نهاية أم بداية؟
(1)
1 – إرادة الله العادلة تأبي
إبادة الأقباط.
كانت إرادة أعداء الأقباط هي " إبادتهم".
فماذا كانت إرادة الله ؟
كانت إرادته، ولم تزل، وستظل، أن يبقى للأقباط بقية،
كأعرق مسيحيون في العالم لا يزالون يتعرضون حتى اليوم لكل صنوف
الاضطهادات الدينية، داخل وطنهم، رغم اختفاءها من معظم دول وشعوب
العالم.
حتى الطاغية صدام حسين، الذي قيل عن عهده أنه عهد
الديكتاتورية والبطش، لم نسمع طوال عهده عن مقتل قسيس، أو شماس، أو
راهب، بسبب هويته الدينية.
كما لم نسمع عن حرق كنيسة، أو بيت مسيحي، أو
اختطاف واغتصاب فتاة مسيحية، لإرغامها على اعتناق الإسلام، أو
مذابح جماعية كتلكم التي حدثت في الزاوية الحمراء، والكشح.. الخ
كما لم نسمع عن اقتحام كنيسة لقتل المصلين بداخلها، كما حدث في
مارجرجس بأبي قرقاص بالمنيا..
إلى بقية ما حدث، ولا يزال يحدث، للكثيرين من الأقباط
داخل وطنهم مصر.
+ إرادة الله أن يبقى للأقباط بقية تجلد الضمير
الإنساني العالمي، الذي وقف ليتفرج على المذابح التي تعرض لها هذا
الشعب منذ الغزو العربي لوطنهم، وحتى اليوم. وهو نفس الضمير
العالمي الذي سبق له الوقوف للفرجة على المذابح التي تعرضوا لها من
المحتل الروماني - البيزنطي ، عقب مجمع خليقدونية المشئوم، وحتى
ظهور الإسلام.
كانت إرادة الأعداء، سواء الروم، أو الفرس، أو العرب،
وخصوصاً العرب، هي إبادتنا.
لكن الإرادة الإلهية العادلة أبت أن تحقق لهم أمانيهم
العدوانية الشريرة، فشتت سهامهم، وأحبطت سواد أعمالهم ولا يزال
للأقباط بقية نوعية كبيرة، ليس داخل وطنهم فحسب، بل وفي معظم دول
العالم الغربي المتقدم، أمريكا، وكندا، واستراليا، وأوروبا، وتراهم
– بحسب شهادة حكومات هذه الدول عنهم – قوم متحضرون، مسالمون،
متفوقون، متقدمون على أترابهم، ليس بينهم قاتل، ولا إرهابي، ولا
عدواً للحضارة، لأنهم أصحاب أعرق وأرقى حضارة عرفتها الإنسانية.
2 – من حفر حفرة لأخيه، سقط هو
فيها !!!
وكان هدف المقاومين من محاصرتهم لبيتي، في أواخر عام
1991، هو إنهاء خدمتي الناجحة في مكافحة الأسلمة، وإعادة المرتدين،
وربح الخراف الآخر.
فهكذا كانت إرادتهم، فماذا كانت إرادة الله؟
كانت إرادته هي: ( أن أحقق في الخدمة ( وأنا تحت
الحصار) ما عجزت عن تحقيقه وأنا بدونه ) !!
حتى إن أعدائي أنفسهم قد ندموا كثيراً بسبب تكالبهم
ضدي !!!
لأن هذا التكالب قد زادني إصراراً على المضي قدماً في
طريق هذه الخدمة الشائكة، وضاعف من غيرتي المقدسة على ربح النفوس
للمسيح، والدفاع عن المظلومين من أبناء شعبي، لاسيما النساء
والأطفال ( آسر الحالات الخاصة).
كما حفز آباء الكنيسة، وخدامها، وشعبها، على تضامنهم
الكبير معي، وتأييدهم لي، ووقوفهم بجانبي في محنتي، مساندين،
معزيين، مواسيين.
فندم أعدائي، وعضوا على نواجزهم قائلين بحسرة وألم:
لقد جعلنا منه بطلاً !!! وما كنا نظن أنه سوف يفلت من بين أيادينا
سالماً، لينال كل هذا الحب من الكنيسة والشعب. فيا ليتنا ما كنا قد
تكالبنا ضده! يا ليتنا ما كنا قد حفرنا له هذه الحفرة، لأنه بينما
هو نجا منها، سقطنا نحن فيها ! ولعلهم - بعد مضي 14 سنة على هذه
الحادثة – يضيفون قائلين: هاهو الآن يعيش حراً طليقاً في أوروبا،
حاملاً جنسية إحدى بلدانها، وليكتب عنا كما يحلو له، بينما نحن هنا
عاجزون عن الوصول إليه، لنقطع لسانه، ونقصف قلمه. لقد فتحنا غطاء
القنينة ليخرج منها المارد الحبيس، لينطلق إلى أفاق أرحب، ليخرج كل
ما هو كان مختزناً بداخله، انظروا بعض ما حققه:
عظة في الكنيسة الإنجليزية للعاملين بالسوق الأوربية
المشتركة ببروكسيل / حلقة تليفزيونية بإحدى القنوات الهولندية /
محاضرات عن الإسلام في العديد من الكنائس الهولندية.ناهيك عن حصاد
قلمه الحاد: حوار صريح حول الإسلام / رسالة إلى صديقي المسلم / كان
ميتاً فعاش / نحن والآخر . بالإضافة إلى مجلته "الحق والحياة".
فلولا تضييقنا عليه في مصر، ما كان قد لجأ إلى الغرب ليعري
عوراتنا، ويفضح همجيتنا، فالحفرة التي حفرناها له سقطنا نحن فيها.
3 – ليس المهم ما يريده أعداؤنا
لنا، بل الأهم ما يريده الله.
وأنا هنا لا أكتب عن سيرتي الذاتية، لأنني إنسان بسيط
من عامة الشعب، وسيرتي لا تهم أحد من الناس، لأن ليس لي أي شأن،
سواء في أعينهم، أو سواء في عين نفسي..
إنما أطرح قضية قبطية عامة، من خلال ما مررت به -
بصفتي قبطياً من جملة الأقباط- فما تعرضت له من ظلم فاحش، أدى إلى
خروجي من وطني، بهذه الطريقة الذليلة، يمكن جداً أن يتعرض له أي
قبطي آخر، فما تعرضت له، لا يمكن فصله عما يتعرض له الأقباط من
مظالم، لكن الله لا يسمح للظالم بالتمادي في ظلمه، لذلك فالدرس
البليغ من وراء تجربتي، والذي ينبغي علينا جميعاً التعلم منه، هو:
ليس هاماً ما يريده الأعداء لنا، بل المهم هو ما يريده الله.
+ فلقد أراد أعداؤنا تحويلنا إلى ماسحي أحذية !
لكن أراد الله أن نكون الأكثر تعليماً، والأعمق
ثقافة، ليس في المحروسة وحدها، بل وجميع الدول الإسلامية !
+ أراد أعداؤنا أن نكون سعاة وفراشين.
