الصراع المؤلم الدائر في مصر اليوم ليس وليد اللحظة، ولا وليد المشكلة السياسية التي أدت إلي عزل محمد مرسى، بل هو صراع وليد فكرة ترسخت في أذهان جماعة الإخوان منذ سنوات طويلة، فكرة ظهرت ضد المبادئ التي قامت عليها الحياة السياسية في مصر والقائمة علي احترام حقوق الإنسان والمساواة بين أبناء الوطن علي اختلاف أديانهم ومعتقداتهم..
تلك الجماعة ضربت عرض الحائط بتلك القيم واعتبرت انتهاك حقوق مواطنين مصريين يخالفونهم، تقرباً إلي الله، بل ويكفرون بمفهوم حقوق الإنسان، لذا نجدهم يتقربون إلي الله باستغلال الاعتداء علي مخالفيهم حتي لو أدى هذا الاعتداء إلى القتل كما حدث في كنيسة الوراق!
فى البداية يجب أن نشير إلي أن جماعة الإخوان يعتقدون أن معهم الحق وأن الله ناصرهم تأييداً لهذا الحق، وأنهم حتي لو أخطأوا فتسببوا بخطئهم هذا في قتل وخراب، فإن الله سيكافئهم علي اجتهادهم، لذا نجدهم يعتقدون بمبدأ «قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار».
وإذا عدنا إلى الوراء بحثاً عن تاريخ الفتنة الطائفية في مصر، سنجد أن حادثة حرق كنيسة «الخانكة» بالقليوبية عام 1972 في عصر الرئيس الراحل السادات كانت من الشرارات الأولى، ثم توالت أحداث الفتنة ووصلت لمرحلة التهديد بالخطر في أحداث الزاوية الحمراء بالقاهرة في 1981 في أعقاب زيارة السادات للقدس المحتلة، وتوقيعه لكامب ديفيد وتعددت مواقع الصدام واتسعت وعكست نمواً ملحوظاً لنشاط الجماعات المتطرفة وزيادة واضحة فى وتيرة استحلال أموال المسيحيين وممتلكاتهم، فتم السطو علي محلات الذهب وغيره، وصاحب ذلك سقوط قتلى وجرحى مثل الذي حدث في قرية «الكشح» بالصعيد. واستفحل الأمر منذ أن أصبح ملف الفتنة ملفاً أمنياً، يختص به جهاز أمن الدولة، وقد واكبت أحداث «الخانكة» بروز «محمد عثمان إسماعيل» أحد مساعدى السادات، والذي كان علي اتصال بالمرشد العام الثالث للإخوان المسلمين الشيخ «عمر المسلمانى» حيث طلب من «التلمسانى» دفع الإخوان للتصدى للمعارضة، وكانت وقتها ترفع شعار الحرب ضد الدولة الصهيونية، وإزالة آثار العدوان، إلا أن الشيخ «التلمسانى» رفض قبول المهمة.. فما كان من «محمد عثمان إسماعيل» إلا أن أخذ المهمة علي عاتقه، وتبني فكرة إنشاء جماعات إسلامية في الجامعات ووفر لها التمويل والتدريب والتسليح، بالجنازير والسنج والأسلحة البيضاء واللكمات الحديدية وأطلقها علي الطلبة المعارضين، وقد عقد الاجتماع الأول للترويج لهذه الفكرة في مقر اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى العربي بالقاهرة في بدايات 1972.
