بقلم: ليديا يؤانس
نحن مجانين إذا لمْ نستطع أن نُفكِر.. ومُتعصبون إذا لم نُرِدْ أن نُفكِر.. وعبيد إذا لم نَجرؤ أن نُفكِر.. (أفلاطون)
أه ... نُفكِر في أي موضوع جائز! ولكن نُفكِر في الدين لا يجوز ولا يجب! إبعدي عن الدين وكلمينا! لماذا؟ أليس الله المُفكِر الأعظم وقد خلق الإنسان على شبهه ومثاله بعقلٍ لكي يُفكِر!
كان في القديم مدينة إسمها سَدوم وأهلها كانوا أشرار وخُطاه لدي الرب جداً، وأراد الرب أن يُهلِك المدينة بسبب شرها، ولكنه أراد أن يُطلِع أبونا إبراهيم على ما سَيفعله لإنه كان يدعوه خليله ولأن الرب إله يُقدِس فكر وحُرية الإنسان. فقال الرب "هل أُخفي عن إبراهيم ما أنا فاعله" (تكوين 17:18). فتقدم إبراهيم وقال أفتُهلِك البار مع الأثيم. وبدأ إبراهيم في وضع تحفيزات للرب لكي يثنيه عن هلاك المدينة. وبدأ إبراهيم الفِصال مع ربنا لو يوجد 50 بار بالمدينه سَتُهلِكها، قال له الرب: لا. ووصل إلى أن قال للرب: لو يوجد عشرة أبرار بالمدينة، هل سَتُهلك المدينة؟ قال الرب أنني لا أهلك المدينة مِنْ أجل العشرة. ولو طلب إبراهيم عدم هلاك المدينة مِنْ أجل بار واحد، كان سيستجيب الرب ولا يهلك المدينة لإنه إله رحمة.
أنحني تقديراً وإحتراماً لأبونا إبراهيم ذو القلب الرحيم المُحِبْ لِكُل الناس حتي ولو كانوا غير مؤمنين وخُطاة مثل شعب سدوم.
على مسرح الأحداث بمصر هذة الأيام هيصه وظيطه وظُمبليطه! إيه الحكاية؟ مُناقشة ووضع بنود دستور مصر!
الكُل طبعاً مِنْ حقه أن يطمئن على سلامة وصحة الدستور، أصل الدستور هُوَ المظله التي يحتمي بها المواطن ويلتحف بها في مواجهه مَنْ يُريدون أن يسلُبوه أي حق مِنْ حقوقه.
عظيمُ جداً هذا الحِرص والتنوير مِنْ كل المواطنين المصريين! ولكن الشئ الذى شد إنتباهي، أن البنود التي تتعلق بالوضع الإجتماعي للمواطنين مثلاً أو الوضع السياسي للدوله وعلاقتها بالعالم لم يحظي بكم هذا الجَدل والصُراخ والمُهاترات والتراشُق بالحجج والأحجية وتفنيد الكلمات واللعب بالألفاظ مِثلما يحدُث مع البنود التى تتكلم عن الدين والديانة والمُتدينين.
قال كارلسبي ماكيني "الأديان تنجح نجاح باهر في ثلاثة أمور: بث الفرقه بين البشر، السيطرة على البشر، وإيهام البشر."
وإن كُنت لا أتفق مع هذة العبارة لإن صحتها كان يجب أن يركز على "ان التدين الخاطئ" هو الذى يؤدي إلى ما إستنتجه السيد " كارلسبي ماكيني."
ثلاثة رجال أجلاء، واحدُ مِنهُم مرجعيته الإسلام المُتطرف، والثاني مرجعيته المسيحية، والثالث مرجعيته الإسلام المُعتدل. وبالرغم من ذلك ثلاثتهم إتفقوا على ظلم الإنسان لأخيه الإنسان!
في حين وقف رجلاً شامخاً مملوءاً بالمحبة والإنسانية مُنادياً بالحق الإنساني لأخية الإنسان. وقف البابا تواضروس الثاني ليس كراعياً للأقباط فقط بل راعياً أيضاً لأي إنسان له الحق في أن ينال حقوقه في وطنه حتي وإن كان بلا دين، أو يتبع أي عقيدة أخري غير الديانات الإبراهيمية. لقد تمثل البابا تواضروس في أحكامه وسلوكياته بسيدهِ المسيح!
المادة الثالثة مِنْ الدستور تقول "أن مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسي للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية وشئونهم الدينية وإختيار قياداتهم الروحية."
