المحكمة الجنائية الدولية وقضية الأقباط
بقلم الدكتور سليم نجيب
2003
الإثنين
28 أبريل
نبذة تاريخية
في مدينة روما يوم 17 يوليو 1998 وافقت مائة وعشرين دولة على إنشاء
المحكمة الجنائية الدولية. وهذه
المحكمة تختلف عن محكمة العدل الدولية من حيث الاختصاص. فمحكمة
العدل الدولية تختص بالفصل في المنازعات بين "الدول" فقط بينما
المحكمة الجنائية الدولية التي نحن بصددها
تختص بالفصل في الجرائم المرتكبة من "أفراد مسئولين في دولة ما".
ولقد حدد قانون إنشاء تلك المحكمة الجرائم الواقعة تحت طائلة
القانون مثل جرائم الإبادة وجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية.. الخ
التي سوف نراها تفصيلا فيما بعد.
إن
تأسيس المحكمة الجنائية الدولية لهو حدث تاريخي لأنه ينشئ ولأول
مرة- محكمة جنائية دولية. محكمة مستقلة
محايدة تختص بمحاكمة ومعاقبة أفرادا مسئولين في دولة من الدول
لارتكابهم جرائم دولية منصوص عليها في قانون إنشاء المحكمة
الجنائية. فتستطيع المحكمة، عند
إدانتها هذا المسئول الذي ارتكب تلك الجرائم ضد أفراد هذه الدولة،
أن تحكم على الجاني بالسجن أو بالغرامة أو مصادرة ممتلكاته.
إن
نجاح هذه المحكمة سيتوقف على مدى استعداد الدول في احترام ميثاقها
والتعاون والعمل على تنفيذ أحكام قانون المحكمة. إن إنشاء تلك
المحكمة لهو خطوة إلى الأمام لخير البشرية والأفراد وردع كل مسئول
في أية دولة في العالم أن يراعي احترام القانون وحقوق الإنسان حتى
لا يقع تحت طائلة المحكمة الجنائية الدولية.
هذا
ولقد وقعت 120 دولة بالموافقة على تأسيس وإنشاء المحكمة الجنائية
الدولية في مدينة روما يوم 17 يوليو 1998.
ولقد وقعت مصر عليها يوم 26 ديسمبر 2000 ولكنها لم تصدق
عليها حتى يومنا هذا. وللعلم فمنذ أول
يوليو 2002 بدأ تنفيذ العمل بالمحكمة فتم تعيين القضاة يوم 12
فبراير 2003 والمدعي العام عين يوم 21 أبريل 2003. وستبدأ المحكمة
الجنائية الدولية النظر في الشكاوي المرفوعة أمامها منذ النصف
الثاني من هذا العام. أما بالنسبة
للنظر في القضايا فلن تكون قبل نهاية عام 2004 طبقا لما قرره
الخبراء في هذا الصدد.
وللعلم
فان اختصاص المحكمة الجنائية الدولية لن تنظر إلا في الجرائم التي
ارتكبت بعد أول يوليو 2002. وهو تاريخ بداية نفاذ أحكام قانون تلك
المحكمة. وذلك طبقا للمواد 11و22 من
النظام الأساسي لتأسيس المحكمة الجنائية الدولية.
حاجة المجتمع الدولي للمحكمة الجنائية الدولية
لقد
أدركت الدول أن ثمة روابط مشتركة توحد جميع الشعوب وأن ثقافات
الشعوب تشكل معا تراثا مشتركا وأن هذا النسيج الرقيق يمكن أن يتمزق
في أي وقت.
لقد
وضعت الدول في اعتبارها أن ملايين الأطفال والنساء والرجال قد
وقعوا خلال القرن الماضي ضحايا لفظائع هزت ضمير الإنسانية بقوة وأن
هذه الجرائم تهدد السلم والأمن في العالم. ولا
شك أن هذه الجرائم تثير قلق المجتمع الدولي بأسره فيجب ألا تمر دون
عقاب لتكون عبرة لمن يعتبر مستقبلا. فالمجتمع الدولي أراد أن يضع
حدا لإفلات مرتكبي هذه الجرائم من
العقاب.
