صموئيل بولس


  29 يوليو 2005

صفحة كُتاب الأقباط متحدون

 Samuel_Boulus@deaconsamuel.net

المقال الاخير من سلسلة مقالات : ( الأقباط وانتصارات القيامة ).

من روائع قصص انتصارات الكنيسة القبطية في مجال مكافحة الأسلمة:.

قصة إعادة أسرة بأكملها بعد مضي 30 سنة علىأسلمتها !!!

إذا سرت في وادي ظل الموت لا اخاف شرا لانك انت معي .

1 – ثقتي في إلهي الحي .

لولا ثقتي المطلقة في ربي وإلهي ، يسوع المسيح البار القدوس ، الذي أحبني ، وأسلم ذاته من أجلي ، والذي احتمل خطاياي طوال عمري، والذي ستر عري ، ومحا عاري ، ورد اعتباري .. والذي أظهر لي ذاته وأنا داخل " الكعبة " ليعلن لي أنه هو الإله الحي ،ما كنت تجاسرت ودخلت هذه المنطقة الخطرة ليلاً ، وما كنت جازفت بالذهاب بقدماي الى الذبح . ولولا إعداد آبائي الروحيين لي ، ما كنت تصرفت بمثل هذه الجسارة ، فصوت أبي الروحي يرن في مسامعي:

( أسمع يا أبني ، هؤلاء الناس ليس لديهم عندنا شيء ليأخذوه منا ، سوى جسد هذا الموت ، فإن أراده ، فليأخذوه ، لكن لن يقدروا أن يأخذوا أرواحنا ، لأنها ملكاً للمسيح وحده ).

فشعرت بروحي تبتهج بداخلي ، وكأنها عروس ُتزفُ الى عريسها ، وواصلت َسيري وأنا أرنم ترنيمتي المحببة لقلبي ( دائماً بتخبيني لما تهب الريح  وبجناحك تداريني وعدك وعد صريح ) ..

بعد مضي  حوالي 10  دقائق من السير داخل المدافن ، لمحت من بعيد ضوء لمبة جاز ، وسمعت أصوات ضحكات، سرعان ما تبينت مصدرها ، فهي صادرة من عشة صغيرة بداخلها (غرزة حشيش) وتتوسطها سيدة في العقد السادس من عمرها ، وأمامها وابور جاز ، وعليه براد شاي كبير ، وعلى يسارها ( قصعة) مليئة بالفحم المشتعل ، ويحيط بها حوالي عشرة رجال يدخنون الجوزة !

2 – عاوز حشيش يا بيه ؟

لا ، أنا جاي أوجب بيه !!!

فدخلت الغرزة ، ملقياً التحية على كل من فيها :

– مِيت مِسا على الجدعان ، وعلى الأعدة الروا آن – !!

- أتفضل يا ذوق ، شاي للضيف يا معلمة ، عاوز حشيش يا بيه ؟!

- لا ، أنا جاي أوجب بيه - !!

- وتوجب به مين ولا مؤاخذة ؟

- المعلم " إمام " ما هي دخلته الليلة –

- أه صحيح ، أنا سمعت إن العروسة نصرانية ودخلت في دين الله ، ما هو كله بصوابه ! لكن قولي يا هندسة ، هو أنت تعرف المعلم إمام - ؟

- إلا أعرفه !!! ، دا صاحبي وحبيبي –

- بس أنا ولا مؤاخذة ما شفتكش معاه قبل كده - ؟

- أيوة ، أصلي أنا كنت في مشوار صغير كده لسجن أبو زعبل – !!!

- أنعم وأكرم بالناس المجدع ، أهو كده الرجالة ولا بلاش - !!!

- ميت مسا ، شدك لك نفسين - !؟

- لا أنا معمرها قبل ما أجي ومعشعشة على الاخر - !

- آه ، ما هو باين عليك !، بس دا يظهر عليه صنف نظيف !، مش زي صنف الأيام دي المخلوط بالحنة -!

- وأنت من أي منطقة يا هندسة - ؟

- من زينهم -!!

- أجدع ناس ، يبقى على كده تعرف المعلم أبو كف ؟!

- طبعاً دا معلمنا كلنا - ؟!

- أهي دي المجدعة ولا بلاش ، مش زي صبيان الأيام دي اللي عاملين نفسهم معلمين ! أتفضل أشرب الشاي ، وبعدين هاوصف لك حوش المعلم إمام ، ولما تروح له بلغه مية مسا ، وقوله المعلم " ترباس " بيمسي  !

- قلت لي اسمك إيه - ؟

- بقولك اسمي المعلم : ترباس-

- انعم وأكرم – !

- بس الحوش بتاعه في المدافن الجوانية ، وأنت معاكش لا كشاف ولا لمبة ، هاتمشي إزاي في الكحلة دي ؟!

- ما تشغلش بالك ، أنا متعود على كده ، بس المهم أوصف لي أمشي إزاي

- طيب شوف بالصلاة على النبي ، تمشي على طول كده بتاع عشر دقائق ، وبعدين تحود يمين وتفضل ماشي لآخر المدافن من ورا ، وتفضل ماشي لغاية ما تشوف ولا مؤاخذة لمبة جاز منورة على شباك الحوش ما هو الحوش الوحيد اللي فيه نور ، ما هي بقية الاحواش في المنطقة دي مضلمة كحل ولا مؤاخذة ! وخلي بالك من الحفر لا تقع فيها لا يلبسك عفريت ولا مؤاخذة !!

- ما عفريت إلا بني آدم –

- سكة السلامة يا ذوق

3- خادم الحالات الخاصة ، والقدرة على التحدث مع كل المستويات .

من أبرز أسباب نجاح خدمة القديس بولس الرسول ، هي قدرته الفائقة على التحدث مع كل مستويات وفئات الناس، من القمة للقاع ، فمن القمة رأيناه كيف يتحدث بمهارة واتقان مع الملك أغريباس ، والامير فستوس(أع 26)، ورؤساء اليهود ، وفلاسفة الأوثان في أثينا ، ومن القاع رأيناه كيف يتحدث ببراعة مع أنسيمس ، وكان عبداً هارب من سيده لجريمة سرقة ارتكبها ، وكان مع كل فئة يخاطبها يبدوا أنه واحداً من أهلها ، حتى صار للروماني كروماني ، ولليهودي كيهودي ، وللذين بلا ناموس كأنه بلا ناموس ( 1 كو 9 ).

4 – خادم حالات الارتداد وعار العمل خارج المحلة

يقول الكتاب ( عبرانيين 13 ) : " .. لذلك يسوع ايضا لكي يقدس الشعب بدم نفسه تألم خارج الباب. فلنخرج اذا اليه خارج المحلّة حاملين عاره. لان ليس لنا هنا مدينة باقية لكننا نطلب العتيدة. فلنقدم به في كل حين للّه ذبيحة التسبيح اي ثمر شفاه معترفة باسمه".

