، فقاموا من بين التراب والدود
والرماد ، ودبت فيهم الحياة ، ورأتهم الناس فمجدوا اسم الله
الحي الذي أعاد إحياؤهم من جديد ، لأن ليس عند الله أموات .
15– مسلم ابن مسلم
تقدم الولد بطلب الى مديرية الأمن
وقال في طلبه أنه مسلم من أبوين مسلمين ، وجميع أشقائه وشيقيقاته
مسلمين ، وأنه ليس بحاجة لمقابلة مندوب الكنيسة ، بل كل ما يريده
هو اتمام الاجراءات الإدارية فقط .
رغم ذلك قامت المديرية باخطار
البطريركية ، فذهب إليه قدس أبونا القمص (المتنيح) حزقيال وهبه
لتقديم النصح له ، لكن الشاب رفض الاصغاء ، وقال لأبونا : لا
تتتعب حالك معي ، فأنا مسلم ابن مسلم ، وأبويا شيخ طريقة ، وما
جئت اليوم إلا لانهاء اجراء روتيني شكلي .
لكن أبونا حزقيال رق لحال الشاب
الصغير ، فقام بتأجيل جلسته لمدة اسبوع واحد لعل الله يتدخل في
امره ويصنع معه معجزة احياء ، ولم يكن يدرك أبونا الحبيب أن الرب
سوف يحيي لا الشاب وحده ، بل ومعه كل أهل بيته أيضاً !!!
وطلب أبونا من الشاب اعطائه عنوانه
حتى يرسل له من يرشده ، لكن الشاب تعمد تضليل أبونا ، فأعطاه
عنواناً خاطئاً حتى لا يتمكن أحد من الكنيسة من الوصول إليه ،
وكان هذا العنوان الخطأ يقع داخل منطقة جبلية خطرة تعج باللصوص
والخارجين عن القانون ، ولم يستطيع أبونا أن يعرف أية معلومات
أخرى عن الشاب سوى اسمه ، واسم أبوه ، كما هو مدون في طلب
المديرية ، بالإضافة الى معلومة مبهمة تفيد بأنه مسلم ابن مسلم ،
وان أبوه شيخ طريقة صوفية .
16– لا
ينبغي للخادم احتكار الخدمة لنفسه ، حتى لا تتوقف الخدمة بموته
ثم قام ابونا حزقيال بتكليف احد
الخدام الاكليريكين (الذين انضموا للخدمة) بالذهاب الى هذا الشاب
لنصحه لأن الخادم القديم رأى إن من مصلحة الخدمة وضمان
استمراريتها ان يسعى بنفسه في البحث عن خدام جدد لينضمون إلى
الخدمة ، خصوصاً وهو قد أصبح منشغلاً جداً بمتابعة حالات الاتداد
التي أرجعها ، وحالات التنصير التي استخدمه الرب في اهتدائها
للدين المسيحي ، وكان يجد صعوبة في استلام أية حالات جديدة ،
وكان يبرر ذلك قائلاً :
كيف أقبل حالات جديدة ، بينما أنا
لا زلت منشغلاً بمتابعة الحالات القديمة ؟
خصوصاً وهو كان يهتم بكل حالة
اهتمام عقائدي وروحي واجتماعي ونفسي وقانوني ، ومع زيادة نشاطه
في البحث عن التائهن لهدايتهم لطريق الحق ، زادت أعداد الذين
يتابعهم ، وكان منهم شريحة صعبة جداً
( ستة رجال وامراة ، من المسجلين
خطر جنائياً على الأمن العام فئة " أ") منهم ثلاثة في جرائم قتل
، والباقيين سرقة بالإكراه ومقاومة السلطات والشروع في القتل ،
وجميعهم قضوا عقوبة السجن المؤبد ، وتحت مراقبة الشرطة .
