المسرحية
الهزلية للانتخابات الرئاسية المصرية
-
المراقب للساحة السياسية
المصرية يستطيع أن يلاحظ بسهولة الأحداث التالية والتي تنم عن
دهاء استراتيجية للجهازالحاكم في مصر للالتواء والالتفاف بل قل
الهروب من الموقف الحرج للانسحاب من الحياة السياسية وخاصة رئيس
الدولة المصرية .
-
1.
خداع الأحزاب أم تقسيم اللعبة معها : قام الحزب الحاكم قبل أن
يعلن الرئيس مبارك تغيير المادة 76 من الاستفتاء إلي الانتخاب
المباشر بالتفاوض مع الأحزاب القائمة حول ما سموه بالإصلاح
السياسي وتفعيل مباشرة الحقوق السياسية . ونجح الحزب الحاكم في
تنويم وتتويه بل وتخدير قادة الأحزاب في هذه المفاوضات لكسب
الوقت طبقاً لاستراتيجية يستخدمها العسكريون مع العدو لكسب الوقت
والاستعداد للانقضاض عليه في اللحظة المناسبة . فما بين اجتماعات
ولقاءات وورقة عمل وما إلي ذلك من المواقف الهزلية التي قرأنا
عنها جميعاً في الصحف القومية والمعارضة الحزبية . وكان الحزب
الحاكم وعلى رأسه صفوت الشريف يرفض ويصر على أنه لن يكون هناك
أصلاح أو تغيير أو أن يكون رئيس الجمهورية بالانتخاب المباشر وما
إلي ذلك من تصريحات تكتيكية لكسب الوقت من ناحية وأعداد الرأي
العام لتقبل المبادرة لتغيير المادة 76 كأنها عمل عظيم من قبل
صاحب القصر وهبة ديمقراطية يمني بها علي الرعية ولكن بحريته
وأرادته وحده ووحده فقط . كل هذا بالاتفاق مع صفوت الشريف وغيره
من قادة الحزب الوطني بما فيهم ابنه . فالجميع على علم متى سيعلن
مبارك تغيير المادة 76 ولكن في الاتجاه الذي يخدم مصالحهم وفي
التوقيت المناسب الذي لا يعطي أية فرصة للآخرين أن يتحركوا أو
يستعدوا لخوض المعركة وبذلك يظهرون أنهم بلا فائدة للمجتمع وغير
مستعدين لتحمل أية مسئولية على عكس الحزب الحاكم وسيد القصر
الحالي . ثم يظهر سيد القصر أنه لم يقصر في تطبيق الديمقراطية
وأن تكون الانتخابات هي الوسيلة الوحيد لاختيار رئيس الجمهورية
أمام الولايات المتحدة والدول الأوروبية .
-
2.
أما بالنسبة للأحزاب نفسها فقد أخطأت بدخولها في لعبة الحزب
الحاكم وقبول الحد الأدنى من الجاتوه . يبدوا أن قادة الأحزاب
قبلوا عروض معينة في محاورتهم مع الحزب الحاكم الذي أخفى عنهم ما
قد نوى عليه رئيس الحزب حسني مبارك . وكما قرأنا عن نتائج
مداولات اللقاءات بين قادة الأحزاب وقادة الحزب الحاكم ، أنهم
اتفقوا على مبادئ معينة ، كل ذلك حتى اللحظة التي أعلن فيها حسني
مبارك بتغيير المادة 76 وهنا تغيرت الموازين وصارت في ، على
الأقل في الظاهر ، صالح الحزب الوطني الحاكم . ومرة أخرى وقعت
الأحزاب في مخالب الحزب الحاكم وقبلت أن تعمل معه على الصياغة
الجديدة للمادة 76 ولكن الحزب الحاكم كان عنده أيضاً الصيغة
المطلوبة ولكن كل ذلك للمناورة وللظهور أما الرأي العام بأنه
أتبع الطرق الديمقراطية المطلوبة . ولكن السؤال الذي أطرحه على
نفسي كمواطن مصري : هل هي لعبة مقسمة سابقاً بين الحزب الحاكم
والأحزاب الموجودة ؟ هل ما نقرأه في صحف المعارضة الحزبية ما هو
إلا جزء من هذه المسرحية السخيفة ؟ لو كانت الأحزاب صادقة فعلاً
في نواياها وأنها فعلاً تريد الإصلاح والخروج من الدائرة المفرغة
التي تدور فيها مصر منذ ثورة العسكر وإنقاذ مصر من الدمار الآتي
؟
-
3.