وقف البابا تواضروس عند عبارة مُهِمة جداً مِنْ المادة الثالثة والتي تقول "المسيحيين واليهود" ووجد أن بها إجحاف بحقوق من لا يندرجون تحت "المسيحية واليهودية."
البابا وضع نفسه مكان البهائي والشيعي والبوذي والسيخي والمُلحد، فشعر بمعاناة كل هؤلاء ومدى التعسُف الذى سيعانون منه كمواطنون مصريون بسبب هذة المادة.
البابا طلب مِنْ عمرو موسى رئيس لجنة ال 50 بإستبدال عبارة "المسيحيين واليهود" بعبارة "لغير المسلمين."
وقامت الدنيا ولم تقعد!
الشيخ ياسر البرهامي نائب رئيس الدعوة السلفية، أتحفنا في الأسابيع القليلة الماضية بقنابل الكراهية والبُغضة التى تنفجِر مِنْ قلبهِ العفن فينطق بها لسانه ليُلوث بها آذان السامعين لتستقر في عقول السُفهاء الذين يستشيرونه ويستمعون لمثل هذا الداعيه المُجَرَد مِنْ المشاعر الإنسانية السّامية، ولا عجب في ذلك!لأنهُ مِنْ فضلة القلب يتكلم اللسان.
يُخيل إليّ أنك شخص كريه تكره حتي نفسك، وتُروج للكراهية كما تشرب الماء. بالتأكيد أنت لست إنساناً سوياً حينما تنصح الأزواج بأنه ليس ضرورياً بأن يُحب الزوج زوجته المُسلمة، وإذا كانت زوجته كتابية (مسيحية أو يهودية) يجب عليه عدم محبتها وألا يُعاملها بالحُسني ولا يُلقي عليها السلام، بل أكثر مِنْ ذلك فإنكَ تَحثُ الرجال على أن يُعامِلوا زوجاتهم مثل الجواري والعبيد والمُغتصبات.
الخلاصة أنك تُعامل المرأة بغض النظر عن مُعتقداتها على أنها شئ نَكِره ومُحتقر ولا يفرق إذا كانت هذه المرأة زوجتك أو أمك أو أختك.
أنا سوف لا أخوض في هذا الموضوع لأنه ليس موضوع مقال اليوم، ولكنني أردت أن أقول بأن رأيك في المادة الثالثة من الدستور لم يُدهشني لأنني توقعت ذلك مِنْ هذة الشخصية السِمّاويه التى لا تعرف المحبة أو الرحمة أو الإنسانية.
ولكن عندي لك سؤال: ما موقفك إذا كنت مِنْ مُواطني إحدي الدول الغربية أو الأجنبية وطلبت أن يسمحوا لك ببناء مسجد لتمارس فيه عبادتك، فردوا عليك قائلين "نأسف لا يحق لك بناء مسجد لأننا ببساطة لا نؤمن بعقيدتك!" أكيد سَيُجن جُنونك وستعتبر هذا ظلم وإجحاف بحقك كمواطن مِنْ مواطني هذة الدولة.
برهامي .. هذا ما تُريد أن تفعله مع المصريين الذين لا يؤمنون بعقيدتك وهذا ظُلم ولكنني أقول إذا جاء العيب مِنْ أهل العيب لا يكون عيب!
الأنبا أرميا الأسقف العام أيضاً ضَمَ صوته لصوت الشيخ ياسر البرهامي بالنسبة لتعديل المادة الثالثة. بالتأكيد الشُهرة لها بريق، وكثيرين يسعون لركوب الموجه لتحقيق الشهرة وتحقيق مآرب أخري.
ليس حسناً أن تكون ذو وضع قيادي بالكنيسة وتشذ أفكارك وآراءك عن روح التعاليم المسيحية القائمة على محبة الآخرين حتي ولو كانوا أعداءك. أنت تستنكر على أصحاب العقائد الأخري والغير مؤمنين أن ينالوا حقهم كمواطنين في أن يعبدوا ما يشاءون. حتي ولو كانوا يعبدون العِجل فَهُم أحرار طالما لم يؤذوا أحداً.
أنبا أرميا .. ما رأيك في الإرهابيين الذين يتسترون خلف الدين ليعيثوا في الأرض فساداً هل مِنْ حقهم ممارسة شعائرهم وإن كانت قائمة على قتل وتعذيب البشر؟ ياترى من وجهة نظرك مَنْ مِنهُم أشّرْ؟ الإرهابيين ولا أصحاب العقائد الأخري المُسالِمين؟
أنبا أرميا .. وبما أنك راهب وذو مركز قيادي كان بالأجدر بك أن تحترم ما أدلى به قداسة البابا تواضروس كراعي للكنيسة.