يقول مختار نوح، عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان، يجب أن نعترف أن الإخوان حتي عام 2011 لم يكن مطروحاً لديها الإعلان حول منهج المواطنة، إلا أنه قد حدث بعض الأخطاء قبل عام 2011 عندما صرح مصطفى مشهور -مرشد الإخوان- في تصريح له قلل من حق المسيحيين في الوطن، وقد قام بعض المحامين المسيحيين دعوى عليه أمام محكمة الجنح، وذلك لقوله: «إنه لا يصح للمسيحيين أن يخدموا في الجيش لأننا لا نثق في ولائهم، وبالتالى فهم يدفعون الجزية»، وكانت هذه نظرة غير موفقة منه ولكننا نجحنا آنذاك في احتواء الموقف وتقديم للمسيحيين ما يرضيهم من اعتذارات مع التنبيه علي مصطفي مشهور عدم تكرار مثل هذه التصريحات مستقبلاً لأنها لا تعبر عن عقيدة الإخوان من ناحية، ولأنها ذات خطر اجتماعي من ناحية أخرى، لكن مصطفي مشهور لم يعلق حينئذ، وبالتالى ظلت عقيدة الإخوان تجاه المسيحيين غامضة لا يعبر عنها أحد.
وفي السبعينات جاء شيخ الخطيب وصرح في مجلة الدعوة بفتوي عدم جواز بناء الكنائس إلا أن «عمر التلمسانى» -المرشد العام- نهاه عن ذلك وأكد له أنها فتوي خاطئة وأنها اجتهاد شخصي منه، فالدين الذي يتبني العدالة لا يمكن أن يحرم ويجرم العبادة.
أما الجماعة الإسلامية، فقد لجأت إلي أسلوب مواجهة المسيحيين بصورة فقهية، فقد اعتبروا أن المسيحيين مقاتلون ومحاربون وقد ساعدهم علي ذلك وثيقة مزيفة تستند إلي البابا شنودة في اجتماع وهمي نشره الشيخ الغزالى في كتابه «قذائف الحق» وانتشر هذا الكتاب انتشاراً واسعاً علماً أن الجماعة الإسلامية لم تكن تمانع في حرق الكنائس وخطف المسيحيين، وكانوا يستخدمون هذه كوسيلة للضغط على نظام مبارك.
أما جماعة الجهاد، فهذه لم يكن لديها اعتقاد عام ولكن يعتقد بعض أفرادها في وجوب حرق الكنائس، ثم بعد 25 يناير ظهرت كل هذه الفوضى الفقهية بصورة واضحة وبعد أن وحدت ثورة 25 يناير بين المسلمين والمسيحيين، بدأت تطهر الفتاوي الساذجة والمخالفة للدين وظهرت جميع التيارات التي تسمي نفسها بالإسلامية بصورة غير مرضية وانضمت إليهم بعض مشايخ السلفيين إلا أن جاء حكم مرسي وزاد من تعميق الخلاف، وعجز البرلمان من أن يقدم نموذجاً واحداً يبين مفهوم «المواطنة» ثم انتقلت الكرة في النهاية إلي السلفية الجهادية وهي تستحل أي شيء في سبيل إعلاء ما يرونه أنه هو الإسلام، علماً أن شيوخهم أقل الأفراد علماً وأجرأهم علي الخوض في الدين، ولذلك فإن من يقومون بإفساد العلاقة بين الحكومة والمسيحيين هم من ينتمون إلي تنظيم القاعدة ولكن الغريب أن العلاقة توطدت بين مسلمين ومسيحيين في ظل وجود عدو مشترك وهو الذي يقوم بتكفير الناس وتجرأ علي الأحكام الفقهية لأنه أصبح يمثل خطورة علي كلا من المسلمين والمسيحيين.
يقول اللواء فاروق حمدان، مساعد وزير الداخلية السابق، إن التاريخ الدموى لجماعة الإخوان بدأ منذ عهد الرئيس الراحل السادات، حيث تم الاعتداء علي الكنائس في أحداث الزاوية الحمراء، وذلك نتيجة مشاجرة وقعت بين بعض المسيحيين والمسلمين ويجب الإشارة إلي أنه لابد من موافقة رئيس الجمهورية من أجل بناء كنيسة، علماً بأن معظم الكنائس القديمة تحتاج لإعادة ترميم وهذا الأمر لابد له أيضاً من مواقف رئيس الجمهورية، وربما كان هذا هو سبب شعور بعض المسيحيين أن هناك بعض القيود المفروضة عليهم والتي تحول دون ممارسة شعائرهم، خاصة أن الكنائس الموجودة بالفعل صارت لا تفي باحتياجاتهم نظراً لزيادة عدد السكان.