+ لكن أراد الله أن يتبوأ عدداً كبيراً منا عدة مناصب
دولية مرموقة
+ أراد أعداؤنا أن نكون متسولين، لكن أراد الله أن
يبرز منا العديد من رجال الأعمال المليارديرات!
+ أراد أعداؤنا إرهابنا بما أعدوا لنا من قوة ورباط
الخيل..
لكن الله أراد شيء آخر، ونفذه بالفعل:
(واقلب كرسي الممالك وأبيد
قوّة ممالك الأمم واقلب المركبات والراكبين فيها
وينحطّ الخيل وراكبوها كل منها بسيف
أخيه) [حبقوق 2 : 22 ].
( فتشبعون على مائدتي من
الخيل والمركبات والجبابرة وكل رجال الحرب يقول السيد
الرب) [حز 39
: 20 ]
+ أراد أعداؤنا أن يصلبوننا، واعدوا لنا خشبة كبيرة
لكن أراد الله أن ينطبق عليهم ما حدث لهامان:
( فصلبوا هامان على الخشبة
التي أعدها لمردخاي) [ استير5 : 7 ].
وانظروا الآن إلى تردى سمعة هؤلاء إلى الحضيض،
وانظروا إلى بلدانهم وما يحدث فيها من خراب وتخلف ومظالم.
لماذا؟ لأن عدالة الله تأبي أن ينتصر الظالم على
الضعيف.فهذه هي إرادة الله.
4– تكفيك نعمتي لأن قوتي في
الضعف تكمل.
*اشتكى القديس بولس الرسول بسبب
ضعفه أمام شوكة جسده
واشتكى الشعب القبطي بسبب شوكة الصليب التي تقف في
حلقهم داخل وطنهم.
+ صرخ القديس بولس للرب
+صرخ الشعب القبطي للرب
فماذا كان جوابه عليهما، وعلى كل ضعيف يشكو من ضعفه ؟
كانت – ولا تزال - إجابته هي الآتي:
" تكفيك نعمتي لأن قوتي في الضعف تكمل "( 2 كو 12 : 8
، 9 ).
+ في العهد القديم، انتصر داود الضعيف، بمقلاعه
الصغير، على جليات القوي الجبار، بسيفه ورمحه!
في العهد الجديد، انتصر المسيح بصليبه الخشبي، على
الإمبراطورية الرومانية بآلاتها الحربية الرهيبة.
لماذا ؟ لأنه :
5 - لا بالقوة ولا بالقدرة، بل
بروحي يقول رب الجنود.
إنه الدرس الإلهي العميق الذي عجز الجبابرة الطغاة عن
فهمه:
" لا بالقوة ولا بالقدرة، بل بروحي يقول رب الجنود"
( زكريا 4 : 6 ) .. والذي يقرأ تاريخ الأقباط، يدرك هذا الأمر بشكل
جلي، فلقد احتل الرومان الوثنيون بلادهم قبل ميلاد المسيح – بحسب
الجسد – بنحو 30 سنة، وظلوا جاثمين على صدورهم حتى سنة 641م بعد
الميلاد، وكانوا قد ضاعفوا من شدة اضطهاداتهم لهم اعتباراً من مجيء
القديس مار مرقس إليهم، حاملاً معه بشارة الخلاص بالمسيح الرب،
فتقبلوا البشارة بفرح عظيم، وتضاعف إقبالهم عليها بعدما قامت قوى
الاحتلال الوثني الغاشم، بإلقاء القبض على كاروزهم، لمنادته بعبادة
الإله الحقيقي رب السماء والأرض، ونهيه عن عبادة الإمبراطور!
6– منذ البداية، ونحن قد حسبنا
أنفسنا مثل غنم يساق للذبح !!!
شاهد الأقباط كاروزهم المحبوب وهو يساق إلى الذبح،
شاهدوا الأعداء وهم يسحلونه في شوارع الإسكندرية، ثم يقطعون رأسه،
لينال إكليل الاستشهاد على اسم المسيح، في يوم 8 مايو سنة 68 م،
فكان بذلك أول شهيد مسيحي تسفك دمائه الطاهرة على أرض مصر، وكأنه
كتب بدمائه الذكية شهادة ميلاد الكنيسة القبطية الشاهدة والشهيدة،
وأقبل الأقباط على اعتناق المسيحية بحماس منقطع النظير، غير
مباليين بتهديدات الإمبراطور الوثني الطاغية المجنون " نيرون" ولا
ببقية الأباطرة الطغاة، الأمر الذي اعتبرته سلطة الاحتلال
الرومانية الغاشمة، التي كانت تستمد قوتها المعنوية من هياكلها
الوثنية المصنوعة بأيدي الناس، بأنه يشكل تهديداً خطيراً لوجودها،
ويعمل على تقويض نفوذها، ويعجل من إنهيار إمبراطوريتها القوية
المترامية الأطراف.
7– مشكلة الأقباط، أنهم يحبون
المسيح حتى المنتهى !
حينما أتحدث عن الأقباط، فأنا لا أعني التحدث عن عرق
جسدي، إنما أتحدث عن الأقباط الذين هم بالحقيقة أقباط، أي أولئك
الذين يعبرون بقوة عن صدق محبتهم الجارفة لسيدهم يسوع المسيح، ذلك
الإله المحبوب، الذي استأثر على أرواحهم وضمائرهم وقلوبهم وعقولهم،
حتى باتوا لا يرغبون في رؤية أي شيء آخر سواه، وكأن لسان حالهم
يقول: معك لا نريد شيئاً على الأرض. وكانت محبتهم لاسمه الكريم، هي
محبة نارية مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفئها، محبة عملية تصر على
السير ورائه حتى الجلجثة. لذلك فلقد عذبوا ، سجنوا ، سحلوا ،
أحرقوا ، ألقوا للوحوش الجائعة ، نشروا بالمناشير، قشطت جلودهم ،
لكنهم بقوا راسخون في محبتهم لربهم ومخلصهم وفاديهم ، وظلوا هكذا
حتى بلغت دماؤهم ركب خيل أعداؤهم وقد تم ذلك حرفياً في حكم
الإمبراطور الوثني الطاغية دقلديانوس (284 م-305 م ) .
دقلديانوس، وما أدراك من هو دقلديانوس ؟ أنه أكثر
الأباطرة الوثنيين عداءاً للمسيحيين عبر التاريخ، وأشدهم بطشاً
وفتكاً، جاء هذا الجبار إلى مصر ليشرف بنفسه على ذبح القبط، فذهل
من بسالتهم وشجاعتهم في مواجهة الموت، وتعجب كيف لهذا الشعب القبطي
الأعزل، أن يحرج ويذل أقوى وأعنف إمبراطورية حربية عالمية ظهرت في
التاريخ؟ وبعد الكثير من حمامات الدم، رأيناه يخور ويستبد به اليأس
من إمكانية إبادة الأقباط ، فتملكته الحسرة ، وعقر الخمر حتى
تدهورت صحته ، ثم قرر اعتزال الحكم سنة 305 م !!!
دقلديانوس يعتزل الحكم !!! وبسبب من؟ بسبب الأقباط
!!! يا لها من عظة !!!
8– اسألوا التاريخ !!!