17 – جلجثة أم قيامة ؟ اسلمة أم
عودة وتنصير؟؟؟؟
ومع مرور الزمن تراكمت عليه اعداد
الحالات بشكل مخيف ، فالكثيرون من المسلمين يأتون إليه طالبين
منه مساعدته في دراسة الدين المسيحي تمهيداً لاعتناقه ، بالاضافة
إلى الحالات التي كان يلتقطها من الطريق ، وحالات كثيرة من الذين
سبق لهم الارتداد ولكن أعلنوا توبتهم ، وأبدوا رغبتهم في الرجوع
للمسيح ، وكان بعضهم يأتي للكنيسة من تلقاء نفسه ، والبعض الآخر
كانت الكنيسة هي التي تظل تبحث عنهم حتى تجدهم ، وكل هؤلاء (
المتنصرون والمرتدون العائدون ) يظلون مسجلون في الملفات
الحكومية كمواطنون مسلمون ، رغم اعتناقهم المسيحية ، أو رجوعهم
إليها ، ورغم إن بعضهم أصبحوا خدام للمسيح ومبشرين باسمه !!!!
لذلك فكان الخادم يعلق ساخراً على
تقارير الحكومة الخاص بالأسلمة :
( جلجثة ) ولا ( قيامة ) ؟
( أسلمة) ولا ( عودة وتنصير)؟؟؟
18 – خدام جدد لمواجهة اتساع
الخدمة ولكن .....؟
وبجانب حالات العودة والتنصير ،
كانت هناك أيضاً حالات أخرى تعاني من الاضطهاد ومطلوب حمايتها من
بطش أمن الدولة والجماعات الإرهابية ، فكان لابد للخادم أن يتفرغ
لمتابعة كل هذه الحالات المتنوعة، لذلك طلب من الكنيسة إمداده
بالخدام لمساعدته في الخدمة والتي صارت تتسع يوم بعد آخر ، بعدما
شملت حالات في القليوبية ، والجيزة ، والسويس ، والاسكندرية ،
والمنيا ، فارسل إليه رئيسه الروحي والمشرف على خدمته قداسة الاب
الراهب القمص ( أ . ص ) هذا الشماس الاكيريكي ، لكنه كان يميل
للعمل الإداري أكثر منه للعمل الميداني ، وخدمتنا هي خدمة شوارع
وليست خدمة مكاتب ، كما كان يميل لحب الظهور ، وخدمتنا تحتاج
للاختباء وراء الصليب ، فضلاً على حرصه الشديد على التقرب من
القيادات الكنسية الرسمية ، وخدمتنا تحتاج لإبعاد الكنيسة عن
المشاكل ، لذلك اهتم الخادم بالبحث بنفسه عن خدام آخرين ، ناسياً
إن هذه الخدمة تحتاج لمواهب خاصة وإعداد كنسي دقيق ، ولكنه تحت
ضغط الحاجة وتهرب الخدام من الالنضمام لهذه الخدمة بسبب خطورتها
، أضطر إلى مفاتحة أثنان في أمر الانضمام لهذه الخدمة ، أحدهما
صاحب محل ذهب ، وكان يخدم بشكل فردي ، والثاني صاحب محل ساعات ،
رأى الخادم أنه يصلح للاعمال المعاونة ، ثم أمده أب اعترافه جناب
القمص (م .ص) بخادمين اخرين ، وقام الخادم بعرض الاربعة على
رئيسه الروحي ، فاختار ثلاثة منهم لخدمة الحالات الخاصة ، وتم
تحويل الرابع لخدمة المعاقين ، فأصبح في المكتب أربعة خدام جدد،
بجانب الخادم القديم ..
19 – رئيس روحي أم شجرة مظللة ؟!
