غياب القضاء
والعدالة في الدولة المصرية
دكتور وحيد حسب
الله
بعد التصريحات شديدة
الللهجة لوزيرة الخارجية الأمريكية لوزير خارجية المحروسة بخصوص
المهزلة التي أحاطت بالقبض على أيمن نور ، خرجت علينا كالعادة
صحافة النفاق والكذب الحكومية والحزبية تتباكي وتتباهي بما يسمى
"نزاهة القضاء المصري" وهؤلاء الصحفيين هم أولاً العارفين أن
القضاء المصري لم يعد له أصلاً وجود . فالقضاء ما هو إلا مؤسسة
موظفين حكوميين لا يتمتعون بأية حصانة أو إستقلالية تجاه السلطة
التنفيذية من ناحية ، ويحكمهم التعصب الأعمى تجاه كل ما هو قبطي
ومسيحي من ناحية أخرى . أنه قضاء الخزي والعار. قضاء تاريخه ملوث
بالأحكام الظالمة فيما يخص حقوق المسيحيين الأقباط . لعل الجميع
يذكر عندما تجرأ أحدهم وطبق الشريعة ودين الدولة في مجال الأحوال
الشخصية وصرح لأحد المسيحيين بتعدد الزوجات ضارباً بالقوانين
المعمولة بها عرض الحائط .
أننا أردنا أن نذكر
القارئ بنوعية القضاة الموجدين حالياً والذي ينادي البعض بأن
يشرفوا على الانتخابات القادمة ضماناً للنزاهة متناسين أن القضاء
النزيه أصبح من آثار المحروسة التاريخية ولن يستطيع الدكتور زاهي
حواس أن يجد قاضي نزيه حتى ولو استدعى جميع فرق التنقيب عن
الآثار في العالم أجمع . وللتأكيد على ذلك بدون أن نفتح دوسيه
حقوق الإنسان على مصراعيه وموقف القضاء الهزيل والذي أصبح وصمة
عار في تاريخ مصر منذ أن حكمت الثورة على القضاة ذو الضمير
بالأعدام ، خاصة تجاه الأقباط والأحكام في هذا الشأن تحتاج إلي
مجلدات تثبت بصورة صارخة ما نقوله بعدم نزاهة هذه السلطة
القضائية والمشهود لها بالخضوع والخنوع لعديد من العوامل
الخارجية والتي ليس لها أية علاقة بالقانون الذي أصبح مجرد ديكور
بل وتطويع هذا القانون طبقاً لهذه العوامل . ونذكر من ضمن هذه
العوامل عاملان:
اولاً:
العامل الديني :
فمن المعروف منذ أحداث الزاوية الحمراء ومروراً بقضية الكشح
الكبري (وهذا مثل من أمثال كثيرة من القضايا المختلفة التي تخص
الاعتداءات على الاقباط ولم يحكم فيها على واحد فقط من الذين
ارتكبوا هذه الجرائم) وبراءة جميع الذين ارتكبوا المذبحة التي
راح ضحيتها 21 فبطي غير المصابين بعاهات مستديمة والسلب والنهب
وذلك بحجة التضارب في الأقوال ونقص الأدلة المادية الدامغة على
إدانة المتهمين ، أدلة قام بطمسها وإخفائها رجال أمن الدولة
والشرطة الذين وقفوا يشاهدون المذبحة بدون أن يتدخلوا إلا بعد أن
انتهت ومازال القضاء يواصل انتهاكاته لحقوق الأقباط بمباركة
السلطات . فلو كان القضاء المصري يتمتع حقيقة بالنزاهة المشهود
له بها في أنحاء المعمورة ، أو كما يقول محمد علوان في جريدة
الوفد "
لحرية قضائنا الذي يفوق في ممارساته لتحقيق العدالة، القضاء
الأمريكي الذي تتلاعب
به الأجهزة المخابراتية والأمنية"
كان على هذا القضاء
أن يفتح التحقيق ومحاكمة رجال أمن الدولة والشرطة لمشاركتهم في
هذه المذبحة لموقفهم السلبي في الدفاع عن مواطنين مصريين بغض
النظر عن انتمائهم الديني ، بل لمشاركتهم في قتل الأقباط ، ثم
معاقبة القتلة طبقاً للقانون الجنائي المصري.