واتجهت عيون مسيحيي العالم (شرقه وغربه) إلى
المسيحيين القبط، لينظروا إلى شجاعتهم وبسالتهم وبطولتهم، بإعجاب
شديد، وأدركوا أبعاد قول الله عنهم" اشعياء 19 : 25 ": ( مبارك
شعبي مصر ). وأفرد لهم المؤرخ (يوسابيوس)- الملقب بأبو التاريخ
الكنسي - في كتابه الأشهر ( تاريخ الكنيسة) عدة فصول من كتابه
الهام، الذي هو أول عمل تاريخي كنسي كامل يصل إلينا، ويغطي أحداث
نشأة الكنيسة حتى القرن الرابع، وتناول فيه قوة إيمان الأقباط،
وجسارتهم، وبطولاتهم، في مواجهة الاستشهاد، رغم أنه لم يكن قبطياً،
بل وكان يصنف كخصم لهم، لميوله الاريوسية !!! لكن بطولات الأقباط
الإيمانية أرغمت الجميع – بما فيهم الخصوم – على الاعتراف بها،
لعظمتها .وبعد أن يئس الأباطرة الوثنيين من إبادتنا، وإبادة بقية
المسيحيين، اضطروا إلى تغيير سياستهم تجاههم، في محاولة لاحتوائهم،
فأصدر الإمبراطور الطاغية " جاليروس " مرسوم للتسامح الديني سنة
311 م، ولكن لم يحترمه القياصرة في الشرق، وخصوصا في مصر. واخيراً
أصدر الإمبراطور قسطنطين مرسوم " ميلان " الشهير في سنة 313م، ثم
تبعه بمرسوم ثان في سنة 322 م ، يقضي ليس بالاعتراف بالمسيحية
فحسب، بل وبجعلها الديانة الرئيسية في الإمبراطورية !!!ولكنه أراد
في مقابل ذلك، أن يفرض هيمنته على الكنيسة!
9– لنا تاريخ مجيد في الدفاع عن
الحق
واسألوا القديس أثناسيوس الرسولي !!!
فتصدى له القديس القبطي الجسور البابا أثناسيوس
الرسولي، وأرسل إليه قائلاً: ( لا تقحم نفسك في المسائل الكنسية،
ولا تصدر إلينا الأمر بشأن هذه المسائل.. لقد أعطاك الرب المملكة
وعهد إلينا بأمور الدين..)!!!
أنه أثناسيوس، وما أدراك ما أثناسيوس !؟ أنه أعظم
قديس أنجبته الكنيسة المسيحية، بعد عصر الرسل، والذي يعتبر - بحق
- من أعمق وأبلغ نموذج للقبطي الجسور والشجاع، حينما يضطر للنزول
إلى ساحة القتال متسلحاً ب ( الكلمة) في سبيل الدفاع عن الحق، أمام
قوى الظلمة والضلال المتسلحة بالسيف والصولجان.
وجد اثناسيوس نفسه في مواجهة شرسة مباشرة أمام قوى
العالم، وأصر على مواصلة المواجهة غير المتاكفئة، فهو لم يكن
إمبراطورا ولا قيصراً ولا ملكاً ولا أميراً ولا قائد جيوش، بل ولا
حتى مجرد مقاتلاً عادياً، بل كان مجرد رجل دين راهب أعزل، جل ما
يملكه هو إيمانه بلاهوت الكلمة، لكنه بالرغم من ذلك، رأيناه يتحدى
العالم بأسره دفاعاً عن ( الحق المتجسد) ! وعندما قيل له: العالم
كله ضدك يا اثناسيوس. أجاب بثقة تدعوا للإعجاب والدهشة: وأنا ضد
العالم !!!
فأي جسارة هذه يا أبي أثناسيوس؟ إنها جسارة آباؤك
الأٌقباط يا ولدي !!!
10– الفرق بين مسيحيتنا
ومسيحيتهم!!!
قيل عن الإمبراطور قسطنطين، أنه أعتنق المسيحية، وصار
حامياً لها، ولهذا يعتبره البعض قديساً !!! بل وقيل أيضاً أن
غالبية الروم قد أتبعوا دينه المسيحي، وإن الإمبراطورية الرومانية
كلها قد تحولت (بفضله) من الوثنية، إلى المسيحية. هكذا يقول
التاريخ الكنسي الغربي، لكن الواقع يقول غير ذلك:
فالواقع يقول، أنه بالرغم مما قيل عن قصة اهتداء
الإمبراطور قسطنطين، وكيف أنه رأى صليباً في السماء أثناء ذهابه
على رأس قوة حربية ضخمة لمنازلة خصمه " ليسنوس قيصر" وأنه قرأ
بجوار الصليب عبارة موجزة مؤثرة: (بهذا نغلب ). فعاهد المسيح أن
يتبعه في حالة تغلبه على خصمه !
ولكن بالرغم من انتصاره الساحق على خصمه العنيد، إلا
أنه لم يفي بوعده!، بل ولم ينال المعمودية إلا وهو على فراش الموت
! ولم ينالها من يد رجل دين مسيحي شرعي، بل من يد أسقف أريوسي ضال
!!! وكان قد سمح (قبل وفاته) بعودة أريوس من منفاه، رغم إن الآباء
الأساقفة ال 318 المجتمعون في مجمع نقية المسوني المقدس سنة325 م
قد حكموا عليه بالهرطقة، والمروق عن المسيحية، وأصدروا أمر بنفيه،
وتثبيت قانون الإيمان. لكن قسطنطين ( الإمبراطور المسيحي المؤمن
التقي- في نظر البعض- ) خالف تعاليم المسيح، وتحدى إجماع أباء
وأساقفة الكنائس المسيحية في العالم ، وأمر بإعادة أريوس الجاحد،
ثم قام بنفي بطل الإيمان ، القديس أثناسيوس الرسولي !!! ومات
قسطنطين، ليخلفه أبنه ( قسطنطنيوس ) وكان اريوسياً قحاً، فشن
اضطهاداً مريراً ضدنا بسبب تمسكنا باستقامة الإيمان المسيحي.
11– المسيحية والظلم لا يلتقيان
من ناحية أخرى، فلقد واصل الروم احتلالهم القميء
لبلادنا - بالرغم من ادعاؤهم اعتناق المسيحية- !!! واستمروا كذلك
في فرض الجزية علينا ! وظلوا يستولون على نتاج بلادنا من القمح،
فجوعوا شعبنا ! ناهيك عن استعباده في القيام بأعمال السخرة، ويقول
الواقع أيضاً أنهم أبقوا على اضطهادهم الديني لنا !!!!
فبعد إن كان صراعهم ضدنا بسبب ديننا المسيحي، لأنهم
كانوا وثنيون يتعبدون للأحجار والأصنام، أصبح صراعهم ضدنا بسبب
رفضنا ومقاومتنا للهرطقيات وتمسكنا باستقامة الإيمان، بينما هم قد
ألقوا بأنفسهم في أحضان البدع والهرطقيات، بدئاً بالهرطقة
الاريوسية التي ناصرها الكثيرين من الأباطرة، وأساقفة الغرب، وظلت
منتشرة في أسبانيا ردحاً طويلاً من الزمان، بل وحتى أسقف روما نفسه
(ليباريوس) أنكر الإيمان، وصار اريوسياً هو الآخر، بعدما ضاق بآلام
النفي لمدة سنتان، فأعلن انضمامه لهرطقة اريوس، ووقع على قرار
بتكفير وضلال القديس أثناسيوس !!!! وفعل كل ذلك مقابل إعادته مرة
ثانياً إلى كرسيه الأثير !!!!