ولكن من المؤسف له إن هؤلاء الاخوة
الأربعة لم يصمدوا طويلاً أمام تحديات هذه الخدمة ، فقامت
الكنيسة بالاستغناء عنهم الواحد تلو الآخر، مما أحزن قلب الخادم
، لكنه لم ييأس ، ففتش داخل الكنيسة حتى عثر على خدام وخادمات
على درجة عالية جداً من الأمانة والروحانية ، وهؤلاء لا يزالون
باقون في الخدمة حتى اليوم ، بعضهم مضى عليهم أكثر من 14 سنة ،
ومنهم جناب الأب القمص الموقر ( ح ) الأمين الحالي لمكتب الارشاد
الروحي ، مما يؤكد لنا إن وراء كل جلجثة قيامة ، وكما يوجد من
يهدم فهناك أيضاً من يبني ، وسوف يأتي يوم ويعرف فيه الأقباط فضل
رئيسي الروحي ( القمص أ . ص ) على تأسيس هذه الخدمة ، والإشراف
عليها ، لأن كل العاملين فيها من الكهنة والخدام والخادمات هم
من أولاده وتلاميذه ، وكان ولا يزال بمثابة الشجرة العملاقة التي
تظلل علينا ، وإذا كان الاب القمص أمين مكتب الارشاد يقول عني (
استاذي الذي علمني ألف باء خدمة الحالات الخاصة ) فأقول لقدسه ،
ولبقية الآباء والخدام ، إذا كنتم تقولون عني أنني من أقدم وأشهر
وأكفأ من خدم في هذا المجال ، فأشهدكم أمام رب الكنيسة ، بأن
الفضل كله يعود له ، ولهذا الأب الراهب القديس (ص.ا) لأنه كان
أول من علمني ألف باء الخدمة . وإنه سيأتي يوم يذكر لنا تاريخ
الكنيسة المعاصر عن المجهودات الجبارة التي يقوم بها هذا الأب في
كافة مجالات الخدمة ، مما يؤكد لنا عظمة هذه الكنيسة التي أخرجت
لنا كل هؤلاء الاقوياء
20- ليس
عند الله أموات !!!
حدث أن التقى الخادم القديم
بالشماس الإكليريكي وسأله عن حالات هذا الاسبوع ، فقال له بالحرف
:
حالات كلها ضاربة وخربانة !
وبالذات واد مسلم ابن مسلم ، وأمه مسلمة وكل اشقائه ، يعني حالة
ميتة ! فتحمس الخادم لمتابعة هذه الحالة وخصوصاً بعدما استمع صوت
المسيح وهو يقول له :
خذ مسؤولية متابعة هذه الحالة وسوف
اريهم عجائبي !!!
فأجاب الخادم أخيه الشماس
الإكليريكي قائلاً :
ليس عند المسيح أموات ، اعطيني هذه
الحالة وسوف أتولى أمرها ، وخذ أنت حالة أسهل !!!
فقال الاكليريكي : بلاش دروشة ،
يعني أنت هاتعمل فيها إيه ، الواد مسلم ومتربي تربية اسلامية
وابوه وامه اسلموا من تلاتين سنة ، وأنت بسلامتك جاي النهاردا
علشان تعمل فيها أبو علي !!!!
فأجابه الخادم باتضاع وانسحاق قلب
: يا أخي الفاضل لا أنا ولا أنت ولا أي مخلوق يستطيع أن يعمل
شيئاً بل المسيح هو الذي يعمل ، وانا أؤمن إن المسيح الإله سوف
يعمل مع هذا الولد المسكين .
فأجاب الاكيريكي : رجعنا تاني
للدروشه ، عموماً اتفضل وخذ الحالة وها نشوف هاتعمل إيه فيها
!!!
فأخذ الخادم اسم الولد ،واسم
المنطقة ( لا يوجد اسم شارع أو حارة ) !!!
21– الرب ينظر للمحبة والتعب
والعرق والدموع وغبار الطريق !!!
هذه الخدمة ، هي خدمة محبة وتعب
وعرق ودموع وأتربة وشحم وغبار ، والخدام الذين يرسلون لي سواء من
مصر ، أو من بلاد المهجر ، طالبين مني النصيحة والخبرة في كيفية
تحقيق النجاح في خدمة الحالات الخاصة ، أقول لهم : على قد عرقكم
ودموعكم ، يكون نجاحكم ! فيسخرون مني!!
لكن هذه هي الحقيقية التي لا يريد
أحد أن يعرفها أو يقتنع بها ، فالمسألة ليست سحر ولا قوى خارقة ،
ولا
شطارة ولا فهلوة ، بل إيمان ومحبة
، ونجاح كاتب المقالة في هذه الخدمة ، وخصوصاً مع الحالات الصعبة
جداً كان ولا يزال مرتبطاً بهذه الكلمات :
الإيمان والمحبة والتعب والعرق
والدموع وغبارالطريق .
وهي الأمور عينها التي تسلمها من
الكنيسة بواسطة آبائه الروحيين ، الذين لولا محبتهم له وتعبهم
معه ما كان استطاع التأثير في فرخة ، وليس في إنسان .
22– طالع الجبل !!!