ومنذ أن بدأت في كتابة هذه السلسلة وأنا اتلق العديد من رسائل قراء الموقع من الخدام والخادمات الأقباط داخل مصر ، وفي المهجر ، ومنهم من أعلنوا لي عن رغبتهم  في الانضمام لهذه الخدمة المباركة ، ويسألونني عن أهم الشروط التي ينبغي توافرها في الخادم ، والبعض الآخر يطلب استشارتي في بعض الحالات التي يتابعها بشكل منفرد ، وغالبيتهم لديهم مطلب واحد ، وهو الاستفادة من خبرتي.

وهي ظاهرة صحية تنم عن ازدياد وعي شعبنا بهذه القضية الهامة والخطرة ، وانا إذ أشكرهم على اهتمامهم ومحبتهم وغيرتهم، أحب أن أقول لهم إن أول شرط ينبغي توافره في كل من يرغب في القيام بهذه الخدمة ، هو القدرة على التعامل مع الغريب ، و( احتمال عار العمل خارج المحلة) كما قال بولس الرسول فلنخرج إليه خارج المحلة حاملين عاره. وكرامة الخادم الكنسي تبقى محفوظة طالما بقى هو يخدم الذين داخل الكنيسة من أفراد الشعب المؤمن العادي . أما اذا اراد أن يخدم حالات الارتداد ، فعليه الخروج إليهم خارج المحلة ، وبالتالي فعليه ان يترك كرامته داخل المحلة . نعم ، فهو مطالباً منه التواجد حيث يتواجد المرتد ، وهو قد يتواجد في خمارة ، او في غرزة حشيش ، او في جامع ، أو في قسم شرطة ، الخ ..

وحتى يصل اليه ، فعليه ان يعبر من قناة الغرباء والمقاومين الذين لجأ إليهم بعد ارتداده ، وقد يكونون من علية القوم ، أو من أسافلهم ، كما في هذه الحالة الصعبة ، وفي كلتا الحاتين ، فعليه أن يتعلم كيف يتعامل مع أهل القمة ، ومع أهل القاع .

5 – صعوبة النزول الى القاع وأهمية الاعداد الإلهي

وهو امر صعب ، لأنه كيف لانسان تربى تربية مسيحية نظيفة أن اطالبه بالتعامل مع الحشاشين واللصوص والبلطجية ؟ ويزداد الامر صعوبة عندما يتعلق الامر بخادمة مسيحية ومن يضمن في النازل إلى مستنقع القاع ان لا يتسخ ؟ انه امر صعب جداً ، ويحتاج الى اعداد الهي خاص ، وقد اعدني الله لهذا العمل منذ طفولتي دون ان ادري ، وما حدث معي لا يمكن اعتباره مقياسا ، بل هو كان امرا له خصوصيته ، لذلك فإن اخفق بعض الخدام في هذه الخدمة ، فارجو ان لا يعتبرون ذلك تقصيراً منهم ، بل يعتبرونه عدم اعداد مناسب ، والله هو الذي يعد كل خادم لما يناسب قدراته ، ولا يمكن ان ننتظر من الكنيسة ان تنشىء فصول اعداد خدام حالات الارتداد فوق كل رصيف وداخل كل خمارة وكل غرزة وكل قسم وكل جامع ، فهذا مستحيل .

كما لابد أن نعرف إن اللاهوت الرعوي ، شيء ، والخدمة الميدانية لحالات الارتداد شيء اخر .

ففي كل حالة ارتداد تجد ميدانها يختلف عن الآخر ، ولا يوجد منهج ثابت في التعامل مع المرتد ، بل كل مرتد له التعامل الخاص الذي يناسب البيئة التي تحتضنه بعد ارتداده ، ولكم أود أن أتمكن في المستقبل من تخصيص عدة مقالات للاستفادة منها في مجال اعداد خدام حالات الارتداد

6 - سلاطين الظلمة

رشمت الصليب وواصلت سيري داخل المدافن، وكلما توغلت بداخلها اكثر ، كلما تملكني هذا الشعور الغامض الذي لا أعرف كيف أصفه لكم ، شعور المواجهة مع سلاطين الظلمة ، بسم الصليب ، فلقد شعرت فجأة بشخص يسير خلفي ، وتكاد أقدامه أن تلتصق بأقدامي، وكان يصدر منه صوت اشبه بصوت صراخ امرأة تعاني من تعسر الولادة!!! ، ثم شعرت بأيدي اسفنجية مخيفة تعبث بشعر رأسي ، وكتفي ، وأذني !

وهو أمر صعب الاحتمال ، وخصوصاً داخل هذا المكان الصعب ، الذي تفوح منه رائحة موت غير المؤمنين ، حيث سلطان الظلمة ،علماً بأنها المرة الثالثة التي اتعرض فيها لمثل هذا الموقف المرعب ، فالمرة الأولى كانت في 1987 ، عندما كنت أعيش داخل أحد الأديرة البعيدة ، وحدث أثناء انتظاري سماع جرس الكنيسة لحضور صلاة التسبحة فجراً ، ان رأيت نار شديدة تشب في نافذة غرفتي بمبنى " القصر" ، حيث كنت اقيم، وكانت صاعدة من أسفل إلى أعلى، فقلت : بسم الصليب. فتراجعت النار إلى الأسفل ، وكأن هناك جهاز شفط قوي يقوم بشفطها ، ودفعني الفضول لأهبط الدرجات لأرى مصدر هذه النار، لكني لم أرى شيئاً ، وفجأة وجدت ايدي ضخمة تشدني من أذني وتصرخ فيها بصوت مرعب قائلة : التجربة الأولى !

وكان للصوت صدى آتياً من هوة سحيقة ، فأصابني الهلع ، وتملكني شعور غريب بأنني في عالم آخر ، وشعرت باعياء شديد ، فظللت اسير مترنحاً ، ثم فقدت وعيي تماماً ، ولم استرده إلا ظهر اليوم التالي وأنا  ُملقى على الأرض خارج اسوار الدير تحت اشعة الشمس الحارقة !!!

واسرعت لابي الروحي في الدير لاقص عليه ما حدث ، فطلب مني التقليل من صلاة المزامير، التي كنت أتلوها كل يومياً بكثرة وعمق.

