بقلم: مؤمن سلام
خرج علينا أحد الأشخاص متقمصا دور المفكر المستنير معلنا رفضه للتطرف العلماني تماما كما يرفض التطرف الديني، مدللا على التطرف العلماني بالمطالبات بوضع عبارة مصر دولة مدنية والمطالبة بتعديل المادة الثالثة وليطالب هو بمرجعية دينية "وسطية" للدولة ومشددا على المرجعية الأزهرية.
وهنا يكون السؤال هل يوجد علمانية متطرفة؟
يرتبط التطرف بالأساس في اعتقاد الإنسان أنه يملك الحقيقة المطلقة وان كل من يخالف رأيه هو كافر أو جاهل أو منافق أو خائن يستحق القتل أو السجن أو النفي. المتطرف لا يرى إلا رائيه ويعتقد في حتمية أن يتبع الآخرون هذا الرأي حتى يفوزوا في الآخرة أو في الدنيا أوفى الدنيا والآخرة معا. المتطرف لا يسمع ولا يرى إلا ما يوافق أرائه وأفكاره وغالبا ما يتبع شخصيات بعينها يضع حولها هالة من القداسة، يعتقد أنها لا تخطأ فيما تقول أو تفعل.
حقيقة لا أدرى كيف يمكن لشخص بهذه المواصفات أن يكون علمانيا، حتى يصبح لدينا تطرف علماني؟ فالشخص العلماني هو بالضرورة يؤمن بنسبية الآراء والأفكار وبالتالي فهو يعرف ويوقن أنه لا يملك الحقيقة المطلقة فكيف يمكن أن يتعصب ويتطرف في أفكاره، بل ويحاول أن يجبر الآخرين عليها؟ كما انه لا يقدس أي شخص ولا يعطى العصمة الفكرية لأي إنسان. هذا من الناحية الفلسفية.
أما من الناحية السياسية والدستورية فلا أدرى كيف يمكن أن نطلق على شخص انه علماني متطرف لأنه يصر على أن تكون الدولة محايدة بين كل الأديان ولا تقدم دين على دين أو طائفة على طائفة، ويصر على أن يكون الدين لله والوطن للجميع، ويصر على أن يخضع كل المواطنين لنفس القانون، ويصر على بشرية المرجعية السياسية وان لا يحدثنا الحاكم أو اى شخص باسم الله، ويصر على نكون دولة قانون وليس دولة فقهاء. لا أدرى كيف يمكن أن نطلق على شخص يدعوا إلى المساواة بين جميع المواطنين بغض النظر عن الدين أو اللون أو الجنس بأنه متطرف؟
مثل هذا الكاتب هو نموذج لجيل تم تجريف عقلة فى نظام تعليمي متخلف على مدار أربعين سنة، وتم غسل مخه عن طريق شيوخ التطرف الذين احتلوا المساجد والفضائيات في غياب من الأزهر الذي يطلب بمرجعيته. لهذا نقول ونكرر أن الطريق إلى الدولة الديمقراطية الحديثة يبدأ بالثورة الثقافية والمعرفية التى يشارك فيها كل قطاعات الدولة والمجتمع المدني وضرورة إدخال التربية السياسية إلى مدارسنا، حتى لا تخرج إلينا مثل هذه النماذج المشوهة فكريا وتتصدر المشهد السياسي لتزيده فسادا على فساد.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com