بقلم: منير بشاى
لا يحتاج المتشددون الاسلاميون لسبب حتى يعتدوا على الأقباط وعلى كنائسهم ومتاجرهم وبيوتهم. فالاعتداءات على الأقباط لم تتوقف منذ ظهور تيار الاسلام السياسى على مسرح الحوادث. وفى هذه الأيام بعد استبعاد الأخوان عن حكم مصر تصاعدت هذه الاعتداءات بطريقة غير مسبوقة فى تاريخنا الحديث. فخلال يومين فقط بعد فض الشرطة اعتصامى الاخوان فى رابعة وميدان النهضة انطلقوا فى غضب مجنون لتدمير اكثر من 60 كنيسة و5 مدارس مسيحية و7 منشئات كنسية و190 منازل ومتاجر مملوكة للأقباط. والسؤال الملح: لماذا يستهدفون الاقباط بالذات؟ ولماذا لم يعتدوا على الكباريهات والخمارات وبيوت الدعارة؟ واذا كان لهؤلاء خصومة مع الدولة فلماذا يحولونها ضد الأقباط؟ هذا المقال محاولة للاجابة عن هذه التساؤلات.
1- يستهدفون الأقباط لسرقة أموالهم ونهب ممتلكاتهم
الحقيقة الواضحة ان عددا كبيرا ممن يستهدفون الاقباط ليس لهم دوافع دينية او سياسية، بل هى بلطجة ونهب وقطع للطريق. هؤلاء هم انفسهم من يخطفون أطفال الاقباط بل وحتى الرجال والنساء وخاصة من كانوا من المقتدرين ماليا ثم يفرضوا عليهم الفدية الباهظة ثمنا لارجاعهم والا كان مصيرهم الموت. ولكن لتبرير عمليات نهب المسيحيين واعطائها غطاء من القبول الدينى يرددون مبادىء مثل ان مال النصارى حلال للمسلمين. من أين جاءوا بهذا الكلام؟ أى دين يبيح الاعتداء على شركاء الوطن المسالمين الذين لم يحاربوهم أو يخرجوهم من ديارهم او يسيئوا اليهم؟
2-يستهدفون الأقباط لاعتقادهم انهم كانوا وراء المظاهرات ضدهم
من حق الاقباط ان يتخوفوا من الأخوان لأنه فى ايدلوجية الاخوان لا مكان للاقباط فى وطنهم، ولأنهم لم يحصلوا على أى حقوق خلال فترة حكم الأخوان. ولكن الاعتقاد ان الأقباط كانوا الأكثر عددا ضمن المعارضين لحكم الأخوان وان 80% من المتظاهرين كانوا أقباطا مغالطة كبرى. فكيف يمكن للاقباط الذين يكونون 5 مليون حسب تقدير الاسلاميين يقوموا بمظاهرة يبلغ عددها نحو 33 مليون متظاهر؟ وحتى اذا أخذنا نسبة تعداد الاقباط حسب تقدير الاقباط وهو حوالى 15 مليون فهذا العدد لا يمكن ان يكون العنصر الغالب فى المظاهرات. لابد من الاعتراف ان جميع المصريين وغالبيتهم من المسلمين قد اكتشفوا حقيقة الأخوان وخرجوا معا لخلعهم من حكم مصر.
3-يستهدفون الأقباط لإعادتهم لدور الذميين
المسيحيون فى عرفهم ليسوا مواطنون متساوون معهم فى الحقوق والواجبات، بل هم ذميون يكتسبون شرعية وجودهم من تعهد المسلمين بحمايتهم نظير دفع الجزية "عن يد وهم صاغرون" (سورة التوبة 29) أى وهم أذلاء محتقرون. ولذلك فصوت الأقباط فى المظاهرات وهم يطالبون بالحقوق يستفزهم. وقد دفعت بعضهم للقيام بمظاهرات مضادة يهتفون فيها "يادى الخزى يادى العار النصارى من الثوار". ولا أدرى كيف يكون احساس البعض بالكرامة خزى للبعض الآخر؟
4-يستهدفون الأقباط لتطهير مصر منهم ومن كنائسهم
ما يزال يحلم المتشددون بتطهير مصر من كل من هو غير اسلامى. بل وتطهيرها من بعض المسلمين الذين يعتبرونهم خارجون عن الاسلام مثل الشيعة بل وحتى بعض السنة ممن يرون الأمور بطريقة تخالف معتقدهم. أما الكنائس فمنظرها وهى رافعة الصليب يؤذى أنظارهم. وهم يريدون ان يعيدوا زمن الشريعة العمرية حيث فرض على مسيحي الشام "ان لا يحدثوا في مدينتهم ولا فيما حولها ديرا ولا كنيسة ولا قلاية ولا صومعة راهب، ولا يجددوا ما خرب منها، وان يشدوا الزنانير على أوساطهم، ولا يظهروا صليبا ولا شئ من كتبهم في شئ من طرق المسلمين."
5- يستهدفون الأقباط لخلق مشاكل داخلية للنظام
يعلم المتشددون انهم عندما يعتدون على الاقباط ستواجه الدولة بإشكالية وخاصة فى القرى النائية التى ليس بها تواجد امنى قوى. وهم يأملون ان يتسبب هذا فى تذمر الاقباط من عجز الدولة عن حمايتهم. وربما ياملون فى انتقام الاقباط بالهجوم على المساجد، او قيام حرب أهلية بين المواطنين. ولكن الأقباط كانوا أكثر وطنية فلم يتذمروا أو يشكوا وفوتوا عليهم فرصة الوقيعة بينهم وبين الدولة. ومن ناحيتها اعلنت السلطات بذل كل مجهود لحماية مواطنيها واعلن الفريق اول عبد الفتاح السيسى انه سيبنى الكنائس المتهدمة على حساب القوات المسلحة.
6- يستهدفون الأقباط لخلق مشاكل خارجية للنظام
واخيرا قد يكون هدفهم ايجاد مشكلة بين مصر وبين العالم الخارجى بإظهار النظام عاجزا عن حماية مواطنيه الأقباط، ويتمنون ان يتسبب هذا فى شكوى أقباط المهجر الى المنظمات الدولية. ومرة أخرى خاب ظنهم لأن الاقباط اعلنوا انهم مع الدولة يد واحدة. وفى مظاهرة لوس انجلوس ضد التدخل الأمريكى كان قنصل مصر ضمن آلاف المتظاهرين المصريين أقباطا ومسلمين. وقد اعلن قداسة البابا تواضروس ان الذى يحمى الاقباط هو الوطن مصر.
الحقيقة التى ستظل قائمة وعسى ان يفهمها الاسلاميون ان المسيحيين هم اصل مصر، هم ليسوا وافدين عليها يتوقف بقائهم على كرم أو رضى أحد. لا يوجد سبب مقبول دينيا او قانونيا محليا او عالميا يتحول معه الأقباط الى مواطنين من الدرجة الثانية فى ارض آبائهم واجدادهم. نحن نعيش فى زمن الحرية والمساواة بين جميع المواطنين. الذمية كلمة ليست موجودة فى قاموس هذا العصر، لقد انتهى زمانها واصبحت فى ذمة التاريخ.
Mounir.bishay@sbcglobal.net
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com