وأضاف اللواء حمدان: قد تولد الفتنة الطائفية عندما ترتبط إحدي الفتيات المسيحيات بقصة حب مع شاب مسلم وقد تهرب معه للزواج، وهنا نجد اعتقاداً خاطئاً من أسرهم بأنه قد تم اختطاف الفتاة وتشتعل الفتنة، وإذا نظرنا إلي أيام حكم الرئيس مرسي، ستجد أنه قد تم خلاله الاعتداء على الكاتدرائية عقب مشاجرات حدثت بين بعض المسيحيين والمسلمين بمحافظة القليوبية، مما أسفر عن سقوط بعض الضحايا وهذا الأمر لم يحدث من قبل علي مدار تاريخ مصر، كذلك بعد 30 يونية، تم حرق عدة كنائس في عدة محافظات كالمنيا والفيوم وأسيوط، ولا شك أن المسلمين الوسطيين لا يمكن أن يقوموا بمثل هذه الأعمال، بل يقوم بها فقط جماعة الإخوان والمتشددون من أجل إثارة البلبلة وإثبات أنهم مازالوا متواجدين في الساحة.
ويطالب اللواء حمدان بضرورة وضع خطة أمنية لحراسة دور العبادة مع تسليح أفراد الحراسة بالأسلحة المناسبة لمواجهة تلك الأعمال الإرهابية، مضيفاً أن الداخلية يجب أن تمنع استخدام الدراجات البخارية لأكثر من شخص لمنع استخدام تلك الدراجات من المتطرفين والبلطجية الذين يتم استئجارهم للقيام بأعمال إرهابية، كما حدث في حادث كنيسة الوراق مع التأكد من أن تلك الدراجات تم ترخيصها.
يقول الشيخ شوقي عبداللطيف، نائب وزير الأوقاف سابقاً، يجب أن نشير إلي أن الإسلام ينظر للنفس البشرية علي أنها يجب الحفاظ عليها دون النظر إلي لونها أو عقيدتها في قوله تعالى: «إنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً». كما يتضح أن الدين الإسلامي يفرض القصاص من القاتل، ولو كان مسلماً لنفس غير مسلمة في قوله تعالى: «وكتبنا عليهم أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص، مما يعني أن الإسلام حرم إراقة الدماء علي الإطلاق، ويكفي قول الرسول عليه الصلاة والسلام: «من آذى ذمياً فقد آذانى ومن آذانى فقد آذى الله»، بل إن الصحيفة التي كانت معلقة في المدينة كانت تنص علي الأمن والأمان والسلم والسلام لأهل الأديان الأخري، كما فرضت عليهم ما للمسلمين وما عليهم أيضاً نفس الحقوق والواجبات وإذا نظرنا إلي التاريخ الإسلامي، سنجد أن الصحابة كانوا يفرضون المعاشات لأهل الأديان الأخرى كي يعيش آمن، وقد وجد سيدنا عمر بن الخطاب ذات مرة رجلاً يهودياً كبيراً في السن يتسول فسأله: ما ألجأك إلى هذا؟ فأجاب: الشيخوخة والحاجة، فأمر «عُمر»، خازن بيت المال بأن يخصص له راتباً من بيت المال له ولأمثاله.. هذه هي أخلاق الإسلام.
كما أنه في عهد عمرو بن العاص أخذ النصارى حقوقهم كاملة، ومما يلفت النظر هو قيام النصارى بدعم المسلمين ضد الرومان. أما ما يحدث الآن فهو إساءة إلي الإسلام، فمن يستحل دماء غير المسلمين بغير حق، هو مجرم وآثم، يسيء للإسلام والمسلمين جميعاً.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com