من له أذنان للسمع فليسمع
قرأت أحداث جامعة البصرة وخيل لي أن عقارب الساعة
ترجع بي إلى الوراء، إلى الثمانينات من القرن
العشرين عندما كنت في
الجامعة بمصر ولكنني لم أفهم حينذاك أحداث العصر. كانت هذة الأحداث
غريبة على مجتمعنا لم أكن أفهمها ولم أفهم مغزاها ولم أفهم مطالب
هؤلاء الطلاب الغاضبون. ماذا يريدون؟ ضد من يهتفون؟ لا أفهم .
وأعزيت وقتها عدم فهمي لعدم ولعى بالسياسة، لعل لديهم مطالب حقة
وأنا أجهلها.
كانت هذة الظاهرة مترجمة لدي بمظاهر عجيبة
علي مجتمعنا أيضاَ وهو ظهور بعض الشباب بالجلباب وذقون، ولم أبدي
لها أهتماماً فلعلهم يأتون من مناطق عشوائية. رأيت الحرس على أبواب
الجامعه يدقق في بطاقات الطلاب قبل السماح بدخول الحرم الجامعي وظننت أن هذا أنضباط وحماية. بأختصار،
لم يسترسل إلي فكرى أي شك في نوايا هؤلاء الشباب.
كانت أحداث الشغب عامة تجري في الجامعات العلمية وكنت
أسمع عنها من زميلات المدرسة في تلك الجامعات حيث كنت في جامعة نظرية. شباب بالجلباب والعصى يشيعون
الخوف في قلوب الطلاب ويأمرونهم بالجلوس في صفوف بعيدة عن الزميلات
ولمن يعترض يستحق الضرب بأغلظ العصي. تفرقة بين الشباب والشابات في
مقاهي الجامعة ولمن يعترض له من الضربات و اللكمات ما يسيل لها
الدم، وإلى ما ذلك من أشياء.
كنت في كليتى النظريه من المرفهين فلم يحدث لدينا مثل
هذة الأشياء ما لشيء إلا أن أقسام اللغات الأجنبية كان أغلب روادها
إن لم يكن كلهم من الجنس الناعم بالإضافه إلى أن هذه الأقسام تقع
في أعلى الأدوار ولا يوجد بها كافيتريا مما يعني أننا لا نعد مادة
شيقة للجماعات هاوية ضرب الهراوات والتفريق بحسب الجنس بالعصي. إلا
أنه في يوم قامت مظاهرة في ساحة الجامعة وتطلعنا من النوافذ التي
تطل على هذه الساحة لنتبين الضجيج وهنا رأيت العصي التى لاطالما
سمعت عنها. لحظة وعلت أصوات الصياح هذه من الدرج المؤدي إلى قسم
كليتنا. رأيت بعض النظرات الخائفة والزائغة في العيون، البعض يحاول
الإلتجاء إلى غرف المحاضرات وإغلاق أنفسهم داخلها والبعض الأخر
يحاول الهروب عن طريق الدرج ولكن إلى أين؟ أن قسم كليتنا هو في أخر
طابق والطوفان صاعد علينا من أسفل. حاولت أن أتبين من الزميلات
التي تبدوا لي أنهن يدركن خطورة الحدث: من هؤلاء؟ ماذا يريدون؟
وجاء الجواب الإسلاميين. الأسلاميين، كلمة لم تعطيني رد شاف،
فبالنسبة لي هي كلمة مفرغة لا تحمل لي أي معنى. ومازلت أفكر
بالمعنى حتى رأيت قوات حرس الجامعة تطوق القسم لعمل حاجز بيننا
وبين المعتدين. عرفت بعدها أن رئيسة القسم أشتمت الخطر وأمرت بقوات
لحماية طالبات لا يملكن غير القلم وسيلة للدفاع عن أنفسهن.
مرت الأيام وأستمر التغيير الخارجي لمظاهر بعض الطلبة
من الأقسام الأخرى ولكن لم يطرأ تغيير على طلبة قسمنا. وفي يوم من
الأيام وأنا أصعد الدرج مروراً بالأقسام الأخرى، والذي دائماً يكتظ
بالطلبة الصاعدة والهابطة، أندفع تجاهي شخص ومد يده ومسك صدري
ضاغطاً ثم بدأ يقفز بسرعة البرق الدرج هابطاً قبل أن أستفيق من هول
الصدمة. نظرت وإذ هو من الأسلاميين. الأسلاميين؟؟ الأن عرفت وفهمت.
ذهبت إلى المنزل أحاول أن أزيل هذه اللمسة القذرة من
على جسدي. أمضيت وقت طويل تحت المياة الجارية محاولة إزالة هذا
الأعتداء السفيه دون جدوى. الأن عرفت أسلوبهم وفهمت مطالبهم وحيث
لا يستطيعوا أستخدام العصاة للتفرقة يوجد التحرش الجنسي للتخويف
والترهيب.
وبعد مرور ربع قرن على هذا الحادث نرى أن الجميع في
مصر قد أذعن تحت أسلوب التهديد والبطش والتحرش ماعدا واحدة هي
رئيسة القسم التي أستخدمت سلطاتها وطلبت الحرس الجامعي لحماية
بناتها. تري لماذا لم يستخدم رؤساء الأقسام الأخرى سلطاتهم، ولماذا
لم يستخدم باقي المسئولون سلطاتهم في مواقعهم وقت اللزوم لدرء هذا
الخطر الذي أستشرى في الكيان المصري.
وأوجه هنا الحديث إلى شباب البصرة وأطالبهم بعدم
الرضوخ. أن العراق على مفترق الطريق، إما أن يذعنوا للأرهاب ويبقوا
باقي أيامهم تحت إمرة جماعات أو أن يقاوموا ويخطوا بالعراق إلى
طريق الديمقراطية. أن الكثير من أبناء الشعوب المجاورة يحسدون
العراق على وضع قدمة على أول طريق للديمقراطية الحرة. لقد دفع
العراق الكثير من أبناءه وشبابه ثمناً للحرية والديمقراطيه والأن
لا تخاذل و لا رجوع، واليوم جاء إرهاباَ لمجموعة أخرى من أبناء
العراق. فلتكن صورة مصر دائماُ أمام أعينكم أية حية لأيات الإذعان.
ولكم جميعاً تمنياتي بعراق أمن حر لجميع و بجميع
أبناءه.
تماضر جوهر
ماجستير في علوم التنمية
|