7 - من أجل شقاء المساكين وتنهد البائسين

كان أبي الروحي في الدير ، قدس أبينا الراهب االورع القمص الموقر ( م ) هو من أقدم الآباء ، وهو الشيخ الروحاني للرهبان ، والمسؤول عن ارشاد الأخوة طالبي الرهبنة ، كما كان المسؤول عن مؤنة الدير ، وكان هذا الأب الجليل قد أهداني جلبابه الرهباني لارتديه للتبرك منه ، وظللت ارتديه لمدة سنة كاملة ، ونظراً لأنه أبي الروحي وأب اعترافي في الدير ، فلقد أعطاني ( قانون روحي تدبيري خاص ) اسير بمقتضاه ، وكان عبارة عن تلاوة كل صلوات الاجبية ، ما عدا تحليل الكهنة ، وصلاة الستار ، مع قراءات في الكتاب المقدس وبعض الكتب الروحية الأخرى ، مع عدد محدد من المطانيات ، وكان هذا التدبير الروحي يستغرق مني حوالي اربع ساعات ، كنت اقسمهم على مدار اليوم ، بجانب عملي في قصر الضيافة ، وكنت أقرأ المزامير بتأني وتأمل ، وكانت هناك آيات معينة أعيد تكرارها عشرات المرات ، وخصوصاً هذه الآية التي لها تأثيرها الهائل على روحي  ( من أجل شقاء المساكين وتنهد البائسين أقوم الآن اصنع الخلاص علانية يقول الرب ) وكنت كلما  أعيد تكرارها ، أشعر بأنني غير موجود في هذا العالم ، وكنت معتاد على الصلاة خارج اسوار الدير ، بنحو 2 كم ، حتى أكون على حريتي بعيداً عن عيون الرهبان ، وغالباً ما كنت أصلي بدموع حارقة ندماً واسفاً عما ارتكبته في حق المسيح في ازمنة جهالتي ، وكنت كلما تذكرت عملي السابق كشيخ في الجامع، واضطهادي للمسيح ، وللكنيسة ، وللشعب ، اخلع حذائي واضرب به وجهي ، واهيل الرمال على رأسي ، وأظل ألطم خدي ، كما تفعل النساء الثكالى ..

وذات مرة صرخت قائلاً : يا ربي يسوع المسيح ارحمني أنا الخاطىء.

فسمعت الرمال وهي تتكلم وتقول لي : آمين !!!

وهي اقدس أيام حياتي، وتمثل لي نبع القوة الذي ارتوي منه حتى اليوم ، والذي يريد أن يفتش عن سر قوتي عليه الرجوع إلى هذه السنة المباركة التي قضيتها في البرية وسط آبائي الرهبان .

أما المرة الثانية التي حاول فيها الشيطان إخافتي ، فكانت داخل الدير أيضاً ، فلقد لاحظت أن بعض الرهبان يسيرون ليلاً في البرية للتأمل الروحي، ومعهم كشافات، وكانوا يسيرون اتنين اتنين ، فاخذني الكبرياء الروحي لتقليدهم! ، فسرت ليلاً في البرية بمفردي ، ولكن ما أن ابتعدت عن بوابة الدير بقليل حتى شعرت "بسم الصليب" بنفس هذا الشخص المخيف ، وهو يسير خلفي ، ويلمس كتفي ، وشعر رأسي ! فتجمدت الدماء في عروقي ، واردت أن استدير لارجع للدير ثانياً ، لكني لم اقدر من شدة الرعب ، فصرخت قائلاً : يا يسوع !!

ثم استدرت بصعوبة فائقة ، وانطلقت باقصى سرعة عائداً لبوابة الدير ، وكاد قلبي أن يتوقف عن الخفقان من شدة الرعب ، لأن هذا الشخص الاسفنجي كان يجري خلفي ويريد إللحاق بي لإيذائي ، حتى وصلت بوابة الدير بصعوبة شديدة ، فألقيت بنفسي داخله ، فأحسست وكأنني كنت مربوطاً بسلسة من حديد ، ثم ُقطعت

8- قوة ومجد وسلطان جسد الرب 

في اليوم  التالي ، ظهر لي السيد المسيح للمرة الثالثة ( الاولى كانت في الكعبة ، والثانية كانت في منزلي ، على فور علمي بمخطط المقاومين لقتلي ، وحاول الشيطان أن يثنيني عن عزيمتي في مواصلة السير مع المسيح ، لكني قررت الذهاب إليهم بنفسي، بعدما قلت : العالم في كفة والمسيح في كفة ، وانا اخترت كفة المسيح ، وليكن ما يكون ، فظهر لي السيد الرب كملك عظيم ، واب حنون ، فركعت تحت رجليه ، وغرست يدي في فخذيه وأنا أصرخ باكياً : سامحني يا رب . فباركني أنا الخاطىء بأن وضع يديه المباركة الكريمة علىّ ، ماسحاً شعر رأسي ).

لكنه في هذه المرة كان على هيئة طفلٍ صغير ، ومعه أمه القديسة العذراء مريم ، وكان الملفت للنظر أنهما كانا كملاكين لهما اجنحة يرفرفان بهما على وجه مياه بحيرة جميلة، ولا يظهر منهما إلا الجزء العلوي فقط ، ورأيت فتاة صغيرة تشير إلى العذراء قائلة ( كل اللي يطلب حاجة من الست دي ياخدها ، هي بتعطي اراضي و.. ولكني قاطتعها قائلاً : ولكن أنا مش عاوز الحاجات دي ، أنا عاوز قربانة بس ؟

فلما سمعتني القديسة العذراء وأنا أقول أنا عاوز قربانة ، ابتسمت لي ، ثم غطست إلى أعماق البحيرة ، ثم طفت على وجه المياه وهي ممسكة بقطعة مستديرة من اللحم الابيض الناصع ، ثم طارت في الجو ، حتى اقتربت من المكان الذي أقف فيه ، ثم قربت اللحم إلى فمي ، ففتحت فاهي وقضمتُ قطعةً صغيرة ، ومضغتها بتأني ، وكان مذاقها حلواً للغاية ، ويعجز اللسان عن وصف درجة حلاوته..

ثم عدت لوعي ومذاق اللحم لا يزال في حلقي !!! في صباح اليوم التالي فوجئت بأبي الروحي وهو يستدعيني ليخبرني بأنتهاء فترة التأديبات الروحية، والحرمان من التناول ، بعد ان وافقت الكنيسة اخيرا على السماح لي بالتقرب من الاسرار المقدسة للمرة الأولى ، وأما المفاجأة ، فهي كانت عندما وضع ابونا لقمة الحمل في فمي ، إذ شعرت آنذاك بنفس طعم اللحم الذي قدمَتّه لي القديسة العذراء في رؤيا ليلة الأمس !!

المجد لك يا رب ، أقولها بدموع ، رغم مرور كل هذه السنوات على هذه الواقعة( 1987  - 2005 ).

ومن بعدها لم أعد أخاف من الشيطان رغم محاولاته الكثيرة لإخافتي بطرق متنوعة .

9 – مهما الغربة تبان لنا صعبة هاترسى المركب وهنلقاه

لذلك لم اعد أعبأ بمحاولات إبليس المتكررة لإخافتي وأنا داخل المدافن ليلاً .