12- انقسام الكنيسة وظهور
الإسلام
ولم تكد الاريوسية تنتهي، حتى برزت الهرطقة النسطورية،
فتبناها الإمبراطور الروماني “ماركيان"، وكان نسطورياً قحاً،
وتبعته زوجته الإمبراطورة "بولكاريا "
(البعض ينطق اسمها : بولشاريا. والبعض الآخر : بولخاريا
)، وكانت هذه الخربة "راهبة " نذرت بتوليتها للمسيح ، لكنها نكست
نذرها للرب من أجل المطامع الأرضية ، فتزوجت من قائد جيوشها
ماركيان ، فجعلت منه إمبراطورا ، ونالا الاثنان تأييد ومباركة
الأسقف الروماني (لاون) !!!! المفروض فيه انه حامى حمى المسيحية
في الغرب ! وانتهى الأمر بعقد مجمع خليقدونية المشئوم في سنة 451
م، ليشق وحدة الكنيسة، ويتسبب في إضعاف المسيحيين الشرقيين، مما
مهد الطريق لظهور الإسلام، بواسطة أعوانهم النساطرة، الذين تم
تبرئة أبرز أساقفتهم في مجمع خليقدونية.
13 – الإسلام وجذوره النسطورية
فعل الخليقدونيين ذلك، رغم أن هؤلاء الأساقفة قد سبق
وأدينوا في مجمع أفسس المسكوني المقدس المنعقد في سنة 431م، برئاسة
القديس القبطي الشجاع: كيرلس الكبير- عمود الدين - (وأعظم لاهوتي
الكنيسة الجامعة)، بسبب نسطوريتهم، ولولا دعم الخليقدونيين لهم،
لكانت انقرضت هذه البدعة الخطرة، لكنهم نفخوا في رماد الشر، فتوهجت
نيران إبليس في الأراضي الحجازية؟
كانت البداية عقب انتهاء مجمع أفسس، حيث أعلن أرباب
النسطورية، من أساقفة المشرق، تحزبهم لنسطور، والانشقاق عن كنيستهم
السريانية الأرثوذكسية، وذهبوا إلى المناطق الخاضعة لنفوذ الفرس في
المشرق، وأسسوا لأنفسهم كنيسة خاصة بهم أطلقوا عليها اسم (كنيسة
الفرس النسطورية). وذهب تلميذهم النجيب ( الأسقف النسطوري : برصوما
النصيبيني )- المضطهد والسفاح – إلى العراق، وقطع لسان جاثليق
المشرق (باباي ) لرفضه قبول تعاليم نسطور ، ثم قتله. وقتل رهبان
دير مار متى، كما قتل سبعة آلاف نفس من المسيحيين العراقيين،
واستطاع بدعم من ملك الفرس الوثني، تحويل جل المسيحيين العراقيين
الى النسطورية، وتوغلت الهرطقة النسطورية إلى كل مكان في المشرق،
فتعاظم نفوذهم في منطقة ما بين النهرين، ولم تمضي سوى عدة عقود
قليلة، حتى أصبح لهم مركزاً هاماً في مملكة ( الحيرة)، ومنها
انطلقوا إلى الأراضي الحجازية نفسها، فاختلطوا بالعرب “الأحناف"،
وجذبوا الكثيرين منهم لهرطقتهم، وصارت لهم مراكز هامة في الخليج،
وخصوصاً " البحرين"، ثم أوجدوا لهم مركزاً خطيراً داخل مكة نفسها،
وكان يترأسه أحد أقارب مؤسس الإسلام، وهو القس ورقة ابن نوفل ابن
أسد، والذي رافقه منذ صباه، بجانب من رافقوه من الرهبان النساطرة
الذين تعربوا، أمثال: بحيرا، وعيصا، وعداس ( وللأخير هذا مسجداً
يحمل اسمه بمدينة الطائف بالقرب من مكة ) تقديراً وعرفاناً من
المسلمين لدوره الكبير في نصرة الإسلام !!! وتمدنا المصادر
النسطورية نفسها، بالكثير من المعلومات التي تتناول علاقة بطاركة
النساطرة بمؤسس الإسلام، واتصالاتهم السرية معه منذ بداية المجاهرة
بدعوته:
( كان الفطرك " البطريرك " ايشوعياب الثاني يكاتب
صاحب الشريعة الإسلام ويهدي له ويسأله الوصية برعيته في نواحيه،
فأجابه محمد إلى ذلك، وكتب إلى أصحابه كتباً بليغة مؤكدة، وبره
صاحب الشريعة عليه السلام ! ببر كان فيه عدة من الإبل وثياب عدنية
وتأدى ( وبلغ ) ذلك إلى ملك الفرس ، فأنكره على الفطرك فعله
ومكاتبته، وخاصة عند ورود هداياه ، فداراه ايشوعياب حتى سلم منه.
وعاش ايشوعياب إلى أيام عمر ابن الخطاب (عليه السلام!) فكتب له
كتاباً مؤكداً بالحفظ والحيطة وأن لا يؤخذ من إخوانه وخدمه الجزية
وأشياعه (النساطرة) أيضاً .وهذا الكتاب محتفظ به لهذه الغاية)
[ أنظر: ماري في المجدل، أخبار بطاركة المشرق، روما
1899 ص 62 ].
ويقول صاحب تاريخ السعردي: ( كان ايشوعياب قد أنفد
هدايا إلى النبي - عليه السلام!- وفي جملتها ألف أستار فضة، مع
جبريل أسقف ميشان، وكان فاضلاً عالماً. وكاتبه وسأله الإحسان إلى
النصارى. ووصل الأسقف إلى يثرب وقد توفي محمد. فأوصل ما كان معه
إلى أبي بكر، وعرفه ما الناس عليه من ملك الفرس، وأنهم يخالفون
الروم. فسمع قوله وقبل ما كان معه، وضمن له ما يحبه، وعاد إلى
الجاثليق ايشوعيباب مسروراً ) .[ التاريخ السعردي ج 2 ، ص 618 ،
619 ].
ويقول صليبا بن يوحنان الموصلي:
( وفي أيامه " أي أيام أيشوعياب " بدأ يظهر أمر العرب
بني إسماعيل.. ولما كشف الله لهذا الأب [!] ما يؤول إليه هذا
الظهور من السلطان والملك والقوة وفتح البلاد جمع رأيه وسابق بعقله
وحكمته إلى مكاتبة صاحب شريعتهم وهو بعد غير متمكن، وأنذره بما
يصير إليه أمره من القوة، وقدم له هدايا جميلة. فلما قوي أمره
وتمكن، عاد كاتبه واخذ منه العهد والزمام لجميع النصارى " النساطرة
" في كافة البلدان التي يملك عليها هو وأصحابه من بعده، ,أن يكونوا
في حمايته آمنين على جاري عادتهم في إقامة الصلوات والبيع والأديرة
).[ أنظر: صليبا في المجدل، ص 54 ، 55 ]. ويذكر السعردي أيضاً إن
بطريرك النساطرة أيشوعياب الثاني قد التقي وجهاً لوجه مع عمر ابن
الخطاب، فيقول:( وتوفى أبو بكر وولى الأمر بعده عمر ابن الخطاب..