فمن أجل هذه المبادئ والغايات قد عقدت الدول العزم -من أجل بلوغ
هذه الغايات ولصالح الأجيال الحالية والمقبلة- على إنشاء محكمة
جنائية دولية دائمة مستقلة ذات علاقة بمنظومة الأمم المتحدة وذات
الاختصاص على الجرائم الأشد خطورة التي تثير قلق المجتمع الدولي
بأسره.
أحكام النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية
مقر المحكمة في لاهاي بهولندا (الدولة المضيفة)حيث تعقد جلساتها
وللمحكمة أن تعقد جلساتها في مكان آخر عندما ترى ذلك مناسبا كما
ذكرنا يقتصر اختصاص المحكمة على أشد الجرائم خطورة موضع اهتمام
الدولي بأسره وللمحكمة اختصاص النظر في الجرائم التالية:-
ا-
جريمة الإبادة الجماعية
ب-
الجرائم ضد الإنسانية
ج-
جرائم الحرب
د-
جريمة العدوان (المادة 5)
ولسوف
نقتصر على نوع الجرائم التي قد تهم القضية القبطية وما يحدث
للأقباط من قتل واعتداء.. الخ.
فنبدأ بجريمة الإبادة الجماعية كما نصت عليها المادة 6 من النظام
الأساسي. تعني "الإبادة الجماعية" أي فعل من الأفعال التالية يرتكب
بقصد إهلاك جماعة قومية أو اثنية أو
عرقية أو دينية بصفتها هذه إهلاكا كليا أو جزئيا:-
1- قتل أفراد الجماعة
2- إلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم
بأفراد الجماعة
3- إخضاع الجماعة عمدا لأحوال معيشية يقصد بها إهلاكها
الفعلي كليا أو جزئيا.
الجرائم ضد الإنسانية
تنص
المادة السابعة من النظام الأساسي أنه يشكل أي فعل من الأفعال
التالية "جريمة ضد الإنسانية" متى ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق
أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين وعن علم بالهجوم:-
1- القتل العمد
2- الإبادة
3- اضطهاد أية جماعة محددة أو مجموعة محددة من السكان لأسباب
سياسية أو عرقية أو قومية أو اثنية أو
ثقافية أو دينية أو لأسباب أخرى من المسلم عالميا بأن القانون
الدولي لا يجيزها
4- الأفعال اللا إنسانية الأخرى
ذات الطابع المماثل التي تتسبب عمدا في معاناة شديدة أو في أذى
خطير يلحق بالجسم أو بالصحة العقلية أو البدنية.
أما وقد أوردنا جريمتي "الإبادة الجماعية" و "الجرائم ضد
الإنسانية" وهناك العديد من الحالات التي ارتكبت ضد الأقباط في مصر
ولكن كما سبق أن قلنا أن المحكمة لا تختص بالنظر إلا في الجرائم
التي ارتكبت بعد أول يوليو 2002 وهو تاريخ بداية نفاذ أحكام النظام
الأساسي للمحكمة وذلك تطبيقا للمواد 11و22 من هذا النظام.
اختصاصات
المدعي العام (المادة 15)
يجدر
بنا أن نبحث اختصاصات المدعي العام وهو الذي توكل له مهمة مباشرة
التحقيقات من تلقاء نفسه على أساس المعلومات المتعلقة بجرائم تدخل
في اختصاص المحكمة. ويقوم المدعي العام بتحليل جدية المعلومات
المتلقاه. ويجوز له التماس معلومات
إضافية من الدول أو أجهزة الأمم المتحدة أو المنظمات الحكومية
الدولية أو غير الحكومية أو أية مصادر أخرى موثوق بها يراها
ملائمة. ويجوز له تلقي الشهادة
التحريرية أو الشفوية في مقر المحكمة.
إذا استنتج المدعي العام أن هناك أساسا معقولا للشروع في إجراء
تحيق يقدم إلى دائرة ما قبل المحاكمة طلبا للإذن بإجراء تحقيق
مشفوعا بأية مواد مؤيدة يجمعها. ويجوز
للمجني عليهم إجراء مرافعات لدى دائرة ما قبل المحاكمة وفقا
للقواعد الإجرائية وقواعد الإثبات.
