هل نجحت
زيارة رايس إلى مصر؟ وماذا تريد
المعارضة؟
بقلم
تماضر جوهر
من الإمكان تلخيص زيارة رايس في
جملتين وهي أن أمريكا لن تدعم بعد الآن الاستقرار في المنطقة على
حساب الديمقراطية وأنها سوف تدعم ديمقراطية الشعوب من الآن
وصاعداً. إذاً أمريكا كانت تدعم
سابقاً حكام المنطقة لسبباً واحداً هو استقرار المنطقة، أي لضمان
عدم قيام هجوم على إسرائيل، ولكن ما دعا أمريكا إلى تغيير
موقفها؟ هل تخلت عن أمن إسرائيل؟
أن موقف كهذا يشير إلى أن أمريكا قد دفعت الكثير لهؤلاء الحكام
اعتقاداً منها أنهم موالين لسياساتها بالمنطقة ولكنها اكتشفت أن
هذا غير صحيح ، وأن كل الأموال والمعونات التي قدمتها إلى مصر مع
غض الطرف عن إساءات حقوق الإنسان والفساد العام كان لسبب مصلحة
معينة لم تتحقق، فلا إسرائيل نعمت بالأمن ولا أمريكا نعمت بصورة
طيبة بين شعوب المنطقة. فلقد أثبتت الوقائع بما لا يدعوا إلى
الشك أن سياسة تأجيج المشاعر التي انتهجتها مصر ضد الدولة
الإسرائيلية من وراء الكواليس عبر الأبواق الصحفية، هي ضد
اتفاقية السلام والتي دفعت أمريكا أموالاً كثيرة جداً مقابلها.
ولتحقيق حكام مصر أهدافهم كان لابد من استشعار الحس الديني لذي
هو المحرك الرئيسي لشعوب الشرق الأوسط وذلك لضرب عصفورين بحجر
واحد. أولاً، إيهام أمريكا أن حكام مصر يخدموا المصالح الأمريكية
من خلال قمعهم لشعوبهم الذين أن أطلقوا أحراراً لذهبوا سيراً على
الأقدام لمهاجمة إسرائيل، وثانياُ، خلق جو من
اللا أمن يضمن لهم البقاءً علي
عروشهم سواء كمطلب داخلي أو خارجي.
لقد رفعت ضربة 11 سبتمبر النقاب عن أمور كثيرة وكانت ضربه
قاصمة لأمريكا التي فجعت في أثنين
من أهم حلفائها في المنطقة (مصر والسعودية) فالمخططون والقائمون
على الضربة ينتمون إلى هذين البلدين. مصر
التي قدمت لها مساعدات تقدر ببلايين من الدولارات، والسعودية
التي طورت لها صناعة النفط وكذلك صدت عنها غزو صدام حسين حينما
أجتاح المنطقة بادئاً بالكويت. فلولا تحرك أمريكا التي أستنجد
بها أمراء الكويت عند الغزو لمساعدتهم، لما تم بناء قوات التحالف
ولربما قد اختلفت الآن الخريطة الجغرافية بالمنطقة. قد يقول قائل
أن أمريكا قد فعلت هذا لمصلحتها ولأنها تريد أن تحتكر نفط
المنطقة ولكن دعني أوضح أن أمريكا دفعت دوماً مقابل
أستخدام هذا النفط، سواء كمستثمر أو
مشتر ولن يكن يضيرها أن تحتل العراق المنطقة فسوف تظل عميل
للمالك الجديد ولن تضار تجارياً في شيء.
وعندما بدأت أمريكا الحرب على صدام حسين لغرض إرساء الديمقراطية
التي أوحت لها المعارضة أن الشعب سوف
يتبناها مباشرة بعد إقصاء صدام، لم
تجد أمريكا وقفة مماثلة من حلفائها التي قد تكون عولت عليهم في
الخفاء. فوجدت أن حرب الشوارع الدائرة في العراق منذ ما يزيد عن
عام قد كان بالإمكان القضاء عليها إذا كانت فقط مقاومة موالاة
صدام ولكنها وجدت أن أعداد كبيرة من مواطنين عرب يتسللون من
البلاد العربية المجاورة بدون أدنى تدقيق من الدول التي يمرون عن
طريقها، مما يدل ثانية على تواطؤ هذه الدول مع هؤلاء الأفراد.
ولكن
لماذا لم تحاول الدول منع هؤلاء المتسللين الذين يتسببون في موت
أبناء شعب العراق بالآلاف؟ أنها
الديمقراطية. لقد خافت الدول
المجاورة التي يجثم حكامها لسنوات عدة على العروش من رياح
الديمقراطية التي قد تغير المنطقة. أن عراق مستقل أمن ديمقراطي
يوازي اهتزاز لعروشهم، إذاَ الحل الوحيد هو عدم السماح لاستتباب
هذه الديمقراطية المعدية بالمنطقة.
ورجوعاً إلى إسرائيل نجد أنه قبل اتفاقية السلام لم تكن هناك
عمليات انتحارية في داخل إسرائيل ولكن كانت المقاومة تتخذ
أشكالاً أخرى مختلفة، بحيث تسببت العمليات الانتحارية في مواجهات
عسكرية بين الطرفين وعنف أكثر في المنطقة، كما أتضح أن الشطر
الأكبر من تمويل العمليات ضد إسرائيل هو ممول أيضاً من السعودية
وثبوت ضلوع مصر في توريد أسلحة للمقاومة عبر أنفاق تحت الأرض،
وإن كان من الصعب إثبات ضلوع الحكومة المصرية مباشرة في هذه
الإمدادات ولكن مما لا شك فيه أن السياسة الإعلامية هي المسؤول
الأول يليه الخطاب الديني الذي تتبناهما الدولة.
والآن
وقد اتضحت خيوط العنكبوت، قررت أمريكا أنها لن تدعم بعد
الاستقرار الوهمي وإنما هي تتحرك في اتجاه الشعوب. فلقد وعيت
أمريكا الدرس، فهل تعييه المعارضة في
مصر؟ لقد سمعت بعض التعليقات الغاضبة من رؤساء المعارضة ضد سياسة
أمريكا الجديدة ولكني أجد أن هذه السياسة سوف تسقط الأقنعة عن
حيل الحكام لابتزاز أمريكا لمأربهم الشخصية
وسوف يعلو رأي الشعب. فإما أن
تنتهز المعارضة هذه الفرصة الذهبية وتدعها من ملاحقة أكاذيب
أبتدعها الحكام عن طريق تأجيج المشاعر الدينية وإما لن يقوم لمصر
قائمة في الفترة القادمة وستظل تلاحق الأشباح.
أود
أن أدعوكم لمشاهدة فيلم المخرج الكبير يوسف شاهين "إسكندرية-
نيويورك" والذي يعطى رسالة واقعية وهي أن أمريكا ليست ملاكاً ولا
شيطاناً، ونحن لا نريدها أن تكون أياً منهما.
لقد
انتهى عصر أهل الكهف وآن للشرنقة أن تصبح فراشة وتحلق عالياً.