ولقيه ايشوعياب وخاطبه بسبب النصارى " النساطرة"، فكتب له عهداً )
.[أنظر: التاريخ السعردي ج 2 ، ص 620 & ماري في المجدل ص 62
].ويذكر عن هذا البطريرك النسطوري
أيضاً أنه قدم دفاعاً حاراً عن أترابه
المسلمين قائلاً عنهم:( إن المسلمين ليس فقط لا يهاجمون الديانة
المسيحية [!!!] بل انهم يوصون بإيماننا خيراً [!!!] ، ويكرمون
الكهنة وقديسي الرب ، ويحسنون إلى الكنائس والأديرة )!![ أنظر
الأب: ألبير أبونا: تاريخ الكنيسة السريانية الشرقية.
ج 2 ص 67 ].
14 – ثمن الخيانة
ورد المسلمين الجميل للنساطرة، فجعلوا بطريركهم
متقدماً على بقية البطاركة المسيحيين،
وأعفوا الكثيرين منهم من دفع الجزية، وفي العهد العباسي نرى مدى
خصوصية هذه العلاقة التي ربطت المسلمين بالنساطرة، وأمامنا
البطريرك النسطوري تيمثاوس الكبير مثالاً على ذلك، فهو قد عاصر
خمسة من الخلفاء العباسيين ( المنصور & المهدي & الهادي & الرشيد &
الأمين). بل
وكانت تربطة بزوجة أحدهم (وهي زبيدة زوجة الخليفة هارون الرشيد)
علاقة شديدة الخصوصية، وكان الخليفة هارون نفسه لا يطيب له إلا
الجلوس مع هذا البطريرك ! وتقول المصادر الكاثوليكية إن الخليفة
هارون منح بطريرك النساطرة مبلغ 84000 درهم ! وإن البطريرك كان
ملازم للخليفة في كافة تنقلاته !!! ( أنظر الأب بوتمان:الكنيسة
والإسلام في العصر العباسي )، في الوقت عينه الذي أذاق هؤلاء
الخلفاء المسيحيون المسيحيين الأسوياء أشد الويلات، مما دفع
الأخيرين إلى القيام بعدة ثورات احتجاجاً على ظلم واضطهاد هؤلاء
الخلفاء مثل الثورات التي قام بها المسيحيين الشرفاء في مصر وفي
لبنان وفي أرمنيا وفي الشام وفي الجزيرة، بينما كان النساطرة
ينعمون بالرخاء والأمان لحماية المسلمين لهم.
وهكذا أدى انقسام الكنيسة في خليقدونية إلى ظهور
الإسلام، وهكذا تسبب الخليقدونيين – بدفاعهم وتبرئتهم للأساقفة
النساطرة، في إيجاد شوكة في حلق المسيحيين الشرقيين بشكل عام،
والأقباط منهم بشكل خاص.
15– من الاحتلال (الروماني –
البيزنطي) البغيض، إلى الاحتلال العربي الإسلامي الأكثر بغضة.
ولم يكتفي الخليقدونيين بتبرئة النساطرة فقط، بل
وقاموا بالاعتداء بالضرب على البابا القبطي القديس ديسقورس (بطل
الأرثوذكسية)، رغم أنه كان شيخاً طاعناً في السن ! ثم نفوه إلى
جزيرة غاغرا بآسيا الصغرى، وبقى منفياً فيها، حتى انتقاله للأمجاد
السماوية سنة 457م.وهاجموا على كنائسنا و أديرتنا وتمعنوا في إذلال
شعبنا، وظلوا يحتلون بلادنا حتى قيام العرب المسلمين بغزو مصر سنة
641 م ، وسحقوا الروم حتى اجبروهم على مغادرة مصر نهائياً ، يجرون
خلفهم ذيول الهزيمة والخزي والعار،وخصوصاً بعد قيام امبروطورهم،
وقائد جيوشهم المغوار (هرقل) ، بكسر الشريعة المسيحية ، بزواجه من
ابنة أخيه مارطلينا ، وانجابه منها ابنه (هرقليون) من زنا المحارم
. وهكذا استبدل الاحتلال الروماني البغيض، بالاحتلال العربي الاكثر
بغضة، وهو من أطول الاحتلال الأجنبي الذي تعرضت له مصر، ومع الأيام
تحول الغزاة الأجانب المحتلون، إلى وطنيين ! وصار الوطنيون ابناء
البلد الأصلين مجرد أجانب وغرباء في وطنهم !!!
16– الأقباط ضعفاء بعتادهم ،
ولكن أقوياء بإيمانهم !!!
ما قاله القديس العظيم بولس الرسول: "
اسر بالضعفات والشتائم والضرورات والاضطهادات
والضيقات لأجل المسيح.
لأني حينما أنا ضعيف فحينئذ أنا قوي"
( 2 كو 12 : 10 – 12 )
ينطبق تمام الانطباق على الأٌقباط، فرغم أنهم ظلوا
قابعين تحت نير الاحتلال منذ إيمانهم بالمسيح، في منتصف القرن
الأول الميلادي، وحتى اليوم، إلا أنهم أقوياء!!!
نعم أقوياء، بالرغم من رؤية البعض لهم، على اعتبارهم
مجرد شعب حضاري عريق، تعرض إلى انتكاسات أدت إلى هزيمته عسكرياً،
مما طمع الغرباء بغزو أراضيه، وإذلال شعبه. لكن فات هؤلاء ، رؤية
الجانب الآخر من الحقيقة ، وهو إرادة الله ليكون لهذا الشعب شأناً
عظيماً في المسيحية.
شأناً لم يبلغه أي شعب آخر، مهما علت مكانته، ومهما
بلغت قوته ومنعته وجاهه وسلطانه، والمسألة ليست مجرد أقاويل، بل
حقائق يشهد عليها التاريخ، إلا فأذكروا لي اسم شعب مسيحي آخر غير
الشعب القبطي الأرثوذكسي، أستطاع أن يحقق هذه المنجزات الآتية:
1 – تأسيسه لأول مدرسة لاهوتية مسيحية في العالم
بأسره.
وإنجابها أعظم علماء اللاهوت، والفلاسفة المسيحيون،
أمثال بنتينوس، واكليمنضس، وارجينوس، والقديس العظيم أثناسيوس
الرسولي..
2 – تأسيسه للرهبنة بشقيها ( التوحدي / الشركة)
3- صياغته لبنود قانون الإيمان المسيحي.
4 إنجابه للقديس أثناسيوس الرسولي الذي تصدى للهرطقة
الاريوسية.
5 – إنجابه للقديس تيموثاوس الذي تصدى للهرطقات
المقدونية والأبولينارية..
6 – إنجابه القديس كيرلس الكبير "عمود الدين"، وأعظم
لاهوتي الكنيسة، والذي تصدى للهرطقة النسطورية.