إذا رأت دائرة ما قبل المحاكمة بعد دراستها للطلب وللمواد المؤيدة
أن هناك "أساسا معقولا" للشروع في إجراء تحقيق وأن الدعوى تقع على
ما يبدو في إطار اختصاص المحكمة كان عليها أن تأذن بالبدء في إجراء
التحقيق. وعلى فرض أن رفضت دائرة ما
قبل المحاكمة الإذن بإجراء التحقيق فان هذا الرفض لا يحول دون قيام
المدعي العام بتقديم طلب لاحق يستند إلى وقائع أو أدلة جديدة تتعلق
بالحالة ذاته. وفي حالة ما يقرر المدعي
العام -بعد الدراسة الأولية- أن المعلومات المقدمة لا تشكل أساسا
معقولا لإجراء تحقيق، كان عليه أن يبلغ مقدمي المعلومات بذلك.
وهذا لا يمنع المدعي العام من النظر في
معلومات أخرى تقدم إليه عن الحالة ذاتها في ضوء وقائع أو أدلة
جديدة.
المسئولية الجنائية
الفردية (المادة 25)
كما
سبق أن ذكرنا فان المحكمة الجنائية الدولية تختص بالفصل في جرائم
"الشخص" الذي يرتكب جريمة تدخل في اختصاص المحكمة ويكون هذا الفرد
مسئولا عنها بصفته الفردية وعرضة
للعقاب. فيسأل إذن الشخص جنائيا ويكون
عرضة للعقاب في حالة قيام هذا الشخص بارتكاب هذه الجريمة سواء
بصفته الفردية أو بالاشتراك مع آخر أو عن طريق شخص آخر بغض النظر
عما إذا كان ذلك الشخص الآخر مسئولا جنائيا.
كما يكون الشخص مسئولا جنائيا في حالة أن يصدر أوامر أو يغري
بارتكاب الجريمة أو يحث على ارتكابها أو يقدم العون أو يحرض أو
يساعد بأي شكل آخر لغرض تيسير ارتكاب هذه الجريمة أو الشروع في
ارتكابها أو يساهم بأي طريقة أخرى في قيام جماعة من الأشخاص يعملون
بقصد مشترك بارتكاب هذه الجريمة أو الشروع في ارتكابها على أن تكون
هذه المساهمة متعمدة. وطبقا للفقرة الرابعة من المادة 25 "لا يؤثر
أي حكم في هذا النظام الأساسي يتعلق بالمسئولية الجنائية (الفردية)
في مسئولية (الدولة) بموجب القانون الدولي".
عدم الاعتداد بالصفة
الرسمية
يطبق هذا النظام الأساسي على جميع الأشخاص بصورة متساوية
دون أي تمييز بسبب الصفة الرسمية.
وبوجه خاص فان الصفة الرسمية للشخص سواء كان رئيسا للدولة أو حكومة
أو عضوا في حكومة أو برلمان أو ممثلا منتخبا أو موظفا حكوميا لا
تعفيه بأي حال من الأحوال من المسئولية الجنائية بموجب هذا النظام
الأساسي كما أنها لا تشكل في حد ذاتها سبا لتخفيف العقوبة.
ولا تحول الحصانات أو القواعد الإجرائية الخاصة التي قد ترتبط
بالصفة الرسمية للشخص، سواء كانت في إطار القوانين الوطنية أو
الدولية دون ممارسة المحكمة اختصاصها على هذا الشخص (المادة 27).
هذا ولا تسقط الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة بالتقادم أيا
كانت أحكامه (المادة 29).
في
حالة ارتكاب أي شخص لجريمة من الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة
لا يعفي الشخص من المسئولية الجنائية إذا كان ارتكابه لتلك الجريمة
قد تم امتثالا لأمر حكومة أو رئيس عسكريا كان أو مدنيا- إلا إذا
كان على الشخص التزام قانوني بإطاعة أوامر الحكومة أو الرئيس
المعني أو لم يكن يعلم الشخص بأن الأمر غير مشروع (المادة 33).
أما
عن العقوبات التي تكون للمحكمة أن توقعها على الشخص المدان بارتكاب
إحدى الجرائم المنصوص عليها في النظام الأساسي فهي:-
1- السجن لعدد محدد من السنوات لفترة أقصاها
ثلاثين سنة
2- السجن المؤبد حيثما
تكون هذه العقوبة مبررة بالخطورة البالغة للجريمة وبالظروف الخاصة
للشخص المدان
3- بالإضافة إلى السجن فللمحكمة أن تأمر بفرض غرامة بموجب
المعايير المنصوص عليها في القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات، كما
أن للمحكمة الحق في مصادرة العائدات والممتلكات والأصول الناتجة
بصورة مباشرة أو غير مباشرة من تلك الجريمة دون المساس بحقوق
الأطراف الثالثة حسني النية (المادة 77).
