بقلم: عماد توماس
للشاعر اللبناني جبران خليل جبران مقولة رائدة تقول "الشرق مريض أدمن الأطباء الكذوبين ويمقت أي طبيب يبوح له بحقيقة داءه".
ومفكرنا الكبير "طارق حجي" مثل الطبيب الجراح الذي لا يتعامل مع الجرح من الخارج، لكنه يغوص بمشرطه بمهارة قد تكون مؤلمة لكن بدونها قد لا يُشفى المريض.
لذلك يرى مفكرنا الكبير إن مشكلة المجتمعات الناطقة باللغة العربية أو معظمها وكذلك مشكلة عدد من المجتمعات الإسلامية غير العربية لا تحل بالمواجهات العسكرية والأساليب الأمنية والإغراءات أو العقوبات الاقتصادية فكل ذلك لا يغوص للجوهر، فالجوهر معرفي وثقافي بشكلٍ أساسي وبالتالي فإن التعامل الأول والأكثر نفعاً معه هو التعامل بالعقل والمعرفة.
مشروعه الفكري:
قلما نجد من يكتب ولديه منهجا أو مشروعًا فكريًا محدد الملامح، وكاتبنا الكبير استطاع أن يروج لمشروعه الفكري في كتاباته على عدة ركائز أساسية منها: الإيمان بأن التقدم "ظاهرة إنسانية" قبل أية صفة أخرى، وإن "التعددية" هي أروع حقائق الحياة، وإن التعصب الديني والقومي والوطني والعرقي والأيديولوجي كلها ظواهر "ضد التقدم" و"ضد الإنسانية" بالإضافة إلى أن الأديان هي شأن عام لا علاقة لها إطلاقًا بإدارة المجتمعات والحياة، كما أنها ليست أساس أو مصدر القيم والأخلاق (كشأن خاص).
الهوية المصرية:
يكتب المفكر طارق حجي من عشرات السنين، ليرسّخ في العقلِ المصري أن المصريون أولاً وأخيرًا "مصريون"، وأن هويتهم تنبع من موقعِهم الجغرافي والذي يربطهم بشرقِ البحر الأبيض المتوسط. ولا ينكر حجي الروابط الإسلامية والمسيحية والعربية والأفريقية، لكنه لا يضع شيء من ذلك في مكانِ هويته الوحيدة وهي الهوية المصرية.
قيمَ الليبرالية والديمقراطية:
يؤكد على أن قيمَ الليبرالية والديمقراطية والحرياتِ العامة وحقوق الإنسان بصفتها أجل وأعظم وأرقى ما أنجزته مسيرةُ الإنسان على الأرض.
قيمة المرأة:
يشدد على قيمة المرأة في المجتمع، حتى أنه يقول "لا أمل ولا رجاء في مجتمعٍ لا يعطي المرأة كل الحقوقِ في كلِ المجالاتِ".
الإدارةَ الحديثة:
يرى حجي أن الإدارةَ الحديثة والفعالة والخلاقة هي الأداةُ الوحيدةُ لحدوثِ التقدمِ المنشودِ وإن واقعَنا يفتقر أشد الافتقار لكادرٍ بشري يملك تقنيات الإدارة الحديثة.
ثورة تعليمية:
يحاول ترسيخ فكرة أن المؤسسات التعليمية في حاجةٍ لثورةٍ كاملةٍ لأنها لا تثمر إلاَّ مواطنًا لا يصلح البتة لمواجهة تحديات العصر.
أقباط مصر:
يؤكد دائمًا في مقالاته إن أقباط مصرَ ليسوا مواطنين من الدرجة الثانية وإنما هم (معنا) مُلاك أصليون للمواطنة المصرية وأن لهم مشاكل قابلة بالكلية للعلاج.
الإعلام المصري:
يحذر من أن المؤسسة الإعلامية بحاجة ماسة للحاق بركب العصر لا في الشكلِ الخارجي وعددِ القنوات التليفزيونية وإنما في جوهرِ الرسالة الإعلامية -فإذا كان التعليمُ هو أداة الإصلاح المثلى على المدى البعيد فإن الإعلامَ هو أداةُ التصويبِ والتوعيةِ المثلى على المدى القصير-.
الشباب والمستقبل:
يدعو العقلِ المصري (لاسيما عقول الشباب) أن كل شيء في الحياة قابل للتحقيق إذا توفر التكوين السليم مع الإرادة الصلبة، وأنه لا يوجد شيء أسمه المستقبل، فالمستقبل هو ثمرة ما نصنعه الآن.