والأمثلة كثيرة، وهذه كلها أمور تدل على قوة الله
العاملة في ضعف هذا الشعب القبطي العجيب، وما استمرار بقاؤه حتى
اليوم ( رغم كل ما تعرض له من إبادة) إلا أكبر دليل وأعمق برهان
على وجود وفاعلية هذه القوة العاملة فينا نحن الأقباط الضعفاء
العزل.
17- خادم قبطي ضعيف واعزل ومرذول
ومنبوذ، ولكن...
وعندما قام المقاومين بمحاصرة بيتي، ونصبوا لي شراكهم
لاصطيادي، كنت في غاية الضعف، بل ولربما كنت أضعف قبطي في مصر!
وهذه ليست مبالغة، بل حقيقة، فيكفي أن تعلمون أنه كان للقتلة،
والإرهابيين، واللصوص، والقوادين، ومهربي المخدرات ، مكاناً وكرامة
أفضل مني !!! وقبل أن تتسرعوا في إصدار الأحكام السيئة علي، فأحب
أن ألفت عنايتكم بأنني لم أكن (خط الصعيد)!، ولا (سفاح كرموز)! ،
و( المعلم كتكت)! كما لم أكن جاسوساً، ولا خائناً لوطني، بل ولم
أحمل أي سلاح شخصي طوال حياتي، والمرة الوحيدة التي حملته فيها،
كان سلاح الحكومة، وحملته من أجل الدفاع عن أمنها القومي، أبان
تجنيدي في سلاح الصاعقة، كجندي فدائي بالقوات الخاصة المصرية، ولي
عظيم الشرف بأنني قضيت فترة تجنيدي الأخيرة، في واحدة من أرقى
الوحدات العسكرية القتالية ليس في مصر وحدها، بل وفي جميع الدول
العربية، وكانت متخصصة في ( مكافحة الإرهاب الدولي، ومقاومة اختطاف
الطائرات). وكنت، ولا زلت، فخوراً بذلك، لكوني الوحيد في عائلتي ،
ودائرة معارفي ، الذي نال شرف الخدمة الوطنية في مثل هذا السلاح
الرجولي الهام.كما أنني لم أنتمي إلى أي حزب سياسي طوال حياتي،
سواء في السلطة، أو في صفوف المعارضة، ولم تكن لي أي أنشطة حزبية
من أي نوع، وطول عمري وأنا أخضع للسلطان الحاكم، وتضاعف خضوعي له
منذ أتبعت المسيح، إذ أصبحت بجانب خضوعي لسلطانه، أقوم بالصلاة من
أجل سلامته، ونصرته، وقيادة البلاد بحكمة، وذلك عملاً بوصية
الإنجيل.
إذن ما هي كانت جريمتي النكراء التي من أجلها صرت أقل
مقاماً من عتاة الإجرام والخارجون على القانون ؟
ارجوكم أن تتحكموا في أعصابكم، ولا تطلقوا صيحات
الغضب والنقمة والاحتجاج على ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، فكل
جريمتي هي لكوني كنت شيخاً مسلماً، ثم أتبعت السيد المسيح، وصرت
مسيحياً، ثم اخترت أن ألتصق بالكنيسة القبطية، وأصير من أحد
خدامها. وهذه هي كل جريمتي، والتي من أجلها أصبحت مرفوضاً ومرذولاً
داخل وطني على كافة الاصعدة .ويضاف على كل هذا الضعف الخارجي، ضعفي
الداخلي أمام الحروب الروحية المريرة التي كانت تحاصرني محاصرة
النيران للقش، بهدف اثنائي عن المضي في طريق البر، وجهادي الشاق
أمام هذه الحروب لكي أنمو في الإيمان والفضائل الروحية. ويضاف عليه
ضعفي الداخلي بسبب كسرة قلبي على كل نفس تضييع في دوامة الانحراف
والارتداد، وضعفي وليد معاناتي من غدر الأخوة الكذبة، وضعفي الناتج
عن وضعي القانوني الصعب، والمعقد، باعتباري أحمل وثائق تحقيق شخصية
تقول إن اسمي محمد، بينما أنا صرت مسيحياً، ثم رجل دين مسيحي !!
18– الحرمان من أبسط الحقوق
الآدمية
الأمر الذي جعلني أعيش في وطني، مصر، محروماً من أبسط
الحقوق الآدمية، فكنت على سبيل المثال محروماً من مجرد حمل تحقيق
شخصية يتوافق مع هويتي الدينية الفعلية، وبالتالي فكنت محروماً من
انجاز أي معاملات رسمية، مثل الحصول على عقد زواج، أو حتى عقد
إيجار مسكن ! فلقد كان عقد ايجار مسكني باسم أحد الأخوة الزملاء من
الشمامسة الإكليريكين المكرسين ! كما كان محظوراً علي إنجاب طفل ،
لأني كيف سأسجله في الأوراق الرسمية؟
وفوجئت، وأنا وسط كل هذا الضعف، بتكوين جبهة غريبة
ضدي، إذ جمعت بين الشامي والمغربي!!
19– وجميعهم شربوا نخب تحطيمي
!!!!
وكان لكل فريق دوافعه، ولكنهم نسوا جميعاً إني مجرد
إنسان قبطي بسيط وفقير وأعزل ضعيف، فخرجوا على جميعاً، قائلين فيما
بينهم: سوف نقضي عليه. وجميعهم شربوا نخب تحطيمي !
رغم إنني أحبهم جميعاً، ولا أحمل أي ضغينة لأحد منهم،
كل ما هنالك إنني أحببت المسيح وكنيسته وشعبه واردت أن أخدمهم
ببساطة قلب، وإن كانوا قد اعتبروا بساطة قلبي لوناً من التحدي لهم،
ولدينهم، إلا أنني أؤكد لهم إن الأمر لم يكن هكذا أبداً، بل كان
بمثابة اعتذار لله ولكنيسته وشعبه، عن كل ما بدر مني في أزمنة
جهالتي وقباحتي وظلمي وافتراءاتي وتجديفي، فلقد كنت كمن يريد أن
يقدم اعتذاره للذين اساء إليهم، ولم يكن عداء للمسلمين، الذين
أحبهم، وأحمل لهم ذكريات إنسانية طيبة، فلقد عشت بينهم طفولتي
وصباي وشبابي، كواحد منهم، وكان لي منهم، الأب والأم، والأخ
والأخت.. ولم أتورط في كراهية أحد منهم ذات يوماً، رغم كل ما
عانيته منهم، من ظلم، وكراهية، وإصرار على قتلي، أو إيذائي بأي
طريقة.
20– ليس التلميذ أفضل من المعلم.
وللإنصاف، فلابد أن أقول بأنني لم أجرح من المقاومين
فقط، بل وجرحت في بيت أحبائي أيضاً، ولم يكن هذا الأمر بدعة، ولا
هو بالفعل المستحدث، فلقد جرحت في بيت أحبائي كما جرح سيدي، وكما
جرحت كنيستي، ولا جديد في الموضوع!!!
