تماضر جوهر


  4 يوليو 2005

صفحة كُتاب الأقباط متحدون

info@copts-united.com

الديون ونهب البلاد

 

بقلم: تماضر جوهر

 

تعقد دول مجموعة الثمانية اجتماعها الدوري  في جلين إيجل، سكوتلاندا، في الفترة ما بين 6-8 يوليو ومن ضمن المواضيع الهامة التي ستناقش هو النظر في إسقاط بعض مديونيات الدول الأفريقية الأكثر فقراً والتي تصل إلى 27 دولة.  ولقد لاقى هذا المقترح الذي طرحه توني بلير تهليل الجميع سواءً من شعبه أو الأمم المتحدة التي طرحت أهداف الألفية للتنمية التي ترغب في تحقيقها بحلول عام 2015 والتى من أهمها العمل على اقتلاع الفقر من العالم بمعدل النصف.  إذ أن هناك اعتقاد أن هذه الديون تكبل نمو هذه البلاد وأنه بإسقاطها سوف تحدث انطلاقه نمو ترفع هذه البلاد إلى القمة.  ولقد طلبت نيجيريا أسقاط الديون عنها لا لسبب إلا لكونها أكثر بلد مديونة بالمنطقة، ونسيت أن تذكر أنها من أكثر منتجي البترول في المنطقة وأن معدل نسبة الجريمة لديها يعد الأول في القارة وفي العالم أجمع.

 

ولقد زار السيد/ ولفوويتز، رئيس البنك الدولي، نيجيريا في أوائل شهر يونيو وأشاد بفكرة أسقاط الديون عن هذه الدولة وأضاف أن أسقاط ديون عن دولة لن يوثر في حصولها على ديون مستقبلية ولكنه شدد ضرورة ربط أسقاط الديون بتحسين الحكم ووجود ميكانيكية للتساؤلات (good governance and accountability) . ومن الجدير بالذكر أن نادى باريس قد أسقط 18 بليون دولار من أصل 35 بليون دولارهى مديونيه نيجيريا، وذلك لإعتقادهم أن نيجيريا هى مفتاح رخاء أفريقيا، خاصة وأنها قد أنجزت تقدم في النواحي الأقتصادية بحسب تقارير الصندوق النقد الدولي IMF.

 

ولكن فيما تتمثل مشاكل أفريقيا الحقيقية؟ هل هى فعلا في الديون؟ أن أفريقيا تتمتع بثروات معدنية كثيرة، وبها موارد مائية لا بأس بها بجانب أكتشاف مخزون مائى كبير تحت الأرض وكذلك مخزون من الغاز الطبيعي، كما أن التربة الخصبة بالسودان بإمكانها أن تشبع القارة بأكملها.   ومن ناحية الموارد البشرية فأن أفريقيا قارة شابة ويتميزالأفارقة بتفوقهم في النواحى الرياضية والفنية متى سنحت الفرصة إلا أن الفقر قد ساهم بشكل كبير في نسبة الأمية والجهل والتأخر التي تعانى منه القارة. هذا من ناحية الموارد البشرية والمادية. إذن ما هي المشكلة الحقيقية التى تعاني منها أفريقيا؟ إنها حروب وصراعات، جفاف وجراد أتى على اليابس والأخضر، أمراض، عدم وجود سوق خارجي لمنتجاتها، والأهم والأعظم الفساد الذي هو المسئول الأول والأخير عن تفشى الفقر والصراعات ومن ثم التداعيات الأخرى الناجمة عنهما.

 

ولكن كيف يرى البنك الدولي والمجتمع الدولي الحل لمشاكل أفريقيا؟ أن دول مجموعة الثمانية والجهات الدولية حددت محورين مهمين للعمل وهم مكافحة الأمراض وبالأخص مرض الإيدز والملاريا وفتح أسواق للبضائع الأفريقية عن طريق التقليل من عوائق التبادل التجاري. ولكنهم يروا أن على الدول النامية وضع سياسات للنمو الأقتصادي وللتنمية المستديمة والقضاء على الفقر. ولقد صرح الخبراء بناءاً على دراسات أن القارة في إحتياج إلى 100 بليون دولار من الإعانات بحانب تحريك مواردها الداخلية حتى تنهض. ولضمان أستخدام أموال الأقتراض في التنمية يؤكد المقرضون على وضع نظم تضمن الشفافية ومحاربة الفساد. ومن الجدير بالذكر أن هناك منظمة غير حكومية لها كلمة في هذا المضمار وهى منظمة "الشفافية الدولية" وأعضاء هذه المنظمة من الأسماء المعروفة وتؤخذ تقاريرها مأخذ الجدية من قبل المنظمات الدولية، ولقد أشادت هذه المنظمة مؤخراً بإحراز تقدم في مكافحة الفساد في كل من نيجيريا وكينيا.

 

وعلى الرغم من النيات الحسنه المطروحة للنهوض بأفريقيا إلا أنني لست متفائلة من الحلول المطروحة،إذ ماذا يجدي أسقاط ديون عن دولة يصل دينها العام 100% من أنتاجها الداخلي GDP. وإذا أخذنا نيجيريا كمثال بحثنا هذا نجد أن هذه دولة غنية بالموارد الطبيعية و البشرية ولكن لديها أعلى الديون في المنطقة ولذا يجب علينا طرح تساؤلات أبعد من أسقاط الديون ووضع آليات لمراقبة الصرف المستقبلي. يجب طرح تساؤلات دولية عن كيفية صرف أموال الديون السابقة وكذلك أموال دخل الدولة ذاتها والحجز على حسابات بنوك المسؤولين السابقين والحاليين، إذ أن الفساد هو المسئول الأول والأخير عن وضع نيجيريا الحالي . وعلى الشعوب الأوروبية أن تعي أن فقر أفريقيا إنما هو ناتج عن حكامها وسوء إدارتهم للبلاد والتسلط الشخصى على موارد الدولة وهو ما يشحن النفوس ويؤدي إلى الصراعات العرقية التي تعاني منها أفريقيا وأن سياسة تدفق الأموال بلا حساب أو رقيب تساهم في تفاقم المشكلة، حتى أن المساعدات العينية التي ترسل إلى الدول التي تعانى من المجاعات لا تسلم من النهب. ويجدر الإشارة هنا أن مشاكل أفريقيا تصب في قلب أوروبا حيث الهجرات الغير شرعية الناجمة عن المشاكل الأقتصادية والنزاعات الدائرة في قلب القارة.

 

لذا يجب أن نشجع وجود مراقبة دولية على ميزانيات تلك الدول في هيئة شركات مدققين دولية ومحاسبة كل من تؤول له نفسه سرقة شعبه وأقترح في هذا الصدد إنشاء جهاز تابع للجهات الدولية كمثال المحكمة الجنائية الدولية وتكون من مهامه تقديم للمحاكمة كل من يسرق أموال شعبه وخاصة الدول التي لديها قروض، إذ أن الحكام يرحلون ولكن تبقي الديون في أعناق الشعوب. وأرجو أن لا يهاجم المنتفعون هذه الفكرة ونعتها بنوع من الأستعمار الحديث  لموارد الدول وأقول أن هذه الدول هي مستعمره بحكامها وبطبقة المنتفعين وآن لها أن تتحرر.

 

تماضر جوهر

ماجستير في دراسات التنمية

 

E-Mail: info@copts-united.com

Copts United

لأقباط متحدون