سجون العقل العربي المعاصر:
أتيح لطارق حجي أن يقوم بدراسة ومراقبة ومتابعة العقل العربي خلال العقود الأربعة الأخيرة من جوانب مختلفة، وكانت المحصلة صدور عدة كتب له بعدة لغات منها العربية والانجليزية والفرنسية والايطالية، وفي كتابه الأحدث "سجون العقل العربي" وصف حجي، العقل العربي المعاصر بأنه كيان مأسور في ثلاثة سجون أو مسلسل بثلاثة قيود : قيد التفسير الماضوي المُتحجر المُناقض لحقائق العلم والتقدم والمدنية للدين، ثم ثانيًا قيد الثقافة منبتة الصلة بالعلم والعالم المعاصر والتي نتجت عن التاريخ العربي وجغرافيا الجزيرة العربية السياسية ، ومؤسسات وبرامج تعليمية لا تُرسخ قيم المدنية والتقدم والإنسانية إنما تُرسخ كل ما هو مناقض ومضاد لكل القيم وثالثًا وأخيرًا فإن هناك سجن ثالث أو قيد ثالث يَحول بين العقل العربي والتقدم وهو إشكالية فلسفية واقعة بين هذا العقل ومفهوم المعاصرة والتقدم تجعله رافضًا لها، بل ويراها كغزو ثقافي لقلعته الفكرية وموروثة الحضاري والثقافي.
احترام الآخر:
أولى استأذنا الجليل، عناية فائقة بدراسة الأديان الإبراهيمية وغيرها. فدرس سائر الفرق الإسلامية وبالذات الفرق السرية ، وأولي اهتماما فائقا بالقرامطة والحشاشين والإسماعيليين والدروز والعلويين والأيزيدية. كما درس العديد من الديانات (غير السماوية) والتي أفرز بعضها من الأخلاق والحلال ما هو أكثر من رائع. ويقول أنه: ولع بدراسة اللاهوت المسيحي ومحطاته الكبرى (مجمع نيقية أفسس + خلقدونية) -حتى إن جامعة تورنتو الكندية أسست منحة دراسية للدراسات العليا باسمه هي منحة طارق حجي للدراسات العليا في أبحاث الأديان المقارنة-، والنتيجة التي خرج بها من كل هذه الدراسات، هي أن الإنسان يتجاوز حدوده عندما ينصب نفسه حكمًا على عقائد الآخرين، وإن على المرء العاقل أن يحترم لأقصي حد عقائد الناس على تباينها وألا ينطلق من كونه على صواب وكون الآخرين مخطئين، فهذا الحكم ما هو إلا عبث طفولي من منظور المعرفة الرحبة. وبناءً عليه فهو شديد الاحترام لكافة الديانات.
دانات طارق حجي:
برع كاتبنا القدير، في كتابة المقالات المطولة (ما بين 1000 و3000 كلمة لكل مقال) بجانب عشرات المقالات القصيرة جدًا. ومعظم هذه المقالات لا تتجاوز كلمات كلٌ منها 100 كلمة. وقد نشرت هذه المقالات في صحف قاهرية مثل الأهرام والمصري اليوم ووطني. ويعتمد هذا الشكل من الكتابة (المقال القصير جدًا) على التركيز الواضح على فكرة محورية أساسية. واسم دانات يعني لغةً أحد أمرين: فالدانات إما أن تكون هي طلقات المدافع وإما أن تكون هي حبات اللؤلؤ الكبيرة.
في احد دانته التسعين يقول: عجزت عن فهمِ صمتِ الحكومةِ المُطبق تجاه المُخَرِب الذي أصدر كتابًا يُسيء لأقباط مصر إساءة دنيئة وممجوجة، فإذا به يطل علينا من جديد (من خلال صحيفة قومية يومية) وإذا به يعود للعبة الظلامية التي يهواها وهى تأثيم وتجريم بعض الكُتب. وهو لا يفعل ذلك من "بيته" وإنما من خلال مؤسسة من مؤسسات الدولة. ما هو التفسير إلا انعدام أو ضحالة الرؤية السياسية والثقافية.
وفي أحد الدانات الأخرى –المناسبة جدًا هذه الأيام على خلفية الهجوم المتكرر من د. محمد عمارة على الكتاب المقدس- يقول المفكر طارق حجي: إن الشيء الوحيد الذي علينا أن نزرعه في عقول وضمائر أبناءِ وبناتِ أي مُجتمعٍ مثل مُجتمعنا هو أنكَ إذا أردت أن يحترم الناس دينك ومُعتَقَدَك فإن عليك أن تحترم أديانهم ومُعتقداتهم وألا يكون همك الدخول في حوارات هدفها إثبات التفوق والسبق.
برج "العظماء":
يبقى أن نذكر أن المفكر الليبرالي طارق حجي من مواليد محافظة بورسعيد يوم 12 أكتوبر عام 1950، وهو بالتالي من مواليد برج "الميزان"... الذي يقول الفلكيون عنه أنه برج "العظماء"... والله اعلم.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com