صمت الرجل طويلاً, صمت صمتا محيّراً مقلقاً, صمتاً لم تستطع الإتهامات والإهانات أن تقتحمه وتجعله يبوح بما لديه, صمت وظنَّ الكثيرون أن صمته يُدينه, صمت وأعتقد آخرون أنه ليس لديه ما يدافع به عن نفسه, وكُلّما ظهر فى المحاكمات تراقبه عدسات الكاميرات وعيون العالم, إمّا فضولاً أو تشفّياً أو شفقة, أو رُبَّما إنتظاراً لكلمة ينطق بها، فتميط الّلثام عن سرّ هذا الصمت المحيّر .
كان يظهر أمام العدسات من وراء القضبان إما راقدا على سريره أو جالسا على مقعده, يضع يده على خده ونشاهده على شاشات التلفزيون, ولكن فى الأغلب كان هو من يشاهد و يتأمل و يسجل تغيرات طرأت على شعب ظلمه دون بحث جاد عن الحقيقة, صدق ما شاهده وسمعه فى وسائل الإعلام المحلية والدولية وتناسى الكثير مما قدمه له, حكم مصرثلاثين عاما وخدمها عسكريا فى القوات المسلحة حوالى أربعون عاما, خاض حروبا وأعاد بناء القوات الجوية بعد إنهيارها فى نكسة 67 وكان العنصر الرئيسى فى إنتصار أكتوبر 73, وعندما تسلم مصر بعد إغتيال الراحل أنور السادات أنقذها من مصير مجهول، كان ينتظرها على يد الجماعات الجهادية والتكفيرية, وكان المخطط الخارجى أن تتحول مصر بعد إستشهاد الرئيس السادات إلى إيران ثانية, قاد سفينة كانت أوشكت على الغرق فى بحر الفوضى والدم , ولكن لأنه عسكرى وقائد حربى, نجح فى العبور بها إلى بر الأمان ... لكن ماذا حدث ؟؟
لماذا كان الشعب يهتف بالروح بالدم نفديك يا مبارك وإذا بنفس هذا الشعب يهتف ويقول الشعب يريد إسقاط النظام ؟ لماذا أصاب الرعب الشعب عند محاولة إغتياله فى إثيوبيا فى منتصف التسعينات و لماذا تبلدت مشاعره وهو يرى رجل كبير فى السن يهان و يقاد إلى السجن ؟
هل الشعب المصرى شعب جاحد, أم شعب تم تضليله والضحك عليه ؟
إن الرئيس مبارك بالتأكيد ليس ملاكا, فهو بشر يخطئ ويصيب, له ما له وعليه ماعليه...لكن هل خان الوطن؟ هل باع الأرض؟ هل هرب من المعركة ؟ هل ترك شعبة يقتتل؟ هل إستباح دم المصريين؟ الإجابة هى بالتأكيد ..لا وألف لا .
هل أذاق العدو مرارة الهزيمة؟ هل تصدّى للمخططات الأمريكية فى هدم مصر وتفتيتها ؟ هل صدم الولايات المتحدة برفض تحقيق رغباتها فى قواعد عسكرية فى مصر, فى تمرير قانون الإجهاض فى مؤتمر التنمية والسكان فى 1994؟ هل حقق طفرة صناعية وإقتصادية وعسكرية أرَّقت مضجع العدو؟ وأشياء أخرى كثيرة تحسب له، لكن لا يتسع المجال لذكرها؟ الإجابة نعم وألف نعم.
لقد مرَّ على حكم مصر الحديثة رجال كثيرون، سأذكر منهم الملك فاروق, جمال عبد الناصر, أنور السادات وحسنى مبارك, ظلمهم التاريخ وشوّهتهم نخبة مصر وإعلامها و زوروا تاريخهم, وحتى لا يفسر كلامى خطأ, أنا لا أطلب تمجيد هؤلاء وتأليهم, أنا لا أطلب سوى الإنصاف والعدل, التاريخ بحلوه ومُرّه, بانتصاراته وهزائمه , بانجازاته وفشله, رحمة بأولادنا وبوطننا قبل أن يكون رحمة بهؤلاء, إن مصر لم تغب يوما عن المشهد العالمى، كان ومازال لها كلمتها المؤثرة المسموعة، و قد وصلت مصر لهذه المكانة العالمية بفضل حُكّامها, وعندما تراجعت خلال السنوات الثلاث الماضية, تراجعت لأن الشعب صدّق أكاذيب الإعلام وأنساق خلفها، فأتى بمن أهان مصر وحاول تقسيمها وحاول بيع أرضها وشعبها, شعب تم اللعب بأحلامه ونخبة كانت تلعب لمصالحها الخاصة فكادت أن تضيع مصر, لولا قوات مسلحة، كان الرئيس مبارك قائدا أعلى لها طوال 30 عاما.
أكتب هذه الكلمات، لأنه حان وقت إنصاف هذا الرجل الذى ضحّى ليس بنفسه فقط بل قدم أسرته قربانا لمصر, و ليرفض من يرفض أو يغضب من يغضب, لكنها الحقيقة التى لن يستطيع التاريخ إغفالها هذه المرة، وقد أمدَّ له فى عمره حتى يبرئ ساحته وذمته أمام العالم أجمع، وقد قالها فى خطابه الأخير فى 1 فبراير 2011 "، وسيحكم التاريخ بما لنا أوعلينا " وأكرر و أقول إن حسنى مبارك ليس بملاك، ولكن بشر يخطئ ويصيب فلنكون منصفين لأن من َظَلمَ يُظْلم ولو بعد حين " .
وبمناسبة أعياد نصر أكتوبر المجيد أقول له "كل عام و أنت بألف خير" .
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com