 كانت هذه المنطقة مليئة بالحفر العميقة ، بعضها لمقابر قديمة تم نبش بعضها لسرقة عظام الموتى لبيعها لطلبة كليات الطب ، وبعضها الآخر، أعيد تنظيفها وإخلاؤها لتكون جاهزة لدفن جثة ميت حديث ، وكنت أرى هذه الحفر بصعوبة شديدة نظراً للظلام المخيم على المكان ، وكان النور القليل المنبعث من القمر يجعلني بالكاد أراها ، فأسير بمحاذاتها وأنا في غاية الحذر ، وكنت معتاداً على ترديد الترانيم الروحية كلماً مررت بمثل هذه الظروف  ، فظللت أرنم بصوت عال للتغلب على وحشة الطريق، وانتعشت روحياً وأنا أردد ترنيمة ( قلبه حنين) حبه يبين إن صليبه دا كان تكفير، عن خطايانا ، مات وفدانا ، نعمة غنية ، وحب كبير..

 سر حياتنا دا هو يسوع ، بنرنمها بصوت مسموع ، هو الكلمة وهو الله ، هو بروحه يعطي حياه ..ايد تسندنا وايد تواسينا ، وهايعدّينا لحد سماه ، مهما الغربة تبان لنا صعبة ، ها ترسى المركب وهانلقاه

10 – الرجل الشبح

بعد مضي حوالي 40 دقيقة من السير داخل المدافن الداخلية البعيدة ، وفي الظلمة القاتمة فوجئت بشبح رجل طويل القامة ، أشبه بالمارد العملاق ، يظهر فجأة من بين شواهد القبور ، وممسكاً بعصا غليظة ، فظننته روحاً شريرة ظهر ليخيفني ، فانخلع قلبي ، وتجمدت الدماء في عروقي ، فصرخت قائلاً :

بسم صليب ربنا يسوع المسيح !!!

فصرخ الرجل قائلا : قف عندك ، انت مين ، وعاوز إيه ؟

ابتلعت ريقي ، وتنفست الصعداء لأني عرفت أنه إنسان وليس روح شرير ، فأستجمعت شجاعتي وأجبته:

أنا صموئيل ، وجاي لمقابلة المعلم " إمام "!!!

فأجابني : آه صموئيل بتاع الكنيسة !، أنا كنت عارف انك هاتيجي، لانهم قالوا انك نصراني صايع وقلبك ميت! وعلشان كده كنت مستنيك ؟؟؟

فقلت له : وأنت مين ؟

فقال : أنا أخو إمام !!!

قال هذا ثم قفز من مكانه على الارض ، فتأكدتُ أنه  ليس مارداً ، ولا عملاق القامة ، بل رجل عادي جداً ، لكنه كان يقف فوق شاهد قبر مرتفع فخيل لي أنه مارد !

واقترب مني قائلاً : أنت مش خايف على نفسك علشان تيجي لغاية هنا برجليك ؟

فقلت له : وأخاف ليه ؟! طالما العمر واحد ، والرب واحد .

فقال : أول مرة اشوف فيها واحد نصراني صايع وقلبه ميت !!

ثم اردف قائلاً : امشى ورايا وأنا اوديك له .

11- خادم حالات الارتداد لابد أن يكون مستعداً للاستشهاد

كنت اسير خلفه بحذر شديد ، وذلك تحسبا لئلا يستدير نحوي فجاة ويضربني بعصاه الغليظة ، وكنت اصلي بداخلي قائلاً : سامحني يا رب يسوع المسيح عن كل خطاياي ، ورغم اني غير مستعد لملاقاتك، لكن إن اردت أن تأخذني إليك ، فأقبلني ، ولا تلفظني بسبر خطاياي ، ولا تحرمني من سعادة الوجود معك في سمائِك البهيه، ليس طمعا في دخول السما ، بل اشتياقاً للتطلع في رؤياك البهيه .. وندمت ندماً شديداً على كل خطية وهفوة ارتكبتها( بعد إيماني)، وتعلمت أنه لابد للمسيحي أن يكون ساهراً في الروح ومستعداً للقاء ربه ، وتذكرت حادث اختطافي من قبل أمير إحدي الجماعات الإسلامية الإرهابية ، الشيخ الإرهابي : أحمد ساتي (نقيب مفصول من الجيش) .وكيف ضربني على رأسي قائلاً: يبقى خلي المسيح بتاعك ينفعك ؟!

المسيح نفعني فعلا ونجاني من بين أياديهم بمعجزة فريدة ، وظللت أستعيد عبارته التي غرزت في أعماقي وهي :( يبقى خلي المسيح بتاعك ينفعك) ، لما تحمله من معاني ورموز ، تذكرنا بما قاله الملك داريوس لدانيال :هل الهك الذي تعبده دائما قادر على ان ينجيك من الأسود؟ حيث أجابه دانيال النبي قائلاً :

( الهي ارسل ملاكه وسدّ افواه الأسود فلم تضرّني..) [ دانيال 6 : 24 ].

وخطر على بالي إمكانية أن أتعرض للتعذيب لاجباري على انكار اسم المسيح ، فقلت في سري ، يا رب أنا واثق تماماً من حمايتك لي ، فأسندني في ضعفي واجعلني احتمل أي تعذيب حتى انال إكليل الاستشهاد بسلام .

وفوجئت به يستدير نحوي ، فتراجعت للخلف اخذاً وضع الاستعداد للدفاع ، لكنه قال لي :

متخافش أنا مجدع وبفهم في الأصول وما حبش الغدر ، أنا بس حبيت أسألك ، أنت جيت ليه ، وعاوز ايه؟

فقلت: جيت علشان اتاكد ان البنت مش مخطوفة ، وانها هنا بارادتها، ولم يرغمها أحد على الزواج من أخوك

فقال : لا,  من الناحية دي اطمئن خالص، البنت حبّت الواد واتجوزت منه بالشرع والاصول وانا ها اوديك لغاية عندها علشان تشوفها بنفسك .

12 – أغرب حفل زفاف في التاريخ

وبعد نحو 8 دقائق من السير ، لمحت ضوء خافت منبعث من لمبة جاز معلقة على نافذة حوش مدفن قديم وكبير،  وسمعت أصوات ضحكات وضوضاء ،ثم أشار شقيق إمام على المدفن الكبير وهو يقول لي:

هذا هو بيت العروسة الجديد !

وصلنا باب الحوش ، وكان مفتوحاً ، فسبقني شقيق إمام بالدخول إليه ، ودخلت خلفه ، لأرى هذا المشهد العجيب :

حوش مدافن مربع الشكل ، طوله حوالي عشرين متراً ، وعرضه حوالي عشرة أمتار ، وارضيته طينية مكسوة بالحصير المهترىء ، بينما يجلس العريس وعروسه أرضاً في الواجهة ، ويستندان على شاهد قبر حجري مغطى بملاءة سرير بيضاء ، بينما يجلس والده في الصف الأيسر ، وبجواره ثمانية جزارين من اصدقاء وشلة أبنه ، وفي الصف الأيمن يجلس حوالي 10 – 12 رجل من المعازيم ! وكلهم مسلحين بالأسلحة البيضاء ، ويدخنون الحشيش ، ولا توجد امرأة واحدة داخل هذا الفرح الغريب سوى العروسة !