ثم الأخطر من ذلك ،
هو تطبيق الشريعة الإسلامية بدلاً من القانون الجنائي الوضعي
وكما سنرى أن هذا القضاء يفضل اختيار المذاهب الأكثر تعسفاً
تجاه غير المسلمين كمذهب مالك والشافعي اللذان يعتمدان على أن "المسلم
لا يقتل بكافر أياً كان إذا قتله ، لأن الكافر لا يكافئ المسلم ،
ولكن الكافر يقتل بالمسلم إذا قتله ، لأنه قتل الأدني بالأعلي
ويرون تطبيق الحكم على الذميين ولو أنهم يؤدون الجزية."
اعتماداً على بعض الأحاديث "المسلمون
تتكافأ دماءهم . ويسمى بذمتهم أدناهم ولا يقتل مؤمن بكافر"
. ولكن ماذا نقول ونحن نرى القاضي والقضاء المصري يدوسوا بأرجلهم
القوانين الموجودة ويحكمون حسب أهوائهم أو مشئية من يدفع أكثر أو
تلذذاً بإضطهاد الأقباط . فلو كان القضاء المصري يتمتع حسب
إدائهم بالنزاهة وعدم التعصب لحكم بالعدل في المذابح العديدة
التي راح ضحيتها عشرات الأقباط ولم يحكم في واحد منها طبقاً
للقانون الجنائي ولكن طبقاً للشريعة الإسلامية المتشددة . ولأنه
قضاء جبان فيخفي وجهه خلف أسباب واهية وهو يعلم جيداً أن هؤلاء
القتلة يستحقون على الاقل السجن مدي الحياة إن لم يكن الأعدام ،
كما يحدث في الجرائم العادية . ولكن ماذا نقول وقد فسدوا هؤلاء
القصاة وملأت نفوسهم كراهية الأقباط ، لذلك اعتمدوا هذان
المذهبان بدلاًمن مذهب أبي حنيفة الذي يتفق مع القوانين الوضعية
المعمولة بها حالياً "فهي
لا تفرق في العقوبة لاختلاف الدين ، والقانون المصري لا يفرق بين
ذمي ومسلم فكلاهما يقتل بالآخر."
ثانياً: عامل الفساد
: لقد أصبح شيئاً عاديِ أن نقرأ في الصحف عن تقديم قضاة للمحاكمة
بسبب تقاضيهم رشاوي مادية أو جنسية أو تقديم خدمة لصديق مقابل
إصدار أحكام لصالحهم لا يستحقونها . هذا بالإضافة إلي إصدار
أحكام تعسفية مبنية على تهم من الواضح أنها ملفقة بإدانة مواطنين
كعقاب رادع وإرهاب لكل من يجرؤ أن يعترض على السلطات العليا في
الدولة .
أخيراً
لهذا لم يجرؤ أن يرد على كلام الإدارة الأمريكية وزراء الخارجية
والداخلية والعدل حسب طلب جريدة الوفد لأنهم يعلمون جيداً أن
القضاء المصري فاسد بكامله ويحكم حسب أوامر الحكم السلطوي
الديكتاتوري والمتعصب والذي لا يستطيع أن يحيا بدون انتهاك حقوق
الإنسان وخاصة الأقباط . لقد أصبح من الصعب التستر على القضاء
المصري الفاسد الذي فاحت فضائحه في كل مكان وأصبح كل قاضي صورة
طبق الأصل من صلاح نصر.
فليعلم هؤلاء
المنافقين أنه قد اختفي القضاء وعدله من المحروس وصار القضاة
أداة للتعسف والتعصب ضد فئة من فئات الشعب وهم
الأقباط ، إن ذلك
الوضع لم يعد شأناً داخلياً ، ويجب إلا يتجاهلوا أن الأمم
المتحدة ومجلس الأمن اعتبروا أن حقوق الإنسان والدفاع عنه شأناً
دولياً لم يمكن أن يقف المجتمع الدولي أمامه مكتوفي الأيدي بينما
تقوم الحكومات الدكتاتورية بانتهاك حقوق شعوبها وسلب حرياته
وثرواته . بكل أسف لقد أصبح منظر كئيب أن نرى أن السلطات
التنفيذية والتشريعية والقضائية أصيبوا بسرطان الفساد الذي لا
شفاء منه إلا بصحوة ضمير قوية ، وأن تعود هذه السلطات الثلاث إلي
النزاهة بالمعنى الدقيق للتعبير .