بقلم: مينا ملاك عازر
صديقي القارئ وعدتك بأن أتحدث عن كيفية تصالح المصالح العالمية، وها أنا أفعل ليس على طريقة الجسوس الذي كان يحكم البلد، ولا على طريقة من يلبس النقاب ليتوارى من المواجهة فيتستر بزي النساء لكن على طريقة كل مصري رجل شريف لا يقبل أن يظلم جيشه، ويعتبره أحداً أياً كان ما فعله انقلاب عسكري، ولذا أبدأ بتحليل ما جرى وهل هو انقلاب أم لا، ثم أنتقل في مقالات قادمة إن شاء ربنا إلى مسألة تصالح المصالح التي تحكم الرؤيا الأمريكة المفترية لما قام به جيشنا العظيم، ولكن قبل الحديث حول الانقلابات العسكرية أرى أنه من المناسب الإشارة إلى لماذا خلعنا الجسوس؟
لقد قام مرسي بعدة أمور تسيء للديمقراطية في مضمونها وهي
1- اغتصاب سلطة إصدار الإعلانات الدستورية وهي سلطة لا تمنح إلا لسلطة منتخبة لهذا الغرض فأصدر إعلانه الدستوري الديكتاتوري في 21 نوفمبر الماضي.
2- حين أصدر الإعلان الدستوري سالف الذكر قفز على السلطة القضائية وكبلها بأن أعطى حصانة لقراراته ضد أحكام القضاء فيما يعني أن صار له الحق بأن يقرر قرارات قد تكون خاطئة ولا يستطع أحد مراجعته.
3- أقال النائب العام وعين آخر بدلاً منه في مخالفة صريحة لصحيح القانون الذي يقضي بأن يتقدم مجلس القضاء الأعلى بثلاث أسماء يختارها يتخير من بينها الرئيس واحد منهم.
4- أعطى مجلس الشورى سلطات تشريعية ليست من حقه وكل ذلك مرتكزاً على الإعلان الدستوري سابق الإشارة إليه.
5- حصن مجلس الشورى الذي انتخب بمخالفة صريحة لصحيح القانون والدستور فيما يعني أنه أبقى على الخطأ بتحصينه ضد الحل من المحكمة الدستورية العليا.
6- قمع معارضيه وأشرف على عمليات قتل للمعتصمين أمام قصره ولم يحرك ساكناً، وهو نفس ما فعله في بورسعيد حين قُتل قرابة الخمسين شخص ولم يتخذ اللازم إلا بعد أن ثارت المدينة فاضطر لإنزال الجيش للحفاظ على السلم والأمن العام وكان ذلك بناءاً على طلب أهل المدينة.
وهذه الأخيرة مدخلنا لنفهم هل ما جرى انقلاباً عسكرياً؟ هل تأمين الجيش مطالب الثوار والشعب يعد انقلاباً على الشرعية؟ لو كان هذا صحيحاً لاعتبرنا أن نزول الجيش وقت مذبحة بورسعيد سالفة الذكر انقلاباً على الشرعية، واعتبرنا بالتالي أن ثورة يناير التي أيدتها أمريكا انقلاباً على الشرعية من قبل الجيش خاصةً وأن الجيش وقتها قد حكم البلاد بدلاً من المخلوع وأدار شؤونها، وكانت له سلطة إصدار الإعلانات الدستورية وهو ما لم يقترب منه الجيش في حالة ثورة الثلاثين من يونيو، بل أن الجيش في هذه الحالة فقط نقل السلطة من رئيس قاتل سفاح مجرم سفك دم شعبه بدم بارد مثله مثل بشار الذي تعارضه الإدارة الأمريكية وتدعم معارضته، وذلك لا لشيء إلا لأن الجيش اختار الوقوف بجوار الأغلبية الموجودة بالميادين وهي جموع الشعب المصري المعارضة لحكم مرسي وجماعته.
وما دمنا أتينا لسيرة جماعته، فنحن إزاء تساؤل لمصلحة، من كان يقترف مرسي كل هذه الخطايا والأخطاء؟ سنجد الإجابة واضحة جلية وهي لمصلحة الجماعة التي كان أعضائها يتمتعون بحصانة قانونية، فيقتلون ولا يمثلون للتحقيق لتكبيل يد الشرطة، ولأن النائب العام المعين في الحادثة سالفة الإشارة إليها كان ينتمي لذات الجماعة التي ينتمي إليها الرئيس المخلوع فيما يعني أن المساءلة القانونية لا تقع على عضو ترضي عنه الجماعة، ولنا في ذلك أمثلة جنائية كثيرة، من قتل وسحل وتعذيب وقعت على أسوار قصر الرئيس نفسه دليل كان جلي أمام أعين الجميع، ناهيك عما فعلوه حين احتج المحتجون على أفعالهم وذهبوا إلى مقرهم بالمقطم وما بين تلك الحادثتين جرى في النهر دم كثير سفكته الجماعة وجناحها العسكري حماس من دماء المصريين المدنين والعسكريين.
وقبل الختام، يبقى لنا سؤال أخير، وهو ما الفرق بين الثورة والانقلاب العسكري، الانقلاب العسكري يحدث بقيادة من قيادات الجيش أياً كانت، ثم يجبر الشعب على تأييدها أو يؤيدها من تلقاء نفسه دون إجبار، كما كان يحدث بدول أفريقيا وسوريا قبل الرئيس الأسد الأب، أما الثورات فيقوم بها الشعب ويؤيدها الجيش ويحميها، كما حدث منذ الثورة الفرنسية مروراً بثورات 1848 بأوربا، وثورات مثل ثورة المجر في 1956 التي كانت تؤيدها أمريكا ولكنها فشلت إزاء التدخل السوفيتي السافر لدعم السلطات المجرية حينها، وثورة تونس 2011 التي أيدتها أمريكا وأيدها الجيش فنجحت، وانتهاءاً بثورتي مصر يناير 2011 ويونيو 2013، وهما ثورتان يختلفان فقط في موقف الجيش منها فواحدة حكم الجيش بعدها والأخرى حكم الشعب بعدها بدعم من الجيش، وفي كلتيهما حماهما الجيش فلا يعدا انقلاباً وخاصة الأخيرة.
ختاماً، تأييد الإدارات الأمريكية منذ زمن بعيد الانقلابات التي كانت تجري في أمريكا الجنوبية خاصةً التي كانت تصب في مصلحتها، والانقلابات التي كانت تحدث في أفريقيا وادعائها زوراً وبهتاناً على ثورة قام بها الشعب وحماها الجيش بأنها انقلاب لأنها لا تصب في مصلحتها، وتخلع عميلها بالسلطة المصرية، يعد اختلال في الموازين والمعايير الأخلاقية العامة والعالمية ولكنه فقط في عين أمريكا استتباب في وضع الموازين التي تريد أن تُخضع بها العالم لتنفيذ رغباتها ومشاريعها، وخاصةً تلك التي تحافظ على أمن إسرائيل بتعاونها مع سلطات متطرفة وإرهابية، تجيد أمريكا التعامل معها منذ زمن بعيد، ونحن لسنا ضد السلام ولكن لا يقم ذلك على حساب وحدة الأوطان وسلام...
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com