ومجرد دخولي حتى تطلع الجميع نحوي والشرر يتطاير من عيونهم ، ولكني لم ألتفت إلى نظراتهم ، بل وجهت بصري إلى العروسة ، وسوف أطلق عليها اسم (سميرة) وهو قريب من اسمها الحقيقي ، فارتبكتْ وشعرتْ بالخجل ، وقالت بصوت مخنوق : أنت إيه إللي جابك هنا ، أنا كويسة ، أخرج من هنا بسرعة !!

فقلت لها : ليه عملت كده يا سميرة ؟! هل توجد ضغوط عليِك ؟

فقالت : لا مفيش أي ضغوط ، أنا جيت هنا بإرادتي ..

فقاطعها زوجها قائلاً :

لا تتكلمي معه إلا بإذني ..

ثم خاطبني قائلاً : خلي كلامك معايا أنا ، أنت فاهم ..؟

فقلت له : ليس لي أي كلام معك ، ولا مع أي واحد هنا ، كلامي كله لازم يكون مع البنت ، ولازم أتأكد إنها مش مخطوفة ، ولا واقعة تحت أي تهديد ، أو ضغوط ..

وهنا قاطعني والده ، وهو رجل مسن شديد الجهل والتعصب ، فقال لي :

أما إن أمرك غريب بصحيح ، أنت سألت البنت بنفسك ، وقالت لك أنا مش مخطوفة ، ولاّ أنت عاوز تضلها وتخرجها من دين الحق ، لترجع تاني للكفر اللي أنت دخلتها فيه يا كافر يا ابن الكافر ! جاي وراها علشان تغويها بدين الكفر والشرك والأب والأم والولد !!! كلكم النصارى عارفين إن الإسلام على حق ولكن علشان مصالحكم تلبسون الحق بالباطل ، أنت بتأخذ كام من الكنيسة علشان تضل الناس ؟!

13 - دفاع عن صحة الدين المسيحي امام الاوباش

فقلت له : أولاً أنا لست كافر ، بل مسيحي مؤمن ، ثانياً مفيش حاجة عندنا اسمها أم وأب وولد ، فهذا كلام جاهل لا يقوله إلا المساطيل ، ولو عاوز تعرف حقيقة الدين المسيحي أعرفه لك ، وأنا مؤمن بالمسيحية عن اقتناع تام وليس من أجل المال كما تدعي ، والدليل على كده إنني الآن بينكم وفي مكان مقطوع وممكن تقتلوني لكن رغم كده أديني واقف وسطكم وبقولها بعلو صوتي ، أنا مسيحي ومستعد للموت في سبيل ديني ، وأنتم عارفين أنا كنت إيه ، وبقيت إيه ، ولا يهمني لا حكومة ولا كل القاعدين دول ، أنت فاهم يا راجل أنت ؟!

ثم قدمت دفاعاً مسهباً عن الدين المسيحي ، وقارنت تعاليمه بتعاليم الإسلام ، وكانوا يستمعون وهم يضغطون على أسنانهم من شدة الغيظ ، واختتمت دفاعي بطبيعة بنوة المسيح لله ، موضحاً إنها بنوة روحية ليس للتناسل أي دخل بها ، وبالتالي فليس في المسيحية أب وأم وولد كما يدّعون ، وفوجئت بشقيق إمام يوجه كلامه لأبيه قائلاً : يابا أفهم ، فالأستاذ صموئيل بيقولك إن سيدنا عيسى ابن الله بالروح ، وليس بالخلفة والكلام اللي أنت بتقوله دا ، وإن ستنا مريم هي عبدة الله ، وحل عليها روح الله ، فولدت سيدنا عيسى ، مش ربنا اتجوزها !!!

فقال له أبوه  بغضب: إياك أنت كمان عاوز تكون نصراني زيّيه ؟؟

ثم وجه حديثه لبقية الشلة المتواجدين محرضاً إياهم على قتلي  :

وأنتم قاعدين مكانكم متسمّرين كده ليه ؟!، قوموا واقتلوه وادفنوه هنا ، دا كافر ، وعدو الله والرسول ، وعدو الإسلام والمسلمين ، دا كان شيخ في الجامع وبقى نصراني كافر ، ووصلت به البجاحة لدرجة أنه جاي لغاية هنا علشان يزرع الفتنة بيننا ويشككنا في ديننا ، والفتنة أشد من القتل ، فأقتلوه ، وأدفنوه ..

وهنا تكهرب الجو ، وبكت البنت متوسلة لهم أن يتركوني أغادر المكان بسلام ، لكنهم قاموا من أماكنهم مشهرين المطاوي في وجهي ، فرشمت بنفسي بعلامة الصليب ، ثم قلت أيها الرب يسوع أقبل روحي ، ثم أغمضت عيناي ، منتظراً أن يطعنونني في جميع أنحاء جسدي ، ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان :

فوجئت بشقيق إمام يقف أمامي ، ويخرج مطواتين من جيوب جلبابه ، واحدة بيمناه ، والثانية بيسراه ، ثم يشهرهما في وجوههم ، وهو يصرخ فيهم قائلاً :

أنا مش جردل ولا هافييا علشان تستلطخوني وتغدروا بالرجل اللي جبته لغاية هنا ، وزي ما جبته سليم ، لازم اخرجه من هنا سليم ، واللي هايقرب منه هاقتله، حتى لو كان أبويا ، أو أخويا إمام !!!

فتراجعوا جميعاً للوراء ، وهم في غاية الذهول والتعجب .. ثم التفت إلي قائلاً :

أخرج بسرعة ، وخذ الطريق اللي جينا منه ، وانا هاحصلك ..

فخرجت غير مصدق نجاتي من الموت بمثل هذه السهولة ، وظللت أردد قول المرنم :

( ايضا اذا سرت في وادي ظل الموت لا اخاف شرا لانك انت معي. عصاك وعكازك هما يعزيانني) مز 23 .

وبعد قليل لحق بي شقيق إمام ، فشكرته على صنيعه معي ، وقال لي كلاماً لن أنسى حلاوته قدر ما عشت :

( أنا نفسي مش عارف عملت كدا ليه ، كنت حاسس إني " مأمور من فوق " لحمايتك ، السلام لسيدنا عيسى!)

14 - يا كنيسة المسيح المنتصرة ، يا شعب المسيح المؤمن الباسل.

