مؤامرة الوهابية ضد البابا شنودة
وأقباط مصر
أن الوضع الحالي في مصرنا يجبرنا على البحث عن
أسباب الهجوم الضاري التي يتعرض له الأقباط وقيادة الكنيسة وخاصة قداسة
البابا شنودة الثالث .
عندما أستخدم تعبير "مؤامرة" ليس كما جرت عليه
العادة في الصحف المصرية والأعلام المصري والعربي ، لكني أعني أن هناك
بالفعل مؤامرة من قبل مباحث أمن الدولة أو إذا أردنا تسميتها كما يجب
يحسن استعمال البوليس السياسي كما كان الحال قبل ثورة 1952 فالتشكيل
والسياسة المتبعة في الحالتين لم تتغيرا كثيراً . نفس المنهج ونفس
الأسلوب ونفس الهدف .
فمصر تعيش هذه الأيام ظروف صعبة للغاية اقتصادياً
واجتماعياً فشلت الحكومات المتعاقبة على حلها أو حتى إعطاء بصيص من
الأمل لغالبية الشعب المصري على أن الحل في المستقبل القريب .
أن قرب إعادة انتخاب رئيس الجمهورية الحالي لولاية
جديدة غير مرغوبة فيها من غالبية الشعب ولا حتى انتخاب ابنه ، بالإضافة
لانتخابات جديدة لمجلس الشعب لا يريد الشعب أن تكون كما كانت بالماضي
سبباً قوياً في زعزعة الوضع الداخلي للسلطة الحالية سواء تنفيذية أو
تشريعية والخوف من رد فعل عنيف من جانب الشعب الذي سئم النفاق والوعود
الكاذبة من كلتا السلطتين .
لذلك ليس بغريب أن ينتهز أمن الدولة أو البوليس
السياسي الفرصة التي سنحت له في حادثة السيدة وفاء وإشعال الجبهة
الداخلية لصرف نظر الأخوة المسلمين إلي أن الدين الإسلامي في خطر
بالموقف الذي اتخذته الكنيسة وخصوصاً البابا شنودة وتصويره على أنه
عداء للمسلمين ، وكذلك المظاهرة السلمية التي قام بها الشباب القبطي ضد
قلة من المنتمين للإسلام والذين يستخدمون الدين لإغراض شخصية لا علاقة
لها بالإسلام على الإطلاق .
ولكي تتم المؤامرة ضد البابا والشعب القبطي من
ناحية ، والمسلمين من ناحية أخري حتى ينشغل الاثنان بالمشاكل الدينية
وتخلوا الساحة مرة أخري للموجودين فيها ولتستمر الحياة البائسة لغالبية
الشعب من الطرفين .
ولتقوية هذه المؤامرة لابد من استدعاء عملاء أمن
الدولة من الطرفين وإعطاء الضوء الأخضر بالهجوم على القيادة الكنسية
وتصوير ما حدث على أنه مسئولية البابا وأبعاد الشبهة عن المتهم الحقيقي
الموجود في حضن أمن الدولة والمكلف بالتخطيط لأبعاد الشعب المصري عن
أن يشترك بفعالية لتغيير النظام القائم بالطريقة الديمقراطية عن طريق
صناديق الاقتراع ، بل أن يستخدم هذا الحدث في دفع الجماهير في إعادة
انتخاب النظام الحالي الفاشل مرة أخري لأنه الوحيد القادر في الدفاع عن
الإسلام ضد المسيحيين واليهود الذين يتربصون به .
ولكن لنا أمل أن الشعب المصري مسلمين ومسيحيين
سيكنون على مستوى من الوعي الكافي بهذه اللعبة القذرة والتي لعبها من
قبل السادات مستخدماً الدين لإغراض شخصية وكان هو أول من دفع الثمن .
أنني أوجه النداء لكل مصري مسلم ومسيحي إلا يعطي
أذنه ليسمع لهؤلاء المرتزقة من الصحافيين أو غيرهم . فمن يتطاول اليوم
على قيادة الكنيسة (أن كنيستنا لا تؤمن بالعصمة ولها قوانين صارمة جداً
في حالة أن أخطأ أحد المسئولين فيها أسقفاً كان أو كاهناً) سوف يتطاول
غداً على الأزهر وثم الإسلام نفسه . أن مصر قوية بنا جميعاً ، لا تقبل
أن يهدمها بعض المنتفعين والمرتزقة .
والوجه الأخر للمؤامرة ضد قداسة البابا ، هو التيار
الوهابي الذي لا يقبل أن يكون لمصر مكانة لائقة في العالم . فكلنا نعلم
أن قداسة البابا يقوم بالاشتراك في مؤتمرات الحوار الديني في بلاد
عربية عديدة وخاصة دول الخليج مما سبب قلقاً غير مبرر للوهابيين
وعملائهم ، فما كان منهم إلا أن يبحثوا عن وسيلة لمنع قداسة البابا من
الحضور في هذه المؤتمرات لما يتمتع به من شعبية عند المسلمين العرب قبل
المسيحيين . لذلك عندما جاءتهم الفرصة في هذه الحادثة المؤسفة ، لم
يتوانوا لحظةً واحدة في الاستفادة منها في شن الحملة الشعواء والظالمة
ضد البابا والأقباط ، ولا عذر لمن ادعوا أنهم من الكتاب الأقباط في
المشاركة في هذه الجريمة الشنعاء في الانقضاض على الشعب القبطي بالكامل
ومحاولة هدم كنيسة المسيح في مصر .
أنني أحذر من الأخطار الجسيمة التي يمكن أن تؤدي
إليها هذه المقالات السامة في توسيع الهوة بين المسلمين والمسيحيين في
مصرنا . فمن يفكر أنه بهذه الكتابات يعالج القضية القبطية ، فهو يخطئ
الطريق ، فالهجوم على الأقباط وتحميلهم مسئولية ما حدث لن يحل المشكلة
لا اليوم ولا غداً . فحل المشكلة القبطية يكمن في أن يصدر السيد رئيس
الجمهورية القرارات اللازمة بإلغاء القوانين التي لا تعطي حق المساواة
بين المصريين جميعاً والإصغاء لأصوات الحق من المصريين الذين كتبوا
بصراحة مطالبين بتحقيق المساواة والعدل بين المصريين .
أنني أوجه نداء إلي السيد رئيس الجمهورية أطالبه أن
الشعب المصري أحق بالجهد الذي يبذله في المصالحة بين الأخوان العرب أن
يبذله في المصالحة بين الشعب المصري وأن يعطي الوقت والجهد لمصر أولاً
. فشعبك يا سيادة الرئيس في حاجة إليك ، فهو الذي أنتخبك وهو الذي
يعولك من عرقه . فالشعب له حق عليك قبل الدول الأخرى .
وبما أن لك صداقة خاصة مع الرئيس جاك شيراك ، هذا
الأخير رجع فوراً إلي بلاده لاستقبال اثنين من الصحفيين الذين كانوا
مخطوفين في العراق . فبالأولي ملايين من أفراد الشعب المصري كانوا
بحاجة إلي وجودك في وسطهم لتحل مشاكلهم حتى يشعروا أنك أنت الحاكم وليس
أمن الدولة الذي يتحكم في مصيرهم .
أن المؤامرة التي تدبر اليوم ضد الكنيسة المصرية
وشعبها هي جزء من مؤامرة تدبر ضدكم أنتم شخصياً. وأعذر من أنذر يا
سيادة الرئيس !
|