بقلم: مؤمن سلام
تصر الأحزاب المصرية على دفن رأسها بالرمال وعدم رؤية الواقع، والاستمرار في تعليق فشلها على شماعات مختلفة حتى لا تعترف أن هناك قصور شديد داخل كل حزب منها.
في أيام مبارك كان الكلام دائما عن أن النظام لا يترك لها حرية العمل وأمن الدولة يفجرها من الداخل، وأنها لو تركت تعمل بحرية فسوف تهزم الحزب الوطني في اى انتخابات حرة ونزيهة. ورحل مبارك والحزب الوطني وأمن الدولة فماذا حدث؟ استولى الإخوان وباقي الإسلاميين على كل أركان السلطة وكادت تضيع مصر. وظهرت الحقيقة أن مبارك ونظامه كان يستغل أمراض هذه الأحزاب ولا يصنعها.
وفى عصر الإخوان اشتكت الأحزاب من الرشاوى الانتخابية للإسلاميين المتمثلة في الزيت والسكر والأرز، والخطاب الديني الذي يثير عاطفة المصريين ليبرروا فشلهم في جميع الانتخابات وسحق الأحزاب الدينية لهم بنسبة 75% في مجلس الشعب، وها قد ذهبت الأحزاب الدينية إلى حيث لا رجعة كما نتمنى. فماذا فعلت هذه الأحزاب حتى الآن؟ خاصة أن الأرض ممهدة لهم في هذه اللحظة التاريخية التى أعلنت فيها الأمة المصرية رفضها للمزج بين الدين والسياسة.
لم يفعلوا شيء في الحقيقة. فمازالت أحزاب مجهولة، مجهولة قيادتها، مجهولة نشاطاتها. بل يستعدون الآن لتبرير فشلهم المستقبلي في الحياة السياسية ليضعوه على شماعة جديدة هي الانتخابات الفردية، وان الانتخابات لو أجريت بالقائمة لكانوا قد فازوا. وهو ابعد ما يكون عن الحقيقة في رائي.
هذه الأحزاب تعانى من ضعف شديد في بنيتها الفكرية والبشرية والمادية تجعلها غير قادرة على المنافسة في أي انتخابات.
فمن الناحية الفكرية لا تجد لهذه الأحزاب أيديولوجيا واضحة، ولا تجد من أعضاءها من يعرف أيديولوجية حزبه، بل تجد من ينضم لحزب يقول عن نفسه انه ليبرالي ولكن يحمل فكر قومي عربي اشتراكي ناصري مؤيد لحزب الله وإيران، في خلطة عجيبة لا تراها إلا في مصر. أحزاب ترفع راية الاشتراكية والليبرالية وترفض أن يصفها أحد أنها علمانية. وبما أنه ليس لدى هذه الأحزاب أي أيديولوجية أو بنية فكرية فمن الطبيعي أن لا تقدم لأعضائها أي نوع من أنواع التثقيف السياسي، ما يجعل أعضائها على درجة كبيرة من السطحية وعدم القدرة على الدعاية للحزب لتوضح فكر وبرامج ورؤية الحزب لحل مشاكل الوطن والنهوض به سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا وعلميًا.
أحزاب بهذه المواصفات من الطبيعي أن تعانى من ضعف قواها البشرية. فمن سينضم لحزب بلا هوية؟ ومن سينضم لحزب أعضاءه مثل سيئ لمن يريد ممارسة السياسة وقادته بلا مواقف سياسية واضحة ومحددة تجعل الناس تنظر ليهم نظرة إعجاب بوطنيتهم وشجاعتهم وثقافتهم وفكرهم؟ هذا فضلا عن أمور أخرى تصل إلى أسماع الناس حول الفساد المالي داخل هذه الأحزاب، والمعارك الشخصية حول أمور أبعد ما تكون عن مصلحة الحزب، مجرد نزاع على مناصب وكراسي لا تساوي قيمة الخشب المصنوعة منه. فمن يرغب في الانضمام لحزب ما سيبحث عن حزب يتوافق معه فكريا، ويحترم قادته، ويتمتع أعضائه بالسمعة الحسنة، ولا تكون الصراعات داخلة صراعات أشخاص ولكن صراعات أفكار من أجل مصلحة الحزب ومن ثم مصلحة الوطن.
يؤدى الضعف البشري بالضرورة إلي ضعف مادي، فحزب بلا أعضاء من أين سيأتي بالأموال للإنفاق على نشاطاته وفاعلياته؟ إلا أن يسيطر علية رجل أعمال كبير ينفق علية ويتحكم فيه في نفس الوقت ويجعله كأحد شركاته، شركاته تحقق له أرباح مالية والحزب يحقق له أرباح سياسية في تعامله مع السلطة القائمة في الدولة.
اختلاط هذه الأمور الثلاثة من الطبيعي أن يؤدى إلى ظاهرة الأحزاب الكارتونية التى لا يعلمها أحد. ومن الطبيعي أن يؤدى هذا إلى فشل هذه الأحزاب في اى انتخابات سواء كانت بنظام فردي أم قائمة. ودعونا نواجه الحقيقة ففوز الأحزاب الدينية بنسبة 75% من برلمان ما بعد الثورة لم يكن فقط بسبب الخطاب الديني والرشاوى الانتخابية ولكن أيضا بسبب عدم معرفة الناخب بالأحزاب المدنية. فكثير من المرات كنت أتلقى هذه الإجابة عندما أسئل الشخص كيف تنتخب الإخوان أو السلفيين فتكون الإجابة "أصلي معرفش غيرهم".
وعلى هذه الأحزاب أن تدرك أنه طالما ليست لديها القدرات المادية للإنفاق على مرشحيها وبالتالي انتقاء الأفضل والأكثر كفاءة سيظل راس المال هو المسيطر على ترشيحات الأحزاب سوا كانت فردية أم قائمة. ففي الفردي سينفق المرشح على دعايته بنفسه وهنا من الطبيعي ألا يذكر انه مرشح الحزب الفلانى أو العلاني، إلا كنوع من كرم الأخلاق. وفى حالة القائمة سيضع صاحب المال نفسه على رأس القائمة بقوة الإنفاق على الدعاية حتى يضمن الفوز ودخول البرلمان حتى يستطيع استرداد ما أنفقه أضعاف مضاعفة.
على أحزابنا أن تقف أمام المرآة وتنظر إلى عيوبها وتعترف بأمراضها وتحاول أن تعالج نفسها بدلا من البحث عن شماعات تعلق عليها فشلها. فالقضية ليست قضية النظام الانتخابي ولكن قضية أحزاب ليست بأحزاب.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com