ولا يمكن أن نقول عن أنفسنا أننا مسيحيين ثم نرفض
مشاركة مسيحنا في آلامه، لأن ربنا قال بفمه الطاهر:
+(ليس التلميذ افضل من المعلم ولا العبد افضل من
سيده..إن كانوا قد لقبوارب البيت بعلزبول فكم بالحري اهل بيته)؟
[مت 10: 24 ، 25 ].
+ (لانه ان كانوا بالعود الرطب يفعلون هذا فماذا يكون
باليابس )؟؟؟؟؟؟ [ لو 23 : 31 ].
وسيدنا المسيح جرح في بيت أحبائه، ولذلك جرحت معه
كنيسته، وجرح معه شعبه.
+ سيدنا جرح جرح عميق من شعبه، الذي رفضه، وتآمر ضده،
وطالب بصلبه..كما جرح من تلميذه الاسخريوطي.. ولا يزال يجرح حتى
اليوم داخل بيت أحبائه، يكفي أن تنظروا إلى جحود المسيحيين
الغربيين، وميلهم للإلحاد، وكسرهم شريعة المسيح تحت زعم الحريات،
انظروا إلى ميلهم للبدع والهرطقات، تحت زعم اللاهوت المتحرر..كلهم
يجرحون المسيح ، إذ يعيدون صلبه ثانية، ويشهرونه.
+ كنيستنا أيضاً جرحت جرح عميق جداً من أحباؤها في
مجمع خليقدونية.
+ شعبنا أيضاً جرح، ولا يزال يجرح، وبعمق، من أحبائه،
أو المفروض أنهم أحبائه.
وطوبى للإنسان عندما يسمح له الرب بمشاركته جزء يسير
من آلامه ولو بطريقة رمزية.
ونحن لا يمكن أن نتصور وجود كنيسة بدون ما يوجد
بدخلها يهوذا الخائن، فوجوده هو أمر طبيعي وصحي ومفيد، لأن الآلم
التي يسببه لنا، يؤل إلى مجدنا، ولذلك سمح به الرب منذ تأسيسه
كنيسته، وتحدث بولس الرسول عن معاناته من الأخوة الكذبة.
وفيما يختص بالعدد القليل جداً من المسيحيين الذين
اشتركوا في التآمر ضدي مع الأعداء الطبيعيين، فلم يكن بيني وبينهم
أي عداء، أو حتى مجرد خلاف شخصي، بل حملت لهم دوماً كل الحب، والله
وحده يعلم كم بذلت من مجهودات لمساعدتهم في تصحيح مسارهم والتصالح
مع الله، لكنهم رفضوا بإصرار غريب، وقرروا التآمر مع أعداء المسيح
ليتخلصوا مني، ولن أذكر أي تفاصيل عن هوياتهم، وطبيعة علاقاتهم بي،
لأن ذلك أمراً في غاية الإيلام..
وتلاقت المصالح، ووجدها الأعداء الطبيعيين فرصة ذهبية
لابد من استغلالها، فاحتضنوا هؤلاء المسيحيين الثلاثة
الخائنين(رجلين وامرأة " وأنظر إلى انتقام الرب منهم في أسفل
المقال ") وطلبوا منهم أن يمدوهم ببعض المعلومات الحساسة عني، مثل
عنوان بيتي ، ومواعيد تواجدي بداخله ، لاستحالة القبض علي داخل
البطريركية( كما سبق واستحال على اليهود إلقاء القبض على سيدنا
يسوع المسيح وسط الشعب الذي يحبه ويؤيده).
21– زيارة تجسسية مساء الثلاثاء
وتم توزيع الأدوار فيما بينهم، وكان دور المرأة هو
الذهاب إلى منزل أهل زوجتي، وهم أناس متعصبون للغاية، ويبحثون عنا
منذ سنوات، وأرشدتهم إلى عنوان بيتي، وتطرق الخبر إلى مسامع
الشيوخ، فقرروا مرافقة أقارب زوجتي لاقتحام بيتي، بينما كان دور
الرجلان المسيحيان معرفة خط سيري اليومي ومواعيد عودتي للبيت للقبض
علي وأنا بداخله. وحدث في يوم الثلاثاء الأخير من شهر سبتمبر 1991،
أن ذهبت إلى عملي بالبطريركية كالمعتاد، والتقيت بالرجلين، وإن
كانا قد تلاشيا الحديث معي على غير عادتهم، لكني لاحظت أنهما
يتهامسان معاً في حضوري، لكني لم أعيرهما أي اهتمام، وقمت بإغلاق
المكتب في الثالثة عصراً، وذهبت إلى مقر سكن (أبونا) لتناول طعام
الغذاء، حيث كان أبونا معتاداً على تناول الطعام مع أولاده الخدام
المكرسون، فجلست بجوار قدسه، وحولنا بقية الإخوة المكرسون، وكان
بينهم الرجلين الخائنين، اللذان كانا يختلسان النظر لي بطريقة
مريبة. وغادرت البطريركية في الساعة الخامسة مساءاً، ثم ذهبت
لافتقاد إحدى الحالات، وبعدها شعرت بتعب، فعدت إلى البيت في
الثامنة.
وما أن استبدلت ملابسي حتى رن جرس الباب، فقمت
لأفتحه، ففوجئت بالرجلان يقفان أمامي، وانقبض قلبي بمجرد رؤيتهما،
وتعجبت من زيارتهما المفاجئة هذه، لأنهم كانا معي طوال النهار في
البطريركية، ورغم ذلك فلم يخبراني بنيتهما في زيارتي، وعندما
استشعرا بحيرتي هذه، قالا لي:
لا تتعجب ! فلقد كنا في مكان قريبا من بيتك، فقلنا
نمر عليك لنشرب الشاي عندك !!! والواقع أنهما حضرا ليشربا من دمي!
ورغم عدم شعوري بالارتياح تجاهما، إلا إنني رحبت
بقدومهما وأعددت لهما الشاي بنفسي، وجلست بينهما محاولاً التغلب
على ظنوني وتوجسي، لكني فوجئت بهما يطرحان علي عدة أسئلة مريبة
تتعلق بخط سيري اليومي!!!
فتأكدت من صدق ظنوني، وعرفت إنها ساعة الظلمة، لكني
بالرغم من ذلك قمت بالرد على كل استفساراتهم بكل صدق، وكأن لسان
حالي يقول، كما قال السيد المسيح ليهوذا: (ما أنت تعمله
فاعمله باكثر سرعة)؟؟؟
22– أربعاء التآمر، والحماية
الإلهية العجيبة !!!
من فرط محبة الرب لضعفي، أنه شاء لي أنا الساقط، أن
أعايش لحظات من الألم الذي عايشه بسبب تآمر تلميذه ضده في مثل هذا
اليوم ( يوم الأربعاء)، فلقد ذهبا الرجلان إلى أعدائي في نفس هذا
اليوم، وأعطوهم تقريراً مفصلاً عن تحركاتي اليومية ( تماماً كما
فعل يهوذا الاسخريوطي!)، ولكن غاب عنهما أمر في غاية الأهمية، وهو
حماية المسيح لأولاده، بطرق لا تخطر على قلب بشر.