يا مرتدين ، يا متشككين ، يا خائفين، يا قليلي الإيمان ، يا عالم ، يا هووه ! :

تعالوا وشوفوا، وأسمعوا ، مش حكاوي قهاوي ، ولا حواديت مصاطب ، بل حقائق لها شهود ، أولهم ربنا ، والبنت ، وشقيق إمام . تعالوا لتتعلموا ، ولتفهموا ، إن إلهنا القائل " أنا هو لا تخافوا" ، هو إله صادق ، وكل وعوده صادقة ، وطوبى لمن يثق فيه ، كما وثق فيه آباؤنا الرسل، واسمعوا القديس بولس الرسول وهو يقول :

" حتى اننا نقول واثقين : الرب معين لي فلا اخاف . ماذا يصنع بي انسان" ( عب 13 ) .

تذكرت الأخ (ن) الذي كان ينتظرني على القهوة ، فنظرت إلى ساعتي فوجدتها الحادية عشرة إلا عشر دقائق، فعانقت شقيق إمام ، وأطلقت ساقاي للريح حتى ألحق به قبل أن يغادر المقهى ويذهب للبطريركية ليسلم حقيبة أوراقي إلى( أبونا ...)، حسب الاتفاق السابق بيننا ،ووصلت المقهى في الحادية عشر وعشر دقائق وأنا ألهث من شدة التعب وشكرت الرب لأني ألحقت به وهو يحاول إيقاف سيارة أجرة ، فاستقلناها سوياً ، وسألني :هل التقيت بالبنت ؟

فانهمرت الدموع من عيني ، ولم أستطيع أن أجيبه بكلمة . ونزل في مكان قريب من بيته ، بينما أنا واصلت طريقي إلى البطريركية .

15 – مرارة الهزيمة

كان من المفروض أن أعود إلى منزلي وليس للبطريركية ، ولكن زوجتي، وهي خادمة متخصصة في خدمة المعوقات، لم تكن في البيت، بل كانت في رحلة إلى مصيف الكنيسة في مدينة الإسكندرية ، بصحبة المكرسات والخادمات ، ومعهن المخدومات ، وكن من المعوقات ، والمكفوفات ، وفتيات دور الايواء ، وفتيات الصم والبكم ، وكنا متفقين ، أنا و زوجتي ، على أن لا يبيت أحدنا بمفرده في البيت ، طالما كان الآخر خارجه ، سواء لخلوته الروحية بالدير، أو سواء في رحلة كنسية ، فإذا كنت أنا في مهمة خارجية ، تنام هي في بيت الكنيسة للمعاقات ، وإذا كانت هي في خلوة ، أنام في البطريركية ، لذلك ذهبت إلى البطريركية، وكانت لدي غرفة اتقاسمها مع اثنان من أحبائي الشمامسة الإكليريكيين المكرسين( م ، أ). فدخلت وانهرت باكياً على ضياع هذه البنت ، وكنت أبكي وأنتحب بشدة ، وغادرت فراشي في الثانية صباحا وتجولت في ارجاء الكاتدرائية ، كعادتي دائماً كلما كنت  فرحان او حزين .

16 – عتاب مع الله والقديسين

يا رب أنا زعلان ، ومنكسر القلب ، وحزين النفس ، لضياع بنتك سميرة ، ولن يدخل شيئاً في جوفي حتى تعيد هذه البنت إليك ، مش معقول يا رب بعد التعب دا كله تسمح بضياع البنت مني ! وإذا ما كنتش هاترجعها أنا مش هاخدم في الخدمة دي تاني !!!

+ كده برضه يا عدرا يا أم النور تسبيي بنتك للهلاك دا ؟! أنت لازم تصلي لأبنك وإلهك حتى يرجع البنت ولا أنتي عاوزه الناس تضحك عليّ ؟! ثم ذهبت لمزار القديس مار مرقس ، وقلت له : أسمع يا كاروز الديار المصرية ، وشفيع الأقباط ، أنت لازم تصلي للرب علشان يرجّع البنت !

وهكذا طلبت شفاعات وصلوات القديسين ، ثم عدت إلى غرفتي ، وبقيت فيها ثلاثة أيام ، لا أكل ولا أشرب ، ولا أتحدث مع أحد ، ولا أخرج منها إلا للذهاب إلى الحمام ، وعلم أبونا سبب حزني ، فربت على كتفي بحنو بالغ ، وقال : ربنا سوف ينظر لدموعك وسوف يرجعها ، لأن المحبة لا تسقط أبداً .

17 – طعنات في القلب

اخر ما كنت أتوقعه من هذا الخادم (..) الذي كان يعمل معنا في الكنيسة ،هو شماتته في ، وسخريته من دموعي ، واستهزائه بحزني ، كان يقول لي كلاماً أصعب من الطعنات الموجهة للقلب : ما أنا قلت لك من الأول إنها حالة ميتة ، وابن الهلاك للهلاك يدعى ، بس أنت اللي عملت فيها (أبو علي) وحبيت تجيب الديب من ذيله ، فما جبت الديب ، ولا مسكت حتى بذيله !!! هي الحكاية حكاية فتونة ! ولا فهلوة قهاوي ومعلمين ، ولا عاوز الناس تقول إنك بطل ، أو عسكري الكنيسة ، كفاية غرور وكبرياء ! ثم التقى هذا الخادم الشامت بخادم آخر حيث قال له : هو أنت فاكر إن صموئيل حزين لضياع البنت بصحيح ؟! لا ، دا حزين لأنها أول حالة يفشل فيها ! وشهرته ها تنزل في الحضيض ! دا تربية إسلامية يا با ! وعاوز يقول للناس أنا أهو ! أنا عملت الي محدش عمله قبلي !!!

عاوز يسخر منا ، نحن ابناء الكنيسة الشرعيين ، نحن الذين درسنا اللاهوت ! عاوز يستولى على مكاننا ويدينا بالشلوت !!! ولا زم أبونا (...) يوقفه عند حده حتى لا ينسى نفسه ، مش معقول يسمح لشيخ للعمل وسط الكهنة والاكليريكين !!! ( وكان يردد الكثير من أمثال هذه الأقاويل الجارحة والتي تنم على كراهيته الغريبة لي ، بدون أي ذنب ، اللهم غيرتي على خلاص النفوس ، ورغم ذلك ظللت أحبه وأصلي من أجله ، ربنا يسامحه ).

18 – روعة الانتصار

فوجئت في اليوم الثالث بأحد العمال يطرق باب غرفتي ويقول لي :

هناك بنت سمراء أسمها سميرة وهي تريد مقابلتك لأمر تقول عنه أنه هام وخطير !!!

فقفزت من فراشي ، وهرعت إلى البوابة الخارجية لمبنى داخل الكلية الاكليريكية وأنا مرتدياً البيجاما ، وحافي القدمين ! وعندما رأيتها ، نسيت نفسي ، وأسرعت نحوها وعانقتها قائلاً لها بدموع : حمد لله على السلامة !