سنكتفي بهذا القدر ولن ندخل في تفاصيل القواعد الإجرائية
وقواعد الإثبات التي لا تهم القارئ بقدر ما تهم المشتغلون
بالقانون.
والآن وبعد أن استعرضنا بإيجاز- النظام الأساسي للمحكمة الجنائية
الدولية يبقى لنا أن نقيم ونحاول أن نطبق النظام الأساسي للمحكمة
الجنائية الدولية على ما يتعرض له الأقباط في مصر من اعتداءات
وعدوان عليهم من تابعين مسئولين في الحكومة المصرية وفقا وتطبيقا
للمواد 5،6،7 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
وكما سبق القول بأن مصر وقعت بالموافقة على تأسيس المحكمة الجنائية
الدولية يوم 26 ديسمبر 2000 ولكنها لم تصدق على النظام الأساسي
للمحكمة حتى يومنا هذا وتنفيذا للمادة 125 فقرة 2 من النظام
الأساسي التي تنص على الآتي: "يخض هذا
النظام الأساسي للتصديق أو القبول أو الموافقة من جانب الدول
الموقعة. وتودع صكوك التصديق أو القبول
أو الموافقة لدى الأمين العام للأمم المتحدة."
وتنص
المادة 126 فقرة 2 بالآتي: "بالنسبة لكل دولة تصدق على هذا النظام
الأساسي أو تقبله أو توافق عليه أو تنضم إليه بعد إيداع صك بستين
يوما للتصديق أو القبول أو الموافقة أو الانضمام، يبدأ نفاذ النظام
الأساسي في اليوم الأول من الشهر الذي يعقب اليوم الستين من تاريخ
إيداع تلك الدولة صك تصديقها أو قبولها أو موافقتها أو انضمامها".
أما
وأن مصر لم تصدق أو تقبل أو توافق على النظام الأساسي ولم تودع
الصك على هذا النظام، فبذلك تكون مصر غير خاضعة للنظام الأساسي
للمحكمة الجنائية الدولية. ولقد آن الأوان أن تسارع مصر للتصديق
على النظام الأساسي لتلك المحكمة وأن تودع صك التصديق لدى الأمين
العام للأمم المتحدة لكيما تساير ركب
المجتمع الإنساني الدولي وتكون في مصاف الدولة المتمدينة المتحضرة.
انه
لمن المخجل والمؤسف حقا أن نرى دولا -أقل مكانة وحضارة من مصر-
تصدق على النظام الأساسي للمحكمة الدولية الجنائية فنذكر على سبيل
المثال لا الحصر بعض الدول التي سارعت بالتصديق على النظام الأساسي
لتلك المحكمة. فهذه الدول هي أفغانستان،
البانيا، الأرجنتين، بوليفيا، البوسنة، بلغاريا، كمبوديا،
الكروات، قبرص، الكونجو، جيبوتي، التيمور
الشرقية، جزر فيجي، الجابون، غانا،
المجر، "الأردن"، كوريا، مالي، جزيرة مالطة، نيجيريا، بولندا،
سلوفاكيا، سلوفانيا، تنزانيا، أوغندا، زامبيا..
الخ
نكتفي
بهذا القدر من الدول التي صدقت على النظام الأساسي فنجد أن الأردن
هي الدولة العربية الوحيدة التي صدقت عليه.
أليس
عيبا أن مصر أم الحضارات يغيب اسمها من بين الدول المصدقة؟ هل هذا
الغياب متعمد نظرا لكثرة الانتهاكات والجرائم التي
ترتكب ضد الأقباط كأقلية مضطهدة في
مصر؟؟ أما آن لمص أن تسارع للتصديق على النظام الأساسي للمحكمة
ونحن على مشارف تغييرات جديدة في منطقة وخارطة الشرق الأوسط
لتثبيت وازدهار وتقدم الديمقراطية وحقوق الإنسان.
مونتريال كندا
كاتب المقال رئيس الهيئة القبطية الكندية/
دكتوراه في القانون والعلوم السياسية/ محام دولي وداعية
حقوق الإنسان - قاض سابق / عضو اللجنة الدولية للقانونيين بجنيف
|