فلقد حدثت عدة أمور في هذا اليوم اضطررتني إلى تغيير
برنامجي المعتاد، منها موعد مغادرتي المنزل صباحاً، فأنا على سبيل
المثال معتاداً على مغادرته في التاسعة، لكني شعرت في هذا اليوم
بحاجتي الشديدة لحضور صلاة القداس الإلهي!، فاضطررت إلى مغادرة
بيتي في السادسة صباحاً، وكذلك زوجتي، بينما هاجم أعداء الصليب
بيتي في الثامنة والنصف، فلم يجدوا أحد بالمنزل !!! فنصبوا لي كمين
في مدخل الشارع من الجهة الأمامية، لاصطيادي أثناء عودتي، ولكن فات
هؤلاء أنني اليوم لن أسلك في هذا الطريق المعتاد سلوكه كل يوم،
بسبب بسيط للغاية، وهو لنفاذ السكر من البيت!
ومطالبة زوجتي لي بشرائه من البقال عند عودتي، وطريق
البقال يلزمني دخول الشارع من الجهة الخلفية!!!
23 – آخر يوم لي في المكتب
يعتبر هذا اليوم علامة فارقة في خدمتي، إذ نقلها من
السطح إلى العمق، ومن الكم إلى النوع، ومن العلن إلى الخفاء، كان
بمثابة تحقيق قفزة نوعية متميزة في مجال خدمة الحالات الخاصة،
اعتمدت على العمق، ودقة التنظيم، والاهتمام بإعداد كوادر تستكمل
المسيرة وتتحمل مسؤولية هذا النوع الحساس من الخدمات، وأشكر الرب
إن الأب القمص المسؤول الآن عن هذه الخدمة، كان من إحدى ثمار هذه
المرحلة، كما أثمرت أيضاً عن تلمذة خادمتين كبيرتان، لدى كل منهن
خبرة لا تقل عن 15 سنة، ولا يزلان يواصلن خدمة فتيات الحالات
الخاصة حتى اليوم، بنفس القوة والشجاعة والحماس، وهن مبعث تقدير
الكنيسة، ومبعث افتخاري. لقد شاء الرب أن أكون فريق عمل متميز، ثم
أنقل نشاط خدمتي في مكان آخر داخل الكنيسة ، لكن بعيداً عن المكتب،
فكانت بمثابة بدايتي الحقيقية في خدمة الحالات الخاصة .
كان اليوم الأخير لي في المكتب، الذي كنت أفتحه
وأغلقه بنفسي، مزدحماً جداً بالأعمال التي تمجد اسم الله:
الساعة 9 صباحاً: غادرت الكنيسة بعد انتهاء القداس،
ثم ذهبت لمقابلة أبونا كالمعتاد قبل التوجه لمكتبي.
الساعة 10صباحاً: لقاء مع طبيب مسلم، أحب المسيح من
كل قلبه، ويأتي إلي من حين لآخر، ليطلب مساعدتي في شرح ما صعب عليه
فهمه في الإنجيل.
الساعة 12 ظهراً: لقاء مع سيدة مسلمة مباركة، ظهر لها
السيد المسيح، وظللت اتابعها لمدة ست شهور لإعدادها للمعمودية، حتى
نالتها بفرح هي وأبنها، وتأتيني من وقت لآخر لتلقي الإرشاد الروحي.
الساعة 3 عصراً: الذهاب إلى سكن أبونا لتناول طعام
(الإفطار)، لأننا في يومي الأربعاء والجمعة لا نتناول الطعام قبل
الثالثة عصراً ، بحسب قوانين الكنيسة ، وتعليمات أبونا لكل الخدام
المكرسون.
الساعة 4 عصراً: لقاء مع أبونا داخل قلايته لبحث
تقرير خاص باحد المرتدين العائدين للمسيح.
الساعة 5 المغرب: لقاء مع ثلاثة شباب من المرتدين
العائدين، لعمل أول بروفات المسرحية التي اعددتها بعنوان عودة
الابن الضال، وكل أبطالها من العائدون.
الساعة السادسة مساءاً: لقاء سريع مع عائلة مسلمة
اعتنقت المسيحية وتحرص على الحضور كل أربعاء لسماع محاضرة سيدنا
البابا الأسبوعية، وحضرتها معهم كعادتي دوماً طوال فترة خدمتي في
البطريركية.
السابعة والنصف: فوجئت زوجتي، بأمين شرطة، وشيخ من
الجماعات الإسلامية، يحضران إلى البيت ليسالأن عني باسمي الإسلامي
!
فأعطاها الرب شجاعة وثبات، فأجابتهما بهدوء وعدم
اكتراث:لا يوجد أحد هنا بهذا الاسم!!!
فذكروا لها اسمي المسيحي !!!
فقالت لهما: نعم هذا هو الاسم الصحيح لصاحب هذا
البيت، لكنه لم يعود من عمله بعد، ويمكنكما الذهاب له في عمله
بالبطريركية، أو انتظار عودته في الشارع !!!
قالت هذا، ثم أغلقت الباب في وجهيهما !!!
فغادرا البيت، وذهبا الى مكان الكمين، وأعطاها الرب
قوة لكي تسير خلفهم دون أن يروها، لترى الكمين بأعينها، فأسرعت
بمخابرة أبونا هاتفياً لإبلاغه بخطورة الموقف، فطلب منها أبونا
بمغادرة البيت، والمجيء إلى البطريركية فوراً، وقال لها أن تطمئن
من جهتي، لأنه سيرسل لي احد الأخوة في المكتب ليستدعيني حتى لا
أغادر البطريركية وأذهب إلى البيت.. لكنها رفضت ذلك، وقالت لقدسه :
لا أستطيع يا أبونا أن أترك صموئيل يموت لوحده !! ولابد أن أبقى
حتى أحذره ، فإن نجا نجوت معه ، وإن مات مت معه !!! ( شكراً زوجتي
العزيزة).
وأسرع أبونا باستدعاء أخ إكليريكي محبوب، وطلب منه
استدعائي من المكتب، وإن لم أكن فيه، فعليه أن يفتش عني كل أرجاء
البطريركية، وأن يعطي تعليمات للبوابة الخارجية بعد سماحها لي
بالمغادرة وبالإسراع إلى مقابلة أبونا..
وذهب الخادم للمكتب، فلم يجدني، وذهب للبوابة، فقالوا
له:
- لقد غادر البطريركية بالفعل منذ عشر دقائق - !!!
وبدا الأمر وكأنه النهاية، لكن شاء الرب أن يكون
بداية عهد جديد ( التكملة في المقال القادم)
+ انتقم السيد الرب من هن هؤلاء الثلاثة الخونة،
انتقاماً صعباً جداً، فالمرأة ضبطت هي وبناتها الثلاثة ضمن شبكة
دعارة كبيرة، ونشر ذلك في الجرائد، فكانت فضيحة صعبة. أما الرجلان،
فالأول ضبط في جريمة مركبة ( أخلاقية / دينية / قانونية) فتم طرده
بفضيحة.
أما الثاني، فتم ضبطه فى عدة جرائم اختلاس وسرقة، فتم
طرده بفضيحة.
وصار ما حل بالثلاثة درس وعظة لتحذير كل خائن وظالم.
|