نظر الخادم الى اعلى متأملاً هذا
الجبل ، أنه يعرف طبيعة الناس الذين يسكنون فوقه داخل الاكواخ
وعشش الصفيح وغرز الحشيش ،هنا تذكر كلام رئيسه الروحي :
1 - ليس لهم عندنا شيئاً ليأخذونه
منا سوى جسد هذا الموت ، فإن طلبوه فليأخذوه ، لكن أرواحنا ملك
للمسيح وحده ، ولا يستطيع أحد أن يأخذها منا .
2- الكنيسة هي أم حنون لكل هؤلاء
الأولاد والبنات ومستعدة أن تبذل حياتها من أجلهم .
وتذكر قوله لمندوب الحكومة :
يا سيادة اللواء نحن ككنيسة, نعتبر
كل الذين أسلموا هم من أولاد الكنيسة ومن حق الام أن تبحث عن
أولادها لترجعهم إلى أحضانها ، نعم نحن نرحب بتوبة هؤلاء ورجوعهم
للكنيسة ونمنحهم شهادة عودة كنسية تثبت رجوعهم للإيمان المسيحي .
تذكر قول رئيسه الإداري : أنت راجل
يا أبني ، بل الرجل الوحيد الذي يخدم هنا معي .
تذكر كل هذا ثم قال في نفسه : لن
أخذلكم يا آبائي الأحباء لأن تعبكم معي ليس باطلاً .
قال هذا ثم طلع الجبل كالقط البري
، كما كان يفعل في الايام الخوالي حينما كان في الدير !!!
23 – خدام الكنيسة القبطية لا
ينهزمون بسهولة
كانت العيون تترقبه بتوجس وتخوف ،
فلقد أجزموا على أنه من المباحث ! وهذا ما كانت تظنه الناس كلما
دخل منطقة مشبوهة ، وذلك بسبب جسارته واقتحامه وجديته وجراءته في
طرح الاسئلة ، وعدم مبالاته بوجود المجرمين من حوله ، وظل الخادم
يبحث عن صاحب هذا الاسم بدون جدوى ، وكان كل من يسأله يبتعد عنه
، لأنه لا يقدم أية معلومات عن صاحب الاسم ، مثل مهنته ، وملامحه
، طويل أم قصير ، نحيف أم سمين ، فهو كان بمثابة من يبحث عن
ابرة وسط كومة قش ، فكل ما يعرفه هو اسمه فقط !
مضت نحو أربع ساعات والخادم يبحث
عن صاحب الاسم ، ولف المنطقة كلها ثلاث مرات تحت اشعة الشمس
الملتهبة ، وكان العرق يتصبب منه بغزارة ، واختفت ملامح وجهه من
التراب والغبار ، وكانت هذه كلها علامات يعرف منها أن الرب سوف
يتمجد معه ولن يبدد تعبه !!!
تعب
الخادم من كثرة السير ، وكان يبحث عن مكان به ظل ليستريح فيه ،
حتى وجد زاوية مسجد ، فاخرج صحيفة من حقيبته وافترشها أرضاً وجلس
عليها مسنداً ظهره على جدرانها الخارجية وكانت مبنية بالطوب
النييء المطلي بالجير الابيض والذي تحول لونه للسواد من كثرة
الأتربة ، وخلع حذائه ليفرغه من الرمال التي علقت به ،
وبأت
أكثر تصميماً على الوصول لهذا الشاب
، فهكذا تعلم من أبيه ورئيسه الروحي : " أولاد ربنا لا ييأسون
ولا ينهزمون بسهولة " . وأيضاً لعلمه التام بحسب ما أختبره في
هذه الخدمة : إن وراء كل عنوان كاذب ، يوجد شيء من الصدق !!!
وبعدما استراح قليلاً قام وواصل
سيره حتى وجد " غرزة " فمال ودخل إليها .
24– توبة المعلمة أشواق !!!
لا يا بك الاسم دا ما وردش علي
خالص قبل كده ، ولو كان مطلوب في قضية حشيش ، ولا بودرة ، ولا
حقن ، فأنا شغلي نظيف يا بك ، وحد الله بيني وبين الصنف ، وبقية
الحاجات الوسخة دي ، دا أنا توبت يا بك من ساعة آخر قضية ، وقلت
في نفسي : دي آخر حبسة يا بت !، ومن ساعتها يا بك وأنا ماشية في
السليم ، و" فتحي بك " معاون القسم عارف كده كويس ، حتى اسأله
عني!
