بقلم :منير بشاى
هذا سؤال يتردد على ألسنة الكثيرين فى مصر فى هذه الأيام.البعض يسأله للاستفسار البرىء، والبعض يردده من قبيل العتاب، والبعض يعبر به عن خيبة ألامل، والبعض الآخر يقصد به اللوم والتوبيخ. وللحقيقة هناك ايضا من يقدر اسهامات أقباط المهجر ويقدم لهم الشكر والتقدير.
بداية يحز فى النفس ان يصل اسلوب الخطاب الى استعمال نغمة غير محببة فيقسم ابناء الوطن الواحد الى فريقين: نحن وهم.ومن ناحية فان اقباط المهجر ليسوا تحت التزام قانونى ان يفعلوا شيئا لأحد. ولكن هناك ما هو اهم من الالتزام القانونى وهو الالتزام الادبى التطوعى الذى فرضوه على انفسهم تجاه اخوتهم وبلدهم الام. وأهم من هذا كله حقيقة ان ظاهرة هجرة الاقباط التى بدأت منذ حوالى نصف قرن، بالنسبة لشعب لا يميل الى الهجرة، ليست مجرد صدفة عابرة ولكنها بالتأكيد جزء من مخطط الهى عبر عنه قديما يوسف بالقول "لأنه لاستبقاء حياة أرسلنى الله قدامكم" تكوين 45: 5
من الطبيعى ان الاحساس بالالم يزداد عندما ياتى من أخوة نحبهم ومصلحتهم هى همنا الذى نحمله على اكتافنا، ويشغل أفكارنا أثناء النهار ويسرق النوم من جفوننا اثناء الليل. وقد تذكرت ان نفس هذه الاشكالية قد واجهت الرسول بولس واضطرته ان يفتخرا بانجازاته لقوم كانوا ينكرونها عليه، ثم فى النهاية خلص الى القول"قد صرت غبيا وانا افتخر. انتم الزمتموني لانه كان ينبغي ان امدح منكم " (2 كو 12: 11) وبالمثل نحن كأقباط المهجر امام خيارين كلاهما مر، اما الشعور بالغبن نتيجة السكوت فى وجه محاولات الغاء كل مجهوداتنا، أو الشعور بالغباء اذا ما حاولنا اننتفاخر بما نعمله. ولذلك ربما افضل ما استطيعه فى هذا المقام هو ان اصحح بعض ما يصيبنا من غبن بسرد الحقائق المجردة، وبدون افتخار، لان الفضل كله يرجع لله.
الغريب ان كثيرا من الأصوات التى تلومنا اليوم على عدم الكلام هى نفسها من كانت تلومنا بالأمس عندما كنا نتكلم. فى الماضى كنا نفضح الارهابيين الذين يتعدون على أقباط مصر وايضا سكوت الدولة عليهم. اليوم تغيرت الصورة لأننا وجدنا انفسنا فى صف جيش مصر وحكومة مصرالجديدة ضد حكومة الاخوان التى كانتهى الحكومة وهى الجماعات الارهابية فى نفس الوقت.
ولعل مظاهرة لوس انجلوس الأخيرة تعبّر عن هذا المزيج الجميل الذى كان لأول مرة يجمع الاقباط المصريين والمسلمين المصريين وايضا قنصل مصر فى لوس انجلوس فى جبهة واحدة لم يحدث مثلها من قبل.وهى كانت واحدة من مظاهرات عديدة قام بها أقباط أمريكا لشرح ما يجرى فى مصر لكسب تأييد الشعب الأمريكى.وهناك العديد من المظاهرات الأخرى قامت فى العاصمة الأمريكية، وفى سياتل وأتلنتا وغيرها. هذا غير مظاهرات كندا واستراليا وأوروبا.وتلك المظاهرات ادتفيما بعدالى لقاءاتمع صحفيين ومحطات راديو وتلفزيون لشرح القضية للشعب الأمريكى.
شىء آخر تقوم به المنظمات القبطية هو اصدار بيانات صحفية Press Release تشرح القضية بالتفصيل وتقوم بتوزيعه الكترونيا شركات اعلامية متخصصة توصّل الرسالة الى كل ركن فى الولايات المتحدة والعالم وهى تتكلف آلاف الدولارات. وقد اصدرنا العديد منها فى هذا العام لتوضيح قضيانا أمام الرأى العام العالمى.
أما الاعلانات المدفوعة الأجر فقد قام أقباط المهجر باصدار العديد منها خلال السنوات الماضية ويفكرون حاليا فى اصدار اعلان صفحة كاملة فى احدى الجرائد فى العاصمة الأمريكية. والاعلان فى بعض هذه الجرائد قد يصل الى نحو مائة الف دولار. ولا أكون مبالغا ان قلت ان مجموع تكاليف الاعلانات التى صدرت حتى الآن يصل الى ملايين الدولاارات.
هذا غير المجهودات الفردية لعمل العرائض Petitions التى يوقع عليها عشرات الآلاف من الناس، أو الرد على ما ينشر فى الاعلام الأمريكى من مقالات متحيزة ضد مصر، أو الاتصال بمندوبى الكونجرس لابلاغهم بحقيقة ما يجرى فى مصر، أو عقد اجتماعات معهم لهذا الغرض.
والمعروف أن اقباط المهجر هم الذين انشأوا الفضائيات العديدة التى تبث برامجهاعلى مدار اليوم و تتكلم عن قضايانا السياسية واهتماماتنا الأخرى كالدينية والاجتماعية. وهم ايضا من أنشأوا عشرات المواقع الالكترونية (الانترنت) التى تنشر المعلومات باللغة العربية واللغات الأجنبية.
ثم ان اقباط المهجر هم من يموّلوا المنظمات الخيرية الكثيرة التى تعمل داخل مصر وتساعد المعوزين على اقامة مشروعات يعيشون منها أو تلبية غيرها من الاحتياجات. كما ان العديد من أقباط المهجر يساعدون أقاربهم فى مصر فى ظروفهم المادية الصعبة. ويكفى ان نعلم ان تحويلات المصريين بالخارج لمصر يمثل اكبر مصادر مصرللعملة الصعبة وهو يزيد عن دخل قناة السويس واعانات الدول العربية والغربية. وهو امر فى غاية الأهمية حاليا خاصة بعد ضرب السياحة.
ولعل الشكوى من تدنى اداء أقباط المهجر ناتج من عدم رؤية نتائج سريعة ملموسة لمجهوداتهم.والبعض يتصور ان أقباط المهجر فى استطاعتهم ان يضغطوا على زرار فتتغير الصورة تلقائيا. ولكن الحقيقة ان العمل الحقوقى والسياسى عمل تراكمى يأخذ وقتا قبل انيحقق نتائجه. وقد بدأنا فعلا نرى نتائج ايجابية لهذه المجهودات. وبالصبر والمثابرة سيتحقق المزيد باذن الله..
ختاما ان اقباط المهجر لا يجب ان يتحملوا وحدهم مسئولية تصحيح مفاهيم الغرب عن مصر،فيشاركهم المسئولية المسلمون المهاجرون. وهى صميم وظيفة سفاراتنا وقنصلياتنا فى الخارج.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com