يخشى الكثيرون أن يتحول الخوف من إساءة استخدام سلطات الرئيس التى ذقنا مرارتها إلى مرض فيتحول الرئيس فى الدستور المقبل إلى مجرد تشريفاتى يستقبل الملوك والرؤساء فى المطار!
ونحن فى المرحلة القادمة نحتاج رئيساً قوياً غير منزوع الدسم، وتعليقاً على هذه المشكلة فى الدستور الجديد أرسل لى د.يحيى طراف هذه الرسالة:
يقول المصرى الفصيح «المركب اللى فيها ريسين تغرق»، لكن يبدو أن لجنة نظام الحكم ليست على فصاحة المصرى، إذ جعلت السلطة التنفيذية فى الدستور قسمةً بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء. فى مرحلتنا هذه لا يصلحنا إلا النظام الرئاسى الذى أخذنا به عقوداً، حيث الرئيس هو الذى يشكل الحكومة، ويُسألان معاً أمام البرلمان؛ ويمكن بعد ذلك أن ننتقل للنظام البرلمانى لو أثبتت الأحزاب (السياسية) وجوداً حقيقياً فى الشارع. لكن المركب لا بد أن يكون لها «ريس واحد»، سواء كان رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء. أما الدفع بأن هذه الازدواجية هى الضمان لعدم تكرار الاستبداد، فهو أشبه بحظر تسيير السيارات كضمان لعدم تكرار الحوادث. كما أن استبداد الرؤساء قبلاً لم يكن لعيب فى نظام الحكم كما نصت عليه الدساتير ودستور ٧١، وإنما لعيوب فى الرجال الذين أنيطت بهم حماية الديمقراطية والدستور، فتقاعسوا.
بل إن لجنة نظام الحكم التى تفاخر بأنها أتت بنصوص جديدة لم يستطعها الأوائل، اعتمدت نفس خطوات تكليف رئيس الحكومة كما كانت فى الدستور الإخوانى، لكن مع تعديل فى ترتيبها وذلك فى المادة المعنية (١٢١)، وهى خطوات من شأنها أن تطيل من أمد تكليف الحكومة إلى أربعة شهور، وقد يحول دون ذلك البرلمان، وهو ما من شأنه أن يورث البلاد عدم استقرار، هى بالتأكيد فى غنى عنه اليوم.
تخيلوا معى هذا الموقف الافتراضى الذى هو من وحى الدستور الجديد.. أقسم رئيس الجمهورية اليمين الدستورية، ثم شرع فى تكليف الحكومة التى لا يستطيع ممارسة الحكم دستورياً إلا فى وجودها. فاختار شخصاً من حزب الأكثرية البرلمانية وكلفه بتشكيل الحكومة كما نصت المادة ١٢١ فتولى هذا ثلاثين يوماً، فشكل حكومته ثم أتى، فلم تحز ثقة البرلمان. فترك رئيس الجمهورية لأعضاء البرلمان حرية اختيار رئيس للحكومة، ثم كلفه بتشكيلها. فتولى هذا ثلاثين يوماً أخرى ثم عاد بحكومة، لكن لم تحصل كذلك على ثقة الأعضاء، فيعيد الرئيس الكرة مع البرلمان بنفس الطريقة، تنتهى فى نهاية الثلاثين يوماً الثالثة برفض البرلمان لها أيضاً.
هنالك يصير من حق الرئيس أن يكلف شخصاً من اختياره بتشكيل الحكومة، وعلى البرلمان أن يوافق عليها خلال ثلاثين يوماً وإلا اعتبر منحلاً. فلو وافق عليها، فإن تشكيل الحكومة يكون قد استغرق أربعة أشهر من عمر الأمة، بعد موافقة برلمانية تمت فى النهاية تحت سيف الحل المسلط، ليست بالضرورة عن اقتناع بها. أما إذا قرر البرلمان تفجير نفسه ورفض حكومة السيد رئيس الجمهورية، عندئذ يُعتبر منحلاً، وتدخل البلاد فى دوامة انتخابات برلمانية جديدة، يعقبها تكرار خطوات تكليف الحكومة، التى قد تنتهى أيضاً بعد شهور أربع أخرى بلا حكومة ولا برلمان!!
د / خالد منتصر
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com