فأمسكت يدي وقبلتهما ، ثم القت بنفسها تحت قدماي وهي تحاول تقبيلهما باكية ، فاقمتها وحاولت تهدئتها لكنها كانت تبكي بحرقة : سامحني يا استاذ صموئيل على كل إهانة تعرضت لها بسببي أنا الخاطية ، الذي حدث معي كان معجزة ، تؤكد  استجابة المسيح لصلاتك ودموعك من أجلي ، فبعد أن غادرت الحوش ، وغادر المعازيم ، حاول زوجي الاقتراب مني ، لكني فوجئت بشكله يتغير إلى شكل القرد! ،فخفت منه ،وقلت له أنت قرد مش إنسان !

فقال لي : إن النصارى عملوا لي عمل !

وتكرر الأمر مرات كثيرة ، وآخر مرة اتجنن ، وقال لي : أنا قرد يا كافرة يا بنت الكفرة ، روحي أنتِ طالق !!!!!!!!!!!!!!

 

ما أعجب اسمك يا رب !!

والناس تعاتبني بأنني مجنون في حبك ! مأخوذ بعطفك ، منبهر من قوة يمينك المقتدرة ، أين هو إمام ، وأين هو أبوه ، وأين هم الذين كانوا يريدون أن يقتلوني ، كلهم لا شيء أمام جبروتك يا رب .

19 – سميرة رجعت يا ابونا

لم أتمالك نفسي من شدة الفرح ، فهتفت صارخاً بصوت عال جداً : سميرة رجعت يا أبونا !!!

وهرعت إليه في قلايته ، فخرج على صوتي ، وقلت له بدموع الفرح والانبهار بعمل الرب : سميرة رجعت يا أبونا !

فربت على كتفي فرحاً .. وظللت أردد : سميرة رجعت ، سميرة رجعت .. كنت عاوز أقول لكل الناس : سميرة رجعت. حتى يشاركوا ملائكة السماء فرحهم، كما قال رب السماء ، وخالق الملائكة : ( اقول لكم انه هكذا يكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب اكثر من تسعة وتسعين بارا لا يحتاجون الى توبة .)

سميرة رجعت ، يا ريت ترجع كل سميرة ، وكل سمير ، ياريت يرجعوا قبل فوات الوقت ، قبل أن يدركهم شر الأيام ، متذكرين قول بولس  الرسول :

( مفتدين الوقت لان الايام شريرة) [ أف 5 : 16 ].

 .20 – الاتفاق على تهريب بنات الأسرة .

انطلقت أنا وسميرة إلى منزل أسرتها ، واجتمعت بأفراد الاسرة ، وتدراسنا الأمر معاً ، وأتفقنا على إن أفضل حل هو الإسراع بترك منزلهم والانتقال إلى سكن آخر في مكان بعيد ، كما أتفقنا على ضرورة تهريب البنات أولاً ووضعهن في مكان آمن حتى لا يتكرر موضوع سميرة ، خصوصاً وأخوهن محمد ينوي خطفهن والعودة بهن إلى الصعيد ، ووضعت لهم خطة محكمة لإخراجهن بدون ما يشعر جيرانهم المسلمين بذلك ، ولكن كان علي أولاً تدبير مسكن بديل للاسرة ، فأسرعت بالبحث عن شقة في مكان شعبي بعيد ، وعثرت لهم على شقة من ثلاث غرف وصالة ، وكان المطلوب 3500 جنيه ، ودفعت عربون ، ثم أسرعت إلى الكنيسة وأعددت تقرير إضافي طالباً سرعة تدبير هذا المبلغ ، موضحاً إن الأمر لا يحتمل التأخير ، ومن ترتيب الرب العجيب أن يتزامن ذلك مع اجتماع الآباء الكهنة ، وكت في بداية الخدمة قد تقدمت للكنيسة باقتراح عقد اجتماع شهري للاباء الكهنة لبحث مشاكل الارتداد في المناطق التابعة لكنائسهم ، وبدأ الاجتماع بثلاث آباء ، ثم بدأ يتكاثر عددهم حتى ترواح ما بين 40 – 70 أب كاهن من كهنة القاهرة .

21 – مسكين وبائس يجلس وسط رؤساء الشعب

وكنت حينما أجلس وسطهم بزي المدني ، وهم بزيهم الكهنوتي المقدس ، أتذكر قول المرنم ( مز 113 : 7 ) :

" المقيم المسكين من التراب. الرافع البائس من المزبلة. ليجلسه مع اشراف شعبه".

وكان هؤلاء الآباء الكهنة الاشراف ، يحبونني ، ويشجعونني ، ويفخرون بي ، وكثيراً ما كنت أشعر بالخجل من نفسي عندما اسمعهم ينادونني ب الأستاذ ، وبالشماس المكرس ، كما كنت أتصبب عرقاً عندما كانوا يجلسون معي طالبين أخذ رأيي في أي أمر من أمور حالات الارتداد ، كما كانوا يتعاونون معي في تعميد المسلمين والمسلمات الذين أقوم بتبشيرهم .

فوقفت وسط الاجتماع ،وقلت لهم بدموع :

أرجو من محبتكم مساعدتي في تدبير مبلغ 3500 جنيه لدفعهم مقدم إيجار لشقة تخص أسرة بأكملها تمجد الرب فيها وأصبحت مسيحية ، وتعاني من خطورة شديدة لو بقت مكانها .. ثم قصصت عليهم قصتهم بإيجاز ، ولكن ما أن وصلت لحادث المدافن حتى غلبتني دموعي ، فلم أستطع التكملة ، فقام أبونا ... باستكمال الموضوع ..

وفي نهاية الاجتماع اقترب مني أحد الآباء المباركين ، وربت على كتفي ، وقال لي : مر على مكتبي غداً وستجد المبلغ المطلوب !!!

22 – زي القطة ما بتنقل اولادها ساعة الخطر

اسرعت إلى رب الاسرة واصطحبته معي إلى صاحب البيت الجديد ، ودفعت مقدم إيجار السكن وحررنا عقد الإيجار باسم رب الاسرة ، ثم عدنا ثانياً لمنزله ، لتنفيذ خطتي بتهريب البنت الكبرى ، وكانت الخطة شديدة التعقيد نظراً للخطورة البيئة التي يعيشون وسطها ، ووجود جواسيس من الجيران ، وتدخل الرب ونجحت الخطة ، ومجرد وصولنا إلى الشارع العمومي ، حتى أمسكت بأيدي البنت وجرينا سوياً ، حتى ابتعدنا عن المنطقة واستوقفت تاكسياً ، ثم غيرته بتاكسي آخر ، ثم ذهبت بها إلى منزل والدتي (رحمها الله ) وطلبت منها استضافتها حتى الصباح ، موعد عودة زوجتي من رحلة الكنيسة ، لأنه ليس من اللائق على خادم الحالات الخاصة أن يستضيف فتاة في بيته في غياب زوجته ، هكذا علمتنا الكنيسة في شخص أبونا (...) . وبقيت عامل زي القطة اللي بتنقل أولادها بفمها من مكان لمكان ساعة تعرضهم للمخاطر ، وهكذا أخرجت البنات ، ثم الأولاد ، وامكن انتقال الاسرة كلها إلى سكنها الجديد بأمان وسلام .