وجمال المخبر بيعدي على الغرزة كل
يومين وشايف بنفسه شغلي كله في السليم وعلى ميه بيضة ..
أعمل لك كوباية شاي يا بك علشان
تعدل دماغك ؟!
ولا أجيب لك "أزوزة" علشان الحر ؟!
قالت هذا ، ثم صاحت على امرأة
تفترش الأرض وتبيع خضار : يا ام سعد ، يا أم سعد ، روحي يا أختي
نادي الحاجة أم بكري ..
ثم التفتت للخادم وقالت له :
الست أم بكري دي تبقى اقدم واحدة
في الحتة ، بقى لها هنا ييجي خمسين سنة ، وعارفة كل واحد فيها،
ويمكن تطلع تعرفه وتدلك عليه .
25- ام بكري وبصيص أمل
- شوف يا بك اسم الواد دا مش موجود
هنا خالص ، لكن اسم ابوه مش غريب علي ، أنا سمعته قبل كده ، بس
من زمان قوي ، يجي عشر سنين كده ، ايوه ايوه افتكرت ..-
فاخرج الخادم خمسة جنيه لتنشيط
ذاكرتها ! فاخذتها فرحة وظلت تدعو له ، ثم قالت :
- الحقيقة يا بك انا فاكرة اتنين
كانوا بالاسم دا ، واحد من البدو وكان بيجي هنا من عشر سنين
علشان يشتري من الناس صفايح العيش الناشف ، أصله ولا مؤاخذة كان
بيربي خرفان ومعيز جوه الجبل ..
وأما الثاني فكان بيصلح ( وابور
الجاز) ، وكان ساكن هنا ، لكن عزل من المنطقة من عشر سنين ..
- متعرفيش راح فين -؟
- لا يا بك ، بس أعرف جارته ، الست
أم حسين ، وهي كانت صاحبة مراته ، ويمكن تطلع تعرف سكنهم الجديد
.
- وهي فين الست دي - ؟
26- ام حسين والخبر اليقين
تعال معايا يا بك وأنا أوريك بيتها
..
+ شعر الخادم بفرح عجيب يغمر قلبه
، رغم عدم معرفته المسبقة بأن والد الشاب بيعمل في إصلاح وابير
ولكنه كان كالغريق الذي يتعلق بقشه
-
-
فين
ستك يا واد - ؟ هكذا قالت أم بكري
- جاية بعد شوية- هكذا أجاب الولد
ولكن طالت هذه الشوية ، حتى
استغرقت ساعتين ، كانت ام بكري رجعت لبيتها ، وبقى الخادم جالسا
على باب بيت أم حسين ، ثم شاهد امراة عجوز وهي تقترب منه قائلة :
انت ليه يا ابني قاعد كده على
الارض وتوسخ هدومك المحترمة ! أنت مستني مين ؟
- انا عاوز الست ام حسين علشان
تدلني على واحد اسمه .......-
- أنا أم حسين ، لكن الراجل دا عزل
من هنا من عشر سنين وهو حضرتك عاوزه ليه
- في ناس بيعملوا خير ، وعاوزين
يساعدوه
- طيب ما يساعدوني انا كمان اصلي
فقيرة واديك شايف الحال!!!
فاخرج لها خمسة جنيه فاخذتها
وشكرته ثم قالت له :
حسب علمي يا بك هو ساكن في " الجبل
التحتاني " جنب كسارة الجير ، والحتة بتاعته اسمها ( .....)
وكان أغرب اسم منطقة يسمعه الخادم
طوال حياته ،رغم أنه من سكان القاهرة ، وتجول في كل مناطقها ،
ودخل اسم هذه المنطقة في ارشيف الكنيسة للحالات الخاصة لاول مرة
، وكان الخدام يتندرون به لغرابته وأسرع الخادم بالنزول من الجبل
الفوقاني ، ليبدأ رحلة بحث أخرى في الجبل التحتاني ، وهي رحلة
البحث التي اختتمت بنشوب مشاجرة عنيفة ، كاد الخادم أن يلقي حتفه
فيها لولا أن تدخل المسيح لانقاذه بمعحزة باهرة لا يمكن لعقل أن
يصدقها (التكملة في المقال القادم إن شاء الرب وعشنا)