أنبا أرميا .. ما رأيك في موقف المسيح حينما طالبوه بأن يدفع الجزية لقيصر الغير مؤمن؟ تعرف المسيح قال لبطرس إيه! قال لهُ: يا بطرس إعطي ما لقيصر لقيصر وما لله لله.
أنبا أرميا .. بالتأكيد قرأت أن يسوع المسيح قرر قبل الصلب أن يدخل أورشليم فأرسل أمامه رُسلاً فذهبوا ودخلوا قرية للسامريين حتى يُعِدوا لهُ فلم يَقبَلوه. لما رأى ذلك تِلمِيذاه يعقوب ويوحنا قالا يارب أتُريد أن نقول أن تنزل نار مِنْ السماء فتُفنيهُمْ. فألتفت إليهُما وأنتهرهُما وقال لستُما تعلمان مِنْ أى روح أنتُما لأن ابن الإنسان لم يأت لِيُهلِكْ أنفُس الناس بل لِيُخَلِصْ.
أنبا أرميا .. لو سمح لك الرب بخدمة مع الفقراء والمحتاجين والبؤساء، بالتأكيد على طريقة تفكيرك هذة سوف تختار المسيحيين منهم وتقدم لهم الخدمة، أما غير المؤمنين فسوف لا يكون لهم نصيب في خدمتك. معذرة يا أنبا هذة ليست روح المسيح ولا تعاليمه.
أنبا أرميا .. بالتأكيد سمعت عن الأُمْ تريزا الراهبة التى كانت تَخدم في كلكتا بالهند، كانت إنسانة بسيطة جداً لا تَملُك المال أو المركز القيادي ولكِنها كانت إنسانة تحمل قلباً مُحِباً مِعطاءاً لِكُلْ مِحتاج. كانت لا تحمل كيساً ولا مزوداً ولكنها تحمل الشفقة والرحمة لكل مُتألم ومحتاج. كانت تَجول تَصنع خيراً للجميع بدون التفرقة بين من يدين ومن لا يدين متمثلة بالمسيح الذى أحب الكل وأعطي كل الحب.
أنبا أرميا .. أنت حتي لم تتمثل ولم تتعلم من المسيح الذى تحمل لقبه. أنت أناني يا أرميا لا تحب لقريبك ما تحبه لنفسك. لو أنت مكان الإخوه الذين لا يؤمنون بالديانات الإبراهيمية أكيد كنت سَتُعثَر وتشعُر بالتهميش في بلدك وياما عاني الأقباط مِنْ سياسة التهميش وعدم السماح لَهُم ببناء أو ترميم كنائسهم.
بالتأكيد الظُلم قاسي وكما يقول الكتاب جُرحت في بيت أحبائي. كنت أتمني أن من عانوا من الظلم أن يكونوا أكثر الناس رحمة بالآخرين ومساندتهم حتي يحصلوا على حقوقهم!
الشيخ أحمد الطيب، عهدنا فيك روح السماحة والمحبة والإعتدال في الفكر، ولكن تَحفُظاتك على تعديل المادة الثالثة كان لها تأثير سلبي في نفوسنا ونفوس مَنْ لم يندرِجوا تحت عَبَدة الديانات الإبراهيمية.
هل هذا يَصِحْ يا راجل يا طيب؟ رُبما ألتمِسْ لك العُذر وخُصوصاً أن موقفك حساس لمركزك الديني في رياسة الأزهر الشريف، ولكن عندما يُطلَب الحق مِنْ رجل الدين فلا يجب مُراعاة المراكز أو العواطف أوالمشاعر!
في ختام حديثي أقول للعقول المفكرة وأصحاب الديانات الثلاثة، مالذي سيُضيركُم إذا سمحتم للذين لا يؤمنون بما تؤمنون في أن يعبدوا ما يعبدون؟ لماذا التعصُب الفكري والديني؟ هل ذلك خوفاً على مُعتقداتكم؟ إذا كان هناك خوفاً فمعني ذلك أن عقائِدكُم لا تستند علي أساس صلب!
من فضلكم تذكروا دائماً أن إحترام عقائد الآخرين لا يعني الإيمان بها، وأن هُناك فرقاً كبيراً جداً بين الإحترام والأيمان!
برجاء مُراجعة أنفُسكم قبل أن تظلِموا قوماً ليسوا بظالمين بل أنتُم الظالمين لإن الله لا يُحب الظالمين.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com