23 – ميكروباص الخلاص !!!

وبعد أن استقرت أمورهم ، قمت باستئجار ميكروباص 11 راكب ، وأخذت الأسرة وانطلقت بهم إلى الدير..إلي نفس المكان الذي عشت فيه سنة كاملة في بداية إيماني ، وهناك استقبلني الآباء الرهبان استقبال الابطال وفرحوا جداً بهذه الأسرة ، وقام أبي الروحي ، الشيخ الروحاني ، والذي عمد زوجتي عام 1987 م بتعميد أفراد الاسرة الذين لم يسبق لهم نيل المعمودية المقدسة ، وتحقق لهم الخلاص طبقاً  لقول الرب لتلاميذه :( وقال لهم اذهبوا الى العالم اجمع واكرزوا بالانجيل للخليقة كلها.

 من آمن واعتمد خلص. ومن لم يؤمن يدن). [مر 16 : 15 ، 16 ].

24 – ضريبة الإيمان

وبينما كنت في قمة فرحي وسروري ، اقترب مني أحد الآباء الرهبان القديسين وقال لي :

احترس لنفسك يا صموئيل، فما حدث اليوم ليس بالأمر العادي ، بل هو انتصار ساحق على جنود الظلمة ، ولكن هذا لن يمر بدون سداد ضريبة الإيمان ، فكن رجلاً وأستعد لما قد يحدث لك من ضربات ، لكن ثق إن الرب لن يسمح للشيطان بضربك في مقتل .

شعرت ببعض القلق من كلام الاب الراهب ، فلما لاحظ أبونا ذلك علي ، ضحك وداعبني قائلاً : إيه يا بطل أنت خفت ولا إيه ، عموماً أنا كنت بهذر معاك !

لكني قلت له : لا يا أبونا ، أنا من ساعة ما تابعت هذه الاسرة وأنا أشعر بأن هناك ضربة ما سوف تصيبني ولكني واثق إني سأخرج منها منتصراً بقوة صليب المسيح .

25 – قوة صليب المسيح

أمضينا أسبوع في الدير ، وعدت بالأسرة للقاهرة وقلبي يتراقص من شدة الفرح ، وكانوا هم فرحين للغاية وتعلموا الكثير من الصلوات والترانيم ، وتأثروا جداً من محبة وطهارة وقداسة الآباء الرهبان لأن حياتهم هي عبارة عن إنجيل معاش .

عدت الى مكتبي يوم السبت ، وبدأت ألاحظ على الخادم (..) بعض التحركات المريبة ، كما لاحظت انه يتحدث همساً مع خادم آخر كنت أحضرت به للخدمة ، لكنه انضم لهذا الخادم ،وانحرف معه ، وفوجئت بالخادمين يزورنني في بيتي يوم الثلاثاء ويطرحان علي أسئلة مريبة تتعلق بخط سيري اليومي ومواعيد خروجي ودخولي ، وادركت إن ساعتي قد حانت ، فأجبتهما بكل صدق ، رغم شعوري الداخلي بخيانتهما للمسيح وللكنيسة ولي .

يوم الاربعاء ، كان عندي زحام كبير في المكتب ، فواصلت العمل حتى السابعة مساءاً ، وبعدها أغلقت المكتب وجلست على الحشائش لاستمع إلى عظة سيدنا قداسة البابا ، فاقترب مني أحد الأخوة وقال لي : احترس يا صموئيل لأن هناك خطة محكمة للإيقاع بك ؟

فقلت له : لا تقلق علي ، فكم من مرات يسعى اعداء المسيح للإيقاع بي لكنه ينجيني من أياديهم .

فقال لي : لكن هذه المرة غير كل مرة ، هذه المرة الضربة جاية من داخل !!

فأخرجت له الإنجيل من جيبي وقرأت له من انجيل مت 10 : 16– 42

وغادرت الكاتدرائية في الوقت الذي وصل اليها بلاغ بقيام المقاومين بمحاصرة بيتي وزوجتي بداخله ، فأسرع أبونا باستدعاء احد الشمامسة الاكليريكيين وطلب منه ان يبحث عني في ارجاء الكاتدرائية ويطلب مني بعدم التوجه لبيتي والتوجه لمقابلة ابونا فورا كما ترك لي رسالة بنفس المضمون عند بوابة الكاتدرائية ، لكني كنت قد غادرتها ، لا وجه المصير الذي أراده لي عدو الخير ، لكن قوة صليب المسيح شتت سهام العدو ، وتم انقاذي أنا ووجتي بإعجوبة ، فخرجنا سالمين بمعجزة باهرة بشفاعة القديسة العذراء مريم والقديس الانبا ابرام ، وقامت الكنيسة بإخفاؤنا لفترة من الزمن ، وبدا الأمر وكأنني قد انتهيت ، وانتهت معي خدمتي ، لكن الرب اراد ان تكون بدايتي الحقيقية في خدمة حالات الارتداد ! وأن أحقق فيها كل أحلامي في النهوض بهذه الخدمة ، منها تأسيس اجتماعات اسبوعية متخصصة للحالات ، اجتماع للرجال ، وآخر للسيدات ، وأن أحقق فيها كل أحلامي في النهوض بهذه الخدمة ، منها تأسيس اجتماعات متخصصة للحالات ، اجتماع للرجال ، وآخر للسيدات ، وثالث للأبناء والبنات ، وأن أؤسس خدمة السيدات بالاستعانة بثلاثة خادمات ، فأصبحت هذه الفترة التي أرادها البعض أن تكون النهاية ، بداية انطلاقة نوعية جعلت منها بمثابة عصري الذهبي في خدمة حالات الارتداد ، وقد تم كل هذا العمل الجبار بعدما فقدت بيتي بكل محتوياته ، وتركت مكتبي ، ونقل مقر نشاطي لمكان آخر ، وكنت تحت حصار ومراقبة أعداء الصليب وأعوانهم من الجواسيس ، واستمرت هذه الفترة حوالي 18 شهراً ، حققت فيها من الانجازات ما لم استطع تحقيقه وأنا في كامل قوتي ! ولهذه قصة أخرى تستحق أن تروى، وأرجو أن يعطيني الرب نعمة الوقت لأرويها لكم في القريب ( تمت).

 

  



E-Mail: info@copts-united.com

Copts United

لأقباط متحدون