التحرك الجماهيري : ظهرت على الساحة المصرية وخاصة بعد فشل
المباحثات بين الحزب الحاكم (ماما) والأحزاب الأخرى (أولادها)
حركة "كــفــايــة" والتي تركتها السلطة تنمو وتظهر بدون
أن يحدث مصادمات عنيفة بين هذه الحركة وبوليس السلطة تدل على أن
السلطة تخشى فعلاً انتشار هذه الحركة وتكون بداية لانقلاب سلمي
للحكم . وهنا يجب أن نسأل دون أن نترك للشك أن يأخذ وضعاً كبيراً
في أنفسنا ، ما هو سر الموقف السلمي للسلطة من هذه الحركة ؟ هل
تنوي السلطة استخدام هذه الحركة لضرب الحركات الأخرى والتي بدأت
تظهر وخاصة حركة الأخوان المسلمين ؟ لماذا بدأ يظهر فجأة تفتيت
للحركات الجماهيرية وكل نقابة أو تجمع بدأ ينظم حركة باسمه ؟ هل
أمن الدولة والمخابرات بما لهم من عناصر موجودة في جميع أنشطة
الحياة الوظيفية والنقابات بدأت تقوم بعملية تفتيت للقوي
الجماهيرية حتى تفشل أية حركة تطالب بتغير جذري للحكم وإعطاء
الفرصة لعناصر جديدة من الشعب ، عناصر مدنية ، لم تنشأ في أحضان
الجيش أو الشرطة وبالتالي متشبعة بالحياة المدنية والليبرالية
النظيفة وليست الفاسدة كما هو الوضع الحالي ؟
-
4.
العلاقة بين الأخوان المسلمين وحركة المثقفين المصريين : في
الظاهر نحن أمام حركتين ، حركة الأخوان المسلمين والمعروفة
تاريخياً والتي يخشاها الجميع نظراً لما أتسمت به دموياً خلال
تاريخها سواء مع السلطة أو ما يخططونه لأقباط مصر والعودة بهم
إلي عصور الظلمة وعقود أهل الذمة وما يعرفه الجميع عن أهدافهم من
إقامة حكومة إسلامية شرعية والحكم بالشريعة الإسلامية وما يمكن
أن ينتج عنه فيما بعد من مصادرة كاملة للديمقراطية التي وصلوا عن
طريقها للحكم وتطبيق الشريعة على غير المسلمين تطبيقا حرفياً .
في مقابل ذلك ظهرت حركة المثقفين المصريين والتي تضم بين أعضائها
المستشار طارق البشري والدكتور سليم العوا والدكتور رفيق حبيب
والثلاث مع بقية الأعضاء لا يخفون كراهيتهم العميقة للمسيحية
وللأقباط الأرثوذكس خصوصاً (كتابات رفيق حبيب) . في الواقع لا
فرق بين الأخوان المسلمين وهؤلاء ، فالاثنين ما هما إلا وجهان
لعملة واحدة وهي تطبيق الحكم الإسلامي والشريعة الإسلامية
بنصوصها بلا زيادة ولا نقصان ولا تفسير حديث . فهما ينشدان
العودة بالمجتمع المصري 1400 سنة للوراء كما حدث في أفغانستان
الطالبان أو إيران آيات الله وما إلي ذلك .
-
5.
تملق بعض الأقباط : ظهر أيضاً على الساحة السياسية بعض الأقباط
الذين يرفضون أن من حق الأقباط أن يرشحوا أنفسهم لرئاسة
الجمهورية بصفتهم مواطنين طبقاً للدستور ، ومن حق كل مواطن أن
يرشح نفسه لرئاسة الجمهورية كما هو الحال لعضوية المجالس
النيابية . فمن يصلح للمجالس النيابية ، من الطبيعي أنه يصلح أن
يرشح نفسه لرئاسة الجمهورية . ونحن نرفض مقولة أنه من الطبيعي أن
يكون رئيس الجمهورية ينتمي لدين الأغلبية . فمن المبادئ
الدستورية أن وظيفة رئيس الجمهورية سياسية مدنية وليست دينية فهو
لا يقوم بدور الإمامة (حسب ما نعلم من نصوص الدستور) ولا هو منصب
خليفة المسلمين . ولا يوجد نص في الدستور يشترط أن يكون رئيس
الجمهورية مسلم الديانة . فأن كان فعلاً الكل مصريين ولا فرق بين
مصري وأخر إلا بالعمل الجاد ، فلا يوجد إذن مانع أن يرشح مسيحي
مصري نفسه لرئاسة الجمهورية . هل هناك ما يمنع أن يجرب الأخوة
المسلمين أن يكون رئيس الدولة مسيحي ، فالمهم أن كل واحد يعيش
حياته الدينية كما تتطلبه ديانته من ناحية ، ومن ناحية أخرى أن
يحيا حياة كريمة فيها كرامته مصانة ومحفوظة وهذه هي مسئولية رئيس
الدولة .
-
6.
الكلمة الأخيرة هو أن يتقي الله الطبقة الحاكمة الموجودة ويتركوا
السلطة ويذهبوا بلا رجعة في عطلة صيفية أبدية مفتوحة ، ويتركوا
شـأن مصر للمصريين حتى تتحرر من أكبال الفكر الوهابي الذي أهدر
كفاءات وثروات مصر وجعلها تتقهقر قرون للوراء ، وجعل أولادها
النبغاء يهربون للخارج حيث هواء الحرية وإمكانيات تحقيق أحلامهم
العلمية في مجتمع لا يفرق بين بيتر أو جون أو محمد أو احمد
كالمجتمعات الشرقية .
|
|
|
|